أم الفضائح تسقط ورقة التوت الاخيرة من الجسد الامريكي
(مأساة الكذاب ليست في أن أحداً لايصدقه، وأنما في أنه لا يصدق أحداً)
برنارد شو
أنفضحت أمريكا كما لم ينفضح أحد. أسودت وجهها القبيح وتلطخت شرفها غير الرفيع. بعدما انهارت وسقطت جميع مزاعمها، الواحدة تلوى الاخرى . بقيت لديها ورقة توت واحدة تغطي بها جسمها العفن، تلك الورقة البالية التي كانت تتبجح بها أمام العالم منذ عام، زوراً وبهتاناً، وتدعي بانها (حررت) العراق لجعله صرحا للديمقراطية ولتعزز أحترام حقوق الانسان الذي كان مهدورا في العهد السابق. أنكشفت هذه الخزعبلات والاكاذيب وسقطت تلك الورقة البالية في سجن أبي غريب بفضيحة العصر المدوية، لتهز العالم. وظهرت على حقيقتها. و تلطخ شرفها العسكري في الوحل، ومسخت قيمها التي كانت تتباه بها واستحالت الى كومة من الهراء. مأساة أمريكا هي بالضبط ما قاله برنارد شو الذي أشرنا اليه في بداية هذه السطور.
نحاول في هذه العجالة أن نناقش الجريمة التي أقترفها شرذمة من الجنود والمجندات الامريكيات في سجن أبي غريب، بعيدا عن الانفعالات والصدمة التي حفرتها هذه الصور البشعة القذرة في ذاكرتنا وذاكرة الشرفاء في العالم. لنتوصل الى حقيقة القائمين بها وكذلك لنقف على الهدف من ورائها ولماذا؟
هذه الجريمة النكراء، هي ليست الاولى في العراق ولن تكون الاخيرة، أنها وماشابهها تجري على أرض العراق بطريقو منهجية منذ اليوم الاول من دخول القوات الغازية اليها، ولا تقتصر هذه الجرائم على القوات الامريكية وحدها،بل تشاركها القوات البريطانية وأولاد عاهرات بولندا أيضا، وعندما تحدث عنها السجناء الذين أطلق سراحهم من هذا السجن الرهيب، لم يصدقهم أحد، الى أن فضحهم الله، بالجرم المشهود وكشف عنها وسائل أعلامهم قبل غيرها، ولهذا السبب كانت المقاومة العراقية تكثف ضرباتها وقصفها لسجن أبو غريب طيلة الشهور الماضية انتقاما لما يجري خلف قضبانه.
الجرائم التي أرتكبت، وترتكب ضد العراقيين على مدار الساعة، بعد حولته أمريكا الى سجن كبير، هي ليست ضد العراق والعراقيين وحدهم، وأنما جريمة ضد الانسان والانسانية، وضد كرامة البشر وشرفه، ضد جميع القيم والشرائع السماوية وضد أبسط مبادىْ حقوق الانسان، أنها جريمة همجية وسادية تتعافاها حتى الحيوانات المتوحشة في الغابات الاتيان بها. وأزاء هول ما وقع، فأن على جميع شرفاء العالم مسؤولية التصدي لها وشجبها وأدانتها بقوة والمطالبة بمحاسبة مرتكبيها الاساسيين وليس فقط الجنود الادوات الذين قاموا بالتنفيذ بناء على أوامر من روؤسائهم.
من البديهات المعروفة في علم القانون الجنائي، أن المجرم يعرف مقدما، قبل أرتكابه لجريمته، العقاب الذي ينتظره، فيما أذا تم القاء القبض عليه. ويفترض أن جنود الاحتلال ومجنداتها في العراق أيضا، يعرفون مسبقا أن أرتكاب مثل هذه الجرائم، أذا ما أنكشفت، تعرضهم للعقاب، فضلا عن تلطيخ سمعة بلدهم وشرفهم العسكري.
والان لنتفحص الصور معا لنرى ماذا يمكن الاستنتاج منها:
- الصور لم تلتقط سرا، وأنما عن سابق التصميم والتهيئة وألاختيار، والدليل هو الاوضاع و (البوزات) التي ظهرت فيها المجندة، التي كانت تتللذ بما تشاهد، والوحش الواقف خلفها بالباس العسكري الامريكي، والجنود الذين كانوا يختصبون الفتاة، كلهم كانوا مهيئين لألتقاط هذه الصورة وعيونهم متجهة نحوالكاميرا مع أشارات علامة النصر. وتسرب أخيرا نقلا عن أحد الجنود الامريكان لصحيفة لوس أنجلس تايمز، قوله: أن الجنود الامريكان كانوا يوضوعون هذه الصور بأطار على مكاتبهم. هذه هي القيم الامريكية التي يتحدث عنها الرئيس بوش وأزلامه.
