الموقف الأمريكى العبثى حيال الصراع العرقى فى كركوك
المتابع للمواقف الأمريكيه من الصراع العرقى حول كركوك يشعر بالاندهاش من قدر التذبذب والتلون الأمريكى والذى لم يقو على إخفاء حقيقة الانحياز السافر والمفضوح للطرف الكردى الساعى لبسط هيمنته على كركوك بشتى السبل وبمختلف الوسائل. والسياسه الأمريكيه تجاه كركوك تهدف بالأساس لتأمين تدفق النفط وتأمين الآبار وما عدا ذلك فلا يدخل فى الحسابات الأمريكيه ومن هنا كان تقدير الأمريكيين لعنصر القوه لدى الأكراد ولوجود البشمركه المسلحه والمدربه على حرب العصابات والخبيره بأحوال المنطقه والتى يمكن الاعتماد عليها فى مهام الأمن عوضا عن العنصر البشرى الأمريكى الذى يسعى الأمريكيين لتقليل نسبة الخسائربه الى مستوياتها الدنيا ومن هنا كان إهتمامهم بالأكراد وإنحيازهم المفضوح لهم منذ بدء العمليات فى العراق وإلى الآن.
ولعل أول الشواهد على هذا الانحياز الأمريكى هو السماح لقوات البشمركه بدخول كركوك فى اليوم التالى لسقوط بغداد (١۰/٤ / ۲۰۰۳) وخلافا للتعهدات التى حملها المبعوث الأمريكى خليل زاده للأتراك بمنع ذلك الدخول حيث خشى الأتراك من قيام الأكراد بضم كركوك لمناطقهم فى الشمال وإعلان دولتهم المستقله لما يشكله هذا التصرف من تهديد للأمن القومى التركى باعتبار أن تركيا يعيش على أرضها أكبر عدد من الأكراد فى المنطقه . كما أن القوات الأمريكيه وعقب دخول البشمركه لكركوك أغمضت العين عن أعمال السلب والنهب والقتل التى ارتكبها الأكراد فى حق العرقيتين العربيه والتركمانيه و حرقهم للمستندات (دوائر الطابو) التى من الممكن أن تستخدم كدلائل فى أى خلاف مستقبلى حول هوية سكان المدينه وانتماءاتهم العرقيه وعددهم وممتلكاتهم وتلى ذلك تدفق الأكراد على المدينه من كل حدب وصوب بلهجاتهم الكرديه المتباينه والتى تقطع بأنهم مستجلبين من مناطق شتى فى شمال العراق بل ومن أكراد سوريا وايران وتركيا . وبعد ذلك توالت إجراءات تكريد المدينه وبمباركه أمريكيه حيث تم تكريد الشرطه والدوائر الحكوميه والتعليم والاعلام ولفت الأعلام الكرديه – دون سواها – أنحاء المدينه فى إستعراض للقوه وأخذت البشمركه فى التحرش بالمواطنين والبطش بكل من يستجيب للاستفزازات وأحس المواطنون العرب والتركمان بمدى صلافة وإجرام الغرباء الذين لايقلون فى وحشيتهم عن الأجهزه القمعيه للنظام السابق وبدأت تتوالى الشكاوى على قيادة القوات المحتله غير أنها أغمضت العين عن كل ذلك لأجل رضاء الحليف الكردى المتمترس وراء السلاح والممتلىء بغطرسة وغرور القوه.
