إذا كانت أصابع الاتهام فى مجزرة كركوك المروعه والتى راح ضحيتها المواطنين التركمان الأبرياء قد إتجهت نحو الأكراد الخصوم التقليديين للتركمان والطامعين فى الاستيلاء على مدينة كركوك، فإن الشيوعيين العراقيين ومعهم نظام عبد الكريم قاسم لم يسلما من تهمة الضلوع فى المؤامره وإن لم يكونا اصحاب مصلحه مباشره فيها بل أن كلاهما قد أصابته خساره من حدوث تلك المجزره إذ إتخذ قاسم من المجزره ذريعه وحجه لتصفية الشيوعيين الذين وصفهم بالفوضويين، كما أن إتجاه قاسم لتقليص نفوذ الأكراد قد جر البلاد إلى حرب أهليه فى الشمال لم يكن مستعدا لها بسبب إنشغاله على جبهة الجنوب بقضية الكويت وصراعه مع البعث والقوميين العرب فى الموصل وغيرها من مناطق العراق، وإذا كانت مصالح جميع القوى السياسيه الفاعله على الساحه السياسيه آنذاك ( الأكراد، الشيوعيون، قاسم ) قد إلتقت على الغدر بفئه من اخلص فئات الشعب العراقى من أجل تحقيق أهداف وغايات مختلفه لكل فئه، فالأكراد يطمعون فى الاستيلاء على كركوك، والشيوعيون حلفاء الأكراد يشاطرونهم العداء للتركمان وإن لم يكن لهم مصلحه مباشره فى هذا العداء، إذ كانوا ينظرون للتركمان كبرجوازيين لكون معظمهم من الأثرياء والتجار، كما أن التركمان بطبعهم مسلمون تقليديون محافظون يكرهون الشيوعيه والفكر الشيوعى، ومن ثم إعتاد الشيوعيون على ترويج الاتهامات لهم بالرجعيه و العماله للامبرياليه العالميه ولشركات النفط وغيرها من الاتهامات التى إعتاد الشيوعيون على توجيهها لخصومهم السياسيين، وقد رأى عبد الكريم قاسم أن من مصلحته ضرب جميع القوى بعضها ببعض ليحد من نفوذ الأكراد والشيوعيين المتزايد كى يتاح له الانفراد بالسلطه، و من العرض السابق يتضح أن كل تلك القوى أرادت أن تجعل من التركمان كبش فداء لتحقيق غايات مختلفه ومن ثم قد بيتت النيه وعقدت العزم وعن سبق إصرار وترصد على قتل التركمان عشية الاحتفال بالذكرى الأولى لانقلاب الرابع عشر من يوليو / تموز ۱۹٥۹ وهناك من الشواهد والأدله السابقه على يوم المجزره والمتزامنه معه والتاليه له مايعزز هذا الاعتقاد. . ففى الأيام السابقه على وقوع المجزره وقع فى أيادى التركمان العديد من المنشورات الحزبيه التى تأمر أتباع التنظيمات الحزبيه باتباع كافة الوسائل والسبل الكفيله باستفزاز التركمان وقد سلمت تلك المنشورات لقوى الأمن المحليه فى كركوك ولعبدالكريم قاسم نفسه والحاكم العسكرى العام إلا انهم لم يحركوا ساكنا وبدا أنهم غير آبهين بالنتائج وقد سعت القوى المعاديه للوجود التركمانى فى كركوك للترويج لشائعه مفادها أن كارثه ستحل بالتركمان فى المدينه فى يوم ۱۲/٧/۱۹٥۹ حيث قدم للمدينه وفود كثيره من العشائر الكرديه المنضويه تحت لواء المنظمات الشعبيه والجمعيات الفلاحيه بقصد الاشتراك فى ذكرى مذبحة كاور باغى وإذ لم يحدث شيىء من هذا فقد شعر التركمان بالأمان والاطمئنان ودفعهم ذلك للثقه وعدم الركون للاشاعات الأمر الذى أوقع فى صفوفهم العديد من الضحايا فى اليوم المحدد لارتكاب الجزره ( ۱٤ يوليو / تموز) خصوصا وأن الجماعات الكرديه التى حضرت للاشتراك فى ذكرى مجزرة كاور باغى بقت فى المدينه ولم تغادرها عقب إنتهاء الاحتفالات واشتركت فى المجزره، ومما يدعوا التركمان على الاصرار على أن المجزره كانت مدبره هو قيام الزعيم الركن داود الجنابى قائد الفرقه الثانيه فى كركوك وهو شيوعى معروف بعدائه للتركمان بإصدار الأوامر بإقتحام وتفتيش جميع الأماكن والمنازل المملوكه للتركمان فقط دون بقية القوميات الأخرى بحثا عن أى نوع من السلاح وذلك بهدف وضع التركمان فى وضع أعزل إزاء أى عدوان محتمل، ويرى التركمان أن التخطيط لتلك المجزره قد تم بمعرفة قاده أكراد محليون للتنظيمات الشيوعيه الناشطه فى كركوك وتحديدا على عاتق عبد الجبار بيروزخان رئيس إتحاد الشباب الديموقراطى، والرئيس المتقاعد فاتح ملا داوود الجبارى أحد مؤسسى الجبهه الوطنيه وسكرتير أنصار السلم، وأن هؤلاء ومن خلال أعضاء معينون فى هذه التنظيمات أوعزوا لبعض اقاربهم ومعارفهم من سكان كركوك بضرورة مغادرة نسائهم وأطفالهم للمدينه قبل يوم ۱٤ تموز وأنه على الرجال إن أرادوا البقاء في المدينه أن يرتدوا الزى الكردى التقليدى أو ملابس المقاومه الشعبيه أو الجنود كى يمكن تمييزهم عن المواطنين التركمان المستهدفين بالقتل.
