مجلس الحكم بأختياره علم جديد للعراق قد نسى أو تناسى صفته المؤقتة والانتقالية, ولم نكن نرغب تذكيره بانه مجلس (معين) من قبل سلطات الاحتلال احتراما لبعض الشخصيات المناضلة من اعضاءه الذين يمثلون تيارات وفصائل قدمت تضحيات جسيمة في مقارعة الدكتاتورية الصدامية. وهذا التناسي الى حد التعامي عن الصفة الانتقالية, الى جانب ما يبدو للمجلس بشكل عام انه قد استهوته الكراسي
الوثيرة, جعلتهم يجاملون بعضهم البعض ضمن لعبة التوازنات التي اخترعتها لهم سلطات الاحتلال وجاءت بالبعض من الطارئين واجلستهم على الكراسي ضمن ال ٢٥ مقعدا وهؤلاء قمة المجاملة والنفعية. كما ويجامل اعضاء المجلس بعضهم حسب موازين القوى وتتبدل باستمرار حسب اوضاع الفلوجة تارة والكوفة والنجف تارة اخرى, وعين على المنطقة الشمالية ربما غدا. وهذه المجاملات حاصرتهم في اختيار العلم الجديد ليكون من تصميم أخ احد اعضاء المجلس بينما هو رئيس لجنة الاختيار!!! وكأن البلد خال من الفنانين المبدعين. تماما مثل ما جرى ويجري في اختيار الوزراء و(السادة المسؤولين) الكبار في الدولة من حاشية واقرباء اعضاء المجلس وجلهم اقرباء من الدرجة الاولى وأسوء من المقولة التهكمية في الدارج العراقي (عمك خالك).
وهذه المجاملات قادتهم كذلك الى تجاوز (دستورهم المؤقت) الذي اسموه قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية الذي بموجبه يكون اختيار العلم والشعار صادر بقانون, بعد تسلم العراقيين السلطة وهم لا يملكون هذه الشرعية. وبهذا التجاوز على ما قرروه بانفسهم لا يختلفون
عن أي نظام دكتاتوري والتجاوز على القانون هو البداية لتجاوزات اخرى ان لم يكن لها رادع. ونظام صدام حسين كانت بدايته هكذا وانتهت الى المجازر والمقابر الجماعية. وهناك مؤشرات عديدة عن بعض اعضاء المجلس تدل انهم ليسوا بعيدين عن هذه البدايات.
ونعود الى المجاملات فيما يخص العلم الجديد,وتحديدا في هذه الدورة لمجلس الحكم برئيسها مسعود برزاني الذي اعلن فور سقوط نظام صدام حسين, انه لن يرفع العلم العراقي في المناطق التي تحت سيطرة حزبه البارتي بحجة ان هذا العلم يمثل القمع الذي تعرض له الشعب الكردي
في ظل نظام صدام. ولكن هذا لا يعبر عن موقف الشعب الكردي فالزعيم الاخر جلال طلباني لم يكن له نفس الموقف والعلم العراقي يرفرف في السليمانية وبقية المناطق الكردية التي يحكمها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني, رغم انه لم يكن مرفوعا فيها منذ انتفاضة عام٩١ ولحين سقوط صدام حسين.
ان هذه المزايدة من قبل البرزاني هي لكسب تعاطف الجماهير البسيطة من الشعب الكردي. فلماذا لم يعلن هذا الموقف طيلة ١٢ عام من تمتع الاكراد بالحكم المستقل عن بغداد في المنطقة الآمنة بالحماية الدولية. بل العكس ان برزاني في رسالة بخط يده الى صدام وعرضت على شاشة تلفزيون بغداد دعى قوات صدام حسين الى اربيل ودخلت الدبابات وهي ترفع ذات العلم على سارياتها صيف عام ١٩٩٦ وطردت قوات جلال طلباني وتقتحم مقرات الاحزاب ومنها التركمانية والاشورية والوطنية وانزلت ضربة قوية لقوات المؤتمر الوطني العراقي بقيادة احمد الجلبي وهو الان احد المجاملين. واستشهد العشرات من ابناء شعبنا التركماني.
ان اعلان برزاني رفض رفع العلم العراقي هو نفاق سياسي, واثبات ذلك هو رفع نفس هذا العلم لسنوات امام مقر قيادة البشمرغة (المقاتلين الاكراد) في دهوك الى جانب علم حزب البرزاني حتى قبل شهر واحد فقط من بداية الضربة الامريكية وانزل عندما تأكد ان الضربة قادمة لا محالة. وقد شاهدت العلم بأم عيني في خريف عام ٢٠٠٠. والانكى من هذا ان العلم الامريكي حل محل العلم العراقي ورفرف في
عين المكان وقد شاهدته ايضا بام عيني في خريف ٢٠٠٣ فهل بعد كل هذا يأتي مجلس الحكم , ولا نقصد هنا الطارئين بل الذين لهم تاريخ نضالي, ويجامل ويصادق على علم مفصل على ذوق وقياسات هذا الطرف او ذاك. ويضع اللون الاصفر الذي هو لون حزب واحد, وليس لون خاص بالقومية الكردية, مأخوذ من لون الاعلام الصفراء التي رفعتها الجيوش الاسلامية بقيادة صلاح الدين الايوبي لتحرير بيت المقدس, وتلك الجيوش كانت من كل القوميات وغالبيتهم من العرب وعدد كبير من التركمان, حتى وان كان قائد الجيوش الاسلامية كرديا كما يقال.
فالعلم الجديد لمجلس الحكم لا يعبر عن العدالة المنشودة بين تركيبة المجتمع. بل يرسخ الانقسام بتفضيل فئة على اخرى وهذا بعيد ومنافي لمبادئ الديمقراطية والمساوة. ونحن هنا لا ندعو الى ان يكون لكل فئة لونا خاصا لان هذا سيجعل العلم مجرد لوحة مركبة الالوان بسبب تعدد اطياف وفئات المجتمع العراقي مثل قوس قزح وان كان هذا جميلا فعلا, ولكن الذي ندعو اليه هو الرمزية الجامعة
المعبرة عن وحدة العراق. لا سياسات فرض الامر الواقع وتمريرها في هذه الفترة الانتقالية.