شعر العراقيون بالارتياح لما أعلنه رئيس الوزراء العراقى الجديد السيد إياد العلاوى من التوصل إلى إتفاق يوم الاثنين الماضى (٧/ ٦ / ٢۰۰٤) بحل الميليشيات المسلحه لتسع حركات سياسيه عراقيه ومن بين تلك الحركات: الحزب الديموقراطى الكردستانى والاتحاد الوطنى الكردستانى والحزب العراقى الاسلامى والمجلس الأعلى للثوره الاسلاميه وحركة الوفاق الوطنى التى يترأسها علاوى نفسه وأنه قد تقرر دمج تلك القوات فى الجيش العراقى والأجهزه الأمنيه والأجهزه المدنيه للدوله لما يشكله وجود تلك المليشيات من تهديد لوحدة البلاد وأمن المواطنيين وإنتقاص للسلطه الموحده للبلاد وبالرغم من إعلان السيد علاوى أن إجتماعا قد تم بهذا الخصوص حضرته الأطراف المعنيه فى بغداد أسفر عن هذا الاتفاق إلا أن متحدثا باسم قوات البشمركه صرح لوسائل الاعلام بأن قيادة البشمركه لاعلم لها بمثل هذا الاتفاق مما عده المراقبون عدم رضاء كردى عن الاتفاق بحل تلك الميليشيات وبعد عدة أيام فوجىء العراقيون بالسيد إياد العلاوى يتراجع جزئيا عن إعلانه معلنا إستثناء البشمركه من قرار الحل مما عده المراقبون إنتكاسه كبيره على طريق عودة السياده للدوله ووحدة القوات المسلحه و تهديدا صارخا لوحدة العراق ويرى المراقبون بأن هذا الاجراء يجرى فى إطار ترضية الأكراد الغاضبين بسبب عدم الاشاره لقانون إدارة الدوله المؤقت فى قرار مجلس الأمن الأخير بشأن نقل السلطه للعراقيين إذ أن ذلك القانون كان قد أعطى للأكراد وضعا أفضل من جميع القوميات العراقيه الأخرى.
والغريب فى الأمر أن السيد علاوى برر إستثناء البشمركه من قرار الحل بالدور البارز الذى لعبته البشمركه فى مقاومة نظام البعث وهو التبرير الذى لايتسم بالمنطقيه والاقناعيه ناهيك عن تصغيره للدور الذى لعبته بقية القوى السياسيه الفاعله على الساحه العراقيه إذ لايعقل أن تكون البشمركه هى صاحبة الدور الأوحد فى إسقاط البعث وأن بقية القوى السياسيه التى ذاقت الأمرين ودفعت ثمنا باهظا من دمائها وحريتها لم تلعب ذات الدور ومن ثم ينبغى حل مليشياتها.
كما أن الاشاده بالدور الذى قامت به البشمركه فى إسقاط البعث يتناقض والحقائق التاريخيه الثابته والمعروفه لكافة العراقيين من إستخدام البعث فى مراحل تاريخيه مختلفه للبشمركه كأداه للبطش والقمع ليس فقط للأكراد بل ولكافة أطياف الشعب العراقى وهو الدور الذى لعبته البشمركه لحساب أطراف عديده غير وطنيه ( إقليميه ودوليه) ؛ إن تصريحات السيد علاوى تدعونا لالقاء بصيص من الضوء على تاريخ البشمركه الحالك السواد .