إن مسرح العمليات على أرض كركوك قبل وأثناء وبعد المجزره ينبىء بأن كل شيىء كان قد أعد سلفا من أجل إيقاع أكبر قدر من الخسائر فى صفوف التركمان فقبل المجزره مباشرة تم عزل كركوك عن العالم وسد كافة منافذ المواصلات البريه وقطع الاتصالات السلكيه واللاسلكيه وغلق أبواب البريد والبرق والهاتف، وأثناء المجزره ثبت أن التركمان كانوا عزل من السلاح لذا عمد أكثرهم للفرار نجاة بانفسهم فى حين راح آخرون منهم ضحايا لعصابات الشر التى إندست بين الصفوف مزوده بالعصى والهراوات والأسلحه الناريه، وقد إستخدم الجناه العصى والهروات فى بادىء الأمر، ولكن سرعان ماتطور الأمر إلىإطلاق النار على التركمان العزل وقد وضح من سير الأحداث أن التركمان فقط هم المستهدفون من المجزره إذ تم سحل وقتل أكثر من خمسه وعشرون ضحيه منهم وتعليق جثثهم على الأشجار وعندما حاولت إدارة مستشفى كركوك إنزال الجثث لمباشرة إجراءات دفنها منعت سيارات الاسعاف من ذلك وحاول الغوغاء من الأكراد والشيوعيين إحراقها وظلت الجثث معلقه فى حر شهر يوليو /تموز لمدة ثلاثه أيام وعندما حاولت شركة نفط كركوك المساهمه فى إطفاء الحرائق المشتعله فى الممتلكات العائده للتركمان بما لديها من سيارات إطفاء حديثه أحرقت السيارات قبل وصولها ومنعت من تأدية عملها، كما أن العصابات المنوط بها ذبح التركمان كانت تتوجه صوب بيوت معينه مملوكه للتركمان تم وضع علامات عليها مسبقا ويقومون باخرج سكانها ومباشرة أعمال السحل والقتل ومما يؤكد تورط قوات الجيش مع الأكراد والشيوعيين فى ذبح التركمان أن قوات الجيش عندما فرضت حظر التجوال بالمدينه فإن ذلك كان مقصورا على المواطنين التركمان، أما عصابات القتله فقد تركت لهم حريه التجوال دون إعتراض من قوات الجيش، بل ووصل الأمر ببعض أفراد الانضباط العسكرى للتوجه صوب البيوت المعينه صحبة أفراد المقاومه الشعبيه وقاموا بالقبض على أصحابها بحجة إستدعائهم من قبل القيادة وفى الطريق كان يتم الاجهاز عليهم وتسليم جثثهم لأفراد الجبهه لسحلهم وهو ماحدث مع المرحوم الرئيس الأول المتقاعد عطا خير الله والمرحوم السيد قاسم النفطجى، كما أن جثث القتلى كانت تسحلها فى الشوارع السيارات العسكريه، وشارك الجنود فى أعمال السلب والنهب للمخازن والحوانيت المملوكه للتركمان وقامت سيارات الجيش بالاضافه إلى السيارات الأهليه بنقل المسروقات، كما قامت قوات الجيش بقصف سينما أطلس وسينما العلمين وبعض البيوت فى القلعه بمدافع الهاون، ومما يدل على تواطىء قوات الجيش مع المعتدين أنهم لم يقوموا خلال إستباحة المدينه وعلى مدار ثلاثة أيام بإلقاء القبض على أى من المعتدين فضلا عن أنه وبعد سيطرة المعتدين على المدينه قام الجيش بإغلاق جميع الطرق المؤديه اليها بغية منع وصول العون للتركمان من بنى جلدتهم تركمان المناطق المجاوره لكركوك ولم يترك الجيش طريقا مفتوحا للمرور سوى طريق السليمانيه لافساح المجال أمام الأكراد والشيوعيين لدخول المدينه وقت الحاجه، وقد أصاب المتآمرون الذعر من نجاح العقيد عبدالله عبدالرحمن مدير إدارة الفرقه الثانيه فى خرق الطوق المفروض على المدينه والتوجه صوب العاصمه بغداد لايصال أخبار المجزره إلى هناك وتم رصد جائزه قدرها ألفى دينار لمن يلقى القبض عليه ولولا العقيد المذكور وهو من التركمان لكانت النتائج الوخيمه لتلك المجزره أكثر جسامه.
لقد أثبتت الوقائع السابقه ومجريات الأحداث فى كركوك أن مجزرة التركمان فى يوليو / تموز ۱۹٥۹ كانت عملا مدبرا إستهدف التركمان كقوميه وأن الغرض من المجزره هو إستئصال الوجود التركمانى فى كركوك ومحو الشخصيه التركمانيه من على أرض العراق وأن الجريمه بحق التركمان قد جرت عن سبق إصرار وترصد.