دور الملا البرزاني فى مجزرة كركوك
(شهادة الشهود والوثائق الرسميه العراقيه)
(الحلقة التاسعة)
راينا فى الحلقه السابقه كيف إستطاع الملائيون من اتباع الملا مصطفى البرزاني إيهام الحكومه فى بغداد بوجود مخازن للأسلحه والذخائر فى بيوت التركمان، وكيف أن الحكومه دبرت على عجل فريقا من المفتشين غادر بغداد إلى كركوك بالطائره ودون إعلام السلطات المحليه هناك لضمان سرية العمليه وتحقيق عنصر المباغته، وقد جاءت نتيجة المداهمه مخيبه للآمال إذ بمداهمة الدور المنتقاه لم تعثر فرق التفتيش على ثمة أسلحه ممنوعه، الأمر الذى وقع كالصاعقه على الملائيين وحلفائهم الشيوعيين، وأخذ مسئولي الدوله يشعرون بقدر الجرم الذى إرتكبوه بحق التركمان بإنسياقهم وراء المغرضين من أتباع الملا مصطفى البرزاني وأخذوا فى إلقاء اللائمه على بعضهم البعض، ولم يجد عبد الكريم قاسم بدا من إسترضاء أصحاب الدور المقتحمه وهم من علية القوم ووجهاء المجتمع فى كركوك، وأحس ناظم الطبقجلى بالألم الشديد لأن بغداد لاتستمع لتحذيراته ومقترحاته بإنسياقها خلف هؤلاء الموتورين الكارهين للعراق وشعبه وتعمق لديه الإحساس بأن جريمة كبرى لابد واقعه بحق التركمان المسالمين وأن واجبه الوطنى والإنساني يحتم عليه الحؤول دون ذلك، ولم يكن ناظم الطبقجلي وحده الذى أحس بخطر الملائيين والشيوعيين على أمن كركوك بل شاركه فى ذلك مديرأمن منطقة كركوك حسن عبد علي ومعاون الشرطه إلياس عباس سبع اللذان هالهما قدر مايتمتع به الملائيين من إجرام ولصوصيه، فعلى الرغم من أن مأمورية التفتيش لدور التركمان كانت محاطه بقدر كبير من السريه والتكتم إلا أنهم فوجئوا بالملائيين يسبقونهم إلى الدور الخاضعه للتفتيش مما يؤكد أن الأمر كان مدبرا سلفا، وقد قام الملائيون ومعهم العناصر الفوضويه بنهب وسرقة بيوت التركمان وتحطيم مابها من أثاث بصوره وحشيه كما قاموا بالإعتداء على النساء والأطفال الأمر الذى دفعهم للهرب على أسطح المنازل وعن ذلك يقول مدير أمن كركوك حسن عبد على فى كتابه لمتصرف كركوك والرقيم ٩٩١٨ عن تلك التصرفات اللامسئوله:
". . على إثر التحري فى دور كل من العقيد شليمون خوشابه وإبراهيم نفطجي والضابط المتقاعد عطا خيرالله. أخذ الأكثريه من شيوعي كركوك يطلقون على انفسهم المقاومه الشعبيه ويعقدون إجتماعاتهم وتكتلاتهم فى مكتبة الثقافه الوطنيه لصاحبها فكرت عمر الكائنه فى شارع الأوقاف ويتلقون الأوامر والتعليمات فيها ثم يتوزعون على مفارق الطرق الرئيسيه والشوارع العامه لتفتيش السيارات والأهلين معا وتعدى ذلك إلى تفتيش ضباط فى الجيش وهم بملابسهم الرسميه ولم يكتفوا بهذا بل أخذوا يطوقون بعض الدور بحجة الإشتباه بوجود السلاح فيها وغيرها من الإدعاءات الأخرى، وتبين لنا ان أكثر هؤلاء من جماعة الأكراد المناوئين للأتراك العراقيين فى كركوك، إن الحاله قد تردت من سوء تصرفات هذه الجماعه، وأن بقاءهم بالشكل المذكور واستمرارهم بالضغط على حريات الناس أمر غير مرغوب فيه وينافي مانصت عليه القوانين المرعية الشأن وأن ذلك يؤدى حتما إلى عواقب وخيمه جدا فى المستقبل ولا يستبعد إحتمال وقوع إشتباكات دائميه بين الطرفين لذلك وحفظا على أرواح أبناء الوطن ولصيانة الأمن ومبادىء جمهوريتنا، يرجى مفاتحة المراجع المختصه بالأمر، والضرب على أيدى العابثين فى الأمن وسلامة الدوله وغلق المكتبه المذكوره أعلاه والتي أصبحت مركزا وبؤره لإجتماع هؤلاء قبل أن تتدهور الحاله فى هذه المدينه وفى مثل هذه الظروف الحساسه. (التوقيع: حسن عبد علي - مدير أمن كركوك) أما معاون الشرطه إلياس عباس سبع فقد كتب لمدير شرطة اللواء الكتاب الرقيم ٦٨ فى ٢ /١ /١٩٥٩ والكتاب الرقيم ١ إلى قيادة الفرقه وجاء فيهما حرفيا:
". . . . . . وبعد التحري فى هذه الدار (يقصد دار العقيد شليمون خوشابه) إنتقلت الهيئه المشار إليها أعلاه إلى دار إبراهيم نفطجي وحيث يظهر من إفادة المشتكي إبراهيم نفطجي أنه بينما كان في داره إذ شاهد دخول بعض الأهلين إلى داره قسم منهم من الباب والآخرين من سياج الحديقه وبينما كان منشغلا مع هؤلاء لمعرفة سبب هجومهم ودخولهم الدار إذ أتت بعد مضي بضعة دقائق هيئه التحري المكونه من الملازمين الأولين ثامر نور الدين وأحمد محسن ومعهم مأمور مركز الغابات السيد صديق أحمد (كردى متزعم المؤامره) والمعاون السيد محمد رشاد ومن معهم من الجنود والشرطه وقاموا بالتحرى وعند إعتراض صاحب الدار (المشتكي) إبراهيم نفطجي عن وجود الأهلين وعدم رضائه بالوضع الجاري فى داره، فقد أمر أحد الضابطين بأخذه تحت الخفاره بناء على تحريض المفوض صديق أحمد وحيث ظهر من نتيجة التحقيقات على أن الأهلين كانو قد حضروا فى داري العقيد شليمون وإبراهيم النفطجي قبل قيام هيئة التحري فى أعمالها وحيث يستدل من بعض الإفادات على أن مأمور مركز الغابات المفوض صديق أحمد هو الذي أخبر الأهلين وطلب اليهم الحضور فى المحلين المذكورين، بدليل أنه حضر فى مقر القياده فى بادىء الأمر ومعه عدد من الأهلين قبل خروج الهيئه المذكوره من مقر الفرقه والمبادره بعملها مما حدى بالأهلين إلى معرفة أسماء أصحاب الدور الذين أجرى التحرى بدورهم قبل معرفة المسئولين فى هذا اللواء وخاصه الشرطه حيث لوحظ من قبل بعض الشهود والمعاون الموفد لإرشاد الهيئه المشار إليها أعلاه من أن الأهلين كانوا يتنقلون من مكان لآخر فى السيارات العائده إلى كل من نوزاد الشيخ عبدالله والمقاول عبدالله علي ورشيد الحاج محيي الدين الصالحي والشيخ رشيد البرزنجي صاحب فندق الرافدين والمفوض المفصول نوري السيد ولي حتى انهم وجدوا البعض من الأهلين كانوا داخلين الدارين المذكورتين والاخرين قائمون بتطويقها قبل حضور الهيئه وعلى ما يظهر من سير التحقيق أن أعضاء الهيئه التفتيشيه كانوا تحت إرشاد المفوض صديق أحمد الذي كان يتشاور معهم بين حين وآخر رغم طلب المعاون الموجود معهم إتباع الطرق الأصوليه لتفتيش الدور وفق القوانين المرعيه وحفظ الأمن والنظام وحيث أن المسبب لهذه الإستفزازات التي حدثت فى كركوك كلها كانت نتيجة سوء تصرف المفوض صديق الذى لا تعلم عنه شرطة هذا اللواء أو القياده عن سبب حضوره لدى هيئة التفتيش مستصحبا معه الأهليين فى الوقت الذى لم يكن من واجبه أو إختصاصه التدخل فى أمور كهذا لكونه مستخدما فى شرطة الغابات التى لاعلاقه لها بالمسائل التحقيقيه عن الجرائم وحيث أن المشتكي إبراهيم النفطجى قد بين أنه قد سرق من داره مبلغا قدره سبعمائة دينار مع مقدار من المخشلات الذهبيه وأوان فضيه قيمتها بثلاثمائة دينار من قبل الإشخاص الأهلين الذين سبقوا هيئة التحرى بالدخول إلى الدار واشتركوا بالتفتيش ظاهرا وهم المرفقه أسماءهم فى القائمه المرفقه طيه، وبالإضافه إلى ماتقدم فإنهم سببوا أضرارا تقدر بستين دينارا فى أثاث الدار ومرفقاته فإننا سوف نحيل الأوراق التحقيقيه إلى حاكم تحقيق كركوك للتصرف والبت فيها، أما بصدد الداخلين فى بيت العقيد شليمون فإننا ننتظر مجيئه، وفى حالة تقديمه الشكوى بأضرار أو ماسرقت من داره فسنقوم بالتحقيق عما حدث بصوره تفصيليه