الحلقه الأولى : أحداث المجزره
لم يكن التركمان العزل الذين يستعدون مع بقية أطياف الشعب العراقى للاحتفال بالذكرى الأولى لقيام الجمهوريه يوم ۱٤ يوليو / تموز ۱٩٥٩م يعلمون أن القدر يخبىء لهم فى ذلك اليوم مجزره دمويه لم يشهد العراق المعاصر لها مثيلا فى بربريتها وبشاعة الطرق التى إستخدمها الجناه فى إزهاق أرواح الضحايا حيث جرى ربط بعضهم بالسيارات و سحلهم حتى الموت كما جرى ربط أرجل بعضهم بالحبال وشدها بواسطة سيارتين فى إتجاهين مختلفين وبعد ذلك جرى تعليقهم على الأشجار وأعمدة الاناره ومنع ذويهم من دفنهم لمدة ثلاثة أيام رغم شدة الحر فى يوليو /تموز . . لقد عبرت طرق القتل والفتك بالضحايا وسحلهم وهم أحياء وتعليق الجثث على الأشجار عن مدى همجية وبربرية القتله ومدى مايحملونه من حقد لفئه من أخلص فئات الشعب العراقى وأكثرها وطنيه وهم تركمان العراق الذين ماسعوا أبدا لشق الصف أو إثارة القلاقل أو خيانة الوطن فى أى مرحله من مراحل التاريخ القديم أو الوسيط أو المعاصر للعراق. ورغم عدم إيمان التركمان بالشيوعيه ورغم إحساسهم بالضيق من تصرفات بعض الشيفونيين الأكراد إلا أنهم لم يسعوا لاظهار أى معارضه لحكومة عبد الكريم قاسم ذات التوجهات الشيوعيه والمتحالفه مع القوميين الأكراد ذوى الأفكار التعصبيه.
لقد كانت أجواء مدينة كركوك مشحونه بالتوتر ومع ذلك حاول التركمان جاهدين تفويت الفرصه على مثيرى القلاقل والفتن وأخذوا يستعدون للاحتفال بذكرى تأسيس الجمهوريه وقاموا بتنظيم مواكب الاحتفالات ونصبوا الأقواس بعدد يزيد على مائه وثلاثين قوسا مزدانه بالأعلام العراقيه وحاولوا تجنب الاستفزازات التى شرعت المنظمات الشعبيه والمقاومه والجبهه الوطنيه فى توجيهها اليهم حيث شرعت المنظمات المذكوره فى حمل العلم السوفيتى هاتفين (جبهه جبهه وطنيه صداقه سوفيتيه عراقيه) (لتسقط التركمانيه) (جبهه جبهه وطنيه لاإنحراف ولا رجعيه) و(لتسقط الطورانيه) وقد قابل التركمان تلك الحركات الصبيانيه بهدوء وضبط للنفس ولم يهتفوا إلا بالهتافات الوطنيه البعيده عن الاساءه للأخرين كقولهم (ماكو زعيم الا كريم) وفى مساء ۱٤ يوليو تموز أخذ موكب التركمان مساره المرسوم سلفا داخل شوارع مدينة كركوك وعند وصول الموكب إلى أول شارع أطلس فى المنطقه الواقعه بين مدرسة المتوسطه الغربيه ومقهى ۱٤ تموز إنطلقت رصاصه مجهوله أعقبها عيارات ناريه من اسلحه اوتوماتيكيه مما تسبب فى حدوث هرج شديد ويبدو أن عصبة المتآمرين كانت قد أخذت إشارة البدء فى الاعتداء على التركمان العزل فخرجت من بين الصفوف شاهره الهروات والعصى والأسلحه الحاده والناريه وانهالت ضربا على المواطنين فمات من مات واصيب من أصيب فى حين فر الآخرون الى البيوت لأنهم لم يكونوا يحملون ثمة سلاح يدافعون به عن انفسهم وبعد ذلك قامت عصبة البغاه بالهجوم على أقواس النصر المعده بمعرفة التركمان وقاموا بتحطيمها وأشعلوا فيها النيران