(مجزرة كركوك (١٤ يوليو / تموز ١٩٥٩
(الحلقه الرابعه).. لماذا جرى قتل التركمان؟ (الأسباب)
(الحلقه الخامسه).. حصاد المجزره.. (النتائج)
(الحلقه الرابعه).. لماذا جرى قتل التركمان؟ ( الأسباب )
إذا كنا قد إنتهينا من سرد وقائع مجزرة كركوك وحددنا هوية الجناة وقدمنا من الأدله والبراهين على أن ماجرى فى كركوك يوم ١٤ يوليو / تموز هو جريمه إستهدفت إستئصال شعب من الوجود ومحو شخصيته المميزه وخصوصيته الثقافيه ودفعه لترك دياره والرحيل عن بلاده وموطن آبائه وأجداده أو مواجهة مصير الموت والاباده على النحو الذى طال قادته ووجهائه الذين ماتوا سحلا فى شوارع كركوك وعلقت جثثهم على أعمدة الاناره وفروع الأشجار. وفى السطور القليله المقبله نجيب تفصيلا على التساؤل: لماذا جرى قتل التركمان بهذه الطريقه المقززه؟ وماهى التداعيات التى دفعت بتلك القوى الشيفونيه التعصبيه للتنكيل بالتركمان بهذه الصوره البشعه؟ وماهى أسباب تصعيد المواجهات فى تلك الظروف وفى هذا التوقيت؟
إن الاجابه على هذا التساؤل تقودنا الى الحديث عن الظروف السياسيه السائده زمن المجزره إذ أن الظروف السياسيه دائما ما تؤثر فى الأحداث سلبا أو إيجابا وهى التى تؤدى إما إلى التوتر أو الاستقرار، والواقع أن قطاعات الشعب العراقى كانت قد إستبشرت خيرا بالانقلاب الذى قاده عبد الكريم قاسم صبيحة الرابع عشر من يوليو / تموز وأعربت مختلف القوميات عن تأييدها للانقلاب ومن بينها التركمان الذين سارعوا بالتعبير عن الولاء بأن نظموا مسيره حاشده من تركمان كركوك وإربيل والموصل وتلعفر وطوز خورماتو وكفرى والأقضيه والنواحى التركمانيه الأخرى و كان على رأس المسيره الشهيد التركمانى عطا خيرالله واتجهت المسيره إلى وزارة الدفاع العراقيه وهناك ألقى الزعيم الركن عبد الكريم قاسم كلمه حماسيه أكد فيها على أن التركمان سيلقون كل عنايه ورعايه من رجال العهد الجديد وأنهم سيتمتعون بكامل حقوق المواطنه وقد فوجىء التركمان بعد أيام قلائل بتبخر تلك الوعود وصدور الدستور العراقى المؤقت فى ٢٧ تموز / يوليو ١٩٥٨ متجاهلا وجود التركمان كقوميه عندما نص فى مادته الثالثه على أنه: "... ويعتبر العرب والأكراد شركاء فى الوطن ويقر الدستور حقوقهم القوميه ضمن الوحده العراقيه " وهكذا وللمره الأولى فى تاريخ العراق الحديث يصدر دستور متعارضا مع مبدأ المساواه بين جميع المواطنين والذى كان مقررا بالماده التاسعه من القانون الأساسى الملغى والذى جرى نصه على أن: ".. المواطنون سواسيه أمام القانون فى الحقوق والواجبات العامه ولا يجوز التمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغه أو الدين أو العقيده.. " وبمرور الأيام إكتشف التركمان أن رجال العهد الجديد يقتربون أكثر فأكثر من الأكراد والشيوعيين ويتجاهلون التركمان وأن مراكز السلطه قد تركزت فى يد هذين الفصيلين الذين سيطرا سيطرة تامه