ونعلمكم النتيجه. (توقيع: المعاون إلياس عباس سبع - عن هيئة التحقيق). وهكذا كشفت تلك الأحداث المؤسفه عن مدى تحكم أتباع الملا البرزاني فى مصائر الناس، وكيف أن سلطة الغوغاء من أتباعه فاقت سلطة الحكام والمتصرفين ورجال الأمن حتى أن مجموعه من الرعاع واللصوص يقودهم مأمور قسم الغابات الكردى صديق أحمد الغير مختص أصلا بتفتيش المساكن أو بأعمال التحقيق كانوا على علم بالدور والأشخاص المطلوب تفتيشهم بأمر الحاكم العسكرى فى حين أن مديرأمن لواء كركوك والمتصرف ومساعد قائد الفرقه وغيرهم من مسئولى الدوله لم يكن لديهم هذا العلم، ورأينا كيف قام هؤلاء اللصوص بنهب محتويات الدور وسرقة مابها من نقود ومشغولات ذهبيه وهو الأمر الذي أثار إستياء كافة المسئولين بما فيهم المسئولين الأمنيين، وفور عودة ناظم الطبقجلى من بغداد حضر إلى مقر قيادته وفد من التركمان وإشتكوا إليه مر الشكوى من إهدار كرامتهم الإنسانيه ومن تعرضهم للسرقه والنهب من قبل الشيوعيين والملائيين، وقد عبر ناظم الطبقجلى عن الحاله التى وصلت إليها كركوك بفعل مؤامرات أتباع البرزاني بقوله: ". . . . إن العناصر التي عملت على الإثاره قد جاء ذكرهم وهم من المدنيين فى كتاب مديرية شرطة لواء كركوك المرقم ١ فى ٢ / ١/ ١٩٥٩ وقد ظهر أن هناك عملا مبيتا بين العناصر الفوضويه من مدنيين وعسكريين لغرض القيام بعمل ما وقد أوضحناه بكتابنا المشار إليه أعلاه حول هذه الظاهره الخطره وتبين مؤخرا أن نفس هذه العناصر التى وردت فى كتاب الفرقه ومديرية شرطة لواء كركوك قد إشتركت فى مجزرة كركوك الأخيرة "
. . . ورغم كل هذه الأهوال التي حلت بالتركمان فى كركوك وما تعرضوا له من مظالم على يد الملا البرزانى واعوانه، ومحاولة بعض المسئولين من ذوى الضمائر الحيه وقف تلك المؤامرات التى يتعرض لها شعب أعزل ومسالم إلا أن التآمر على التركمان لم يتوقف بل زادت حدته. . . . وللحديث بقيه
(وردت وثائق هذه الحلقه فى: موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف في الموصل (٣) - العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين - الصحيفه رقم ٥٦، ٥٧، ٥٨، ٥٩، ٦٠، ١٧١ - دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨ م)
(الحلقة العاشرة)
رأينا فى الحلقه السابقه كيف أغرق البارتيون من اتباع الملا البلاد فى الفوضى بفعل الدسائس والمؤمرات التى إعتادوا على تدبيرها ضد التركمان، وأنه ماتهدأ فتنه إلا وأشعلوا غيرها حتى أن البلاد قد تفرغت تماما لمؤامرات الملا التى لاتنتهي، وكيف سخر الملا علاقاته المتينه بدوائر الحكم فى بغداد من أجل النيل من خصومه السياسيين و القوميين و القبائل الكرديه المناوئه له، واستطاع خلال فتره وجيزه من عمر الثوره أن يجند له عددا كبيرا من الأتباع فى الإداره والجيش والقضاء وراح يستخدم كل هؤلاء فى التنكيل بكل من لايطيع أوامره أو لا يخضع لرغباته، وقد أحس الشرفاء فى أجهزة الدوله المختلفه بالضيق من تصرفات الملا وأتباعه التى تخطت كل الحدود، ورأينا من أقوال رجال الشرطه والجيش فى كركوك كيف أن مجموعه من الرعاع والغوغاء من أتباع الملا البرزاني كانوا على علم بالدور والأشخاص المراد تفتيشهم قبل أن يعلم بذلك مسئولي الأمن والجيش فى المدينه، وكيف أنهم سبقوا تلك الجهات المسئوله إلى تلك الدور وعاثوا فيها فسادا ونهبا وسرقه مستندين إلى حماية الملا البرزاني لهم، ووصل الأمر بالملا وأتباعه إلى حد السيطره على المحاكم و القضاء إذ كان صغار الحكام (القضاه) فى كركوك يخضعون لإمرة الشيوعي الكردي عوني يوسف رئيس محكمة كركوك والعضو السابق والمؤسس فى الحزب الديموقراطي الكردستاني و المتحالف مع الملا مصطفى البرزاني، ومن ثم فقد إطمئن الملائيون وحلفاؤهم بأنهم لن يلحقهم أي أذى مهما إرتكبوا من جرائم، وقد شجعهم ذلك على التمادي فى أساليبهم الهمجيه تجاه التركمان وغير التركمان من مواطني كركوك، وسارت سياسة الدوله على أن تغض الطرف عن الجرائم البشعه التى يرتكبها هؤلاء فى حق التركمان حتى أن الحاكم العسكري العام أطلق سراح اللصوص الإثنين والأربعين من أتباع الملا البرزاني الذين نهبوا دور المتحرى عنهم إبراهيم النفطجي وعطا خيرالله وشليمون خوشابه واعتبر رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم أن ما إرتكبوه من جرائم كان من باب الإخلاص للزعيم والجمهوريه وأنه فى سبيل هذه المرامي الساميه تهون الحرمات والأموال!!! وقد أحكم الفوضويون من أتباع الملا سيطرتهم على الأمور السياسيه والمدنيه فى كركوك وكرس هؤلاء كل مالديهم من سلطات للتنكيل بالتركمان وأصبحت تهمة الطورانيه والعماله تلصق بكل تركماني، وبدا واضحا أن الأمور تسير نحو تصفية الحسابات مع التركمان فى موعد مرسوم ومحدد بدقه، وصارت المجموعات الفوضويه تتجول فى الشوارع حاملين فى أيديهم الحبال وملوحين بها لتجمعات التركمان بصوره إستفزازيه هاتفين". . ماكو مؤامره تصير والحبال موجوده. . " وكأنهم يرومون جرهم للعراك، وكان عقلاء التركمان وكبار السن يحولون دون إستجابة الشباب التركماني للإستفزازات لإدراكهم بأن الأكراد المتعصبين يودون جرهم لمعركه غير متكافئة لكون التركمان مجردين من كل سلاح، وقد إستمرت المناوشات والإشتباكات بين الأكراد والتركمان منذ حادثة تفتيش دور التركمان وسرقة محتوياتها فى ٢٦ كانون الأول / ديسمبر ١٩٥٨ إلى أن بلغت أوجها فى ١٣ كانون الثاني / يناير١٩٥٩ عندما قامت مجموعات من المقاومه الشعبيه والجنود معظمهم من الأكراد بمهاجمة مقهى ١٤ تموز الواقع إلى جانب سينما الحمراء والذى يرتاده التركمان وقد أسفر الحادث عن وقوع العديد من الجرحى من الطرفين قبل أن يتم إحتوائه بجهود الزعيم الركن ناظم الطبقجلي وتطبيقه لخطة الأمن فى كركوك وإجتماعه بلجنة التضامن الوطني وإصدار اللجنه لبيان تحث فيه جميع الأطراف على التزام الهدوء، لقد كان ناظم الطبقجلي الذي يمثل الوطنيه العراقيه الحقه بما تحمله من صفات المروءه والشهامه والنجده يشعر بالألم وهو يرى بعينيه غطرسة الملائيين وتجبرهم على الناس، وكم من مرة تمكن الطبقجلي من إخماد الفتن التى سعى هؤلاء لإشعالها. . . . ندعه يقص لنا إحدى جرائم هؤلاء: ". . كادت تكون هذه فتنه تقود إلى مجزره ولكن تمكنت من إحباطها، ومن الغريب أن بعض الفوضويين قد حاصروا دار مدير الأوقاف الذى كان ضمن القائمه (يقصد قائمة التركمان المدرجه أسماؤهم فى مكيدة الأسلحه المزعومه) ولم يعلموا أن التفتيش إقتصر على ثلاثة دور فاستنجد المذكور بالفرقه وخلصته من المقاومه الشعبيه التى كادت أن تفتك به وبعائلته وهذه هى ثاني محاوله تحول الفرقه دون وقوع مجزره بسببها، ولكن الغريب هو ظاهرة تدخل عناصر من الضباط إلى جانب الفوضويين لقد جرى التحقيق وعينت اسماء الجماعات التى تدخلت فى القضيه وأرسلت إضبارة التحقيق إلى سيادة الحاكم العسكري العام وقد تأيد إشتراك معظم هؤلاء الضباط والمدنيين فى مجزرة كركوك الأخيره. . ". . . . . وهكذا تسبب الملائيون من أتباع الملا فى فوضى عارمه فى كركوك وصار لايعرف من هو المتصرف ومن هو الحاكم