دور الملا البرزاني فى مجزرة كركوك
(شهادة الشهود والوثائق الرسميه العراقيه)
(الحلقة السادسة عشر)
رأينا من خلال الشهادات السابقه كيف أن البارتيين قد إنتابهم اليأس من مواقف الزعيم الركن ناظم الطبقجلي غير المنحازه، وكيف أن سياسة الجزره والعصا لم تجد معه نفعا إذ أن ناظم بحكم تكوينه الشخصي وانتمائه الأسري العريق لايمكن إغوائه او تهديده، فهو لايحيد عن مبادئه قيد أنمله مهما كانت المغريات أو التهديدات، فلم تغويه الإغراءات التى عرضها عليه الوزير الكردى عونى يوسف، كما لم ترهبه التهديدات التى طالت حتى أبنائه، فالطبقجلي كان يؤمن إيمانا لايتزعزع بضرورة إبتعاد الضباط عن الإنتماءات الحزبيه لأن الجيش ملك للوطن لا للحزب، وناظم الطبقجلي يسعى للتآخى بين القوميات ويؤمن بوحدة الشعب بغض النظر عن الإنتماء العرقي أما هؤلاء فلا يرومون إلا الفتنه وإشاعة البغضاء وبث روح الكراهيه، وشغلهم الشاغل هو التركمان والقضاء على الوجود التركماني فى العراق والسيطره على كركوك والإنفصال، ومن ثم وصلت العلاقه بين ناظم الطبقجلي وأتباع الملا إلى طريق مسدود لإختلاف الأهداف والغايات لدى كلا منهما، ونظرا لعدم تلاقي الطرفين فى المنطلقات والغايات والأهداف أعطى الملا لأتباعه إشارة البدء لحرب الإشاعات المسمومه ضد القائد الشريف الذى لم يقبل المساومه على الوطن والشعب، فلم يخلو مؤتمر للفوضويين والبارتيين العنصريين من الهجوم على ناظم الطبقجلي والتعريض به وإتهامه بالوقوف مع التركمان أو جماعة حلف بغداد كما إعتادوا على تسميتهم، وبدأ الملا فى ممارسة الضغوط على المسئولين فى بغداد من أجل نقل الزعيم الطبقجلي من كركوك إلى أى مكان آخر، ونظرا لمعرفة الطبقجلي بطبائع الملا وما يضمره وأتباعه من شر بكركوك وتركمان كركوك تشبث هو الآخر بالبقاء فى كركوك معلنا أن البديل الوحيد لذلك هو الإستقاله.
ولندع اللواء الركن صلاح الدين عبد القادر رشيد وهو ضابط كردي وطني يقص لنا جانبا من مؤامرات الملا وأتباعه على ناظم الطبقجلى وأسباب كراهيتهم له فيقول: " كان الشيوعيون والبارتيون يراقبون السيد القائد المرحوم الطبقجلي قبل إعلان الثوره (ثورة الشواف) للأسباب التاليه:
١ - كشفه لنوايا وتحركات وخطط الشعوبيين والبارتيين فى المنطقه الشماليه بكتبه الرسميه العديده لمراجعه العسكريه.
٢ - طلبه من وزارة الدفاع نقل الضباط والمراتب الشعوبيين والبارتيين من الفرقه الى خارج قاطعها.
٣ - عدم إستجابته لمطاليب الشعوبيين والبارتيين غير القانونيه وغير العادله ورفضه لأى تصرف لاينسجم مع قواعد النظام والقانون وإحالة المسيئين منهم إلى القضاء لينالوا جزائهم.
٤ - نظرته إلى المواطن أى كانت قوميته بروح العدل والمساواه دون تفريق أو تمييز مما أثارت حفيظة الشعوبيين وأعوانهم.
أمور أخرى أود سردها للحقيقه والتاريخ ليس إلا:
١ - البارتيون عادوا المرحوم الطبقجلي للأسباب التاليه:
آ - معارضته أصلا لفكرة عودة الملا مصطفى البرزاني من خارج القطر إلى العراق وإمتعاضه من زياراته التى كان يقوم بها إلى قاطع الفرقه والتى كان يدعو بها بصوره خفيه إلى الحركه الإنفصاليه وتأليب العناصر البارتيه الكرديه الحزبيه على السلطه والطلب إليها الإنضمام إلى تلك الحركه وأن المراسلات المعنونه من قيادة الفرقه الثانيه إلى المراجع العسكريه العليا فى بغداد توضح ذلك بالأدله والوثائق والثبوتات الرسميه.
ب - محاربته لفكرة تغيير الواقع السكاني لمدينة كركوك (التى تسكنها كافة القوميات المتآخيه) بالشكل الذى يؤمن الكثره العدديه للقوميه الكرديه، هذه الفكره كانت قد تبنتها الفئه البارتيه والعناصر الكرديه الشيوعيه.
ج - الوقوف بحزم تجاه أى عمل لا قانوني يمارسه هؤلاء فى قاطع الفرقه.
د - طلب نقل العناصر القياديه منهم سواء فى القطاع المدني أو العسكري خارج قاطع الفرقه تحقيقا للمصلحه العامه وتأمينا لوحدة تراب الوطن وعدم الإستجابه لمثل تلك الطلبات من قبل الجهات العليا وتسرب تلك المعلومات إلى الأشخاص المعنيين بشكل او بآخر ومحاولة هؤلاء الحزبيين المتطرفين التنكيل بالمرحوم الطبقجلي والتشهير به بأنه معاد للقوميه الكرديه خلاف الواقع.
ه - عدم الإستجابه لرغباتهم وتنفيذ مآربهم التى كانت تطرح من خلال توجيه التهم الباطله التى كانوا يوجهونها إلى العناصر المخلصه التى تعارض السير فى ركبهم واعتبروا ذلك تآمرا على السلطه.
٢ - الشيوعيون عادوا المرحوم الطبقجلي لأسباب معروفه وعدم موافقتهم فى الرأي فى كثير من الحالات المذكوره فى أعلاه.
٣ - حادثة السيطره على نقاط السيطره الموجوده فى مداخل مدينة كركوك من قبل العناصر الشيوعيه والبارتيه وإهانة الضباط والمواطنين. "
. . وهكذا وجد القائد الطبقجلي نفسه امام جمع من الأعداء لا مبادىء لهم، لغتهم هى السحل، ومبادئهم هى الخيانة، وفلسفتهم هي بث الكراهيه، شعارهم المفضل. . إقتل. . إقتل. . إسحل. . إسحل، وفى الوقت الذى كانت جماهير الشعب العراقى تحلم بوطن تحترم فيه حريات الناس، فإنهم كانوا يحلمون(بوطن حر وشعب سعيد) ولكن من نوع آخر، وطن شعاره منجل وجاكوج، وطن مصبوغ بدماء الأبرياء، وطن يسوسه أسافل المجتمع وأرازل شذاذ الآفاق، وطن عندما تلوح فيه الجماهير بالورود فإنهم يلوحون بالحبال، ولم يكن وطنهم هذا هو الوطن الذى يرومه الطبقجلي لشعبه الأبي، ومن ثم لم تلتق إرادته وإرادتهم، وهنا صمم الملا البرزاني وعقد العزم على إبعاد الطبقجلي عن كركوك كون أنه العقبه الكؤود فى سبيل تحقيق أحلامه الإنفصاليه وأحقاده العنصريه، وعندما يصمم الملا ويعقد العزم لايعوزه المكر ولاتعييه الحيل، فهو فى هذه الأمور نسيج وحده ولانظيرله، وبدأت الحملة النكراء، والمؤامرات الملفقه، والوشايات الكاذبه، ولكن هيهات هيهات أن تزحزح هذه المكائد رجلا مثل الطبقجلي عن مبادئه، فناظم الطبقجلي صنف من الرجال يواجهون الموت ولا يفرون منه فرار الجبناء، ومن ثم عقد الطبقجلي العزم أيضا وتملكه الإصرارعلى وقف المجزره الرهيبه التى يخطط لها الملا وأتباعه بحق تركمان كركوك، والوقوف فى وجه مؤامرة الإنفصال مهما كلفه ذلك من ثمن. . . . لكن ترى هل سيقوى الطبقجلى على الصمود أم أن هناك ظروفا أخرى سوف تطرأ على الموقف وتؤدى لإنهيار مقاومته؟؟. في الحلقه القادمه نستكمل عرض الوثائق وشهادات الشهود حول دور الملا البرزاني فى مجزرة كركوك الرهيبه. .