رغم أنها كانت مزدانه بالأعلام العراقيه وفى أقل من ربع الساعه تحولت كركوك الجميله إلى ساحة قتال لايرى فيها غير الحرائق وألسنة اللهب وقد ترك الجناه ألسنة اللهب تأكل الأخضر واليابس وتوجهوا صوب مقهى ۱٤ تموز وأمسكوا بصاحبه الشهيد عثمان خضر وشدوا وثاقه بالحبال وسحبوه إلى الشارع وانهالوا عليه طعنا وتقطيعا حتى أسلم الروح فى حين إنصرف آخرون منهم لتحطيم مافى المقهى من أثاث ومتاع، ثم لفوا حبلا حول رقبة الشهيد عثمان وسحلوه فى الشارع وانطلقوا صوب مقهى البيات وسينما أطلس وسينما العلمين وقتلوا أصحابهم وربطوهم من رقابهم وسحلوهم فى الشوارع وعلقوهم على فروع الأشجار. وفى نحو الساعه التاسعه مساء تم فرض حظر التجوال على المدينه ورغم إذاعة بيان بذلك من قيادة الفرقه الثانيه إلا أن القرار المذكور لم يطبق إلا على التركمان فقط فى حين بقت عصابات القتله واللصوص من الشيوعيين والأكراد يمرحون فى المدينه ويمارسون اعمال القتل والسلب والنهب وقد قام هؤلاء بمهاجمة مركز شرطة امام قاسم واستولوا على مافيه من اسلحه وعتاد وقاموا بمهاجمة جميع المحلات التجاريه والشركات والبيوت المملوكه للتركمان ونهبوا مافيها من أموال وأحرقوا مالم يقووا على حمله من المنقولات وقد دامت عملية القتل والنهب والحرق حتى الساعه الثالثه صباحا.
وفى اليوم التالى أى ۱٥ / ٧ / ۱٩٥٩ قامت عصابات القتله واللصوص بمهاجمة دور معينه محدده سلفا بعلامات وإشارات وأكرهوا أصحابها من التركمان على الخروج منها فاذا ماخرجوا الى الشوارع قام أفراد العصابات بتطويق رقابهم بالحبال وسحلهم فى الشوارع وهم أحياء فإذا أسلموا الروح علقوهم على فروع الأشجار كما فعلوا بالمرحوم الشهيد الرئيس الأول عطا خيرالله وبالمرحوم الشهيد قاسم نفطجى وغيرهم وظلت عصابات القتله تمارس بربريتها وتقوم بسحل التركمان فى الشوارع وتعليق جثثهم على فروع الأشجار طوال يومى ۱٥ و۱٦ يوليو /تموز حتى وصلت قوات الجيش من بغداد وسيطرت على المدينه وقامت بسحب أسلحة جنود اللواء الرابع الأكراد بعد أن كان القتله قد فرغوا من مهمتهم بنجاح وتحقق الغرض من المجزره باستشهاد ۲٥ تركمانى وجرح ۱٣۰ وتدمير الأنشطه التجاريه للتركمان تدميرا كاملا.
وفى مؤتمر صحفى عقده عبد الكريم قاسم فى ۲٩ يوليو/ تموز ۱٩٥٩ عرض على الصحفيين صور المقابر الجماعيه والبلدوزرات التى توارى الجثث والجثث المعلقه على الأشجار وأعمدة الاناره وعلق قائلا: " إن هولاكو لم يرتكب فى أيامه مثل هذه الأعمال الوحشيه، ولا الصهاينه فعلوا "!! لكن كلمات قاسم لم تقو على مداواة جراح التركمان المثخنه. . فما جدوى الكلمات والخطب الرنانه امام هذا الحدث الجلل والخطب الفظيع وهل يمكن للكلمات الرنانه أن تداوى الجراح المثخنه لقوميه لم ترتكب جرما واحدا بحق الوطن. . بالقطع كلا. . فلا الكلمات ولا الأيام بمقدورها أن تنسى التركمان شهداءهم البرره الذين جادوا بأرواحهم فداء للوطن.