ومن هو المسئول ومن هو المواطن، فقد إختلطت الأمور، وما على الشخص أيا كان مؤهله التعليمى أو وضعه الاجتماعي كي يصير مسئولا وحاكما يأتمر الناس بأوامره إلا أن ينضم لحزب الملا البرزاني أو أى خليه شيوعيه، وقتها يصير من حقه أن يقتل ويسحل ويدمر ويحرق دون حسيب أو رقيب، فالمؤهل الوحيد فى ذاك الزمان هوالإعلان عن الولاء للبارتيين ولزعيمهم الملا البرزاني ولندع اللواء الركن صلاح عبد القادر ضابط إستخبارات الفرقه الثانيه فى كركوك وهو كردي وطني محب لتراب بلاده يحكى لنا جانبا مما كان يحدث ". . على ما أتذكر فى اليوم الثاني لثورة الموصل علمت من خلال آمر سرية إنضباط الفرقه بأن عناصر شيوعيه وبارتيه قد سيطرت على نقاط السيطره فى مداخل مدينة كركوك وبدأت تتعرض وتعتدي وتهين المواطنين وخاصة الضباط منهم ممن يدخلون مدينة كركوك وخاصة نقطة سيطرة مدخل كركوك من إتجاه إربيل فكلفت مفرزه قويه من الإنضباط العسكري بمهمة إلقاء القبض على هؤلاء بعد أن تبين بأنهم قد أهانوا واستفزوا عددا من كبار الضباط الذين كانوا فى طريقهم من إربيل إلى كركوك يستقلون سياره مدنيه، وفعلا تم جلبهم إلى مقر الفرقه ومجموعهم أربعة أشخاص (فراش، حارس أهلي، عامل مضخة وقود، كناس بلديه) وطلب السيد القائد (الزعيم الركن ناظم الطبقجلي) حضورهم لمقابلته كل على إنفراد حيث سأل سيادته كل واحد منهم عن أسباب قيامه بهذه الأعمال غير المشروعه وغير القانونيه وكانت إجاباتهم متفق عليها وموحده وهي (أننا حراس الجمهوريه، لنا مطلق الحق فى تفتيش أى كان بامر من مراجعنا) وحين مناقشة أحدهم من قبل السيد القائد والسؤال منه (هل يجوز لك أن تفتش ضابطا كبيرا بهذه الرتبه وهو برتبة عقيد، وهل يجوز لك أن تأخذ السلطه من الإنضباط العسكري وتخول نفسك بهذا العمل الإجرامي اللاقانوني) فأجاب (نعم) فانهال عليه السيد القائد ضربا ولكما وأرداه ارضا من شدة تأثره من هذا الموقف الذي لاينسجم مع كل القوانين والأعراف والخلق، فتدخلت في الموضوع وسحبته من غرفة السيد القائد إلى خارجها فقرر السيد القائد إحالتهم إلى حاكم تحقيق كركوك لإتخاذ الإجراءات القانونيه بحقهم، إلا أن هذا الحاكم أطلق سراحهم فيما بعد لأنه كان ينتمي إلى ذات المجموعه، وهكذا تكررت مثل هذه الحوادث المؤسفه وتردى الوضع وديس القانون ". .
وهكذا أسهم الملائيون فى نشر الفوضى فى كركوك وأصبح الفراش أو عامل المضخه أوالحارس الأهلي أوكناس البلديه من حقه توقيف الضباط والإعتداء عليهم مهما كانت رتبهم العسكريه وصار التركمان فى كركوك فى خوف ووجل شديدين من تلك التصرفات الإجراميه التي دأب أتباع الملا على إرتكابها، وصارت التهم جاهزه، وأصبح مألوفا أن تسمع:. . إسحل. . إسحل. . ماكو مؤامره تصيغ والحبيل موجودي. . وهذا مصير الخونه، وغيرها مما تجود به الأيادي والألسن الخيره لأتباع الملا. . . . وللحديث بقيه
(وردت هذه الوثائق والشهادات فى موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل ٣ - العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين الصحيفه رقم ١٧٢، ٢٤٠ - دار الحريه للطباعه بغداد ١٩٨٨م)
(الحلقة الحادية عشر)
رأينا فى الحلقه السابقه كيف إستطاع الملائيون نشر الفوضى فى كركوك، وكيف صار الرعاع والغوغاء يستوقفون كبار الضباط على قارعة الطريق ويقومون بالإعتداء عليهم مستندين على حماية الملا واعوانه من القضاه والحكام، وبدا واضحا ان الملائيين يرغبون فى نشر الفوضى فى البلاد بإعتبار أن الفوضى هى أقصر السبل لتحقيق أهدافهم فى الإنفصال، وأن عراق مستقر يسوده العدل وحكم القانون سيحول دون تحقيق أهدافهم ومراميهم الإنفصاليه، ومن ثم بذلوا قصارى الجهد من أجل شيوع الفوضى، فراحوا يبثون الرعب والإرهاب فى نفوس التركمان بهدف دفعهم للرحيل عن كركوك، وراح الأكراد المتعصبون من أتباع الملا ومن خلفهم الشيوعيين والعناصر الفوضويه يثيرون المضايقات للطلاب و التلاميذ التركمان فى المدارس ويسعون لنشر الفتن وغرس بذور الأحقاد بين القوميات، ولعل من أشهر الحوادث التى شغلت الرأى العام فى كركوك قبيل المجزره الحوادث التي جرت فى دار المعلمات الإبتدائيه والتى دبرها الملا مصطفى البرزانى وأعوانه من الشيوعيين وكانت بطلتها السيده لبيبه أحمد الريس مديرة دار المعلمات وهي سيده شيوعيه تدين بالولاء للحزب الشيوعى وتتعاطف مع البارتى الذى يترأسه الملا البرزاني، ولنقرأ ما قاله الزعيم الركن ناظم الطبقجلي أمام محكمة فاضل المهداوي عن بعض تصرفات تلك المديره التى حولت دار المعلمات إلى ساحه للتناحر القومي وتصفية الحسابات مع الطالبات التركمانيات. . . . يقول الطبقجلي: " تلقيت مكالمه تليفونيه فى دارى من الدكتور حلمي سماره أمسية يوم خميس من كانون ثاني يرجوني فيها الموما إليه وبناء على طلب الشاهده (لبيبه أحمد الريس) زيارتي فى دارى مع زوجته لعرض طلب السيده المومأ إليها، فرحبت بهم، إستقبلنا الضيوف أنا وزوجتي، وافتتح الحديث بما يلي: قالت الشاهده وهي مديرة دار المعلمات الإبتدائيه فى بناية ثانوية المصلى، بأن المدرسه أقامت حفلة سمر بمناسبة ١٤ تموز، وجرى الترتيب لتسجيل الخطب والقصائد والأغاني، والتى تلقى فى هذه المناسبه بقصد إرسالها إلى دار الإذاعه العراقيه لإذاعتها فى منهاج الإذاعه الأسبوعي (قسم الفعاليات) وجاءت تشكو إحدى التلميذات التركمانيات التى لاحظت عليها (أي المديره) أن هذه التلميذه التركمانيه كانت حركاتها مريبه حول المذياع، وكانت الهتافات تسجل وهي تشيد بحياة ووحدة الشعب العراقي بكرده وعربه. فانبرت التلميذه المذكوره حسب إدعاء المديره وهتفت بحياة الجمهوريه التركيه العربيه الكرديه أو فى هذا المعنى وتريد منى المديره أن أتخذ الإجراءات ضد هذه التلميذه التى خالفت وارتكبت جريمه نكراء بهتافها هذا، فأجبت السيده لبيبه قائلا. . هل أستطيع أن أستمع إلى التسجيل حتى يتبين نوع الهتاف؟ فأجابت: إننا محوناه على أساس الإستعجال فى إرسال الشريط إلى دار الإذاعه. فقلت لها: كيف تدان التلميذه وليس لها جرم مشهود؟، غير أنى اقترح عليك إن وجد الشهود أن تعاقبيها بصلاحية مجلس المدرسات. وخلال حديثى مع الشاهده طلبت إلى زوجتى أن تخابر عائلة التلميذه ليأتوا إلى دارنا، فحضرت وحضر أهلها وأجلسناهم فى غرفه أخرى بغية التحقيق مع هذه التلميذه وواصلت الإستماع إلى الشاهده (لبيبه الريس)، ورأيت انها ترغب بعقوبه أشد، فقلت لها ولماذا لاتراجعى مدير المعارف إذا كانت صلاحية مجلس المدرسات هى دون ماترضينه من عقوبه بحق هذه التلميذه. فرأيت منها أنها مازالت تريدني أن أقوم بعمل ضد هذه التلميذه أشد من صلاحية مجلس المدرسات ومدير المعارف بهذا إستدركت الموضوع وقلت لها لابأس مما تطلبيه تريثى قليلا فإننى سأعرض على مدير معارف اللواء وسيادة المتصرف لإتخاذ الإجراءات الرادعه. . . . ويستمر المرحوم ناظم الطبقجلي قائلا: " إنتهت المواجهه على أساس عرض شكوى المديره على سيادة المتصرف ومدير المعارف بوصفهما المرجع الذى يمكنه النظر فى طلبها وانتهت الزياره وودعتهم أنا وزوجتي حتى باب الدار مكرمين.
