يعيش أتراك الصين فى تركستان الشرقيه وكلمة تركستان تعني أرض الأتراك وقد إستبدل الصينيون إسم تركستان بإسم (سينكيانج) وهى كلمه صينيه تعني المستعمره الجديده، وتحيط بتركستان الشرقيه مجموعه من الدول هى الباكستان والهند (كشمير) والتبت من الجنوب وأفغانستان وتركستان الغربيه من الجنوب الغربى والغرب وسيبيريا من الشمال، والصين ومنغوليا من الشرق والجنوب الشرقى. ومساحة تركستان الشرقيه (سينكيانج) تقل قليلا عن مليونى كيلومترا مربعا وهى بذلك أكبر من مساحة تركيا بمقدار مرتين ونصف المره وأكبر من مساحة اندونيسيا بمقدار مرتين، وتبلغ خمس مساحة الصين الشعبيه بمافيها التبت ومنغوليا الداخليه ومنشوريا. وقد لعبت تركستان دورا تاريخيا هاما فى التجاره العالميه إذ كان طريق الحرير المشهور يمر بأراضيها وكان هذا الطريق يربط بين الصين ـ أبعد بلاد العالم القديم ـ وبين الدوله البيزنطيه.
وقد دخل الإسلام إلى تركستان الشرقيه فى عهد الخليفه عبد الملك بن مروان (٦٨هجريه ـ 7۰٥ ميلاديه) إلا أن الإقبال الكبير على إعتناق الإسلام كان فى القرن الرابع الهجرى / العاشر الميلادى عندما اسلم السلطان ستوق بغراخان عام (٢٥٣ هجريه ـ ٩٦٤ م) فأسلم الأتراك حكومة وشعبا.
وعندما جاء الإسلام بنوره إلى تركستان حفظ لها وحدتها وأعطى لها القوه والمنعه فأخرجت الأبطال الفاتحين الذين نشروا الدين الحنيف فى الهند الصينيه وفى الأناضول ومن امثلة هؤلاء محمود الغزنوى وسلجوق، وطوغرول بك، وألب أرسلان، وبابر شاه، وغيرهم من مئات الفاتحين المسلمين الأتراك. ولم تنجب تركستان الأبطال الفاتحين فقط بل أنجبت فى عهدها الإسلامى الطويل المحدثين والمفسرين والفقهاء وعلماء الدين والمفكرين والفلاسفه والحكماء والأطباء والرياضيين والمؤرخين والنحويين والشعراء ومن امثلة هؤلاء الإمام البخارى والإمام الترمذى والإمام الماتريدى والإمام الغزالى وفخر الدين الرازى وقاضيخان الأوزكندى والعلامه الزمخشرى والخوارزمى والجوهرى والبيرونى والسكاكى والسجستانى والتفتازانى والشاشى والسرخسى وأحمد يسوى وابوعلى بن سينا ومحمود الكشغرى ومولانا جلال الدين الرومى وغيرهم.
وكانت مدن تركستان (الشرقيه والغربيه) فى وقت من الأوقات منارة للعلوم ومقصدا للعلماء ومراكز ضخمه للثقافه الإسلاميه ومن امثلة هذه المدن بخارى وسمرقند وطشقند ومرو وكاشغر وياركند وخوتين وطرفان.
وقد قدم التركستانيون الكثير من الخدمات الجليله للأمه الإسلاميه بتحويلهم منطقة الأناضول من منطقه بيزنطيه مسيحيه إلى منطقه تركيه إسلاميه قامت فيها دوله إسلاميه عظيمه حملت رايه الإسلام أزمنة مديده واوصلته إلى أوروبا وحمت العالم العربى الإسلامى من الإعتداءات الصليبيه.
وقد عانى المسلمون الأتراك فى الصين صعوبات جمه فى سنوات الثوره الثقافيه حيث جرى حظر الإسلام وحرق الكتب الإسلاميه وتحريم التعليم الإسلامي وتغيير حروف اللغه التركيه من الحرف العربى إلى الحروف الصينيه ومنع تداول القرآن الكريم وغلق المساجد وأجبرت المراة المسلمه على الزواج من غير المسلمين إلا انه بوفاة الزعيم ماوتسى تونج تحسنت أوضاع المسلمين الأتراك حيث أصبح المسلمون يصلون ويصومون ويتلون القرآن الكريم براحه وحريه وصار لهم مدارسهم الخاصه التى يتلقون فيها التعليم بلغتهم التركيه بحروفها العربيه وانتشرت المعاهد الإسلاميه وأصبح بإمكان المسلمين دراسة الإسلام والعلوم الأخرى خارج الصين ورفع الحظر على دخول المصاحف ولم تعد تمانع الحكومه فى بناء المساجد ولم تعد الفتاه المسلمه مجبره على الزواج من الصينيين وسمح للمرأه المسلمه بإرتداء الحجاب ولم تعد تتدخل الحكومه فى شكل ملابس المسلمين والمسلمات واصبح الإعلام الصينى يهتم بشئون المسلمين الأتراك وخصصت الإذاعه والتلفزيون مساحه من برامجها للبث باللغه التركيه بلهجاتها الموجوده هناك وهى : القازاقيه والأوزبكيه والأويغوريه والتتاريه والقيرغيزيه وغيرها.
