دور الملا البرزاني فى مجزرة كركوك – ٢۹
شهادة الشهود والوثائق الرسميه العراقيه
إستعرضنا فى الحلقه السابقه شهادة المحامي جرجيس فتح الله القيادي المعروف فى الحزب الشيوعي العراقي والحليف لحزب الملا البرزاني والذي قرر فى شهادته للتاريخ بأن مجزرة كركوك كانت عملا مدبرا ومقصودا وأن التركمان والوجود التركماني فى كركوك والعراق كان هو المستهدف من وراء هذه المجزره وأن التركمان المسالمين حاولوا درء خطر الموت عن انفسهم بإرتداء الزي التقليدي الكردي حتى أن اسعار الزي التقليدي الكردي قفزت لعشرة اضعاف ثمنها الفعلي بسبب إقبال التركمان على شرائها، وكيف أن التركمان صاروا يتحدثون اللغه الكرديه التى عرفوها بحكم الإختلاط والجوار مع إخوانهم الأكراد حتى أن القتله البارتيون من أتباع الملا مصطفى البرزاني عندما فطنوا إلى ذلك لجأوا إلى عمل إختبارات لغويه للمشتبه فيهم مستخدمين كلمة (بلاو - أي الثمن) وهي الكلمه الكرديه التي يمكن من خلالها تمييز الكردي عن التركماني وأن جنود اللواء الرابع والذين كان أغلبهم من الأكرادالذين جرى تسميم عقولهم بأفكار الملا العنصريه إنتهزوا فرصة الأحداث ووجهوا أسلحتهم لصدور التركمان العزل ولم يتم السيطره على أحداث القتل والسحل الداميه فى كركوك إلا بعد أن تم تجريد هؤلاء الوحوش من أسلحتهم. . وتنبع أهمية شهادة جرجيس فتح الله من كونه لايحمل أفكارا حياديه تجاه التركمان فضلا عن أنه أحد أعضاء الحزب الشيوعي المشارك بهمه لجماعة الملا البرزاني في أعمال القتل والسحل للضحايا الأبرياءالعزل. . ولم يكن المحامي جرجيس فتح الله هو الشاهد الوحيد على جرائم الملا وجماعته إذ لدينا آلاف الشهادات والوثائق التى توثق هذه المرحله من مراحل التاريخ العراقي والتي لطخت فيها الملائيه العنصريه الحاقده صفحة التاريخ العراقي المعاصر بدماء العرب والتركمان والأكراد الأبرياء. . واستكمالا لعرض شهادات من عاصروا الأحداث ووقفوا على بشاعة الجريمه التي إرتكبها الملا وأتباعه من الفوضويين والشيوعيين، نستعرض شهادة الدكتور صبحي ناظم توفيق(من مركز الدراسات الدوليه جامعة بغداد) والتي يقول فيها كشاهد رؤيه وباحث:
" كانت الساعه السابعه والثلث من مساء يوم ١٤ تموز (يوليو) ١۹٥۹ لحظة شؤم على تركمان العراق فى مدينتهم العريقه عراقة التاريخ، حين إنطلقت من فوهة مسدس قرب السوق العصري فى (شارع أطلس) إطلاقه واحده كانت خطط لها بكل إتقان ودقه مستهدفه أشراف ووجهاء التركمان فى (كركوك) بغية كم جميع افواه تركمان العراق أينما وجدوا، فى يوم إنضموا فيه إلى جماهير كافه ليحتفلوا - ولو عن غير قناعه - بالذكرى الأولى لما اطلق عليه تسمية (ثورة ١٤ تموز ١۹٥٨) وليعيشوا ثلاثة ايام مرهبه، مرعبه، موحشه سحل الفوضويون ومجرموا الإنسانيه عشرات التركمان احياء، قبل ان يقتلوهم ويمزقوهم إربا ويمثلوا بجثثهم الطاهره ذات الأرواح البريئه. لم تكن (المذبحه) وليدة يومها - كما إدعى البعض فى حينه - وتحت ذريعة عراك آني حدث بين شخصين تطور إلى مابين مجموعتين متظاهرتين لخلاف فى الشعارات والهتافات أو اللافتات المرفوعه، بل أن التخطيط لها بدأ منذ آذار ١۹٥۹ فى الأقل، إذ أيد تركمان كركوك بشكل خاص الثوره التى إندلعت فى الموصل بقيادة (العقيد الشواف) ضد حكم (عبد الكريم قاسم والمحيطين به من الجلاوزه وشذاذ الافاق والمنافقين الذين ورطوه أن يميل إلى فئه دون أخرى وحزب دون آخر حيث خرج معظم التركمان فى تظاهرات حاشده لتاييد تلك الثوره والتى مالبثت ان اخفقت مع حلول ظهر يوم قيامها فى ٨ (مارس) ١۹٥۹ لتستباح مدينة الموصل أياما عديده وتقتل نساءها وأطفالها وشيوخها ن ناهيك عن شبابها باساليب وحشيه قلما شهد التاريخ مثيلا لها على ايدى من سموا أنفسهم انصار السلام دون إستحياء أو خجل، حيث إستغلوها أبشع إستغلال ليمدوا اذرعهم كالإخطبوط ويسيطروا على جميع مدن العراق وقصباته بالإرهاب والإعدامات والإغتيالات ومحاكمات البروليتاريا سيئة الذكر حيث