نشأة البشمركه والارتباط بالشيوعيه الدوليه:
من الحقائق التاريخيه الثابته أن قوات البشمركه نشأت فى بادىء الأمر فى صورة عصابات صغيرة العدد مجموعه منها هربت إلى الاتحاد السوفيتى فى ۱٧/٦/۱٩٤٧ صحبة الملا مصطفى البرزانى عقب هزيمة الحركه البرزانيه الثالثه وعددهم ٨۰۰ مقاتل وقد عبروا نهر آراس سباحة الى الأراضى السوفيتيه حيث لقنوا فنون القتال ومبادىء الشيوعيه وأطلق على زعيمهم الملا مصطفى البرزانى لقب الملا الأحمر ولم يعد هؤلاء الى العراق إلا بعد إنقلاب ١٤ يوليو / تموز ١٩٥٨ حيث عاد الملا الأحمر إلى العراق فى ٧ /٤/١٩٥٩ على متن الباخره الروسيه (غروزيا ) صحبة ٨٥٥ بشمركى كردى مسلحين تسليحا كاملا وكان يرافق الباخره ثلاث بواخر أخرى هى : متشنكوف ؛ ونيكولاى يبجروف ؛ وجاقان وهى محمله بالاسلحه والذخيره . ومجموعات أخرى تكونت فى شمال العراق وفرضت سطوتها وإرهابها على المواطنين وتحالفت مع نظام قاسم حيث قامت تلك القوات بارتكاب مذبحة مروعه ضد أهالى الموصل من العرب فى ٨ مارس ١٩٥٩ تم فيها قتل عبد الوهاب الشواف على يد أحد البشمركه الأكراد وبعد ذلك بقليل إرتكبت تلك التنظيمات الكرديه الارهابيه مذبحه مروعه ضد التركمان العزل فى كركوك بتاريخ ١٤ يوليو / تموز جرى خلالها قتل وسحل الضحايا وتعليق جثثهم على الأشجار لمدة ثلاثه أيام فى بربريه لم تشهد لها البشريه مثيلا . وظلت البشمركه تتلقى الدعم الشيوعى وتعمل على إثارة القلاقل فى المنطقه لحساب الشيوعيه الدوليه حتى قيام حكومة البعث فى ١٧ يوليو ١٩٦٨ وإتجاه تلك الحكومه الى التحالف مع المعسكر الاشتراكى حينها أخذت البشمركه فى تغيير ولائها تجاه الولايات المتحده الأمريكيه والمعسكر الغربى ووصل الأمر بالبشمركه فى نوفمبر ۱٩٧٣ إلى حد إرتكاب مجازر مروعه بحق رفاق السلاح من الشيوعيين المنضمين إلى بشمركة الحزب الديمقراطى الكردستانى وتم طرد الوحدات الشيوعيه خارج منطقة " دربندى خان " وهو الأمر الذى تسبب فى قيام حمله واسعه من الحركات والأحزاب الشيوعيه على مستوى العالم ضد بشمركة الحزب الديموقراطى الكردستانى الذين غدروا برفقاء السلاح الشيوعيين.
البشمركه والعمل لحساب إسرائيل:
لانضيف جديدا إلى علم القارىء عندما نتحدث عن علاقات الزعامات القبليه الكرديه بدولة العصابات الصهيونيه ومن ثم توظيف جهود البشمركه لخدمة الأهداف الصهيونيه فى العراق.
ففى مايو ۱٩٦٦ تعاونت بشمركة البرزانى مع ضباط صهاينه فى إيقاع هزيمه بالجيش العراقى عند جبل هندارين وساعدت البشمركه فى العام نفسه طيارا عراقيا على الهروب بطائرته الميج الى إسرائيل وفى سبتمبر من نفس العام زار الملا البرزانى إسرائيل وطلب تزويد البشمركه بمدافع مورتار تم إستخدامها لاحقا فى تخريب وتدمير معامل النفط العراقى فى كركوك وخلال أعوام الستينات قدمت إسرائيل وعبر إيران أسلحه متطوره لبشمركة العراق خصوصا الأسلحه المضاده للدبابات والطائرات وقام خبراء صهاينه بتدريب البشمركه فى شمال العراق كما تلقى مقاتلوا البشمركه تدريبات عسكريه فى إسرائيل.