وفى مطلع يونيو ۲۰۰۳ جرت الانتخابات (الفتنه) لمجلس محافظة كركوك والتى كان الانحياز الأمريكى فيها للجانب الكردى لاحدود له اذ كشفت هذه الانتخابات الغريبه فى أسلوب إجرائها والبعيده عن الأساليب الديمقراطيه المتعارف عليها عن مؤامره أمريكيه – كرديه للاستحواذ على المدينه وحرمان القوى الحقيقيه من التمثيل فى المجلس وقد قامت فكرة هذه الانتخابات المزيفه على إختيار ۳۰۰ مرشح من المفترض أنهم يعكسون الواقع الاثنى والعرقى لسكان كركوك ويقوم هؤلاء باختيار ۳۰ مرشح من بينهم لادارة مجلس المدينه على أن يتم إختيار المحافظ ومساعديه من بين هؤلاء الأخيرين ..ويقوم السيناريو الأمريكى – الكردى على أساس أن تختار كل قوميه ۳٩ مندوبا لتمثيلها فى عملية الاقتراع بحيث يكون عدد المندوبين من القوميات الأربع (التركمان ،الأكراد، العرب، الآشوريين) مائه وسته وخمسين مندوبا (١٥٦) من إجمالى العدد البالغ ثلاثمائة مندوب على أن يقوم الجنرال ممثل قوات الاحتلال باختيار ١٤٤ مندوبا عن المستقلين ..وسارت المسرحيه الهزليه على النحو المرسوم لها إذ قام المندوب السامى لقوات الاحتلال باختيار مجمل أل ١٤٤ مندوبا المستقلين من الأكراد !!! والغريب فى الأمر أن تمثيل التركمان تم على أساس أن يكون نصيب الجبهه التركمانيه ثلاثة عشر مندوبا (۱۳ مندوب) والأحزاب الاسلاميه (حزب الوحده الاسلاميه ، حزب الوفاء التركمانى) ثلاثة عشر مندوبا والأحزاب الكرتونيه المدعومه من الأكراد (حزب الاخاء وحزب الشعب) ثلاثة عشر مندوبا أيضا ..وهكذا سار السيناريو الأمريكى – الكردى فى مساره المرسوم حيث لم يفلح التحالف التركمانى العربى فى منع انتخاب محافظ كردى وفوز الأكراد بأغلبية التمثيل فى المجلس بفضل جماعة المستقلين الأكراد (۱٤٤ مندوب) والأحزاب التركمانيه الكرتونيه (١٣ مندوب) والتى لاتمثل الا القائمين عليها من أصحاب المصالح ومن يعملوا فى خدمتهم من الأكراد ومن قبلهم صدام حسين.
وقد أثبتت هذه الفتنه الأمريكيه عدم مصداقية الاداره الأمريكيه التى سعت جاهده الى تغليب فئه عرقيه على أخرى داخل كركوك غير مدركه لخطورة هذه التصرفات على الأمن والسلام الاجتماعى للمدينه.
وسارت السياسه الأمريكيه سيرها المعتاد فى الاستهانه بالأطراف الفاعله فى كركوك وإهمال القوى الرئيسيه فى المدينه وأحس كل سكان كركوك بالمعامله التمييزيه ضد التركمان والعرب والكلدو آثوريين والتساهل مع الجرائم التى يرتكبها الأكراد بحق سكان المدينه ..فالأكراد – دون سائر القوميات – من حقهم أن يستعرضوا العضلات ويقيموا الاحتفالات وينظموا المهرجانات ويغيروا الطبيعه الديموغرافيه للمدينه ولهم الحق فى تكريد الدوائر الحكوميه وتعيين المعلمين والموظفين حتى ولو كانوا من السليمانيه او دهوك أو إربيل فالمدينه مدينتهم أما الآخرون فمحرومون من كل شيىء ومجرد خروجهم للتعبير عن حاله من الغضب أو الفرح يقابل من التحالف الكردو –أمريكى بالقمع وفرض حظر التجوال وكلنا رأينا كيف خرج الأكراد حاملين أعلامهم الخاصه وأعلام قوات الاحتلال للتعبير عن رغبتهم فى ضم كركوك لكردستان وكيف مرت تظاهرتهم الاستعراضيه – الاستفزازيه فى سلام وأمان وتحت حراسة القوات الكردو – أمريكيه بينما تقاعست القوات الأمريكيه عن حماية التظاهره التركمانيه / العربيه المناهضه لضم كركوك لكردستان والتى سقط فيها عدد من الشهداء العرب والتركمان بفعل رصاصات الغدر الكرديه.