- الممارسات المخلة بالشرف، والاوضاع التي يتعفف الانسان عن الاتيان بها، كانت مقصودة ومصصمة سلفا لتحقيق هدف أبعد من النزوة الحيوانية، من أجل أحداث أكبر قدر ممكن من التأثير النفسي على السجناء الاخرين وترويعهم لأنتزاع الاعتراف منهم.
- ظهر المجرمون في الصور وهم مرتاحون، ومطمئنون من عدم تعرضهم للعقاب، وكأن أحدا قد أمرهم بالقيام بهذه الافعال المشينة. ومن المعروف أن أي مجرم، وحتى المحترف، عندما يقترف جريمته ينتابه شيْ من الخوف والتردد، ولم نلاحظ أي أثر في الصور لمثل هذا الخوف والتردد على وجوه تلك الوحوش الكاسرة.
- وقد أيدت تداعيات الجريمة صحة ما ذهبنا اليه، وأعترف أكثر من مسؤول أمريكي على ذلك وتحمل رامسفيلد المسؤولية الكاملة عما جرى في أبو غريب.
بأعتقادنا أن هذه الجرائم كانت مقصودة و مصممة ضمن خطة منهجية، أما بأيحاء من الصهاينة أو بعض الامعات من مجلس الحكم الانتقالي أو من بعض العرب (بلغ عدد العاملين العرب مع قوات الاحتلال ۱٥٠٠ شخصا)، وقد أشار رامسفيلد لدى أستجوابه في الكونغرس الامريكي، الى أن هناك أعدادا من المترجمين الذين يرافقون المحققين، أو بأيحاء من المتخصصين في دراسة طبيعة شخصية الفرد العراقي، الذين يعرفون أن ردود فعله وخوفه الشديد من المساس بشرفه الشخصي أو شرف عائلته يدفعه الى الاعتراف حتى بجرم لم يقترفه. أن ممارسة اللواط ضد شخص عراقي أو عربي أو مسلم أو أغتصابه، يعني الحكم عليه بالاعدام، لأنه سيكون منبوذا ولا يستطيع مواجهة المجتمع بعد ذلك، بخلاف المجتمعات الغربية عامة والامريكية بخاصة، الذين يفتخرون بممارسة هذه العملية الحيوانية. لذا نعتقد بأن هذه العمليات الجماعية ارتكبت بقصد التأثير على مقاتلي المقاومة العراقية الباسلة، أو لأحداث الصدمة عند الذين لديهم النية للانخراط في صفوفها، من أجل الايحاء لهم بأن مصيرهم سيكون نفس مصير الذين ظهروا في الصور، اذا ما تم القاء القبض عليهم. بمعنى أخر، أرادت سلطات الاحتلال ان تؤثر، من خلال هذه الصور، على معنويات عناصر المقاومة أولا، وغرس هاجس الخوف من الفضيحة والمساس بالشرف الشخصي والعائلي لديهم ثانيا. كما فعلت مع صور الرئيس العراقي السابق صدام حسين لأحداث التأثير النفسي لدى حكام العرب والمسلمين اذا خرجوا عن الطاعة وتحدوا أمريكا.
أما لماذا نشرت هذه الصور في هذا الوقت بالذات، والرئيس الامريكي في محنته وورطته في العراق، وأستمرار تدني شعبيته في الداخل وهو على أبواب الانتخابات. الجواب على ذلك، أبحث عن الصهيونية!!! أنهم يعلمون حجم محنة بوش وورطته، وعليه فأن الفرصة مواتية جدا لحلبه لانتزاع المزيد من الوعود لصالح الكيان الصهيوني، وألا فأن الفضائح تترى، والتاريخ الامريكي زاخر بفضائح روؤسائها، تصنعها الصهيونية وتخزنها للاستفادة منها في اللحظة المناسبة. أما من سرب الصور الى قناة (سي بي أس) الامريكية، فهنالك أحتمالان، الاول: أننا نعلم بأن القيمة المثلى لدى المجتمع الامريكي هي المادة (الدولار)، فلربما باعها أحد الافراد العاملين معهم في سجن أبي غريب، من دون أيلاء أدنى أعتبار لنتائج الفضيحة وأنعكاساتها على الشرف العسكري الامريكي أو للوطنية الامريكية. أما الاحتمال الثاني: فربما هي نتيجة للصراع الدائر الان في الادارة الامريكية (بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع) من أجل السيطرة على مقاليد أدارة سلطات الاحتلال في العراق!!!.