البشمركه والعمل لحساب البريطانيين:-
سعى البريطانيين ومن خلال البشمركه إلى إحداث فوضى أمنيه داخل العراق بهدف إضعاف موقف الحكومه العراقيه فى أى مفاوضات مع شركة نفط العراق حيث تسبب الضغط الكردى فى إجبار حكومة عبد الكريم قاسم على إعطاء المزيد من التنازلات على حساب المصلحه الوطنيه وقد إتهم قاسم فى مؤتمر صحفى عقده فى مبنى وزارة الدفاع بتاريخ ٢٣ أغسطس ۱٩٦۱ الشركات النفطيه الاحتكاريه بتحريض الأكراد على التمرد وقال بالحرف الواحد ( لقد صرفت السفاره البريطانيه مايقرب من نصف مليون دينار على هذه الأعمال الخبيثه ) وقد إعترف السفير البريطانى فى بغداد همفرى تريفليان بأنه جال فى شمال العراق إلا أنه أنكر تقديمه لأى دعم
البشمركه والعماله لايران:-
سعت إيران ومنذ أعوام الستينات إلى إستخدام الورقه الكرديه كوسيله لاحكام سيطرتها على منطقة الخليج ولعب دور الشرطى فى المنطقه وقد وضح من أحداث ثورة ۱٩٦۱ مدى قدرة الأسلحه المتطوره والحديثه التى زودت بها إيران قوات البشمركه على زعزعة الوضع الداخلى فى العراق وبما يحقق مصالح إيران وفى مرحلة حكم الأخوين عارف إنتشرت معسكرات تدريب البشمركه سواء فى إيران أو فى شمال العراق وتدفق الخبراء الايرانيون ومعهم أحدث الأسلحه كالمدافع المضاده للطائرات وغيرها وقاموا بتدريب البشمركه على خوض المعارك وزعزعة الاستقرار فى شمال العراق وقد إستغلت إيران الخلاف الحدودى مع العراق حول شط العرب وتعاونت مع البشمركه لاضعاف موقف الحكومه العراقيه وبحلول أغسطس ۱٩٧٤ صعدت البشمركه إعتداءتها بصوره غير مسبوقه الأمر الذى دفع بالحكومه العراقيه إلى التنازل عن الأراضى العراقيه فى شط العرب
البشمركه فى خدمة البعث:-
إن تصريحات السيد إياد العلوى بشأن دور البشمركه فى إسقاط حكومة البعث ينبغى ان توضع فى إطارها الصحيح إذ ان البشمركه لم تنجو من زلة التعاون مع البعث وتأديتها ماطلب منها على اكمل وجه وهناك العديد من الأمثله على تعاون البشمركه مع البعث أكتفى هنا بسوق بعضها، ففى أعوام ١٩٨٣ /۱٩٨٤ طلبت حكومة البعث من جلال الطالبانى تصفية القيادات الحزبيه العراقيه والكرديه المعارضه مثل : الحزب الديموقراطى الكردستانى بقيادة مسعود البرزانى ، والحزب الاشتراكى الكردستانى بقيادة الدكتور محمود عثمان والجيش الاسلامى الكردستانى بقيادة عباس الشبكى والحزب الشيوعى العراقى بقيادة عزيز محمد وقد قام الطالبانى بهذا العمل خير قيام وتمت تصفية هذه الأحزاب وقتل العشرات من اعضائها ونذكر فى هذا السياق مجزرة بشت آشان (منطقه فى جبل قنديل ) . كما أن تعاون مسعود البرزانى عام ۱٩٩٦ مع حكومة البعث وسماحه لقوات صدام بدخول أربيل والقبض على معارضى النظام غير خافيه على احد.
.