عدنا إلى التلميذه وعائلتها إذ كانت قد إصطحبت سيدتين كانتا مرتديتين اللباس المخصص الى سيدات الهلال الأحمر فرحبت بهن وسألت التلميذه عن موضوع شكوى المديره بسبب هتافها فأجابتني:
(نحن التركمان ياسيدي غرباء في وطننا) وأجهشت بالبكاء فهدأتها وقلت لها اجيبي على سؤالى وعلى تهمة المديره فأقسمت أنها لم تعمل شيىء يخل بأدب ولكن كل ماقلته: (تحيا الأخوه التركمانيه العربيه الكرديه) فاستشاطت المديره غضبا وأهانت بنات قومي إذ لاترغب فى إعتبارنا عراقيات. . "
بالطبع لم تقنع ردود وحلول الزعيم ناظم الطبقجلي المديره ومن يقفون خلفها من أتباع الملا وبقية طابور الفوضويين، فالزعيم يروم الهدوء وإشاعة السلام الإجتماعي بين القوميات، أما هؤلاء فأهدافهم معروفه ولا يستطيعون التكيف مع اجواء السلام وتتملكهم الرغبه فى التدمير والقتل والتنكيل بالمواطنين وخصوصا التركمان، وراحت المديره تبحث عن طريق لإيذاء الطالبه لا لجرم إقترفته بل لكونها تركمانيه وهى تمقت التركمان ولا تترك مناسبه إلا وتنعتهم بالطورانيه والعماله، ولندع المديرة الحاقده على التركمان تقص علينا ما تمخض عنه لقائها بالزعيم ونعرف رأيها فى الحلول التى طرحها عليها ناظم الطبقجلي. . تقول:" راجعت مدير المعارف المسئول وشرحت هذه التصرفات ونتائجها ومضارها ورجوته أن يسعى لإصلاح الوضع إلا أن مراجعاتي ومخابراتي لم تؤد إلى نتيجه وقررت أخيرا وضع الأمر بين قيادة الفرقه وبين سيادة قائد الفرقه بالذات بإعتباره المسئول حينذاك فى اللواء وكنت على ثقه بانه سيؤازرني وتنصلح الأمور بتدخله ". . وتعلق على نتيجة زيارتها له قائله. . " وودعته (أى عقب زيارتها له فى منزله) دون أن أحصل على نتيجه ملموسه أو علاج ناجح للوضع سوى التأكيد على معالجة الأمور بتعقل وتروي إلا أن الأحوال أخذت تزداد سوء والنفره بين الطالبات زادت وتوترت علاقاتهم بعضهم ببعض بسبب توزيع مناشير سريه داخل المدرسه. . وكانت حجتهم كسابقتها أنى شيوعيه كافره زنديقه استباحت الدين الإسلامي وما أنا كما يدعون. . وعند ذلك قررت بحزم أخذ المسئوليه على عاتقي والضرب على أيدي الطالبات الفوضويات ". . " وهكذا قررت المديره الشيوعيه والقوى الملائيه التى تساندها الإستمرار فى التصعيد وإثارة التوتر داخل المدرسه وتغذية النعرات القوميه المعاديه للتركمان، وبذات الطريقه الملائيه الشيوعيه الفوضويه المعهوده رفضت كل الحلول المطروحه من المتصرف ومدير المعارف وقائد الفرقه لتهدئة الأوضاع داخل المدرسه ونصبت نفسها فوق هؤلاء، فهى المرجعيه وهى المتصرف وهى مدير المعارف وهي قائد الفرقه. . هكذا علمها أسيادها الملائيون أن لاتخشى من أحد فهم يملكون دفة الأمور فى البلاد، وأن مهمتها الوطنيه الساميه تفرض عليها تأديب هؤلاء الطورانيين الغرباء إلى أن يأتي اليوم الذى تنجح القوى الخيره فى تخليص البلاد من شرورهم بقتلهم أو طردهم خارج البلاد وإقامة (وطن حر وشعب سعيد). . وطن يتحكم فيه أسافل المجتمع وأرازل من شذاذ الآفاق!!!
وللحديث بقيه
(هذه الشهادات والوثائق وردت فى: موسوعة ثورة ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل (٣) - العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين - رقم الصحيفه ٤٤، ٤٥، ٤٧، ٤٨ دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨ م)
(الحلقة الثانية عشر)
رأينا فى الحلقه السابقه كيف سعت مديرة دار المعلمات الإبتدائيه السيده لبيبه أحمد الريس والمتحالفه مع جماعة الملا مصطفى البرزانى والكارهه للتركمان لبث الفرقه فى دار المعلمات بسعيها الدؤوب لإهانة الطالبات التركمانيات، ورأينا كيف ضاق صدرها بطالبه تركمانيه هتفت بحياة الأخوه التركمانيه العربيه الكرديه وليس بحياة الأخوه العربيه الكرديه، واستنكرت على الطالبه التركمانيه أن تقحم قومها التركمان وهم غرباء عن الوطن فى الهتاف بعدما قرر الملائيون والشيوعيون بأن هذا الوطن قسمه بين شريكين فقط هما العرب والأكراد من دون بقية القوميات، واستكثرت عليها أن تهتف بحياة قومها(التركمان) التى دأبت المديره على وصفهم بالطورانيين والرجعيين والعملاء، وراحت المديره تكيد للطالبه المعتزه بقوميتها ووطنها، وأخذتها العزة بالإثم فلم ترض بحكم المتصرف ومدير المعارف وقائد الفرقه وقررت أن تدير الأمور علىهواها وبالطريقه التى ترضى أسيادها الملائيين، ولنتأمل قولها:" وعند ذلك قررت بحزم أخذ المسئوليه على عاتقى والضرب على أيدى الطالبات الفوضويات " والفوضويات فى قاموس الملائيين تعنى التركمانيات، وظلت الطالبات التركمانيات فى المدرسه تحت وطأة هذه المديره الكارهه لهن تذيقهن من عسفها وجورها إلى أن جاء يوم ٢٨/٢/١٩٥٩ عندما وزع منشور فى عموم العراق وفى كركوك يهاجم الشيوعيه والشيوعيين واستهانتهم بالقيم الإسلاميه فى مجتمع مسلم قوامه المبادىء الإسلاميه و برعاية من هولاكو بغداد الجديد عبد الكريم قاسم كما سماه المنشور، وفى حجرة الدرس وجدت إحدى المعلمات المنشور المذكور فى كراس إحدى الطالبات التركمانيات، فسلمته للمديره المشهوره بالشيوعيه، ووجدت المديره فى المنشور ضالتها المنشوده لتنتقم من التركمان فقامت بجمع الطالبات فى ساحة المدرسه، وهاجمت التركمان فى كلمتها هجوما عنيفا ونعتتهم بالطورانيه والعماله، فقامت بعض الطالبات التركمانيات بالرد عليها وتطورت المشاده الكلاميه إلى تشابك بالأيدى، وكانت دار المعلمات تقع فى أحد الأحياء التركمانيه فى كركوك، فهرعت بعض الطالبات التركمانيات إلى خارج المدرسه، وأخبرن ذويهن بما جرى، فقدم الشباب التركمان بأعداد غفيره وتجمهروا أمام المدرسه وحاصروا المديره بداخلها بعد أن سمحوا بخروج الطالبات والمعلمات، ثم قاموا برشق باب المدرسه ونوافذها بالحجاره، وقد إستمر حصارهم لها قرابة الأربع ساعات وبعدها تمكنت قوات الشرطه والإنضباط العسكري من تفريق الشباب ونقل المديره بسيارة الشرطه إلى خارج المدرسه، وقد راجعت المديره السيده لبيبه الريس مدير المعارف السيد نعمان بكر التكريتى وطلبت فصل الطالبه، ولكن مدير المعارف أصر على إحالة الطالبه أولا على مجلس المدرسه كما تقضى اللوائح، وعلى ضوء قراره تتخذ الإجراءات، وبعرض الموضوع على مجلس المدرسه قرر المجلس طرد الطالبه ثلاثة أيام فقط. لم تقبل المديره بهذه العقوبه وساندها فى ذلك الشيوعيين والبارتيين، وقاموا بمظاهره يحتجون فيها على عدم فصل الطالبه وهتفوا بالموت للقوميين المزيفين وعملاء حلف بغداد (التركمان)، ورد التركمان بمظاهره يحتجون فيها على تدخل البارتيين والشيوعيين فى أمور فصل فيها مجلس المدرسه طبقا للوائح المعمول بها، وأحاط الجمعان بالمدرسه وكادالطرفان أن يلتحما بمعركه فى صباح يوم ٢٨ / ٢/١٩٥٩، فاستعان المتصرف بالشرطه وقياده الفرقه حيث نجحت القوات المشتركه لهما فى تفريق المتظاهرين بدون وقوع خسائر، وفى اليوم التالى (١ / ٣/ ١٩٥٩) إستمرت مظاهرات الطرفين وطالب البارتيون والشيوعيون بمعاقبة كل من هم وراء هذه الطالبه من العسكريين والمدنيين وكادت المظاهرات تعصف بالمدينه للمره الثالثه لولا إستعانة المتصرف بالزعيم ناظم الطبقجلى قائد الفرقه الثانيه والذى بعث له بسرية مشاه تمكنت من السيطره على الموقف، بعدها إتفق المتصرف مع قائد الفرقه على نقل المدرسه من