ولا يزال الأكراد وبفضل الدعم الأمريكى يمارسون غطرسة القوه على بقية القوميات فى كركوك غير عابئين بعواقب أفعالهم الحمقاء وأثرها على إضعاف تماسك النسيج الوطنى العراقى فالمهم لديهم هو الاستحواذ على كركوك (قدس الأكراد) بأى ثمن حتى ولو وصل الأمر الى التطهير العرقى لبقية القوميات فى المدينه ومع الأسف الشديد أن السيد الأمريكى يرى بأم عينيه الجرائم الكرديه المتواليه ولا يحرك ساكنا وكأن الأمر مخطط له ومتفق عليه بينهم وبين الأكراد.
وقد شجعت السياسات الأمريكيه تلك الأكراد على ممارسة المزيد من العنف تجاه القوميات الأخرى وبات سكان كركوك من العرب والتركمان يخشون على حياتهم إذا ماساروا فى شوارع كركوك فشرطة كركوك أو بالأحرى البشمركه الكرديه المنضويه لشرطة كركوك و التى لاتعرف للحوار سبيلا تعترضهم أينما ذهبوا وهى على إستعداد دائم لاطلاق الرصاص ولأهون الأسباب كما أن عصابات الجريمه المنظمه التى تكونت بفعل إلاستجلاب العشوائى والغير منظم للأكراد تترقبهم أينما حلوا وهكذا تحولت حياة سكان كركوك الى جحيم لايطاق ..واستمرت الاعتداءات الكرديه وسياسة الاغتيالات بحق المواطنين العرب والتركمان وقام الأكراد بمنع مندوب السيده صنكول جابوك عضو مجلس الحكم الانتقالى من زيارة المصابين فى تظاهرة ۳١/ ١۲/ ۲۰۰۳ وقاموا بالاعتداء عليه وبعد ذلك أخذوا فى التحرش بالعاملين بالقسم الآشورى باذاعة كركوك حتى أضطر العاملين فى القسم للانسحاب والاضراب عن العمل وقاموا بعدد من المحاولات لاغتيال قادة العمل السياسى من العرب والتركمان ومن بينهم السيده صنكول جابوك والدكتور فاروق عبدالله عبدالرحمن (۱٤ /٣ /۲۰۰٤) وغيرهم كما قاموا باعتداء آثم على مقر الجبهه التركمانيه فى كركوك ومقر الاذاعه والتلفزيون التركمانى وقاموا حتى الآن بطرد مائة ألف عربى من سكان كركوك غير عابئين بالمآسى الانسانيه والاجتماعيه التى خلفتها و تخلفها مثل تلك الأفعال الطائشه وقد توالت التقارير والنداءات من المنظمات الانسانيه كمنظمة هومن رايت ووتش ومنظمة العفو الدوليه وغيرها من المنظمات الانسانيه للاداره الأمريكيه بسرعة وقف الممارسات الكرديه الاجراميه بحق القوميات الأخرى دون أن تحرك تلك الاداره ساكنا.
وهكذا يتضح للجميع أن الولايات المتحده الأمريكيه وبوصفها قوة إحتلال تتبع سياسات غير متوازنه فى تعاملها مع القوميات فى كركوك بانحيازها المطلق للجانب الكردى وغضها الطرف عن كل الممارسات الكرديه غير المشروعه بحق التركمان والعرب والكلدو آثوريين وأن من شأن تلك السياسات أن تكدر صفو العلاقات بين تلك القوميات لافتقارها للعداله وأن ذلك سوف ينعكس سلبا على مجمل الأوضاع فى المدينه ويكدر السلم والأمن بين الجماعات العرقيه ويضر بمصالح جميع الأطراف بما فيها المصالح الأمريكيه .وليس من ثمة شك فى أن غطرسة القوه وسياسات الهيمنه ومحاولة تغيير الواقع الديموغرافى لهذه المدينه العريقه لن تؤتى ثمارها المرجوه مهما طال زمن القهر وحتى لو حققت تلك السياسات نجاحا وقتيا إذ أن تشبث التركمان والعرب والكلدوآثوريون بمدينتهم الحبيبه (مدينة التآخى الاثنى) كركوك الجميله أقوى من طغيان الطغاة وعبث البغاة وتآمر المتآمرين.