(الحلقة السابعة عشر)
رأينا فى الحلقه السابقه كيف أن العلاقه بين ناظم الطبقجلي والملائيين قد وصلت إلى طريق مسدود، وكيف أن تقارير الطبقجلي حول الأنشطه غير المشروعه للملائيين فى المنطقه الشماليه أخذت تترى لعبدالكريم قاسم والحاكم العسكري ومديرية الإستخبارات، وأن بعض هذه التقارير أخذت طريقها ليد الملائيين بصوره أو بأخرى، ومن ثم أعلن هؤلاء بدورهم الحرب على ناظم وأخذوا فى بث دعاياتهم الخبيثه وإعلان حربهم السافره ضده، وقد كثف الملا مصطفى البرزاني من جهوده لدى السلطات فى بغداد من أجل إبعاد الطبقجلي عن كركوك كي يتثنى له تنفيذ مخططاته نحو تكريد المدينه وتهجير التركمان وقضم الجزء الشمالي من البلاد، وعارض الطبقجلي أن ينقل من كركوك بطلب من الملا ولإدراكه بحجم المخاطر التى ستحدق بالبلاد وبتركمان كركوك إذا ماترك المنطقه فى هذه الظروف، فالرجل كان على معرفة كامله بالملا وبنواياه الإنفصاليه ومدى مايكنه فى صدره من كراهيه للتركمان ورغبته الملحه فى إجلائهم عن كركوك وترحيلهم خارج البلاد و من ثم هدد بدوره بالإستقاله إذا ما رضخ قاسم لمطلب الملا، وقد ظلت العلاقه بين الطبقجلي والملا وأتباعه وحلفائه مابين شد وجذب دون ان يتغلب احدهم على الآخر، وعبدالكريم قاسم لم يكن يهدف من علاقته بجميع هذه الأطراف المتعارضه سوى توطيد أركان حكمه المستبد، وقد إستخدم الملائيين لتحقيق هذه الغايه، كما أن قاسم لم ينس جميل الطبقجلي الذى لزم الحياد في صراعه مع عبد السلام عارف، فما كان من قاسم إلا أن لزم الحياد فى صراع الملا والطبقجلي فلم يحزم أمرا أو يبت فى خصومه وترك جميع الأطراف تصارع بعضها البعض وهو فى موقف المتفرج، وقد إنتهزت القوى الشعوبيه الإنفصاليه الحاقده والمتعاونه مع العناصر الشيوعيه والفوضويه هذه الفرصة السانحه فسارت في إتجاه بث الأفكار التى تدعو للكراهيه والعنصريه والإنفصال وإثارة الأحقاد تجاه القوميتين العربيه والتركمانيه والعمل على محو الشخصيه الإسلاميه للعراق، وصار الهتاف المفضل لدى القوى الديموقراطيه الخيره من البارتيين والشيوعيين هو. . " الموت لدعاة القوميه المزيفه " قاصدين بذلك القوميه العربيه. . " وجبهه جبهه وطنيه. . فلتسقط الطورانيه " أى القوميه التركمانيه، وصارت كلمات من قبيل: " تركماني طوراني. . متآمر. . رجعي. . خائن. . موتور. . لايحب الزعيم. . " تتردد على ألسنة هؤلاء الجهلاء فى كل مناسبه، وأشاع هؤلاء الفوضويون الفوضى فى طول البلاد وعرضها، وصاروا يطوفون على أماكن تجمعات التركمان ومقاهيهم وهم يشيرون إليهم ويهتفون: " يسقط الخونه المتآمرون على سلامة الزعيم التقدمي الديموقراطي. . يا. . وترد جوقة الجهلاء. . يسقط. . يسقط. . يسقط "، وأصبح إعتياديا أن يصرح هؤلاء العنصريون الإنفصاليون برغبتهم فى ترحيل التركمان عن كركوك فيقولون ". . سنحجز أموال (جولكه) ونرحلهم مثل اليهود " وكلمة " جولكه " تعنى اليهود باللغه الكرديه، وقد درج هؤلاء على تسمية التركمان باليهود، وأخذوا فى التجرؤ على الدين، وصاروا يطرحون على الناس التساؤل: " منو أشرف محمد لو خروشوف؟ ". . ويرددون: " وين أكو الله؟ الله ماخذ أجازه ". . ويشيرون لكل من يخالفهم في الرأى: " هذا متآمر ". . وهكذا إختلطت الأوراق وصار الملا الذى يروم إشاعة الفوضى فى العراق هو الذى يحدد من هو الوطنى ومن هو المتآمر ومن هو التقدمى ومن هو الرجعي. . وأخذت أجهزته الإعلاميه في بث الدعايات السوداء وإذاعة الأخبار عن المؤامرات الملفقه بقصد السيطره على كريم قاسم المهووس بالسلطه وللتخلص من مناوئيه من القوميين العرب والتركمان والأكراد المعارضين لهيمنته، وفى وسط هذا الليل البهيم عزم بعض الضباط على القيام بتمرد طالما أن قاسم قد صم أذنيه عن الجرائم الشنيعه التى طالت الشرفاء من مختلف القوميات، وقاد هذا التمرد العقيد عبد الوهاب الشواف قائد لواء الموصل التابع للفرقه الثانيه التى يقودها ناظم الطبقجلي، ورغم أن ناظم الطبقجلي كان يتميز من الغيظ من تصرفات كريم قاسم وإطلاقه العنان للعناصر الشيوعيه والبارتيه الحاقده لتسيىء للعلاقات الأخويه بين القوميات وتعتدى على حرمة الدين، ورغم أنه أيضا كان معروفا بتوجهه القومي وتربيته الإسلاميه وهو مايتفق مع توجه العقيد الشواف إلا أنه أعلن وقوفه وتأييده الكامل لكريم قاسم وبعث برقيه بذلك بثتها إذاعة بغداد أثناء حصول التمرد، وكان الطبقجلي قد أدرك بحنكته أن إنضمامه لصفوف المتمردين يعني إعطاء الفرصه للملا وأتباعه لإرتكاب مجزره مروعه بحق أهل كركوك على نحو مافعلوا فى الموصل فيما بعد من قتل وسحل لنحو ثمانمائة إنسان لم يسلم فيها حتى النساء كالآنسه العفيفه " حفصه العمري " التى قام أشاوس الملا وحلفائه من الشيوعيين بعد أن قتلوها وسحلوها بتعليقها على جسر السكه الحديد عاريه من ملابسهاعلى ملأ من الناس ودون ادنى مراعاه لحرمة الأموات أو الأحياء، لقد كان الطبقجلي يدرك تماما بأن الملا يعد للتركمان ماهو أسوأ من ذلك ومن ثم فمن الحكمه إعلان التأييد لكريم قاسم حفاظا على أرواح الأهالي ولتفويت الفرصه على القتله أعداء الشعب. . . . وعن الظروف الحالكه التى مر بها الشعب العراقي والتركمان فى كركوك وقت حدوث التمرد يقول العقيد الركن عزيز قادر فتح الله الذي كان أحد ضباط الكتيبه الرابعه التابعه للفرقه الثانيه مايلي: " كان يوم ٨ آذار / مارس دواما رسميا، لذا كان جميع منتسبى الوحدات فى ثكناتهم ولم يسمح بالنزول بعد إنتهاء الدوام الرسمي لورود برقيه إنذار تشير بإختصار إلى حصول التمرد فى حامية الموصل. ولما كانت شقة الخلاف والتناحر عميقه وعلى أشدها بين الكتلتين (الشيوعيه / الكرديه) و (القوميه العربيه / التركمانيه)، قبل هذا الوقت، توقفت جميع الأعمال الرسميه، حال ورود خبر التمرد، وبدأت إجتماعات ضباط الكتلتين فى الغرف والقاعات واتصالاتهم بالجنود وضباط الصف كل على حده، لتقييم الوضع وإتخاذ تدابير الحيطه والحذر والتهيؤ للمنازله المسلحه إذا تطلب الأمر. كان الشيوعيون والأكراد أكثر عددا من الضباط القوميين العرب والتركمان، وكذلك الجنود الأكراد بنسبه كبيره، عدا ضباط الصف الذين كان القوميون فيهم أكثر، وكانت النسبه العدديه من