على مجريات الأمور فى البلاد وكان من الطبيعى أن يسعى كلا من الأكراد والشيوعيين لتنفيذ أجندته الخاصه على حساب باقى أطياف الشعب العراقى فالأكراد كانت قضيتهم المركزيه هى السيطره على كركوك وضمها إلى مناطقهم فى شمال العراق و صاروا على قناعه بأنه بدون نفط كركوك لن يقوم لهم كيان مستقل تحت أى شكل من الأشكال ومن هذا المنطلق كرسوا كل قواهم لتغيير الواقع القومى لمدينة كركوك مهما كان الثمن أو الضرر الذى يمكن أن يلحق بالقوميات الأخرى وقد شاطرهم فى هذا الاتجاه الشيوعيون الذين كانوا لايبدون الارتياح للتركمان بسبب فشلهم الذريع فى نشر الفكر الشيوعى فى اوساط هذا الشعب المتمسك بأهداب الدين والذى شكل حائط صد ضد انتشار المد الشيوعى، وقد كانت الصعوبه وكما يقول الباحث حنا بطاطو فى أن الأكراد لايحوزون الأغلبيه العدديه داخل المدينه فكركوك كانت مدينه تركمانيه بكل ما فى الكلمه من معنى، ومع نمو صناعة النفط بدأ الأكراد ينتقلون تدريجيا إلى كركوك من القرى المجاوره وهوالأمر الذى كان يثير القلق لدى التركمان وبحلول عام ١٩٥٩ كان الأكراد يشكلون حوالى ثلث السكان بينما إنخفض عدد التركمان إلى مايزيد قليلا عن النصف وكانت هذه النسبه كفيله بإثارة حفيظه الأكراد الذين شعروا بأن وجود التركمان فى المدينه وبهذ ه الكثافه العدديه يقف حائلا فى طريق تنفيذ مخططهم الرامى الى تكريد المنطقه وضم تلك المدينه البتروليه الهامه إلى مناطقهم، ومن هنا بدأت المناوشات الكرديه التركمانيه بين طرف يهيمن على القرار السياسى فى المدينه ( الأكراد ) وطرف يعبر عن الواقع القومى ويشكل غالبية السكان فيها ( التركمان )، فالأكراد يهيمنون على كل المناصب القياديه داخل المدينه فالمسئول الأول عن اللجنه المحليه للحزب الشيوعى ورئيس قوات المقاومه الشعبيه ورئيس الجبهه الوطنيه كانوا جميعا أكرادا ومع ذلك وعند إجراء أى إنتخابات حره داخل المدينه كان الأكراد يمنون بالفشل الذريع كون أن الواقع الديموغرافى لايساندهم وليس فى صالحهم، ففى أول إنتخابات جرت فى كركوك بعد إعلان الجمهوريه فازت قائمة التركمان فى إنتخابات نقابة الحقوقيين فى أيلول ١٩٥٨ بأغلبيه ساحقه، وفى الانتخابات التى جرت فى ٢٢ تشرين الثانى ١٩٥٨ لاتحاد الطلاب فازت قوائم الطلاب التركمان بالأغلبيه فى جميع المدارس وفى إنتخابات الهيئه الاداريه لنادى الثوره والتى جرت فى تشرين الثانى ١٩٥٩ حصل التركمان على جميع المقاعد وفى إنتخابات نقابة المعلمين والتى جرت فى ٢٣ كانون الأول ١٩٥٩ فازت قائمة التركمان بأغلبيه كبيره وحصلت على ٦٠٤ صوت من مجموع ٩٠٠ صوت، وفى إنتخابات الهيئه الاداريه لجمعية حقوق الأطفال والتى جرت فى كانون الأول /ديسمبر ١٩٥٩ فازت قائمة التركمان بأغلبيه المقاعد وحصلت على ٩ مقاعد من مجموع ١١ مقعد وفاز بالمقعدين الأخيرين كلا من رئيس الصحه وطبيب مسيحى، وفى إنتخابات الهيئه الاداريه