الاغرب من ذلك كله، هو تصرف المنظمات الحقوقية الدولية التي كانت تعلم بهذه الممارسات اللاأنسانية ولم تنشرها في حينها، وأنما أكتفت بأطلاع الامريكيين عليها!!!. لقد أعترفت منظمة العفو الدولية أن قوات التحالف تتبع نمطا منظما لتعذيب المعتقلين وانها تلقت عشرات التقارير الموثقة خلال العام الماضي، وأعترفت المتحدثة بأسم المنظمة في الشرق الاوسط نيكول شوبري، بأنها لم تفاجأ بالصور البشعة لعمليات تعذيب السجناء لأن المنظمة كان لديها ما يؤكد تلك الوقائع. وقالت السيدة ندى دوماني المتحدثة بأسم الصليب الاحمر بأن اللجنة الدولية للصليب الاحمر طلبت مرارا من الولايات المتحدة اتخاذ اجراءات لتدارك الموقف وتصحيحه، وأضافت لوكالة أسوشيتدبريس قائلة: نحن بالطبع على دراية بالموقف في سجن أبو غريب لأننا نتحدث الى المعتقلين على انفراد ونحصل على شهادات منهم. كما نزور كافة أجنحة السجن ونحاول اعادة التحقق من المعلومات التي نتلقاها من أكثر من مصدر. فلماذا لم تنشر هذه المنظمات معلوماتها للاطلاع الرأي العام العالمي على مايجري في العراق المذبوح المحتل المنكوب؟؟ نحن على أطلاع تام على أسلوب عمل اللجنة الدولية للصليب الاحمر الدولي وأجراءاتها، ولكننا لانقتنع مطلقا أن تكون مثل هذه المنظمات الدولية ذات السمعة الطيبة، جزءا من أداة الاحتلال الامريكي وتتستر على جرائم بمثل هذا الحجم والبشاعة. أن لم يكن في الموضوع ألا ؟؟؟!!
ما قاله الرئيس بوش في تصريحه الاول، بشأن الصور، بتعلثم وارتباك واضحين، وما قاله الناطق بأسم البيت الابيض بحزن مصطنع، لايعنيان شيئا أبدا. قال الرئيس بوش أنه مشمئز من نشر تلك الصور وأنها مقززة، ولم تعجبه مطلقا ( I DID' NT LAIK IT A BIT) مشيرا الى أن التحقيقات بصددها جارية. هذا ما قاله القائد العام للقوات المسلحة الامريكية ورئيسها، بعد أن تلطخ شرف بلده العسكري في الوحل والقيم الامريكية نزلت الى الحضيض. لم يذكر الرئيس بوش ان الفاعلين سينالون العقاب الصارم. ولم يشير، حتى من باب المجاملة والتلطيف، الى أن هذا عمل غير أنساني وضد كرامة الانسان وحقوقه، وانما قال أننا لانعامل الناس في أمريكا بمثل هذه المعاملة. بمعنىً أخر أنه يمكن أن يعاملوا الناس خارج الولايات المتحدة بمثل هذه المعاملة !!!! ثم ماقاله الرئيس بوش في مقابلته مع القناة العربية وقناة غير الحرة الامريكية، كان كلام بائس وغير صادق، مما حمله على أبداء أسفة لما جرى للسجناء وعوائلهم بعد نصيحة الملك عبدالله الثاني، عاهل الاردن، أن التأسف في المصطلح الامريكي يعني الاعتذار. وحتى تلك الكلمة كانت باهته وغير صادقة، وأنما كانت تصب في خانة العلاقات العامة. الكلمة الصادقة تدخل القلب كالسيف، ولكن كلمة السيد بوش لم تلامس حتى الجلد.
وكما ذكرنا، أن هؤلاء الوحوش قاموا بهذا العمل المشين عن سابق قصد وبأمر ومعرفة رؤوسائهم المباشرين و من جهاتهم العليا، وأنهم ليسو ستة أشخاص كما تروجها وسائل الاعلام الامريكية وأنما يعدون بالمئات (وثبت ذلك في مقال سيمون هيرش في مجلة نيويوركرز)، وعدد من المسؤولين الامريكان بضمنم الجنرال كربنسكي المسؤولة السابقة عن أدارة سجن أبو غريب، عندما أعترفت، لنيويورك تايمز، بأن ما كان يجري في السجن كان بمعرفة القيادة العسكرية وبأمر من المخابرات العسكرية ووكالة المخابرات المركزية (سي.آي.أي). نحن نعتقد بأن هؤلاء الجنود الذين ظهرو في الصور، سيقدمون الى محاكمة صورية ثم يطلق سراحهم مع تقليدهم الاوسمة والشارات.