الضباط والمراتب متماثله في جميع وحدات الفرقه تقريبا. . . . ويستطرد قائلا: " وبعد طعام العشاء توجه الضباط الشيوعيون والأكراد فى ركن والقوميون العرب والتركمان فى الركن المقابل والمسدسات محشوه (طلقه فى الحجره) والأعصاب متوتره جدا والحديث مابين أفراد المجموعه يجري همسا، وحتى نظرات بعضهم إلى البعض كانت شزره تنم عن الحقد وتضمر العداء والوعيد، يحاول الجميع، كل من جانبه جاهدا، تحاشي إشتباك النظرات لئلا يتحول إلى المشاده وعندئذ تتكلم المسدسات المجرده من اغلفتها لسرعة الإستعمال. وكانت الآذان مركزه نحو جهاز راديو قديم فى أحد أركان البهو لمتابعة الأخبار التى كانت تبثها إذاعة بغداد. صادف وقام أحد الضباط (الملازم غازي رمضان) بصوره تلقائيه بتبديل الموجه إلى القصيره وأدار ميل الراديو يمينا وشمالا. . وإذا ببيان الشواف يذاع من إذاعة الموصل. . وبعد لحظات من السكوت للإنصات إلى البيان. . صاح عليه العقيد محمد على الخافجى (الشيوعي المعروف) آمر البطاريه الثالثه بحده وغضب " ديره على إذاعة بغداد ". ورد الملازم الأول صبيح الدارجي قائلا: " خلي نسمع ماهى مطاليبه " وهو يقصد مطاليب الشواف. . فردت عليه عدة اصوات من الضباط الشيوعيين والأكراد بأن: " شنو مطاليب هذا الحقير. . الخائن. . المتآمر " تمتم الضباط القوميون والتركمان الذين كانوا قله، وبرتب صغيره بالقياس إلى مناوئيهم، معترضين على كلمات (الحقير، الخائن، المتآمر). . كادت المسدسات أن تتكلم لولا أن أذيعت في تلك اللحظه لحسن حظ الجميع برقية قائد الفرقه (الطبقجلي) الذي أيد فيها الزعيم ولم يؤيد فيها حركة الشواف كما كان متوقعا بدرجه كبيره. . بذلك والحق يجب أن يقال، بغض النظر عما نشر عن تواطؤ المرحوم الطبقجلي مع الشواف ورفعت الحاج سري مدير الإستحبارات العسكريه والآخرين ممن صدرت الأحكام بحقهم، وما قيل عن تردد الطبقجلي وعدوله عن تأييد الشواف فى الساعات الأخيره، وما جاء فى إفادته أمام المحكمه التى نفى بها علاقته بالحادث أساسا، وإلى آخر الروايات، أنه بعدم تأييده لحركة الشواف والإنضمام إليها، أنقذ آلاف الأرواح البريئه وجنب أهالي مدينة كركوك (التركمان) التعرض إلى مجزره لكانت أفظع بكثير مما تعرضوا له فيما بعد فى (١٤ تموز / يوليو ١٩٥٩). . . . . . . تخطت المدينه والتركمان الكارثه الكبرى هذه المره ايضا، وذلك بفضل حكمة الطبقجلي الذى باعتقادي قدر بإحساس عميق حجم الخسائر بالأرواح والممتلكات التى كانت ستترتب على إنضمامه إلى حركة التمرد، هذا بالإضافه إلى إجراءاته التى حالت دون تطور الأحداث التى سبقت الإشاره إليها وتحولها إلى مجزره عامه "
وهكذا تمكنت حكمة وحنكة الطبقجلي من تفويت الفرصه على من ينتظرون الفرص لإرتكاب مجزره مروعه ورهيبه بحق تركمان كركوك، وخلال يومين تم القضاء على حركة الشواف، وقد ترتب على القضاء على الحركه أن قويت شوكة الملائيين وزادت غطرستهم وتجبرهم، وبدأوا فى التفكير جديا في الإنتقام من الزعيم ناظم الطبقجلي الذي وقف كالعقبه الكؤود فى سبيل مخططاتهم التآمريه في شمال العراق، وفوت عليهم الفرص الكثيره لإرتكاب مجازر بحق التركمان بهدف دفعهم للرحيل عن العراق، وكانت الخطه ألتى وضعها الملائيون وحلفاؤهم أن يقتل الطبقجلى سحلا حتى يكون عبره لكل من يقف فى طريق مخططاتهم التآمريه، وكاد أتباع الملا أن ينفذوا خطتهم الإجراميه بحق الطبقجلي لولا يقظة وشهامة ونبل ضابط إستخبارات الفرقه الكردي النقيب الركن صلاح عبد القادر رشيد وما أكثر النماذج الطيبه فى الشعب الكردى من أمثال هذا الضابط الذى لم ينساق خلف الأفكار الملائيه العنصريه ولم يخدع بها، وقام بإبلاغ القائد بتفاصيل المؤامره ولما رأى القائد أن زمام الأمور قد أفلت من يديه ورأى تحكم البارتيين العنصريين فى مسار الأمور أضطر أن يطلب من رئيس أركان الجيش فى ١٥ / ٣ /١٩٥٩ مغادرة كركوك إلى بغداد ووافق قاسم، وقام ضابط الإستخبارات الكردي النبيل بأكبر عملية خداع لأتباع الملا، حيث أشاع على نطاق واسع بأن القائد سيسافر بالقطار مساء يوم ١٥ / ٣ إيهاما وتمويها للعناصر البارتيه والشيوعيه التى قررت قتل القائد وسحله بمحطة القطار فى حين جرى تسفيره فجر ذلك اليوم بالسياره، وهكذا طويت صفحة القائد النبيل الذي حال دون تنفيذ الملا لمؤامراته ضد التركمان وأصبح الجو بعد مغادرته لكركوك مهيئا تماما لوقوع المجزره الرهيبه،
وللحديث بقيه.
(وردت هذه الشهاده فى كتاب: التاريخ السياسي لتركمان العراق - عزيز قادر الصمانجي - دار الساقي - ط ١ - ١٩٩٩ الصحيفه ١٤٩، ١٥٠، ١٥١)
(الحلقة الثامنة عشر)
رأينا فى الحلقة السابقه كيف حسم الملائيون صراعهم مع قائد الفرقه الثانيه بكركوك لصالحهم، وأنه بإبعاد ناظم الطبقجلي عن كركوك يكون الملائيون قد حققوا إنتصارا كبيرا على طريق تنفيذ ما يخططون له من إرتكاب سلسله من المجازر بحق التركمان أصحاب الأغلبيه السكانيه في المدينه بقصد دفعهم للنزوح عنها على نحو ما فعلت العصابات الصهيونيه فى فلسطين، وكيف خططوا من أجل قتل القائد الطبقجلي سحلا فى محطة القطار ليجعلوا منه عبره لغيره ممن يقفون فى طريق مخططاتهم التآمريه، بيد أن يقظة وإخلاص ضابط إستخبارات الفرقه الكردى النقيب الركن صلاح عبد القادر رشيد الذي إستخدم أقصى درجات التمويه والخداع نجحت في إنقاذ القائد من المؤامره، وبرحيل الطبقجلي عن كركوك قويت شوكة الملائيين وحان وقت الحساب مع القوميه العربيه أو القوميه المزيفه كما كانوا يسمونها فى شعاراتهم، وشعر التركمان بالخطر المحدق بهم وبمستقبلهم فى العراق، فالقائد رغم أنه كان عربيا إلا أنه كان يتمتع بحس إنساني رفيع تجاه جميع القوميات وكان بحق راعيا للجميع بلا تفرقه، وكان حريصا على أمن المواطنين وسلامة أرواحهم فى خضم الفوضى العارمه التى أشاعها الملا وحلفائه من الشيوعيين فى طول البلاد وعرضها ولندع العقيد الركن عزيز قادر فتح الله الضابط فى الكتيبه الرابعه التابعه للفرقه الثانيه يقص علينا جانبا مما حدث عقب رحيل ناظم الطبقجلي عن كركوك. . يقول: "
ـ تولى قيادة الفرقه وكاله العقيد أسعد بابان (الكردي) قبل إلتحاق العميد الركن داود الجنابي (الشيوعي) الذى جرى تعيينه قائدا للفرقه.