أتيح للفوضويين السيطره الكامله على مدينة كركوك وخصوصا بعد القبض على قائد الفرقه الثانيه الزعيم الركن ناظم كامل الطبقجلي والمقدم الركن عزيز محمود شهاب ضابط ركنه الأول، والتحاق الزعيم الركن سلمان الجنابي الذى فتح الباب امام الفوضويين على مصراعيه ليتمتعوا بكامل حريتهم فى إلقاء القبض على التركمان وتوقيفهم وتعذيبهم وإهانتهم وطردهم من وظائفهم وإحالتهم إلى التقاعد أو نفيهم إلى مدن الجنوب او نقلهم إداريا لإبعادهم عن مدينتهم أو عوائلهم متى وكيفما شاءوا ومن دون ذنب او توجيه تهم محدده إليهم. . وقد أضافوا إلى كل ذلك إفراغ الوحدات العسكريه والشرطه المستقره فى كركوك وحواليها من اي ضابط أو مفوض او ضابط صف تركماني، ناهيك عن دهم البيوت والمحال وتفتيشها ومصادرة اى سلاح منها حتى إذا كان مجرد مسدس او بندقية صيد. وقد نصب الفوضويون لتنفيذ تلك الإجراءات مديرين من اتباعهم فى كل من دوائر الأمن، الإستخبارات، الإنضباط العسكري، الشرطه، التربيه، البلديه، وغيرها، فى حين سيروا تظاهرات - كانت مسلحه فى معظمها - فى الليل بشكل الخاص، وهي تصيح بأعلى صوتها إمعانا فى الترهيب والوعيد:- (ماكو مؤامره تصير والحبال موجوده). وتضاف إلى كل ذلك مقالات إفتتاحيه فى صحفهم اليوميه وهي تشير - بلا خجل - إلى الحبال والمشانق والسلاح والرصاص والتجارب الناجحه للثورات الحمراء اينما وقعت فى العالم المعاصر منذ عام ١۹١٧. ولذلك افرغت كركوك من وجهائها واشرافها وشجعانها طيلة اربعة اشهر، ومن الذين يمكن ان يقودوا التركمان حيال تلكم الهجمه الوحشيه فكانت الفوضى سيد المدينه دون القانون وارباب السوابق سادتها دون رادع، وحثالات المجتمع تصول وتجول دون ضمير. وضمن مخططهم الإجرامي طلبوا من عبد الكريم قاسم إصدار عفو عام لقرب حلول الذكرى السنويه الأولى للثوره التى إستطاعوا تحريفها لصالحهم، وبذلك عاد المنفيون التركمان إلى مدينتهم قبل يومين أو ثلاثه . . وقبل ان يستفيقوا من هول بعدهم عن عوائلهم واستقبالهم لمئات زائريهم، حلت المجزره ففاجاتهم فى عقر دورهم مساء ذلك اليوم المشئوم. "
وهكذا يوضح لنا الأستاذ الدكتور صبحي ناظم توفيق في شهادته حول مجزرة كركوك أن المجزره لم تكن عملا عفويا وليد اللحظه بل عملا مخططا ومدبرا خطط له ونفذه بعنايه جماعة الملا البرزاني الذين نجحوا في إبعاد قائد الفرقه الثانيه الزعيم الركن ناظم كامل الطبقجلى عن كركوك وعينوا بدلا عنه أحد صنائعهم وهو المدعو داؤود الجنابي الذي أطلق يد الزمره الملائيه والشيوعيه لتعيث فى كركوك الفساد وقد قام الجنابي بمنع صدور جميع الصحف التركمانيه وهي البشير والآفاق وكركوك وإعتقال ونفي وتشريد كافه العناصر التركمانيه التي من المحتمل أن تتصدى لمخطط الملا البرزاني الهادف لتفريغ مدينة كركوك من سكانها التركمان حيث قام بترحيل بعضهم إلى الجنوب في حين وضع الآخرين فى السجون، وهكذا خلت الساحه للملا وأتباعه ليمرحوا فيها كيفما يشاءوا ويعيثوا في البلاد الفساد، واخذ هؤلاء في إستفزاز سكان كركوك بشعاراتهم العنصريه ملوحين بالحبال ومهددين التركمان بالقتل والسحل على نحو مافعلوا بالعرب في الموصل إبان ثورة الشواف، كما قام الملا بحشد الأتباع والأزلام في كل مكان فى كركوك وسيطر هؤلاء على مجريات الحياه المدنيه والعسكريه وصار القتله والمجرمين وحثالة المجتمع هم اصحاب القرار فى مدينة كركوك، ينفذون تعليمات الملا بصرامه ويبطشون بالناس الأبرياء بلا سبب إلا العنصريه المقيته، وعندما إقترب موعد تنفيذ المجزره الرهيبه رأى الملا ضرورة عودة العناصر التركمانيه المبعده إلى الجنوب والأخرى المودعه سجون بغداد ليقتلوا ويسحلوا مع التركمان الأبرياء، فقام بإقناع قاسم بضرورة الإفراج عنهم بمناسبة الذكرى الأولى للثوره، وكان له ما أراد إذ إستباح أتباعه المدينه وقتلوا خيرة أبنائها بوحشيه لم يشهد لها التاريخ مثيلا.
(وردت هذه الشهاده في جريدة الزمان – العدد١٨۹٤ التاريخ ٢٤/٨/٢٠٠٤)
وللحديث بقيه