اعترف متحدث باسم البيت الابيض ان اعمال التعذيب التي تعرض لها عدد من الاسري العراقيين في سجن ابو غريب مخزية ولكنه اكتفي بالقول ان الذين اقدموا عليها يجب ان يعاقبوا.
العقاب الذي ينتظر هؤلاء لن يزد عن تسريحهم من الخدمة العسكرية في افضل الاحوال، وهذا لا يعتبر عقابا، بقدر ما هو هدية او مكافأة لهؤلاء، لما يعني ذلك من عودتهم الي الولايات المتحدة ومغادرتهم مواقع عمل خطرة وملتهبة في العراق.
وفي جميع الاحوال، وايا كانت التفسيرات فان هذا العقاب ليس علي مستوي الجريمة، والآثار النفسية والاخلاقية والانسانية العميقة التي تركتها لدي الذين تعرضوا لفصولها المرعبة والمهينة.
الصور التي بثتها محطة التلفزيون الامريكية سي. بي. اس عن ما يجري في السجن، اصابت الكثيرين بالصدمة والذهول، لانها فاقت في ساديتها كل اساليب المخابرات العربية المجرمة في انظمة القمع الديكتاتورية.
ومن اقدموا علي هذه الممارسات المقززة في سجون امريكا الديمقراطية في العراق، كانوا متعطشين للانتقام، محتقنين بالاحقاد علي العراقيين، والعرب والمسلمين بشكل عام، فالهدف لم يكن جمع معلومات، وانما ممارسة اكبر قدر ممكن من المهانة والاذلال بهؤلاء، ومعظمهم ابرياء لم يرتكبوا اي ذنب، اللهم الا اذا كانت مقاومة احتلال غاصب ظالم غير اخلاقي جريمة تستحق كل هذه الاهانات.
فتكويم الاسري عرايا، واغتصاب بعضهم، واجبارهم علي اداء اعمال جنسية فاضحة لبعضهم البعض، وسط ضحكات السجانين والسجانات، كلها امور تعبر عن اذلال واهانات لم تقدم عليها اكثر الانظمة قمعا وديكتاتورية.
ومن المؤسف ان شخصا مثل جلال الدين الطالباني الزعيم الكردي المعروف الذي تقلب بين الايديولوجيات والحكومات الاجنبية، يحاول الدفاع عن هذه الممارسات والتقليل من شأنها، والقول بانها لا تقارن مع جرائم النظام السابق، وهو الرجل الذي جعل من التعذيب واساءة معاملة المعتقلين الاكراد دستوره اليومي، ومن مجزرة حلبجة حائط مبكاه.
كنا نتمني من السيد الطالباني وهو الذي بدأ حياته اشتراكيا معاديا صلبا للامبريالية الامريكية، ان يكون اول من يدين مثل هذه الممارسات باشد العبارات، ويعلن استقالته من مجلس الحكم احتجاجا، لا ان يبرر جرائم كهذه ادانها حتي المسؤولون البريطانيون والامريكان باقذع العبارات.
فهي، اي ممارسات التعذيب هذه، علاوة علي كونها هدرا لكرامة الانسان المسلم، تتنافي مع المعاهدات الدولية، مثلما تشكل انتهاكا للدستور العراقي المؤقت الذي نص علي احترام حقوق الانسان العراقي وكرامته، وهو الدستور الذي كان السيد الطالباني اول الموقعين عليه.
انها وصمة عار ليس في تاريخ امريكا وقيمها الديمقراطية المزعومة، وانما ايضا في تاريخ حلفائها، وخاصة من اعضاء مجلس الحكم، وبينهم رجال دين، وقادة تنظيمات تقول انها اسلامية. فالاسلام كدين وعقيدة لا يمكن ان يقبل مثل هذه الانتهاكات والاهانات سواء للمسلمين او من ابناء الديانات الاخري.