يتحمل الرئيس بوش المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم بأعتباره القائد العام للقوات المسلحة الامريكية، ولايمكن تبرير تنصله عنها بأي حال من الاحوال، بحجة عدم قيام وزير دفاعه، رامسفيلد بأطلاعه على ممارسات خطيرة من هذا الحجم والنوع والتي تلطخ الشرف العسكري الامريكي وسمعة أمريكا كدولة وسمعة أدارته. أن عدم قيام رامسفيلد بأطلاع قائده بالامر، يعتبر في العرف المهني، أخلالاً بواجبه الوظيفي. ويأتي في ترتيب تحمل المسؤولية بعد الرئيس بوش وزير الدفاع رامسفيلد والجنرال مايرز والجنرال أبي زيد والجنرال سانشيز ومساعده الجنرال كميت، ثم الذين نفذوا الجريمة أو أمروا بتنفيذها.
الجريمة المشينة أرتكبت وسوف لن تتوقف مادام الاحتلال البغيض جاثم فوق صدور العراقيين، وازاء هذه الممارسات اللاأخلاقية يطرح السؤال نفسه؟ ما العمل لمواجهتها والحيلولة دون أستمرار ارتكابها؟ هل ينبغي أن تمر هذه الجريمة مرور الكرام؟ ويبلعها العراقيون والعرب كما يبلعون الجرائم الصهيونية ضد أبناء شعبنا في فلسطين منذ خمسين عاما؟ لا أعتقد بأن العراقيين الشرفاء سينسونها ويبلعونها أبداً.
في هذه العجالة يحضرنا مقترحات العمل الاتية:
- تنظيم أضراب سلمي عام وشامل في العراق، يشمل الموظفين والعمال والاعمال التجارية كافة، (عدا المخابز والافران ومحلات مواد المعيشة الاساسية). ولايعودون الى العمل ألا بعد الاقتصاص من المجرمين الاوباش وأنزال أقسى العقوبات بهم. ولحين أقصاء وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد والجنرالات مايرز وأبي زيد وسانشيز وكميت من مناصبهم.
- قيام المنظمات الحقوقية، العربية والاسلامية، بالتحرك على مستوى العالم والمطالبة بأدانة هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها الى المحاكمة، بتهمة الجرائم ضد الانسانية. لينالوا جزائهم العادل، مع أحتفاظ الشعب العراقي بحقه بالمطلب الاول على سبيل الاولوية.
- قيام المنظمات الحقوقية العربية والاسلامية بجمع تواقيع مليون شخص، تطالب الامين العام للامم المتحدة، بأرسال لجنة لتقصي الحقائق في سجن أبي غريب وسجون الاحتلال الاخرى المنتشرة في العراق على أن تنشر تقريرها علنا، والكشف عن الجنرالات والضباط الذين أمروا بأرتكابها.
- نناشد المنظمات الحقوقية والمعنية بحقوق الانسان، مطالبة الامم المتحدة تسلم السجون من قوات الاحتلال، وأدارتها أو تعيين مراقبين من كوادرها (من المفضوية السامية لحقوق الانسان أو من الصليب الاحمر) للاشراف عليها لحين أنتهاء الاحتلال.
- نناشد جميع الكتاب والمثقفين العرب الشرفاء الاستمرار على أثارة هذا الموضوع، والكشف عن مخاطرها على المجتمعات العربية والاسلامية وتعرية زيف الادعاءات الامريكية في نشر الديمقراطية وحماية حقوق الانسان في العراق في مقالاتهم وأعمدتهم اليومية في الصحف والمجلات. لأن الاعلام الغربي ستعمل جاهدا من أجل طمس أثار هذه الجريمة ومحوها من الذاكرة.
لكي تكفر أمريكا عن جريمتها، ولكي تحسن ولو قليلا من صورتها المشوه، ينبغي عليها أنهاء الاحتلال وسحب قواته ومرتزقته من العراق فورا.
وهكذا سقطت ورقة التوت الاخيرة، وأنكشفت عورة أمريكا على حقيقتها، وأنفضحت كما لم ينفضح أحد. وما الله بغافل عما يعمل الظالمون. صدق الله العظيم.