مكانها بالحى التركمانى إلى الجانب الآخر من كركوك، وقد نتج عن تلك الصدامات القبض على العديد من المواطنين التركمان ووضعهم قيد الحبس، وقد وجد الملائيون والشيوعيون فى ذلك فرصه للإنتقام من التركمان إذ أن العناصر الملائيه والشيوعيه هى التى تتولى زمام القضاء فى لواء كركوك، وقد باشر التحقيق مع التركمان حاكم التحقيق السيد بطرس مروكى، وكما هو متوقع قام هذا القاضى بتوقيف العديد من التركمان، وقد أثار ذلك تذمرهم واتهموا حاكم التحقيق بالخضوع لتأثير السيد عونى يوسف الشيوعى الكردى الذى يتولى رئاسة محكمة إستئناف كركوك، وأبرقوا بذلك إلى عبدالكريم قاسم والحاكم العسكرى العام وقائد الفرقه والمتصرف والإستخبارات، وقد إستجاب الحاكم العسكرى إلى مظلمة التركمان وأمر بتشكيل هيئة تحقيق جديده برئاسة حاكم تحقيق الرصافه فى بغداد السيد سالم محمد عزت، وتحركت هيئة التحقيق من بغداد ووصلت إلى كركوك يوم ٣ / ٣/ ١٩٥٩ وكان وقتها المرحوم ناظم الطبقجلى مريضا فى بيته. . وهنا نترك الحديث للسيد سالم محمد عزت حيث يقول:" كنت صديقا للقائد (الطبقجلى) وعند وصولنا واجهته فى داره ودار الحديث حول المظاهرات وتهديد أمن المواطنين، وقال لم يقم الجيش بالثوره إلا لإسعاد الناس ورفاهيتهم وليس من اجل ان ينحاز إلى جانب معين. لابد من الحياد. ويستطرد رئيس الهيئه التحقيقيه الأستاذ سالم فيقول: إن القائد أوصانا بالحياد التام واكملنا الإستماع إلى الإفادات التى كان آخرها شهادة المتصرف السيد عبد الجليل الحديثي، ووافق الحاكم العسكري يوم ٧ /٣ على إطلاق سراح من نسبنا إطلاق سراحه حسب سير التحقيق. وفى يوم ٨ / ٣ عملنا المحضر وكتبنا إلى الشرطه بإطلاق سرح الموقوفين بناء على موافقة الحاكم العسكرى العام التلفونيه. ". . وهكذا فشلت خطط الملائيون والشيوعيون فى إستغلال نفوذهم لدى القضاء للتنكيل بالتركمان حيث أطلقت هيئة التحقيق القادمه من بغداد سراح التركمان الموقوفين، ولندع الزعيم الركن ناظم الطبقجلى يسرد لنا ملاحظاته على تلك الأحداث. . يقول الطبقجلي: " كان ذلك بسبب تصرفات السيده لبيبه أحمد الريس مديرة دار المعلمات لخلافها مع الطالبات هذا الخلاف العقائدى الذى أدى إلى توتر الحاله يوم ٢٨ شباط ١٩٥٩ ويوم ١ مارت ١٩٥٩ مما أدى إلى تجمهر التركمان والشبيبه الديمقراطيه وتعاون سيادة المتصرف ومدير الشرطه وآمر الإنضباط العسكرى فى تفريق التجمهر يوم ٢٨ / ٢ / ١٩٥٩ ولكن القضيه تطورت يوم ١ مارت ١٩٥٩ وكادت تعصف بأمن المدينه فطلب المتصرف مني النجده فأرسلت سرية مشاه وكنت آنذاك قابعا فى بيتى لمرضى. وانتهى الموضوع بسلام ولكن كانت العناصر الإنتهازيه تغذى هذا التوتر وجاءنى سيادة المتصرف واتفقنا على نقل المدرسه من القلعه إلى الجانب الآخر من كركوك ثم طلبت من سيادة الحاكم العسكري العام وضع اليد على القضيه وإيفاد لجنة تحقيق من بغداد للتحرى عن تفاصيل الخلاف بين المديره من جانب والطالبات من الجانب الآخر وقد وضح لي الحاكم الموفد على رأس اللجنه أن المديره كانت تتحمل قسطا كبيرا من المسئوليه وبالإستطاعه الإطلاع على محضر التحقيق فى مكتب الحاكم العسكري العام، وهكذا منعت للمره الثالثه وقوع إشتباك أو تصادم دموى كان الفوضويون يهيئون له كل الأسباب حتى تركت كركوك فتمت المجزره، المجزره التي يأسف لها كل ضمير حي وذهبت الضحايا هدرا ونهبت الأموال وخيمت على كركوك ظلال الموت. "
• وهكذا تمكنت حكمة وحنكة القائد ناظم الطبقجلى من التغلب على المؤامره الثالثه التى حاكها الملائيون والشيوعيون لإيقاع مذبحه كبيره بالتركمان فى كركوك، غير أن مؤامرات الملائيون لم تتوقف. وكيف تتوقف المؤامرات والتركمان يتشبثون بمدينتهم الخالده كركوك ووطنهم العراق؟ كيف تتوقف المؤامرات ولم يصل الملائيون لمبتغاهم فى فصل كركوك عن الجسد العراقى وإقامة كردستانهم الموعوده؟
• فى الحلقه القادمه نستعرض المزيد من الوثائق وشهادات من عاصروا الأحداث.
وللحديث بقيه
(الحلقة الثالثة عشر)
رأينا من خلال الوثائق السابقه كيف سعى الملائيون وبذلوا قصارى الجهد من أجل إشاعة الفوضى وعدم الإستقرار فى كركوك، وكيف راحوا يدبرون المكائد ويحيكون المؤامرات ضد التركمان و ضد كل من يقف فى وجه طموحاتهم الإنفصاليه من رجال الإداره والجيش، وفى حلقة اليوم نستعرض الوثائق والشهادات المتعلقه بمحاولة الملا مصطفى البرزاني نشر أفكاره البارتيه والعنصريه داخل القوات المسلحه وسعيه لبث سموم أفكاره بين الضباط وضباط الصف والجنود، وقيام الضباط الشرفاء بالتصدى للفكر الملائى العنصري الذى أخذ يتفشى فى الجيش كالطاعون بتشجيع من رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم الذي كان بحاجه لمساندة هذه القوى الملائيه العنصريه فى صراعه ضد القوى القوميه التى تطالب بالوحده مع الجمهوريه العربيه المتحده، ولإفهام رجال العربيه المتحده بأنه يوجد داخل العراق قوى أخرى تعارض هذه الوحده، ولإرضاء الغرب الذي يعارض كل وحده حقيقيه بين الأقطار العربيه. وهكذا وجدت الأفكار الملائيه العنصريه من يشجعها من أعلى قمة السلطه لتنفث سمومها بين الضباط وضباط الصف والجنود وأخذت المناشير توزع والإجتماعات تعقد والأباطيل تروج ضد القوميتين العربيه والتركمانيه، وكان الملا مصطفى البرزاني على قناعه بأن من يكسب الجيش إلى صفه فقد حسم المعركه لصالحه فسعى لتكوين الخلايا والتنظيمات داخل الجيش وخصوصا فى منطقة الفرقه الثانيه والتي كانت تضم اربعة ألويه (محافظات) هى: السليمانيه وكركوك وأربيل والموصل، وكان معظم جنود وضباط صف فى الفرقه الثانيه من الأكراد وكان يعرف عنهم الشجاعه والإنضباط والتدين، إلا أنه وبعد عودة الملا مصطفى البرزاني من الإتحاد السوفيتي بذل قصارى جهده لتسميم عقولهم بأفكاره الشيوعيه والعنصريه والإنفصاليه، وقد شعر ناظم الطبقجلى بقلق كبير من تحرك الملا فى هذا الإتجاه فسعى لدى عبد الكريم قاسم لإستصدار قرارا بمنع الحزبيه فى الجيش، وقد إستجابت قيادة الجيش لمخاوف الطبقجلى فعقدت إجتماعا في تشرين أول أكتوبر ١٩٥٨ بناء على أمر قائد القوات المسلحه الصادر فى ١١ / ٩ / ١٩٥٨ ووافقت القياده على تجميد الأنشطه الحزبيه على أن يعرض القرار على رئيس الوزراء للمصادقه عليه وأحس الطبقجلى بسعاده غامره لموافقة القياده على هذا المطلب الهام بعد أن اوشكت الأفكار الملائيه والشيوعيه على أن تعصف بوحده البلاد، غير أن عبد الكريم قاسم أخذ فى المماطله والتسويف ولم يصادق على القرار الأمر الذي أعطى الفرصه للعناصر الحزبيه والملائيه لبث سموم الفرقه والإختلاف بين أبناء الوطن الواحد وجر البلاد إلى صدامات ومجازر كان من الممكن تلافيها بالمصادقه عليه. . وفى السطور التاليه يحدثنا ناظم الطبقجلي عن جهوده فى سبيل القضاء على الحزبيه فى الجيش فيقول:" كانت تناقش هذه المشكله في مؤتمرات قادة الفرق الشهريه. وانتهى القرار بالموافقه على إستصدار أمر وزاري بمنع منتسبي الجيش من التدخل فى السياسه أو الإنتساب إلى الأحزاب كما هو المعمول به إبعاد الجيش عن الكتل السياسيه. وكان هذا القرار قد تمت الموافقه عليه في مؤتمر قادة الفرق كآخر محاوله يوم ٢٩ كانون أول ١٩٥٨ ونال موافقة سيادة رئيس الوزراء أملا منا بالحفاظ على الجيش كتله واحده موحده ذات