البشمركه وقتال الاخوه ، القتال الكردى الكردى
البشمركه مرتزقه محترفون وقتله لايعرفون العواطف يمارسون القتل والحرق والتدمير بلا رحمه أو شفقه يقتلون العرب والتركمان والاشوريين وألعجيب أن أغلب ضحاياهم من الأكراد والحركه البرزانيه ومنذ بدايتها تعتمد القتل والارهاب لفرض النفوذ على البسطاء من الأكراد وخلال أعوام الستينات خاض الملا البرزانى معارك بطوليه مباركه ضد بنى جلدته من الأكراد الريكانيون والزيباريون والبرواريون سقط خلالها آلاف الضحايا وفى أوائل سبتمبر ١٩٧٩ أطلق الأبطال من بشمركة البارتى البارزانى النار على مظاهره لمواطنين أكراد فى ناحية شنو يحتجون على عمالة الحزب لايران مما ادى الى مقتل سبعة مواطنين وإصابة أحد عشر آخرين بجراح وقد تحولت شنو بفضل بطولات البشمركه إلى مأتم لأيام عديده ، كما قاد بشمركة العراق عام ١٩٨٢ الباسداران الايرانى للهجوم على الأكراد الايرانيين ، وقد أبرزت الحرب العراقيه الايرانيه (١٩٨۰ /١٩٨٨) الخلافات الكرديه الكرديه حيث تحالف مسعود البرزانى مع إيران فى حين وقف جلال طالبانى إلى جانب حكومة البعث وقد أدى ذلك إلى نشوب حروب ومجازر كرديه / كرديه.
وعندما تحول ولاء جلال طالبانى من البعث إلى إيران تولى أمر تصفية بعض زعماء واعضاء الأحزاب الكرديه الايرانيه من الديموقراطى والكومله وتحول إلى دليل يقود الايرانيين إلى الأراضى العراقيه وكلنا نعلم أن قيام جلال الطالبانى بقيادة الايرانيين إلى منطقة حلبجه ونسف جسر ( برده كون ) الواقع على نهر (أحمد أواه ) بهدف قطع الطريق على القوات العراقيه هو الذى تسبب فى رد حكومة البعث بالصوره البشعه التى جرت فى حلبجه فى
۱٦/ ٣ / ۱٩٨٨. كما أن بشمركة الطالبانى وعمالتها لايران هى السبب فى حدوث مايسمى بحملة الأنفال.
وقد تسبب الصراع الكردى / الكردى عام ١٩٩٦ حول الجهه صاحبة الحق فى تلقى أموال برنامج " النفط مقابل الغذاء " وتحصيل رسوم الجمارك وبسط مناطق النفوذ وما تلى ذلك من سماح مسعود البرزانى لقوات صدام بدخول مدينة إربيل للقبض على معارضى النظام ومساعدة مسعود فى التغلب على جلال الطالبانى وطرده من إربيل فى موت خمسه وعشرين ألف مواطن كردى ونزوح ٧٥ ألف كردى إلى إيران، وأثناء الغزو الأنجلو أمريكى للعراق ( ٢۰۰٣) قدم جلال الطالبانى معلومات لوجستيه عن جماعات إسلاميه كرديه للولايات المتحده الأمريكيه وربط بوثائق مزيفه بين هذه الجماعات وتنظيم القاعده مما تسبب فى قيام الولايات المتحده بتوجيه ضربات موجعه لتلك الجماعات ومنها الجماعه الاسلاميه فى خورمال وأنصار الاسلام فى بياره وطويله كما خطط جلال الطالبانى لاغتيال الشيخ عبدالله قسرى عضو الجماعه الاسلاميه لكردستان العراق والذى أغتيل مع أربعه من أفراد حمايته فى مفرق طاسلوجه.
إن جرائم قوات البشمركه لاتقع تحت حصر فهى متعدده ومتنوعه فهم مع الجميع وضد الجميع وأحيانا ضد النفس وقد صور الملا مصطفى البرزانى سلوك البشمركه و فلسفته فى الحياه : بشحاذ أعمى يجلس أمام جامع فى السليمانيه لاينظر لمن يعطيه الاحسان " فتلك باختصار هى فلسفة البشمركه المرتزقه التى تبيع الولاء لمن يدفع اكثر ووجود هذه القوات دون أن تسرح أو تحل يشكل خطرا على العراق وشعب العراق.