للهلال الأحمر والتى جرت فى ١٣ شباط / فبراير ١٩٥٩ فاز التركمان بجميع المقاعد التسعه، وكان ذلك يدفع الأكراد والشيوعيون إلى السخط على التركمان ومحاولة إستثارتهم بشتى السبل وجرهم للصدام للنيل منهم وتصويرهم فى صورة الخارجين على القانون، وفى هذه الفتره علت وتيرة التراشق الكلامى بين الأكراد والتركمان فخرجت التصريحات الناريه للملا مصطفى البرزانى التى تؤكد على أن كركوك هى قلب كردستان وأن كركوك كرديه ولو بكردى واحد وأخذ غلاة القوميون الأكراد يرفعون الشعارات المستفزه لمشاعر التركمان كقولهم: " كركوك لنا وليخسىء الطورانيون " ويهاجمون المقاهى التركمانيه ويعتدون على الناشطين التركمان، وقد عاشت كركوك أياما عصيبه قبل وقوع المجزره عندما زارها الملا مصطفى البرزانى فى تشرين أول / اكتوبر ١٩٥٨وإتهم التركمانى هدايت أرسلان آمر الانضباط العسكرى فى كركوك بمحاولة إغتياله بزرع قنبله فى سيارته وما تلى ذلك من وفاة هدايت مساء يوم ٢٥ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٥٨ إثر أزمه قلبيه فتوالت الاحتجاجات والمظاهرات العنيفه فى المدينه وإزداد التوتر بين الكرد والتركمان وكانت الأوضاع على وشك الانفجار لولا حكمة ناظم الطبقجلى قائد الفرقه الثانيه الذى إستطاع إحتواء الموقف بتشكيل لجنة " التضامن الوطنى فى كركوك من وجهاء الكرد والتركمان. وتوالت الأحداث حيث جرت عمليات تفتيش واسعه لمنازل التركمان فى ٢٨ كانون الأول / ديسمبر ١٩٥٨ وذلك على إثر تقرير كاذب قدمه الشيوعيون الأكراد للحكومه ولم تسفر أعمال المداهمه عن وجود ثمة أسلحه ممنوعه وتلى ذلك هجوم قوات المقاومه الشعبيه فى١٣ كانون ثانى ١٩٥٩ على كازينو ١٤تموز الذى يرتاده التركمان مما أسفر عن وقوع العديد من الجرحى، وتلى ذلك قيام مديرة دار المعلمات فى كركوك المدعوه لبيبه أحمد الريس وهى سيده شيوعيه بسب التركمان داخل المدرسه وإتهامهم بالعماله لشركة النفط الانجليزيه وقد تسبب ذلك فى إستثارة الشباب التركمانى ومهاجمته للمدرسه، وبعد إتهام ناظم الطبقجلى بالضلوع فى مؤامرة الشواف وإبعاده عن كركوك أكمل الشيوعيون والأكراد سيطرتهم على المدينه وإختل التوازن الذى كان قد خلفه الطبقجلى إذ حل محله الزعيم الركن داود الجنابى وهو شيوعى يحمل أفكارا معاديه للتركمان فكان أول ماعمد إليه هو إغلاق جميع الصحف التركمانيه وهى البشير والآفاق وجريدة كركوك الصادره عن رئاسة البلديه وقام باعتقال كافة الفعاليات السياسيه والثقافيه التركمانيه من محامين وأطباء ورجال أعمال وموظفين حيث تم ترحيل بعضهم إلى جنوب العراق وفرض الأقامه الجبريه عليهم فى حين أودع الآخرون سجون بغداد، وقد كانت هذه الأسباب مجتمعه هى الأسباب التى مهدت لوقوع مجزرة كركوك التى خلفت أسوأ النتائج وتركت آثارها السلبيه ليس فقط على صعيد العلاقات التركمانيه الكرديه بل وعلى مجمل الأوضاع فى العراق.