هدف واحد ". . . . ويستطرد قائلا:"وعندما صدر البيان الحكومى الذى يحدد فيه واجب المقاومه الشعبيه. انتهزت هذه الفرصه لأذكر المسئولين بالوعد الذى قطعوه فى مؤتمر يوم ٢٩ كانون الأول ١٩٥٨ حول التأكيد على إصدار الأمر الوزارى بمنع الحزبيه فى الجيش وقد أرسلت بهذا الصدد" كتاب سرى للغايه وشخصى عنونته إلى سيادة رئيس أركان الجيش برقم ١٤٢ وبتاريخ ١٩/١/١٩٥٩راجيا من سيادته التوسط فى إصدار بيان من لدن وزارة الدفاع بمنع الضباط وضباط الصف من التدخل بالأمور السياسيه أو الحزبيه أو الإنحياز إلى المبادىء على غرار ما صدر الى المقاومه الشعبيه وإتحاد الطلبه العام " وفى كتاب آخر " سرى للغايه وشخصى برقم ١٤٤ فى ١٩/١/١٩٥٩"على إثر التفتيش والتحري عن مستودعات الأسلحه فى كركوك الذى جرى فى يوم ٢٧/ ١٢/ ١٩٥٨ والذى تدخل بعض الضباط فى إجرائه وهم غير مكلفين بذلك. طلبت فيه ان يحرم على القوات المسلحه الإنحياز إلى الكتل والمبادىء بصوره مطلقه وتحميل مسئوولية مخالفة الأوامر بأشد العقوبات الصارمه والإنصراف إلى التدريب وأداء الواجب المقدس لحماية الجمهوريه، لأن وحدة الجيش هى الدرع الحصين لبناء مستقبل هذا الوطن. وإن إخلاص الضباط والمراتب بواجبهم هوالدعامه لحماية النظام الجمهوري ". . ويصف المرحوم ناظم الطبقجلى الحاله التى وصل إليها الجنود فى الفرقه الثانيه حال قيام الملا مصطفى البرزاني بزيارته المشئومه لكركوك فى الفتره من ٢٦/ ٢٨ تشرين أول ١٩٥٨ فيقول بأسى شديد:" في اواخر تشرين الأول جرى التصادم بين الأهالي على إثر مغادرة الملا مصطفى البرزاني الذى حل ضيفا فى دار الضباط بكركوك. وكانت الإستفزازات قد بدت، إذ إشتبك الجانبان فى الشجار وقد إتخذت الإجراءات لإنزال القطعات إلى المدينه للحيلوله دون توسع النزاع وكنت اشاهد من شرفة مقر الفرقه الأهالى وهم يتقاتلون مع بعضهم وكذا الجنود انضموا إلى الأهلين كل مع جانب من المتنازعين فالقى القبض على بعض الأهلين وكثير من الجنود وقد حاول بعض الفوضويين الهجوم على الأسواق التجاريه فالقى القبض عليهم وجرى التحقيق مع الأهلين من قبل حاكم التحقيق وسيق المقصرين إلى بغداد لإحالتهم إلى المجلس العرفي. كما ارسل الجنود إلى وحداتهم مخفورين فنالوا عقابهم. " ويستطرد قائلا " هذا وقد إجتمعت بضباط الوحدات فى كركوك واكدت عليهم بضرورة تفهيم المراتب بأنهم من الشعب وإلى الشعب ويجب أن يعرفوا جليا عدم جواز تدخلهم في أى نزاع يحدث فى المستقبل بين الأهلين، كما اكدت على الضباط التزامهم الحياد فى كل ماينشب من خلاف بين الأهلين لأن الجيش يجب أن يكون فوق الميول وحيادى من جميع الوجوه وإلا سيضطر الجندى أن يضرب أخاه الجندى أو يضرب الجنود إخوتهم الأهليين وقد أصدرت بلاغا لكافة وحدات الفرقه أحثهم على الإبتعاد عن المنازعات وإفهام جميع منتسبى الفرقه بذلك. . "
وهكذا أوصلت الأفكار الملائيه الجيش إلى حافة الهاويه حيث تخلى الضباط وضباط الصف والجنود عن وظيفتهم الأساسيه فى الدفاع عن البلاد ضد أى عدوان خارجى إلى الإعتداء على المواطنين أو الإعتداء على بعضهم البعض وعششت فى عقولهم الأفكار التعصبيه والإنفصاليه، وتشبثوا بخليط من الأفكار القبليه الممزوجه بالأفكار الشيوعيه، وسادت الأفكار الفوضويه فى مؤسسه كان من المفترض أن تؤسس على الإنضباط والطاعه، فحولتها الأفكار الملائيه إلى فوضى عارمه، ولم يعد الجنود وضباط الصف يطيعون أوامر الرؤساء من الضباط، ووصل الأمر في بعض مناطق الفرقه الثانيه إلى محاولة بعض الجنود سحل قيادييهم من الضباط. . ولندع المرحوم ناظم الطبقجلي يقص علينا جانبا من المأساه التى حلت بشعب العراق وتركمان العراق وجيش العراق من جراء تفشي الأفكار الملائيه والشيوعيه والفوضويه فى الجيش. . يقول:". . هذا ما كنا نروم تجنبه بإبعاد الجيش عن السياسه والإحتفاظ به كقوه هائله فوق الميول. ولقد أشاعت الحزبيه فى الجيش سموم التفرقه فانشق الضباط والمراتب على بعضهم وبدت بوادر الخلافات وكثرت شكاوى آمري الوحدات فكنت اوصي الآمرين أن يعملوا على استمرار درجه عاليه من التدريب والضبط وتطبيق القوانين على المخالفين للحيلوله دون ظهور خلاف حزبي حاد بين وحدات الجيش وكثرت الوشايات والإخباريات وكان آخرها المجلس التحقيقى عن ضباط حامية عقره بسبب ممارساتهم الحزبيه التى لم تمنع بأمر إداري مشدد كما تم الإتفاق عليه مسبقا وكان من الصعب والحاله هذه الجمع بين عقيدتين متناقضتين إحداهما تتمسك بقومية الفرد والأخرى بلا قوميه. ولم أقطع أملي فى محاوله أخيره للحصول على أمر تصدره وزارة الدفاع حول منع السياسه في الجيش فقد مر بكركوك سيادة وزير الدوله فؤاد عارف فالتقيت به ورجوته أن يعمل جاهدا لإصدار الأمر بمنع الجيش من ممارسة الحزبيه وأطلب شهادته. بقى الحال على ماكان عليه وتطور الموقف حتى ادى حدوث عصيان الموصل ووقعت الواقعه فإذا بالجيش يقاتل بعضه البعض هناك وإذا بالجيش يضرب الشعب فى مجزرة كركوك الرهيبه أما أنا فلقيت المصاعب لوقوفي على الحياد بلا ميول حزبيه. . "
إنتهى كلام الطبقجلي عن المأساه التى حلت بالبلاد إثر عودة الملا البرزاني من الإتحاد السوفيتي وسعيه لنشر الأفكار الملائيه العنصريه الإنفصاليه بين الضباط وضباط الصف والجنود ولكن زملاء الطبقجلى لديهم الكثير والكثير مما يمكن أن يقال عما لحق العراق وجيش العراق وشعب العراق. . وللحديث بقيه
(هذه الشهادات والوثائق وردت فى موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل (٣) - العميد المتقاعد: خليل إبراهيم حسين - صحيفه رقم ١٥٨، ١٦٦، ١٦٨ - دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨م)
(الحلقة الرابعة عشر)
رأينا فى الحلقه السابقه كيف إستغل الملا مصطفى البرزاني الظروف التى هيأها له نظام عبد الكريم قاسم الذي أعاده من منفاه فى روسيا وخصص له أحد قصور نورى السعيد واغدق عليه بمخصصات ضخمه بأن سعى لإغتنام الفرصه وعمل على نشر أفكاره العنصريه فى الأوساط المدنيه والعسكريه، وكيف تحول الشعب العراقى بسبب هذه الأفكار إلى فرقا متناحره متصارعه، وظهرت ولأول مره فى تاريخ العراق الحديث مايمكن تسميته ب" ثقافة السحل " وصار مألوفا أن يشاهد البارتيون وحلفاؤهم يهتفون " إقتل. . إقتل. . إسحل إسحل ". . " ماكو مؤامره تصير. . والحبال موجوده " وصار إعتياديا أن تجد بندا فى ميزانية حزب البارتي لشراء "الحبال" وكافة مايلزم لإحلال ثقافة السلام التي جلبها معه الملا أثناء قدومه من روسيا!!! وكان أشد مايقلق المرحوم ناظم الطبقجلى هو إنتقال هذه الأفكار العنصريه الخبيثه للجيش الذى هو بمثابة درع للأمه ينبغي أن يبقى على الحياد بعيدا عن الأفكار الحزبيه، وهاله أن يرى من شرفة إستراحة الضباط بقيادة الفرقه الجنود وهم يتقاتلون مع بعضهم البعض أعقاب الزيارة الفتنه التى قام بها الملا البرزاني لكركوك، وقد سعى ناظم لدى السلطات فى بغداد لمنع سقوط البلاد في دوامة الفوضى، غير أن قاسم الذى كان بحاجه لمساعدة الملا لتوطيد أركان حكمه المستبد كان قد أغمض عينيه عما يدور حوله ولم يبال بصرخات ناظم الطبقجلى وتحذيراته التى سبقت وقوع المجزره، وفى حلقة اليوم نواصل عرض شهادات بعض كبار الضباط ممن كانوا فى موقع المسئوليه وعاصروا الأحداث وعاينوا الجرم الذى