ـ أصدرت الفرقه قائمه بإسم (١٠٢) ضابط من القوميين العرب والتركمان من مختلف الرتب إحاله إلى إمرة مديرية الإداره فى بغداد، بذلك فرغت وحدات الفرقه من العنصرين تقريبا (العربي والتركماني)، عدا بعض الضباط الذين اعتبروا أقل تطرفا أو نشاطا ممن أحيلوا إلى إمرة الإداره، ولحاجة الوحدات إليهم لإدارة أعمالها وعلى أدنى مستوى. وعليه لقد حقق الشيوعيون والأكراد السيطره الكامله على جميع الوحدات وقيادة الفرقه فى كركوك والحاميات الأخرى، وحيث أصبح جميع آمري الوحدات من الأكراد والشيوعيين وكذلك المناصب الهامه والحساسه فى مقر الفرقه منهم: العقيد أسعد بابان وكيل القائد(كردي)، والعقيد محمد على كاظم الخافجى (الشيوعى) مدير إدارة الفرقه، والعقيد عبد الرحمن القاضى (الكردى) آمر مدفعية الفرقه، والنقيب الركن نزهه القزاز (الكردى) ضابط إستخبارات الفرقه، والرائد نشأت السنوى (كردي) آمر إنضباط الفرقه، ومعاونه النقيب فخرى كريم (الشيوعي المتطرف).
ـ لم تقتصر سيطرة الشيوعيين والأكراد على مرافق الجيش والقوات المسلحه فحسب، إنما حال التحاق العميد الركن داؤود الجنابي الشيوعي، وتسلمه قيادة الفرقه بل فى الحقيقه مسؤولية إدارة اللواء، سلم كل الأمور المدنيه والسياسيه إلى صديقه وإبن دورته ورفيقه فى الحزب الرائد المتقاعد (فاتح داوود الجباري) وهو كردي من أسرة شيوخ الجباري. وكما سبق ونوهنا، بأن لجنة كركوك المحليه للحزب الشيوعي العراقي كانت تابعه لفرع كردستان، وهى فى يد الكرد. وكان محور إدارة الأمور فى المدينه يكاد يكون (معروف البرزنجى) المحامى (كردي) سكرتير أنصار السلام، ورئيس البلديه، و(عونى يوسف)، رئيس محكمة الإستئناف، وهو عضو سابق مؤسس فى الحزب الديموقراطي الكردى الموحد، وذو ماض ديموقراطى يميل للشيوعيين. ومعظم القضاه من الأكراد. ومدير الأمن كردى، ومعظم معاونيه من ضباط الأمن الأكراد، و(مهدي حميد) رئيس المقاومه الشعبيه عضو فى الحزب الشيوعى العراقى.
ـ بدأت عملية التنكيل والإضطهاد ضد التركمان، وقد تم خلال ايام إعتقال ما يقرب من ثلاثة آلاف تركماني فى كركوك، شيوخا وشبابا، رجالا ونساء بتهمة (الطورانيه) التهمه التى أصبحت شائعه تلصق بكل تركماني قومي. وقد اطلق سراح المعتقلين بعد أشهر ونفى عدد منهم إلى المحافظات الجنوبيه.
وخلاصه القول انه فى الوقت الذىساهمت فيه تلك الأحداث فى توسيع شقة الخلاف وتعميق العداء والحقد لدى كل طرف ضد الطرف الآخر، بشكل بات معه من المستحيل قيام أى نوع من التسويه السلميه لإزالة الخلاف أو تخفيف العداء، وبما أن توازن القوى أصبح مختلا لصالح التحالف الكردى الشيوعى إثر مشكلة الشواف فى الموصل، مما جعل الطريق سالكا لحسم النزاع، بإنزال ضربه قاصمه على الطرف الأضعف وهو التركمان، الذى اصبح مكشوفا بعد إختزال الإسناد العربى البيروقراطي لهم، ولا سيما فى المؤسسه العسكريه وقوى الأمن والشرطه، وذلك لإخضاعه وتطويعه، بل القضاء على مجتمعه بتفتيت تماسكه، وصلابة مقاومته للشيوعيه كأيديولوجيه وللأكراد كقوميه تتنازع معه فى تغيير الواقع السكاني للمدينه.
كانت تصفية الحساب تنتظر وقتها المناسب، وقد حل ذلك الوقت بحلول موعد إحياء الذكرى الأولى للثوره فى اليوم الرابع عشر من تموز / يوليو ١٩٥٩، ذلك اليوم المشؤوم الذى حصلت فيه المجزره الرهيبه التى دامت ثلاثة أيام. . "
وهكذا وكما يقول العقيد الركن عزيز قادر فتح الله فإن الأمور كانت تسير بإتجاه يوم الحساب مع التركمان الذى بات قادما لاريب، إذ تم إبعاد كل العناصر العربيه والتركمانيه وتمهيد الأجواء لأتباع الملا وبقية الفوضويين لينفذوا ماهو مخطط سلفا ومنذ أمد بعيد وتسبب وجود ناظم الطبقجلى فى تأخير وقوعه كثيرا جدا، وبغياب الطبقجلي وإبعاد الضباط العرب والتركمان عن كركوك وإسناد قيادة الفرقه لداؤود الجنابي الشيوعى المتآمر مع جماعة الملا البرزاني تكون كل الظروف قد تهيأت لإرتكاب المجزره التى يندى لها جبين كل إنسان حر، والتي نفذتها الوحوش الملائيه بالتعاون مع الشيوعين والفوضوين بطريقه فاقت بربرية العصور الأولى للإنسانيه. .
فى الحلقه القادمه نستكمل بقية الشهادات والوثائق حول دور الملا مصطفى البرزاني فى مجزرة كركوك. . . وللحديث بقيه.
(وردت هذه الشهاده فى كتاب: التاريخ السياسي لتركمان العراق - عزيز قادر الصمانجي - دار الساقي - لبنان ١٩٩٩م رقم الصحيفه ١٥٢، ١٥٣)
(الحلقة التاسعة عشر)
إستعرضنا في الحلقه السابقه شهادة العقيد الركن عزيز قادر فتح الله والتي تناول فيها النتائج التي ترتبت على إبعاد الزعيم الركن ناظم الطبقجلي عن كركوك وإحلال العميد الركن الشيوعي داؤود الجنابي محله، وما تلى ذلك من إبعاد كافة العناصر العربيه والتركمانيه عن قيادة الفرقه الثانيه ووضع زمام الفرقه في يد العناصر البارتيه والشيوعيه الكارهه والحاقده على القوميتين العربيه والتركمانيه، وأنه بذلك تكون الإدارتين المدنيه والعسكريه فى المدينه قد وضعت في يد قيادات عنصريه مشبعه بأفكار إنفصاليه بغيضه تسعى لتهميش وإقصاء الآخر المختلف عرقيا ولاترغب فى الإعتراف بالواقع الديموغرافي الذي يؤكد حقيقة أن التركمان هم أصحاب الأغلبيه في المدينه ورغم أن الأكراد كانت قد تكثفت هجرتهم للمدينه مع نمو صناعة النفط إلا أن عددهم لم يزد مع حلول عام ١٩٥٩ عن ثلث سكانها، ولم تكن هذه القيادات المتعصبه التى أفسد عقولها الملا البرزاني بأفكاره العنصريه وشعاراته الحاقده تريد أن تعترف بهذا الواقع الديموغرافي ولم ترض إلا بتطهير المدينه من القوميات الأخرى وإخلائها من سكانها الأصليين كى يتثنى تحقيق حلم الملا فى أن يصبح زعيما لدوله كرديه كان يدرك تمام الإدراك أنها لن تقوم بغير كركوك الغنيه بالنفط، وهكذا كانت القيادات الجديده لكركوك تنتمي فكريا لمدرسه عنصريه ملائيه شعارها " كركوك كرديه ولو بكردي واحد " ومن ثم أخذت فى العمل من أجل خلق المضايقات وإثارة الإستفزازات لكل عنصر غير كردي، وعملت على التحرش بالمواطنين وإفتعال المناوشات والأزمات وإثارة الفتن بقصد دفع التركمان سكان المدينه الأصليين لتركها والرحيل عنها أومواجهة خطر الموت والإباده العرقيه. . وعن الأحداث التى تلت إبعاد الطبقجلي عن كركوك وتعيين العميد الركن داؤود الجنابي وما ترتب على ذلك من نتائج يقول المؤرخ حنا بطاطو مايلي:". . . . وعلى العموم، وبشكل عام، كانت جذور الضراوه الوحشيه التي أمسكت بتلابيب المدينه تعود إلى العداوه المتأصله بين الأكراد والتركمان. وكان للشيوعيين دور ناشط فى إنفجار الأحداث، ولكن كأكراد، لاكشيوعيين، ولم تكن الأهداف التى سعى هؤلاء لتحقيقها أهدافا شيوعيه، بل كرديه. وكانت شيوعيتهم فى معظم الحالات شيوعيه سطحيه. ويبدو أن ماحدث، فى الواقع، كان أن الأكراد طوعوا كل المنظمات المساعده للحزب الشيوعي لخدمة أغراضهم، أى لخدمة نزاعهم القاتل مع منافسيهم التركمان.