(الحلقه الخامسه).. حصاد المجزره.. (النتائج)
... رأينا كيف أن أعداء التركمان أخذوا فى تصعيد الموقف فى كركوك بهدف إيجاد مبرر أو ذريعه يمكن أن يستندوا إليها فى تبرير ماينوون القيام به من جرائم وحشيه، وكيف أن التركمان المسالمين نجحوا فى تفويت الفرصه على هؤلاء بأن تمسكوا بأقصى درجات ضبط النفس ورباطة الجأش، بيد أن أعداء التركمان كانوا قد عقدوا العزم وبيتوا النيه على تنفيذ جريمتهم النكراء عشية إحتفالات الثوره فقاموا غدرا بالهجوم على التركمان العزل وقتلوا منهم خمسه وعشرين تركمانيا من خيرة أعيان ووجهاء وقادة التركمان وجرحوا مايزيد عن مائه وثلاثين ونهبوا ودمروا مايزيد عن مائه وعشرين وحده إقتصاديه مابين شركه ومحل تجارى ومقهى ومخزن وسينما فضلا عن بعض المنازل المملوكه للتركمان، وشعر التركمان أعقاب المجزره المروعه بالصدمه الشديده لأن ماجرى من أعمال القتل والسحل والحرق والتدمير لم يكن مبررا، ومهما كان حجم الخلاف السياسى بينهم وبين الأكراد والشيوعيين فإنه لايوصل بهؤلاء إلى إستخدام هذه الأساليب الهمجيه والبربريه، وراح الكثير من التركمان البسطاء يفرون من المدينه حفاظا على أرواحهم خصوصا بعدما رأوا أن ضحايا المجزره هم من وجهاء التركمان وعلية القوم فيهم.. فكيف بهم وهم البسطاء أن يدافعوا عن أنفسهم أمام هذه الهجمة الشرسه التى طالت سادة المجتمع التركمانى ووجهائه؟ فتوجهت العديد من العوائل التركمانيه إلى بغداد وإربيل بحثا عن الأمان المفقود فى كركوك أو لنسيان ذكريات تلك الأيام المؤلمه فى تاريخ الشعب التركمانى ولا تزال تلك العائلات من سكان حى الأعظميه وراغبه خاتون يتذكرون أدق تفاصيل تلك المجزره الرهيبه التى دفعتهم رغما عنهم لفراق كركوك، غير أن غالبية التركمان فضلوا الموت على أن يتركوا ديار الآباء والأجداد حيث مراتع الصبا والذكريات الجميله والقلعه ونهر خاصه صو وليالى كركوك المنيره بنيران بابا كركر الأزليه، ورأوا ألا يفسحوا المجال للفوضويين والمتعصبين القوميين ليصلوا إلى مراميهم فى إفراغ كركوك من سكانها الأصليين، فكركوك التى كان أكثر من نصف سكانها من التركمان لايمكن أن تستسلم أو تسقط تحت وطأة الضربات الهمجيه مهما كانت شدتها وقسوتها، لذلك قرر التركمان أن يتجاوزا الأحزان ويباشروا نضالهم السلمى من أجل نيل الحقوق ولفت نظر المسئولين لتصحيح الأخطاء ومحاسبة المجرمين، ورفع التركمان مذكره إلى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم بتاريخ ١٨ يوليو / تموز ١٩٥٩ طلبوا فيها بتعيين قائد جديد للفرقه الثانيه وتعيين متصرف إدارى حازم وتكوين لجنة تحقيق خاصه ومحايده للتحقيق فى الجزره على أن يكون فى تلك اللجنه واحدا من التركمان يرشحونه، و معاقبة القائمين والمتسببين فى المجزره بأقصى العقوبات ليكونوا عبره لغيرهم، و تطهير جهاز الاداره والجيش والشرطه من العناصر الفوضويه، وحل المقاومه الشعبيه والمنظمات الأخرى فى كركوك، والتعويض عن الأضرار، وعدم إخضاع لواء كركوك إلى مديرية معارف كردستان لأن هذا اللواء ليس جزءا من كردستان، وإعادة جميع المواطنين والموظفين التركمان المبعدين من قبل داوود الجنابى إلى ديارهم فى كركوك، و تعديل الدستوروإحلال نص جديد محل النص القاضى بأن العرب والأكراد شركاء فى الوطن.