ألحقه البارتيون بحق العراق وبحق التركمان، وأول هؤلاء العقيد ياسين السا مرائي آمر ف ٢ ل ٤ ورئيس الهيئه الإداريه لنادي الضباط في كركوك وقت الأحداث. . يقول: ". . بعد إقالة عبد السلام (يقصد عبد السلام عارف) وسجنه نشط الشيوعيون والبارتيون فى منطقة الفرقه الثانيه وأخذوا يتحدون الضباط القوميين وسكان مدينة كركوك التركمان بشعاراتهم وإستفزازاتهم وكانوا يتخذون من إدعائهم بولائهم لعبد الكريم قاسم حجه يتسترون بها من تمرير مخططاتهم فى الشمال فمثلا وقد كنت رئيسا لدار الضباط فى كركوك وقد اخبرنى مقر الفرقه بأن الملا مصطفى البرزانى سيزور كركوك ويحل فى دار الضباط وهيأت الفرقه مايلزم لحمايته وراحته. . ولكن مجيئه تحول إلى مظاهره إستغلها أتباعه والشيوعيون وأحاط به الضباط الشيوعيون والملائيون وسكن فى جناح خاص للضيوف. . وكان التحدى باد وكأنهم يريدون حجه لإشعال فتيل الفوضى فى المدينه. لم يرتح القائد(يقصد قائد الفرقه ناظم الطبقجلى) لهذه الزياره وهذا التحدى خوف حدوث الإضطرابات ولذلك امر القائد بوضع بعض القطعات فى الإنذار تحسبا لكل طارىء وغادر الملا كركوك وودع وكأنه بطل أو فاتح كبير. كان تحدي البارتيين والشيوعيين يسنده عبد الكريم قاسم وسلطات بغداد. . . ولأضرب مثلا آخر: فعندما جرت إنتخابات دار الضباط فى كركوك للهيئه الإداريه وكنت مرشحا لرئاسة الهيئه تكتل الضباط الشيوعيون والبارتيون وقدموا قائمه شيوعيه قاسميه بارتيه يمثلها آمر اللواء الرابع المشاه الجديد العقيد الركن عزيز مصطفى وكان تحديهم يقصد منه الإثاره والإستفزاز وليست المنافسه الديموقراطيه. . ومع كل هذا لم يتدخل القائد وحاول أن تمر الأمور بسلام وفازت القائمه القوميه وغضب البارتيون والشيوعيون وزادوا فى إستفزازهم للقائد وللضباط القوميين وبدأ الشيوعيون والبارتيون يبثون مبادئهم وتحزبهم بين الجنود وضباط الصف وزادت التحديات بحيث لايمكن قبولها وعبد الكريم قاسم لايستجيب لنداء القائد بضرورة وضع حد لما يحدث فى الفرقه الثانيه الذى ربما أدى إلى الإقتتال وسفك الدماء "
أما العميد نوري الراوى آمر لواء التدريب الثاني فى الفرقه الثانيه فيلخص لنا الوضع فى الفرقه فى ظل تفشى طاعون الأفكار الملائيه والشيوعيه فيقول: " أصبحت السيطره فى كركوك قبيل الثوره (يقصد ثورة الشواف) لأعوان عبد الكريم قاسم البارتيين الذين ياتمرون بأوامر الملا مصطفى البرزاني والشيوعيين والأقليات الأخرى التى ناصرت الشيوعيين وأيدتهم. كان معظم جنود الفرقه من الأكراد الذين أشتهروا بالضبط والطاعه والشجاعه ولكن دعايات الملا مصطفى البرزاني والشيوعيه والحزبيه لم تدعهم ينصرفون لواجباتهم العسكريه. أخذ الشيوعيون والبارتيون ينظمونهم ويعقدون الإجتماعات مع ضباط الصف وبعض الجنود وبصوره نشطه وواسعه وقد بذل القائد وآمروا الوحدات القوميين الجهود المضنيه لمنع هذه الإجتماعات ومنع بلشفة المراتب، وكان قائد الفرقه يرسل الكتب الرسميه إلى المراجع فى بغداد يحذر من العواقب والنتائج إذا فقد الجيش الضبط العسكري وتحزب "
. . . وعن الحاله التي وصل إليه الجنود والضباط فى اللواء الثالث التابع للفرقه الثانيه بعد تفشى داء الملائيه يقول العميد الركن منير فهمى الجراح آمر اللواء الثالث مايلي: " كان معظم الجنود فى الحاميه من الأكراد الذين يتصفون بروح الضبط والنظام والطاعه والأمانه والتدين ولا علاقه لهم بالحزبيه من أية نوع كانت إذا تركوا وشأنهم. . ولكن بعد أن اطلق عبد الكريم قاسم للحزبيه الشيوعيه والبارتيه أن تعمل بين الجنود تاثرت أقليه منهم بالدعايتين وبهرتهم الإستقبالات والإحتفالات التي تقام للملا مصطفى البرزاني فانصاعت هذه الأقليه من الجنود وضباط الصف لتوجيهات وأوامر الحزبيين، ومعنى هذا أنه إذا إستمرت الحاله على ماهي عليه والحكومه فى بغداد لاتلتفت إلى كافة التحذيرات وكأن الأمر والنظام لايعنيها. . فالكارثه محققه "
وهكذا يتضح بأن المأساه التي مر بها العراق عقب عودة الملا البرزاني من روسيا، وسعيه الحثيث للسيطره على الجيش من خلال نشر سموم افكاره العنصريه بين الضباط والجنود كانت أكبر من ان توصف أو تحكى، فحروف الكلمات تعجز عن وصف قدر المعاناه التى عاناها العراقيون وخصوصا التركمان منهم فى فترة الحكم القاسمى، تلك الفتره القاتمة السواد من تاريخ العراق والتى وصلت فيها الأمور لدرجة أن احد المسئولين فى النظام وإبن خالة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم المدعو (فاضل المهداوى) يعلن أمام وسائل الإعلام العالميه عن الزهو بقتل العقيد عبد الوهاب الشواف سحلا فى شوارع الموصل مهددا بان الموت سحلا سيكون مصير العصاه، في الحلقه القادمه نقدم لقراء موقعكم شهاده من أهم الشهادات كون أنها صادره عن ضابط كردي كبير يقدر حجم المسئوليه الملقاه على عاتقه امام الله وأمام التاريخ، قالها خالصة لوجه الله وفضح فيها الوجه البغيض للملائيه الحاقده ومبلغ الضرر الذى ألحقته بالعراق وشعب العراق وتركمان العراق. . . . . . . . وللحديث بقيه،
(وردت هذه الشهادات والوثائق فى: موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف - العميد الركن المتقاعد: خليل إبراهيم حسين - الصحيفه رقم ٢٢٦، ٢٤٦، ٢٥٣، ٢٥٤- دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨م)
(الحلقة الخامسة عشر)
رأينا من مطالعة الشهادات والوثائق السابقه كيف أن الأفكار العنصريه للملا مصطفى البرزاني أخذت تنخر كالسوس فى الأساس المتين للعلاقات القوميه داخل العراق حتى أوصلت القوميات إلى حافة الصدام، وأن هذه الأفكار البغيضه لم تقتصر على إفساد الحياه المدنيه للدوله وحسب وإنما أخذت فى التسلل إلى صفوف الضباط والجنود، وهو ما عده العسكريون الشرفاء نذير شؤم وخطر على الجمهوريه الوليده، وكان الملا البرزاني يهدف من بث أفكاره العنصريه إلى تفتيت وحدة الجيش وبث روح العداء بين العسكريين وجعلهم يقاتلون بعضهم البعض على نحو ما حدث أعقاب زيارته لكركوك فى تشرين أول ۱٩٥٨، ولأن تفتيت وحده وتماسك الجيش وبث الفتن بين أفراده هى التى ستمكنه من الإنفصال وإقامة مايسمى بجمهورية كردستان، ومن هنا كان السعي الحثيث من لدن القيادات الشريفه لمحاصرة وحظر العنصريه والحزبيه البغيضه فى الجيش قبل أن تعصف بوحدة البلاد، ولم تكن هذه القيادات الشريفه التى أدركت الخطر الذي تمثله الأفكار العنصريه والإنفصاليه للملا البرزاني قاصره على قوميه محدده، إذ بادر الشرفاء عربا وكردا وتركمانا وآشوريين بالتصدي لطاعون الأفكار الملائيه الذي إستشرى فى طول البلاد وعرضها حتى بات يهدد وحدة الأراضي العراقيه والعلاقات التاريخيه بين القوميات، وكان من بين القيادات العسكريه التى وقفت بإباء وصلابه فى مواجهة العنصريه البغيضه للملا وأتباعه محذرا من خطورة مايطرحونه من أفكار إنفصاليه اللواء الركن(الكردي القوميه) صلاح عبدالقادر رشيد ضابط إستخبارات الفرقه الثانيه فى كركوك والذى يعدد لنا أحوال التردى التى سادت الفرقه زمن المجزره وبعد تفشي الأفكار الملائيه والشيوعيه فيقول:
١ - شيوع حالة الفوضى والإرتباك فى قاطع الفرقه بسبب سيطرة الفئات الشعوبيه والحاقده على مداخل ومخارج المدن وقيامهم بحملات تفتيش وإستفزاز للمواطنين عسكريين ومدنيين.
