الشهيد المجاهد عباس فاضل صادق
أول شهداء التركمان في تسعين القديمة
( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) آل عمران ...
عند قرائتي للخبر المنشور في الجريدة الغراء توركمن اٍيلي تحت عنوان ( العوائل التركمانية في منطقة تسعين القديمة تطالب باسترجاع ممتلكاتها ) عادت بي الذاكرة الى مدينة تسعين القديمة والتي قضينا فيها أحلى أيامنا الى أن هدمها النظام السابق عام ۱۹۸٦-۱٩٨۷م بعد أن فعل ما فعل بسكانها الابرياء وبحسينياتها الشامخات ومجالس علمائها الافاضل وخاصة مجلس الشيخ حسين البشيري رحمة الله عليه .
كانت مدينة تسعين المدرسة التي درست العلوم والاخلاق النبيلة وعرين الاسود لشيعة التركمان الذين قدموا فلذات أكبادهم من أجل اٍعلاء كلمة الحق . هدمها النظام السابق لاسباب سياسية ودينية وهجر ساكنيها بعد أن استحوذ على كل ما هوغال ونفيس . استحوذ النظام على الاراضي الزراعية لهذه المنطقة بعد أن قتل أبنائها حيث قدمت هذه المدينة الامنة أكثر من ٦٠٠ شهيد وشهيدة ، ويتم الاطفال وألبست النساء السواد وما من بيت من بيوت التركمان في تسعين الا وكان فيه شهيد أومفقود . ويبست ترعة ( دهنه صويو) التي كانت تروي بساتينها الخضراء وهجرت البلابل التي كانت تلعب على أشجار النخيل في مزرعة ( أفندي باغي ) وحتى الطيور المهاجرة التي أعتادت أن تعشش فوق حسينية ( مريم رؤوف ) ودعت تسعين في ۱۹۸۷م وكأنها كانت تعرف أنها السنة الاخيرة لها في تسعين . هكذا عاش التركمان في تسعين في فزع وخوف بعد أن عشعشت غربان البعث فيها ولكن عزيمة أهلها لم تنكسر ودعوة المظلومين ليست بينها وبين الله حجاب وها هم اليوم يعودون الى منطقتهم ويطالبون باعادة بنائها من جديد ويعملون بجد لاستعادة مياه ( دهنة صويو) وينتظرون عودة الطيور المهاجرة لتخضر الارض من جديد ولتعود الحياة الى تسعين .
عادت بي الذاكرة الى سنة ١۹۷۷م وفي حسينة مريم رؤوف في تسعين القديمة عندما اعتلا المنبر شاب لم تكمل لحيته بعد وبوجه نوراني مشرق بدأ في محاضرته الدينية حيث تجمع المئات ليستمعوا الى ما يقول وكان هذا آخر خطاب له في مدينته التي ولد وترعرع فيها.
ولد الشهيد المجاهد الشيخ عباس فاضل صادق رحمة الله عليه في مدينة تسعين عام 1954م حيث اكمل دراسته الابتدائية والثانوية في نفس المنطقة ، وكان الشهيد من الطلاب البارزين في مدرسة ثانوية تسعين . والتحق الى الحوزة العلمية في النجف الاشرف يطلب العلم وكان من مريدي المرجع الشهيد محمد باقر الصدر (رض) . عرفته انسانا شجاعا يناصر أبناء جلدته ومتمسكا بعقيدته ومحبا لوطنه وشعبه شارك معنا في العديد من المناسبات المناهضة للنظام العراقي السابق . وكان بيته المتواضع في النجف الاشرف دار ضيافة للمجاهدين حيث شارك الشهيد في العديد من الانتفاضات السرية والعلنية وخاصة في انتفاضة رجب عام ۱۹۷۹م حيث قام بنشر المنشورات المنددة للنظام في صحن الامام علي (ع) . وبدأت عيون الذئاب تراقبه عن كثب الى أن استطاعوا النيل منه في مدينة العلوم في عام ۱۹۷۹م .
يعتبر الشهيد من أول الشهداء الذين اعدمهم النظام في تسعين القديمة بتهمة سياسية ودينية كما أعدم بعده اثنان من اخوته ( عبد الامير و حسين ) وبتهم مزيفة أيضا . وعندما كان في سجون النظام قبل اعدامه سأله مسلم الجبوري والذي كان من أحد معاوني فاضل البراك وأحد كبار جلادي النظام السابق ( هل أنت منتمي الى حزب الدعوة ؟ فأجابه الشهيد بنعم ... ومن ثم سأله أما تخاف من العاقبة ؟ فأجابه الشهيد مرة ثانية لا ... أنني أخاف الله فقط ... ربي وربك ورب العالمين ... وسيولد كل قطرة من قطرات دمي عشرات المجاهدين ... وسيأتي يوما آجلا أو عاجلا ستنتهون باذن الله وتكونوا في مزبلة التاريخ ) . وما أن سمع السفاح بهذا القول صفعه صفعة قوية أوقعه مغميا على الارض .
وبعد أن وقف ضد كل أنواع التعذيب في السجن ارتفعت روحه الطاهرة وانضم الى قوافل شهداء التركمان ليصاحب سيد الشهداء في الجنة انشاء الله .