وأعقبوا هذه المذكره بمذكره أخرى موجهه للحاكم العسكرى العام و موقعه من إثنين من المحامين وعسكرى متقاعد طالبوا فيها ليس فقط بمحاكمة مرتكبى الجريمه ولكن أيضا المحرضين عليها من أفراد المنظمات الشعبيه ومنظمات المقاومه وأعضاء اللجنه الوطنيه لأنصار السلام فى كركوك وجنود وضباط الجيش الذين شاركوا فى المجزره ولم تصل إليهم يد العداله.
وقد كان موقف حكومة عبد الكريم قاسم حرجا للغايه إذ علت نبرة الصحف المحليه المعاديه للشيوعيين والمطالبه بتوقيع أقصى العقوبه على مرتكبى الجريمه، كما نقلت وسائل الاعلام العالميه صورا مقززه للمجزره مما اثار الرأى العام العالمى والمنظمات المعنيه بالدفاع عن حقوق الانسان الأمر الذى دفع بقاسم إلى الاسراع بإدانة الجريمه، ففى الخطاب الذى ألقاه فى كنيسة مار يوسف فى ١٩ تموز / يوليو ١٩٥٩ قال: " إن ماحدث فى كركوك أشجبه شجبا تاما.. وبإستطاعتنا أن نسحق كل من يتصدى إلى أبناء شعبنا بأعمال فوضويه " وفى المؤتمر الصحفى الذى عقده فى ٢٩ / ٧ / ١٩٥٩ قال:" الذى وقع فى كركوك لايتعدى كونه مؤامرة مبيته " وعندما حاولت بعض القوى الفوضويه التنصل من الجريمه وإلقاء تبعاتها على الضحايا التركمان قال قاسم فى لقائه بوفد المنظمات المهنيه والنقابيه فى ٣ آب ١٩٥٩:" الغريب أن بعض الوفود أتت بوجه أسود وقالت أن القوى الديموقراطيه قد قضت على مؤامره!! أى مؤامره؟؟ مؤامره رجعيه، مؤامره تركمانيه، أنظروا ماذا عملتم، أنظروا عمليات السحل " وأضاف " أمامنا الآن وقائع ثابته، ثابته بالأشخاص المتهمين، بالمستمسكات الجرميه التى وجدت بحوزتهم، كل هؤلاء ليسوا من التركمان أو من الطورانيين ـ كما تريد ـ الفوضويه، إنهم من العبيد العملاء!! " وإختتم حديثه قائلا: كركوك هى التى قدمت ضحايا كاوور باغى وحدها والشعب الكردى النبيل يدرك ذلك كل الادراك، وقد عاش الأكراد والتركمان أجيالا بسلام وهدوء وأخوه حتى جئتم انتم فأيقظتم الفتنه عن سباتها فلعنة الله على موقعى الفتنه " وفى خطاب آخر ألقاه قاسم بعد أيم قلائل بمناسبة إفتتاحه للاستديو الجديد للاذاعه العراقيه فى بغداد طلب تسمية الاستديو باسم " استديو التركمان " عزاء لهم عن هذه المحنه المفجعه التى تعرضوا لها، وقام قاسم بتشكيل مجلسا تحقيقيا للتحقيق فى المجزره وأسند رئاسته للعقيد الركن عبد الرحمن عبد الستار مدير الحركات العسكريه وقد شهد جميع من تم إستدعاؤهم للشهاده ومنهم العقيد الركن إسماعيل حمودى الجنابى ضابط الركن الأول للفرقه الثانيه أثناء الأحداث بأن الأحداث عمل متعمد وأن النيه كانت مبيته لقتل التركمان دون أن يكون هناك مايبرر ذلك من جانبهم وأورد تغاضى أجهزة الأمن ومسئولى الدوله عن الاصغاء لخطورة الوضع وعن إمكان حدوث هذه المجزره.