وتقع كركوك، وهى مركز نفطي، على بعد ١٨٠ ميلا (٢٨٠ كيلومتر) إلى الشمال من بغداد. وكانت مدينه تركيه بكل مافي الكلمه من معنى حتى ماض غير بعيد. وانتقل الأكراد تدريجيا من القرى إلى هذه المدينه. وتكثفت هجرتهم إليها مع نمو صناعة النفط. وبحلول العام ١٩٥٩ كان الأكراد قد أصبحوا يشكلون حوالي ثلث السكان، بينما إنخفض عدد التركمان إلى مايزيد قليلا عن النصف. وكان الآشوريون والعرب هم بقية السكان أساسا، الذين يصل مجموعهم إلى حوالي ١٢٠ ألف نسمه. "
ويستطرد حنا بطاطو قائلا:
" وكان من الطبيعي أن يصبح الوضع شديد التوتر. وفى الأسبوع الأخير من تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٥٨ وقعت صدامات خطيره. وانقسمت القوات التى أمرت بإحلال السلام على أساس عرقي، فانضم الجنود الأكراد إلى إخوتهم فى الدم ضد التركمان. وعندما إنتهت الإضطرابات حاول القائد المحلي العربي، الزعيم الركن ناظم الطبقجلي، إقناع الفريقين بالعمل معا من خلال " لجنة التعاون الوطنيه ". ولكن كانون الثاني (يناير) التالي شهد إضطرابات أخرى كان من الواضح هذه المره أنها جاءت نتيجه لإنقضاض أكراد مسلحين على احياء تركمانيه. وأفيد عن مقتل سكان عديدين.
وعن سيطرة الأكراد والشيوعيين على مجريات الأمور فى كركوك عقب رحيل الطبقجلي يقول حنـا بـطـاطـــــو مايلي:
". . . ومن وجهة الأكراد، لم يكن قد بقى للعنف أى معنى، لأنهم لم يكونوا يسيطرون على اللجنه المحليه الشيوعيه فحسب، بل وأيضا على جزء كبير من الحكم فى كركوك، وكان معروف البرزنجي، السكرتير الشيوعي لأنصار السلم هو رئيس البلديه. وكان عوني يوسف، من الديمقراطيين الأكراد، رئيسا للمحكمه، والرئيس الكردي الشيوعي مهدي حميد قائدا لقوات المقاومه. وكان الزعيم الركن العربي داوود الجنابي، الذى تسلم قيادة الوحدات فى ١٤ آذار مارس ينتمي، كما أشير فى مكان آخر من هذا الكتاب إلى الشيوعيين. ونظرا لأن الأكراد كانوا قد وقفوا منذ البدايه إلى جانب حزبه وصاروا يشكلون الآن مصدر دعم طبيعي له، فإنه لم يكن يترك رغبه أو طلبا لهم إلا ويلبيه. وباختصار، فقد كان الأكراد يحكمون عمليا ولا من يعارضهم. وكان لديهم تحت تصرفهم تقريبا كل الآله القانونيه والسياسيه للمدينه اللازمه لحل نزاعهم التاريخي مع التركمان وبدأوا فعلا فى تسخيرها لأغراضهم "
. . . . وهكذا أوضح حنا بطاطو أن الوافدين الجدد على كركوك (الأكراد) الذين قدموا إليها مع نمو صناعة النفط والذين لم يزد عددهم مطلع عام ١٩٥٩ على ثلث السكان أخذوا في إثارة المشاكل لسكان المدينه الأصليين من التركمان والعرب والآثوريين، وأن المدينة التى كانت وإلى وقت قريب مدينه ذات صبغه تركمانيه خالصه إنخفض عدد سكانها من التركمان إلى مايزيد قليلا عن نصف مجمل السكان بعد أن تدفق عليها الأكراد من القرى والأقضية الأخرى، و بالرغم من أن الأكراد كانوا أقليه فى المدينه إلا أنهم سيطروا على جميع المواقع القياديه ومراكز صنع القرار فيها وأخذوا فى تطويع أجهزة الدوله لخدمة مراميهم الإنفصاليه وأهدافهم العنصريه، وأن الزعيم الركن داؤود الجنابي الذى تولى القياده خلفا للزعيم ناظم الطبقجلي لم يكن يهمل لهم طلبا أو رغبه إلا ويحققها بحكم التحالف بين الأكراد والحزب الذي ينتمي إليه (الحزب الشيوعي) وأن الأكراد صاروا عمليا يملكون الآله القانونيه والسياسيه اللازمه لحل خلافهم التاريخي مع التركمان وأنهم بالفعل أخذوا في تسخير هذه الآله لهذا الغرض، ومن ثم لم يكن هناك - أي معنى - حسب قول بطاطو لإسرافهم وتوجههم نحو إستخدام العنف مع التركمان على نحو مافعلوا فى مجزرة كركوك. . . . وإذا كان ماذكره بطاطو صحيحا حول سيطرة الأقليه الكرديه على مجريات الأمور داخل المدينه وبطريقه لم تجعل للعنف من جانبهم أي معنى إلا أن ماغفل عنه هو أن العنف وثقافة السحل ولف الحبال حول رقاب الخصوم كانت هي جوهرالأفكار الملائيه العنصريه والشيوعيه الحمراء، فالفكر الذى تبناه الملا البرزاني ولقنه لأتباعه لا يعترف بوجود الآخر عربيا أو كرديا أو تركمانيا أو آشوريا، فكركوك قدس كردستان، وكركوك كرديه ولو بكردي واحد، وكركوك للأكراد. . كل هذا. . مع أن الأكراد وافدون جدد على المدينه ولايزيد عددهم على ثلث سكانها، ولايخفى على كل فطن أن هذه الأفكار الملائيه العنصريه البغيضه هي التي أحدثت الفتنه فى كركوك و جرت النكبات على البلاد وأفسدت العلاقات الأخويه بين القوميات وأشاعت الفوضى وعدم الإستقرار في ربوع العراق لسنوات طويله. . . . ولا زالت حتى يومنا هذا. . .
في الحلقه القادمه نستكمل شهادات معاصري الأحداث حول دور الملا البرزاني في مجزرة كركوك الداميه. . وللحديث بقيه.