وعلى الرغم من ان برنامج زيارتى للصين كان حافلا بالعديد من اللقاءات مع قيادات صينيه سياسيه وإعلاميه وزيارات لأماكن تاريخيه هامه سواء فى بكين أم شنغهاى إلا اننى حرصت على ضرورة اللقاء مع إخواننا مسلمى الصين ولم أكتف بلقاءات عابره بهؤلاء المسلمين فى المطاعم الإسلاميه المنتشره فى بكين وشنغهاى بل قررت الذهاب إليهم فى اماكن تجمعهم..
وحدث فى يوم الجمعه الموافق ٢٥ / ٩ / ٢۰۰٤ أن توجهت إلى معهد العلوم الإسلاميه فى بكين وهو معهد تعليمى ينتظم فى صفوفه نحو مائتى طالب من مختلف القوميات المسلمه فى الصين وبه أربع فصول دراسيه يتم توزيع الطلاب فيها على اساس عرقى، وقد خصص الفصل الرابع منها لقومية الأويغور التركيه وجميع الطلاب فى المعهد أعمارهم فوق الثامنه عشر، وقد إستقبلنى لدى باب المعهد عضوان فى هيئة التدريس من قومية الأويغورإصطحبانى مباشرة إلى داخل المعهد حيث إلتقيت الطلاب، والملاحظ فى هذا اللقاء هو الحفاوه والإهتمام البالغين والتصفيق الحاد الذى إستقبلنى به الطلاب كون أننى ضيف عربى قادم من بلاد العرب وهم يجلون ويحترمون العرب وهو الأمر الذى اثار دهشتى وإستغرابى لأننا بتنا فى زمن دأب فيه الناس على تحقير العرب والعروبه، وقد ألقيت كلمه قصيره باللغة العربيه التى يجيدها الطلاب أعربت فيها عن سعادتى بوجودى فى هذا الصرح الإسلامى وعن رغبتى فى التعرف عما يجول فى نفوس الطلاب من امانى ورغبات، واثناء وجودى فى الفصل الرابع المخصص لقومية الأويغور وبعد إلقاء كلمتى باللغه العربيه حرصت على تعريف نفسى لهم باللغه التركيه ودهشت لأن أعضاء هيئة التدريس والطلاب قرروا بأنهم يفهموننى جيدا واخذوا فى شرح الفروق بين تركية الأناضول واللهجه الأويغوريه والتى هى برأيهم ليست كبيره ولا تعيق الفهم، وكنت قد غادرت القاهره متوجها إلى بكين فى الوقت الذى كان فيه قتلة الأطفال والنساء من الكردو/ أمريكان يحكمون الطوق ويفرضون الحصار على تلعفر ويمنعون عن المدينه الطعام والدواء، وكان الألم يتملكنى كلما تذكرت هذا الحصار الجائر والعدوان الغاشم وزاد من ألمى اننى لم اتمكن خلال الجوله من متابعة مايدور فى العالم ولم أعرف ماجرى من امر هذا الحصار بل ولم اعلم بإستقالة الرئيس الصينى الأسبق " تسه مين " من رئاسة اللجنه السياسيه العسكريه والذى جرى أثناء وجودى فى الصين إلا بعد عودتى للقاهره، ومن ثم لم اتمكن من متابعة احوال إخوانى أهل تلعفر إلا أن المفاجأة الكبرى كانت عندما توجهت للطلاب الأويغور بمعهد العلوم الإسلاميه فى بكين بسؤال عما إذا كانوا يتابعون احوال إخوانهم فى العراق فاجابوا جميعا بالإيجاب وأخبرونى بانه قد تم رفع الحصار عن مدينة تلعفر ورجونى أن أبلغ حار تحياتهم لتركمان العراق ولسكان تلعفر وقبل حلول موعد صلاة العصر كان طلاب معهد العلوم الإسلاميه وأعضاء هيئة التدريس فى المعهد فى وداعى لدى الباب حيث توجهت إلى مسجد نيوجيه الكبير ببكين لأداء صلاة العصر ولقاء الأئمه والمصلين هناك، وبعد الصلاه واللقاء مع الحاج إبراهيم شيوه تيان لى إمام مسجد نيوجيه أكبر مساجد بكين جرى حديث تطرق للأوضاع فى العراق وحصار تلعفر وقد لمست من خلال هذا اللقاء مدى الإهتمام الكبير الذى يبديه مسلموا الصين وخصوصا من قومية الأويغور بتركمان العراق وبشعب العراق وقد عدت من بكين محملا بأجمل التحايا وأطيب الأمانى لتركمان العراق ولأهل مدينة تلعفر من إخوانهم أتراك الصين.