٢ - تهديد العناصر الوطنيه غير السائره فى ركبهم بمختلف الطرق والوسائل.
٣ - بث الرعب والهلع فى صفوف المواطنين والوحدات العسكريه.
٤ - تأليب المراتب على الضباط والآمرين غير الشعوبيين وحثهم على عدم الطاعه والعصيان من قبل الفئات الشعوبيه واللاقوميه.
٥ - مراقبة كل عنصر ومواطن قومى ووطني وغير متجاوب مع الشعوبيين من قبل العناصر الحاقده والشعوبيه.
٦ - رغم قيام مقر الفرقه بإجراء بعض الإجراءات للحد من التصرفات اللاقانونيه لتلك الفئات إلا كما أسلفت أن تلك الإجراءات كانت مبعث الشك و الريبه وعدم الرضا بإعتبارها لاتخدم تيارهم الشعوبي واللاقومى.
٧ - العناصر القوميه والمواطنين المستقلين سواء فى الجانب المدنى او العسكرى كانوا ضد أى تيار شعوبى ومع أى إتجاه وسلوك يحقق الوقوف بوجه هذه التصرفات اللاقانونيه ويعيد سيادة القانون على أرض الوطن ويؤمن حماية وأمن وسلامة المواطنين. "
ويستطرد اللواء الركن صلاح عبد القادر رشيد معددا حالات التردى التى وصلت إليها الفرقه الثانيه بفعل إنتشار الأفكار الملائيه والشيوعيه فيذكر منها أيضا:
١ - نقل عدد من الضباط الذين كان يعتمد عليهم السيد قائد الفرقه (الطبقجلى) خارج الفرقه.
٢ - تولى الضباط الشعوبيون قيادة معظم الوحدات والوحدات الفرعيه فى الفرقه.
٣ - قيام الضباط الشعوبيون بتأليب المراتب على آمريهم الذين لايسايرون ركبهم وحثهم على عدم الطاعه وعصيان الأوامر بإعتبارهم خونه ومشكوك بإخلاصهم للسلطه.
٤ - تهديد العناصر الوطنيه غير المسايره لرغبات الفئات الشعوبيه بالقتل والسحل.
. . . هذا وقد سئل اللواء الركن صلاح عبد القادر سؤالا مباشرا وصريحا وهذا نصه: كتب قائد الفرقه الثانيه المرحوم ناظم الطبقجلي مايزيد على الثلاثين رساله رسميه يستنجد بها عبد الكريم قاسم والحاكم العسكري لوضع حد لتصرفات الملا البرزاني والبارتيين والشيوعيين غير القانونيه. . فما هو تصورك لو إستجاب قاسم لنداء قائد الفرقه؟
فأجاب: إن الرسائل والمراسلات الرسميه التى وجهها المرحوم العميد الركن ناظم الطبقجلي قائد الفرقه الثانيه إلى عبد الكريم قاسم والحاكم العسكري العام حول التصرفات اللاقانونيه للفئات الشعوبيه الحاقده والحلول المقترحه للحد منها والتى تضمنتها تلك الرسائل والمراسلات التى لم تلق آذانا صاغيه بل إن بعض مضامينها كانت تتسرب إلى تلك الفئات بشكل وبآخر لتأليب هذه العناصر وتحفيزها وإثارتها للوقوف ضد المرحوم الطبقجلي الذى كان فى الواقع سدا منيعا بوجه كل تصرف لا أخلاقى ولا قانوني يمارس ضد المواطنين فى قاطع الفرقه من قبل هؤلاء، وعلى هذا الأساس أطلق العنان بشكل واسع للشعوبيين للعبث بأمن واستقرار وسلامة المواطنين والتشكيك بإخلاص كل من لايواكب التيار الشعوبي ووصمهم بمختلف النعوت النابيه وتهديدهم بمختلف الوسائل والطرق وعم هذا الوضع فى وحدات وتشكيلات الفرقه فأحدث خللا كبيرا فى الضبط العسكرى وفى تنفيذ الأوامروإرباكا كبيرا فى طبيعة العمل بين الآمرين ومنتسبيهم إلى حد الشك وعدم الطاعه والعصيان وفى حالات محدده تولى الضباط الأحداث من الشعوبيين مسؤولية قيادة الوحدات والوحدات الفرعيه بدعوى عدم إخلاص آمريهم الأصليين للسلطه، وهكذا عمت الفوضى والإرتباك وتوسعت عمليات الريبه والشك والطعن بكل عنصر طيب ومواطن صالح الذى رفض السير بركبهم، إزاء هذا الوضع أتصور أن عبد الكريم قاسم كان غير قادر للإستجابه إلى رغبة المرحوم الطبقجلي حيث كان الموقف منفلتا وأن العناصر الشعوبيه كانت من خلال رؤوسها وقيادييها في بغداد والمحافظات والقوات المسلحه كانت بيدها قبضة السيطره على الموقف، فلا أعتقد أنه كان بمقدور عبد الكريم قاسم وضع خطة ثوره للحد من تصرفات تلك الفئات حيث أن الوقت كان قد فات ومتأخرا وإن حاول المبادره بذلك آنذاك ففى تصورى كان يطاح به بأى ثمن كان "
وهكذا يقرر اللواء الركن صلاح عبد القادر رشيد الكردي القوميه بأن أفكار الملا البرزاني التعصبيه إستطاعت خلال فتره وجيزه أن تشيع حاله واسعه من الفوضى والإرباك داخل وحدات الجيش وأن زمام الأمور قد أفلت من يد عبد الكريم قاسم إلى الدرجه التى بات فيها لايمكنه السيطره على الأمور أو وضع حد لتصرفات الملا العنصريه وجنوحه نحو الإنفصال وسعيه لقتل أوتهجير التركمان بإعتبار ان هؤلاء هم العقبه الكؤود فى سبيل تحقيق رغباته ومراميه الإنفصاليه، ولذلك كان رد اللواء الركن صلاح عبد القادر متشائما عندما سئل: هل كانت مذبحة كركوك ستقع لو إستجاب قاسم لنداءات الطبقجلي؟
فكانت الإجابه: " لو إستجاب عبد الكريم قاسم لنداء الطبقجلي حول الحد من تصرفات الشعوبيين والبارتيين ففى إعتقادي كانت الظروف مواتيه لحدوث مذبحه على غرار مذبحة كركوك التي حدثت فيما بعد بعد أن فلت الزمام!. "
إنتهت شهادة اللواء الكردي صلاح عبد القادر رشيد حول مذبحة كركوك ولكن سيل المؤامرات التى حاكها الملا وأتباعه لتركمان العراق لم ينته. . وللحديث بقيه
(وردت هذه الشهاده فى: موسوعة 14 تموز - ثورة الشواف فى الموصل (3) - العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين - الصحيفه رقم 230، 231، 232، 236، 238 - دار الحريه للطباعه - بغداد 1988 م)