(إقتبست هذه الشهاده للمؤرخ حنا بطاطو من موضوع منشور له بمجلة قارداشلق (الإخاء) تحت عنوان: كركوك تموز (يوليو) ١٩٥٩، عدد ٧، السنه ٢، تموز (يوليو) / أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٠، صفحه ٦٢، ٦٣)
(الحلقة العشرون)
إستعرضنا في الحلقه السابقه شهادة العقيد الركن عزيز قادر فتح الله والتي تناول فيها النتائج التي ترتبت على إبعاد الزعيم الركن ناظم الطبقجلي عن كركوك وإحلال العميد الركن الشيوعي داؤود الجنابي محله ، وما تلى ذلك من إبعاد كافة العناصر العربيه والتركمانيه عن قيادة الفرقه الثانيه في كركوك ووضع زمام الفرقه في يد العناصر البارتيه والشيوعيه الكارهه والحاقده على القوميتين العربيه والتركمانيه ، وأنه بذلك تكون الإدارتين المدنيه والعسكريه فى المدينه قد وضعت في يد قيادات عنصريه مشبعه بأفكار إنفصاليه بغيضه تسعى لتهميش وإقصاء الآخر المختلف عرقيا ولاترغب فى الإعتراف بالواقع الديموغرافي الذي يؤكد حقيقة أن التركمان هم أصحاب الأغلبيه في المدينه ورغم أن الأكراد كانت قد تكثفت هجرتهم للمدينه مع نمو صناعة النفط إلا أن عددهم لم يزد مع حلول عام 1959 عن ثلث سكان المدينه ، ولم تكن هذه القيادات المتعصبه التى أفسد عقولها الملا البرزاني بأفكاره العنصريه وشعاراته الحاقده تريد أن تعترف بهذا الواقع الديموغرافي ولم ترض إلا بتطهير المدينه من القوميات الأخرى وإخلائها من سكانها الأصليين كى يتثنى تحقيق حلم الملا فى أن يصبح زعيما لدوله كرديه كان يدرك تمام الإدراك أنها لن تقوم بغير كركوك الغنيه بالنفط ، وهكذا كانت القيادات الجديده لكركوك تنتمي فكريا لمدرسه عنصريه ملائيه شعارها " كركوك كرديه ولو بكردي واحد " ومن ثم أخذت فى العمل من أجل خلق المضايقات وإثارة الإستفزازات لكل عنصر غير كردي فى المدينه ، وعملت على التحرش بالمواطنين وإفتعال المناوشات والأزمات وإثارة الفتن بقصد دفع التركمان سكان المدينه الأصليين لتركها والرحيل عنها أومواجهة خطر الموت والإباده العرقيه .. وعن الأحداث التى تلت إبعاد الطبقجلي عن كركوك وتعيين العميد الركن داؤود الجنابي وما ترتب على ذلك من نتائج يقول المؤرخ حنا بطاطو مايلي :" .... وعلى العموم ، وبشكل عام ، كانت جذور الضراوه الوحشيه التي أمسكت بتلابيب المدينه تعود إلى العداوه المتأصله بين الأكراد والتركمان . وكان للشيوعيين دور ناشط فى إنفجار الأحداث ، ولكن كأكراد ، لاكشيوعيين ، ولم تكن الأهداف التى سعى هؤلاء لتحقيقها أهدافا شيوعيه ، بل كرديه . وكانت شيوعيتهم فى معظم الحالات شيوعيه سطحيه . ويبدو أن ماحدث ، فى الواقع ، كان أن الأكراد طوعوا كل المنظمات المساعده للحزب الشيوعي لخدمة أغراضهم ، أى لخدمة نزاعهم القاتل مع منافسيهم التركمان .
وتقع كركوك ، وهى مركز نفطي ، على بعد 180 ميلا (280 كيلومتر) إلى الشمال من بغداد. وكانت مدينه تركيه بكل مافي الكلمه من معنى حتى ماض غير بعيد . وانتقل الأكراد تدريجيا من القرى إلى هذه المدينه. وتكثفت هجرتهم إليها مع نمو صناعة النفط . وبحلول العام 1959 كان الأكراد قد أصبحوا يشكلون حوالي ثلث السكان ، بينما إنخفض عدد التركمان إلى مايزيد قليلا عن النصف . وكان الآشوريون والعرب هم بقية السكان أساسا ، الذين يصل مجموعهم إلى حوالي 120 ألف نسمه ."
ويستطرد حنا بطاطو قائلا :
" وكان من الطبيعي أن يصبح الوضع شديد التوتر . وفى الأسبوع الأخير من تشرين الأول ( أكتوبر) 1958 وقعت صدامات خطيره . وانقسمت القوات التى أمرت بإحلال السلام على أساس عرقي ، فانضم الجنود الأكراد إلى إخوتهم فى الدم ضد التركمان. وعندما إنتهت الإضطرابات حاول القائد المحلي العربي ، الزعيم الركن ناظم الطبقجلي ، إقناع الفريقين بالعمل معا من خلال " لجنة التعاون الوطنيه " . ولكن كانون الثاني ( يناير) التالي شهد إضطرابات أخرى كان من الواضح هذه المره أنها جاءت نتيجه لإنقضاض أكراد مسلحين على احياء تركمانيه . وأفيد عن مقتل سكان عديدين .
وعن سيطرة الأكراد والشيوعيين على مجريات الأمور فى كركوك عقب رحيل الطبقجلي يقول حنـا بـطـاطـــــو مايلي :
" ... ومن وجهة الأكراد ، لم يكن قد بقى للعنف أى معنى ، لأنهم لم يكونوا يسيطرون على اللجنه المحليه الشيوعيه فحسب ، بل وأيضا على جزء كبير من الحكم فى كركوك ، وكان معروف البرزنجي ، السكرتير الشيوعي لأنصار السلم هو رئيس البلديه. وكان عوني يوسف ، من الديمقراطيين الأكراد ، رئيسا للمحكمه ، والرئيس الكردي الشيوعي مهدي حميد قائدا لقوات المقاومه . وكان الزعيم الركن العربي داوود الجنابي ، الذى تسلم قيادة الوحدات فى 14 آذار مارس ينتمي ، كما أشير فى مكان آخر من هذا الكتاب إلى الشيوعيين. ونظرا لأن الأكراد كانوا قد وقفوا منذ البدايه إلى جانب حزبه وصاروا يشكلون الآن مصدر دعم طبيعي له، فإنه لم يكن يترك رغبه أو طلبا لهم إلا ويلبيه . وباختصار ، فقد كان الأكراد يحكمون عمليا ولا من يعارضهم . وكان لديهم تحت تصرفهم تقريبا كل الآله القانونيه والسياسيه للمدينه اللازمه لحل نزاعهم التاريخي مع التركمان وبدأوا فعلا فى تسخيرها لأغراضهم "
.... وهكذا أوضح حنا بطاطو أن الوافدين الجدد على كركوك ( الأكراد) الذين قدموا إليها مع نمو صناعة النفط والذين لم يزد عددهم مطلع عام 1959 على ثلث السكان أخذوا في إثارة المشاكل لسكان المدينه الأصليين من التركمان والعرب والآثوريين ، وأن المدينة التى كانت وإلى وقت قريب مدينه ذات صبغه تركمانيه خالصه إنخفض عدد سكانها من التركمان إلى مايزيد قليلا عن نصف مجمل السكان بعد أن تدفق عليها الأكراد من القرى والأقضية الأخرى ، و بالرغم من أن الأكراد كانوا أقليه فى المدينه إلا أنهم سيطروا على جميع المواقع القياديه ومراكز صنع القرار فيها وأخذوا فى تطويع أجهزة الدوله لخدمة مراميهم الإنفصاليه وأهدافهم العنصريه ، وأن الزعيم الركن داؤود الجنابي الذى تولى القياده خلفا للزعيم ناظم الطبقجلي لم يكن يهمل لهم طلبا أو رغبه إلا ويحققها بحكم التحالف بين الأكراد والحزب الذي ينتمي إليه ( الحزب الشيوعي) وأن الأكراد صاروا عمليا يملكون الآله القانونيه والسياسيه اللازمه لحل خلافهم التاريخي مع الأكراد وأنهم بالفعل أخذوا في تسخير هذه الآله لهذا الغرض ، ومن ثم لم يكن هناك - أي معنى - حسب قول بطاطو لإسرافهم وتوجههم نحو إستخدام العنف مع التركمان على نحو مافعلوا فى مجزرة كركوك .... وإذا كان ماذكره بطاطو صحيحا حول سيطرة الأقليه الكرديه على مجريات الأمور داخل المدينه وبطريقه لم تجعل للعنف من جانبهم أي معنى إلا أن ماغفل عنه هو أن العنف وثقافة السحل ولف الحبال حول رقاب الخصوم كانت هي جوهرالأفكار الملائيه العنصريه والشيوعيه الحمراء ، فالفكر الذى تبناه الملا البرزاني ولقنه لأتباعه لا يعترف بوجود الآخر عربيا أو كرديا أو تركمانيا أو آشوريا ، فكركوك قدس كردستان ، وكركوك كرديه ولو بكردي واحد ، وكركوك للأكراد .. كل هذا .. مع أن الأكراد وافدون جدد على المدينه ولايزيد عددهم على ثلث سكانها ، ولايخفى على كل فطن أن هذه الأفكار الملائيه العنصريه البغيضه هي التي أحدثت الفتنه فى كركوك و جرت النكبات على البلاد وأفسدت العلاقات الأخويه بين القوميات وأشاعت الفوضى وعدم الإستقرار في ربوع العراق لسنوات طويله .... ولا زالت حتى يومنا هذا ...