وعلى الجانب الآخر بدأ الشيوعيون يشعرون بالقلق من كلمات عبد الكريم قاسم إذ أن كلماته لاتبعث على الاطمئنان بعد أن لوح بقبضته فى وجه الفوضويه مهددا بإتخاذ إجراءات إنتقاميه وبعد أن أخذت الصحف المعاديه للشيوعيه فى نشر تفاصيل واسعه عن الأعمال الوحشيه التى إرتكبت بحق التركمان فى كركوك، وقد أدرك الشيوعيون أن جريمتهم هذه المره لن تمر بهدوء فقررت اللجنه المركزيه للحزب عقد إجتماعا طارئا و فى دوره إستثنائيه شامله وتعالت الأصوات بإقالة السكرتير العام للحزب حسين الرضى واعترف فى الاجتماع بأن الحزب أخطأ فى عدم وقوفه بقوه ضد هذه الأحداث فى حينها ودعا إلى إتخاذ إجراءات إنضباطيه مشدده ضد كل عضو حزبى يظهر تورطه فى سلوك يلام عليه وأدان الحزب التعذيب وسحل الجثث ونهب الممتلكات وكافة حالات خرق القانون الأخرى، ولكن يبدو أن حكمة الحزب وعقلانيته قد جاءت متأخره وبعد فوات الأوان إذ سرعان ما بدأ قاسم فى توجيه ضرباته الموجعه للحزب. أما عن علاقه قاسم بالأكراد فقد بدأت ومنذ مارس ١٩٦٠ فى مرحله من الجفاء الشديد وبدأت جريدة " خه بات " الناطقه باسم الحزب الديمقراطى الكردستانى فى مهاجمة الحكومه العراقيه وعندئذ بدأ قاسم فى مطاردة قادة الحزب وإعتقال إعضاءه وأغلق صحيفة الحزب "خه بات " فى ذات الشهر، وقد أدى ذلك إلى إشتعال الثوره فى كافة مناطق الأكراد واستمرت الثوره حوالى ١٧ شهرا حتى سقوط حكم عبد الكريم قاسم فى ٨ فبراير ١٩٦٣.
لقد تسببت الجريمه التى إرتكبها الأكراد والشيوعيون بحق التركمان العزل فى كركوك فى إثارة القلاقل داخل البلاد، ولم يعد التركمان يشعرون بالثقه لافى الأكراد ولا فى الشيوعيين ولا حتى فى عبد الكريم قاسم نفسه خصوصا بعد أن عاد وحاول تبرئة الشيوعيين والبارتيين فى المؤ تمر الصحفى الذى عقده فى مستشفى السلام بتاريخ الثانى من كانون الثانى / يناير ١٩٦٠ عقب نجاته من محاوله لاغتياله وإلقاء المسئوليه على الجمهوريه العربيه المتحده والبعثيين، فضلا عن تراخيه فى تنفيذ أحكام الاعدام التى صدرت بحق ٢٨ مجرما محكوما بالاعدام لدورهم فى المجزره حيث لم تنفذ تلك الأحكام إلا فى ٢٣ حزيران / يونيو ١٩٦٣ فى فترة حكم البعث، وقد أدى ذلك لأن يبحث التركمان عن تحالفات جديده فتأسست فى عام ١٩٦٠ فى جامعة بغداد الجبهه القوميه ممثله فى حزب البعث وحركة القوميين العرب والاخوان المسلمين وحزب الاستقلال ومجموعه الطلبه التركمان وخاضت تلك الجبهه إنتخابات إتحاد الطلاب للجامعه بقائمه موحده وحققت نتائج جيده ومثل التركمان فى الاتحاد الطلابى ثلاثة اعضاء، كما أدى أيضا لبروز تيار متشدد داخل المجتمع التركمانى ينادى بالقصاص من القتله، وفعلا تشكلت لجان الاغتيالات وبدأت خلايا الشباب التركمان فى كل ليله ينقضون على فرائسهم إيمانا منهم بحقهم فى الثأر دون أن يلجأوا إلى التمثيل بالجثث أو السحل أو بقر البطون، وهكذا تسببت فتنة الأكراد والشيوعيون وقاسم فى جر البلاد إلى حرب أهليه طاحنه ومصادمات كان من الممكن تجنبها لو أن الحكومه إتبعت طريق المساواه بين جميع المواطنين ولم تسمح للفوضويين والمتعصبين الأكراد بشغل جميع المناصب العليا فى مدينة كركوك الوادعه.