في الحلقه القادمه نستكمل شهادات معاصري الأحداث حول دور الملا البرزاني في مجزرة كركوك الداميه .. وللحديث بقيه ،
( إقتبست هذه الشهاده للمؤرخ حنا بطاطو من موضوع منشور له بمجلة قارداشلق ( الإخاء) تحت عنوان : كركوك تموز ( يوليو ) 1959، عدد 7، السنه 2، تموز ( يوليو) / أيلول (سبتمبر) 2000 ، صفحه 62،63)
(الحلقة الحادية والعشرون)
إستعرضنا فى الحلقه السابقه شهادة المؤرخ حنا بطاطو والتى اوضح فيها أن الأكراد الذين لم يمثلوا سوى ثلث سكان كركوك وقت حدوث المجزره وكانوا فى غالبيتهم العظمى من النازحين من الريف إلى المدينه للعمل فى قطاع النفط قد تمت لهم السيطره الفعليه على مجمل مراكز صنع القرار السياسيه والقضائيه والعسكريه فى المدينه ، وأنه بتعيين الزعيم الركن داؤود الجنابي الشيوعي العربي قائدا للفرقه الثانيه حقق الأكراد خطوه هامه على طريق تكريد المدينه والإجهاز على ماتبقى من مقاومه لدى التركمان تجاه الغزو الكردي - الشيوعى الهادف لطردهم من مدينتهم التاريخيه ، وقد قام الزعيم الركن داؤود الجنابي بواجبه تجاه حلفائه البارتيين العنصريين خير قيام حيث أصدر قرارا بمنع جميع الصحف التركمانيه وهي البشير والآفاق وجريدة كركوك وقام بإعتقال ونفى وتشريد الصحفيين والمحامين والأطباء ورجال الأعمال وكافة الناشطين فى مجال الدفاع عن حقوق التركمان والعناصر المعارضه لهيمنة الأكراد على المدينه أو المعارضه لضم كركوك لما يسمى بكردستان أو للإنفصال عن العراق حيث تم وضع بعضهم فى السجون ونفى البعض الآخر إلى الألويه الجنوبيه ، وكانت فترة تولي الزعيم الركن داؤود الجنابي قيادة الفرقه الثانيه من أسوأ الفترات التي مرت بالتركمان فى المدينه حيث سلم الأكراد الملائيين والعناصر الفوضويه زمام الأمور وقام بتشجيعهم على نشر الفوضى وإثارة الحزازات وأصدرالأوامر بإقتحام بيوت التركمان وترويع السكان الآمنيين والإعتداء عليهم ومجاراة الملائيين العنصريين فى مخططاتهم التآمريه الهادفه إلى تصفية الوجود التركماني فى العراق .. وفى السطور القليله القادمه نطالع ما كتبته صحيفة الفجر الجديد فى عددها الصادر بتاريخ ٢٢ تموز ١۹٥۹ حول أسباب تفشي العنصريه والإرهاب فى مدينة التآخي القومي كركوك الأبيه وماعاناه التركمان من عسف وجور قائد الفرقه الثانيه الزعيم الركن داؤود الجنابي .. تقول الجريده :
" كيف وقعت الواقعه فى كركوك ؟ هذه المدينه الهادئه المسالمه المخلصه ذات الماضي المجيد الحافل بالمفاخر والأمجاد كيف إستحالت ركاما وحطاما بعد أن كانت حتى بالأمس القريب روضه تتميز بالروعه والعمران وكل مظاهر الإزدهار؟
هذه المدينه الآمنه المطمئنه التى ماعرفت الشر يوما وكانت مثلا رائعا مجسما للسلام والوداعه ، كيف أستبيحت وأكرهت على أن تسبح بالدم ، دم الأبرياء من أبنائها المخلصين ؟
كركوك ، مصدر الخير ومبعث البركه ، وملتقى الأخوه من عرب وأكراد وتركمان تجمعهم الوحده الحره الشريفه وتلفهم رايتها المقدسه ، وتحتضنهم كأعز ماتحتضن أنساب ووشائج تشد بعضهم إلى بعض وتعقد على رؤوسهم ألوية السلام وتشيع فى قلوبهم الثقه بالمستقبل الكريم المقرون بكل دعائم الرخاء والرفاه والإستقرار ، هذه المدينه الخالده ، كيف عكر صفوها الشر واخترقت وحدتها الجريمه وتسللت إليها عناصر الإرهاب والفساد فأحالتها جحيما وقوده أشلاء عزيزه ماكان أغلاها على الوطن المصاب المحتسب ؟
لكل ما وقع قصه ، ولنبدأ القصه من البدايه ..
كان ذلك قبل شهرين تقريبا حين فوجىء الأهلون بمن جاءهم بمهمة تفتيش الدور والمحلات الخاصه والعامه بحجة البحث عن أسلحه قيل انها مخبأه وغير مسموح بها ، وليس يهم أن يعرف الناس مصدر السلطه التى منحت المفتشين صلاحية التجاوز على حرمات البيوت فقد قيل أن امرا صدر من جهه مسئوله للتحرى والتفتيش والويل كل الويل لمن يعترض .
وقامت حملة التفتيش هذه بعملها بشكل أثار إستغراب الأهلين ، والتركمان منهم خاصه، فقد ركزت الحمله ضدهم حتى تبين بوضوح أنهم هم المقصودون بهذه الحمله ، وإنها وإن تناولت سواهم من المواطنين بنسبه محدوده جدا فقد كان ذلك مجرد ذر للرماد فى العيون وتغطية للهدف المبيت والغرض المقصود وانتهت حملة التفتيش والتحرى دون ان يعثر على شيىء ذى بال اللهم إلا من بضع بنادق صيد وبضع مسدسات مجازه لم يحملها اصحابها إلتزاما ببيان سيادة الحاكم العسكري العام الذي منع بموجبه حمل الأسلحه حتى المجازه منها.
وشيئا فشيئا اخذت بوادر الفتنه تلوح فى الأفق ، فما أن إنتهت حملة التفتيش والتحرى إلى لاشيء ، حتى اخذت بعض العناصر المعروفه من منتسبى الحزب الشيوعي والشبيبه الديموقراطيه والجبهه الوطنيه وبعض الفئات الأخرى ، تمارس فعاليات مشبوهه وتحاول التاثير على التركمان بوجه خاص لحملهم على التسليم بكل مايريده الشيوعيون وتأييد مايقومون به من تصرفات ، وكان طبيعيا أن يرفض المواطنون الغيارى ذلك فما إتفقوا وإياهم على رأي ، فكانت نتيجة هذا الرفض أن جوبهوا بموجة إرهاب عنيفه تمثلت فى الإجراءات التعسفيه التى اتخذت ضدهم بأمر من الزعيم داؤود سليمان الجنابي قائد الفرقه الثانيه آنذاك .
ومضت أيام تلتها ايام والإرهاب يزداد ويتفاقم ، وراحت العصابات الشيوعيه تفرض إرادتها على هؤلاء المواطنين ، وقامت بحمله إعتقالات واسعه تناولت عددا كبيرا جدا منهم، وجريا على عادة الشيوعيين فقد لاقى المعتقلون شر أنواع التعذيب والإهانات ورافق ذلك أن قام نفر من انصارهم بإعتداءات وتجاوزات على من لم يعتقل ، ثم تطور الإعتداء والتجاوز حتى وصل حد فرض إتاوات على الأغنياء وابتزاز الأموال منهم بالقوه والإرهاب ، وقد حصل كل هذا فى حين كان الشيوعيون ومن يتبعهم من المنظمات التحري الملحق بالحزب الشيوعي يعبثون قواهم ويتهيأون ويوزعون كميات كبيره من الأسلحه على أتباعهم إنتظارا للساعه الحاسمه .
واستنتج المواطنون التركمان من كل ما حصل أن هناك خطه وضعت ضدهم ومبعثها وسببها الوحيد أنهم لم يستجيبوا للشيوعيه ولم يؤمنوا بها ورفضوا ان يكونوا عملاء لإستعمار جديد بعد ان تحرر العراق على يد البطل المنقذ والزعيم الأوحد عبدالكريم قاسم من الإستعمار القديم .
وساورتهم المخاوف وتسرب إلى نفوسهم القلق حيث تبين لهم أن الزعيم داوود الجنابي راح يستغل نفوذه كقائد للفرقه الثانيه ويسخر أجهزة الدوله بمعاونة بعض الموظفين الشيوعيين للتنكيل بهم وإكراههم على الخضوع للشيوعيه وعبثا ماأراد وحاول .."
..... وهكذا طرحت جريدة الفجر الجديد التساؤل عن أسباب التحول الذي طرأ على مدينة كركوك الهادئه المسالمه ؟ .. وقد أجابت الجريده على التساؤل وألقت بتبعة المسئوليه على قوى الشر ، ولم تكن قوى الشر هذه إلا أولئك الذين أعادهم قاسم من روسيا فعادوا إلى البلاد محملين بالأفكار العنصريه الإنفصاليه وبالشيوعيه الحمراء ، فأخذوا فى نشر سموم افكارهم بين أبناء القوميات المتآخيه وجروها جرا للصدام الدموي، وراحوا يختلقون المؤامرات ويدبرون المكائد للتركمان المسالمين ، فاختلقوا قصصا وهميه عن الأسلحه المكدسه فى دور التركمان ، وأغلقوا الصحف التركمانيه ، واعتقلوا شباب التركمان ، ووظفوا كل أجهزة الدوله للتنكيل بالقوميه التركمانيه ، وكان الملا البرزاني هو العقل المدبر لكل هذه الحوادث ، ولم يكن الآخرون إلا أدوات تنفيذ يحركهم الملا كيف يشاء ..
فى الحلقه القادمه نستكمل بقية الشهادات والوثائق حول ماجرى فى كركوك بعد إبعاد الطبقجلي وتعيين داؤود الجنابي قائدا للفرقه الثانيه ودور الملا البرزاني والبارتيين المتعصبين فى مجزرة كركوك .
(الحلقة الثانية والعشرون)
إستعرضنا فيما سبق شهادة جريدة الفجر الجديد العراقيه حول المؤامره الملائيه الشيوعيه التي إستهدفت الوجود التركماني فى كركوك، وكانت الجريده قد قررت فى عددها الصادر فى ٢٢ تموز ١٩٥٢ أن ما وصفته بقوى الشر هي التي جلبت للمدينه المسالمه الهادئه عدم الإستقرار وأشاعت فيهاالإرهاب، وأن هذه القوى الشريره هي التي نشطت فى تدبير المكائد وحياكة المؤمرات ضد المواطنين التركمان، و إرتكبت فى حقهم كافة أنواع التجاوزات.
واستكمالا لعرض الشهادات والوثائق المتعلقه بالأحداث التى سبقت المجزره وأدت إلى حدوثها، نتطرق إلى المذكره التحريريه التي رفعها المواطنون التركمان إلى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم بتاريخ ١٨ تموز (يوليو) ١٩٥٩ والمزيله بتوقيع شاكر صابر الضابط وتحسين رأفت عن تركمان كركوك والتى وردت فى كتاب " تاريخ الوزارات العراقيه في العهد الجمهورى " الجزء الثالث للإستاذ الدكتور نورى عبد الحميد العاني وزملائه، وقد تناولت تلك المذكره جانبا من المظالم التى إرتكبتها القوى الملائيه الإنفصاليه بالتعاون مع الشيوعيين فى حق إخواننا تركمان العراق، والممارسات غير المشروعه التى إرتكبها الزعيم الركن داؤود سلمان الجنابي بحق هذه الفئه المظلومه والمهضومة الحقوق على الدوام. . وقد جاء فى المذكره ما نصه:
" إن الذنب الذي إقترفناه في العهد الجمهوري والذي لسببه أو لأسباب أخرى قامت مأساة كركوك الأخيره المؤسفه والتى ذهبت ضحيتها نفوس بريئه هو أننا إمتنعنا عن مسايرة بعض الفئات أو الإنضمام إليها أو تأييد فكرتها. إننا الآن عن علم اليقين من أن بعض الفئات يرومون القيام بحركه الإباده للعنصر التركماني فى العراق بسبب كون هذا العنصر حجر عثره أمامهم يحول دون تحقيق مآربهم الإنفصاليه، فالحوادث الماضيه التى وقعت فى كركوك فى عهد خائن الوطن ومطية الإنتهازيه قائد الفرقه الثانيه السابق داؤود الجنابي لخير دليل على نوايا المخربين والفوضويين والسائرين في ركابهم. لقد ظهرت في سماء كركوك الكئيبه موجه من الإرهاب والإضطهاد لم يشهد مثلها بلد آخر حتى فى أحلك أيام العهد البائد. وكانت هذه الموجه موجهه إلينا نحن التركمان وحدنا إذ إعتقل القائد المذكور على مايزيد ألف شخص من المواطنين التركمان وزجوا بالمواقف والمعتقلات ولاقوا أنواع العذاب والإضطهاد على ايدي الضباط والمراتب فى دهاليز الفرقه الثانيه وعلى مرأى ومسمع من القائد نفسه وبإشراف حاكم التحقيق بطرس مروكي ورئيس المحكمه عوني يوسف ووكيل مدير الأمن السابق الشيخ رضا الكولاني. ولم يكتف المسئولون بذلك بل قاموا بتحريات واسعة النطاق آملين العثور على أسلحه وعتاد كي يدينوا هذا العنصر بالخيانه، ولكن عدالة الله فوق كل شيء والنيات الحسنه تظهر دائما ناصعه أمام الملأ فلم يعثروا على أي نوع من الأسلحه عدا بعض المسدسات وبنادق الصيد المجازه فجن جنونهم وشوهوا الحقائق وطالبوا الجهات العليا ببغداد بضرورة إعتقال هؤلاء الأشخاص وإبعادهم إلى خارج اللواء وفصل العشرات من الموظفين والمستخدمين من المدنيين والعسكريين كما نقل آخرون جلهم معلمون بناء على طلب المنظمات الشعبيه والجمعيات والإتحادات التى يسيرها الإنتهازيون والفوضويون وعندما كان هذا الإرهاب على أشده كان التنظيم والإستعداد لتعبئة العناصر المناوئه للجمهوريه من الأكراد والشيوعيين فى نشاط مستمر فوزعت أسلحه كثيره ومن ضمنها الأسلحه المجازه التي إغتصبوها من المواطنين على المقاومه الشعبيه والمنظمات المخربه. أما النشاط فى إبتزاز الأموال والنقود من أغنياء البلد عن طريق الإرهاب والتهديد فقد كان مستمرا وكل هذه كانت تمهيدا للقيام بإبادة العنصر التركماني فى العراق. "
. . . وهكذا أوضحت المذكره التحريريه التى رفعها المواطنون التركمان لعبد الكريم قاسم أن الوجود التركماني فى العراق صار مهددا بخطر الإباده بسبب رفض التركمان مسايرة القوى الإنفصاليه الكرديه في مشاريعها الخيانيه التآمريه، وأن الأحداث التي جرت فى عهد داؤود الجنابي الذى أطلقت عليه المذكره لقب (خائن الوطن ومطية الإنتهازيه) أثبتت بما لايدع مجالا للشك بأن هذه القوى قد ضاقت بمواقف التركمان الوطنيه وبتمسكهم بوحدة الأراضي العراقيه فراحت تدبر المكائد وتحيك المؤامرات ضدهم للتشكيك فى إخلاصهم للجمهوريه ولجرهم للصدام مع السلطه، وأن قرارات الإعتقال والإبعاد والنفي لم تشمل سوى المواطنين التركمان، وأنه فى الوقت الذي كانت الإداره العسكريه والمدنيه لكركوك والخاضعه لسيطرة الملائيين والشيوعيين لديها الحرص على تجريد المواطنين التركمان من أسلحة الدفاع عن النفس بما فيها الأسلحه المجازه فإنها كانت فى ذات الوقت تقوم بتوزيع السلاح على المنظمات الإرهابيه التابعه لها، وهو ما يؤكد أن مجزرة كركوك كانت عملا مخططا وجريمه مدبره من قبل تلك القوى الإنفصاليه.
فى الحلقه القادمه نواصل إستعراض بقية الشهادات حول تآمر الملا البرزاني وجماعة الأكراد البارتيين وضلوعهم في تنفيذ جريمة قتل وسحل التركمان فى مجزرة كركوك.