رغم كافة ممارساته الوحشية وأساليبه الغير إنسانية وخططه الإجرامية عند حكمه في العراق، لم يتمكن صدام حسين من القضاء على الأمة التركمانية. لأن التركمان ليسوا بعائلة نزلوا في أحد فنادق بغداد ويجب عليهم الرحيل بعد فترة معينة. فالتركمان سواء تقبلهم بقية فئات الشعب العراقي أم ترفضهم البعض من حثالى المجتمع الذين سيزالون وبإرادة أبناء الشعب العراقي الصابر من الساحة السياسية العراقية، فهم قومية ثالثة في العراق ويزيد عددهم على ثلاثة ملايين. وسيثبت ذلك الإحصاء السكاني المقرر عقده في اليوم الثاني عشر من تشرين الأول من هذا العام. وكان للتركمان في العراق دوما صفحات بيضاء مشرقة خالية من الشوائب. إذ أنهم خدموا العراق ودافعوا عنه في كافة الفترات. وكان لهم مواقف مشرفة في الحروب والمعارك التي قدموا فيها مئات الألوف من التضحيات ليخلط دمهم الطاهر بدم العراقيين جميعا، فالنظام الصدامي وبتنفيذه خططه الشوفينية الحاقدة أهمش وأجهل وجود التركمان في العراق. حيث قتل البعثيون المجرمون عشرات الآلاف من المثقفين التركمان في المعتقلات الصدامية ومن خلال مجازرهم الدموية الرهيبة في كركوك و تلعفر وآلتون كوبري وطوزخورماتو وتازة خورماتو وغيرها من المدن والقصبات التركمانية. وقاموا أيضا بهدم عشرات القصبات ومئات القرى التركمانية والسيطرة على أراضيهم وتشريد أهاليها كاملة. كما حصلت في تركلان ويايجي وبشير وكومبتلر ومنطقة تسعين القديمة من أكبر أحياء مدينة كركوك.
وبعد انهيار النظام العفلقي المقبور فرح التركمان كسائر شرائح المجتمع بالسقوط العظيم الذي طال انتظاره. فرحوا لأنهم أصبحوا على يقين تام بأن شمس الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية قد بزغت في العراق، فلا تهميش لدورهم بعد أن ولى صدام وأعوانه إلى جهنم وبئس المصير. ولكننا لم نتوقع أبدا بأن الحكم في العراق سيتولاه أشباه صدام وعملائه الودودين وفي النهاية هم عملاء للأمريكان والصهاينة، المستعمرون الجدد في العالم. فباسم الديمقراطية استمر التهميش والتجهيل بحقنا الشرعي ونسبة وجودنا السكاني. فبدأ التهميش مبتدأ من خلال تشكيل مجلس الحكم الانتقالي المؤقت حيث لم يمثل التركمان إلا بإمرآة ليست لها أي دور يذكر في الساحة السياسية التركمانية. وتركت الجبهة التركمانية الممثلة الوحيدة عن التركمان في العراق، والتي تنطوي تحت خيمتها جميع الأحزاب والحركات التركمانية خارج المجلس. وبعد ذلك تم تشكيل مجلس الوزراء ولم يعطى التركمان سوى وزارة كارتونية ليس لها سوى اسمها. وأيضا أهملت الجبهة التركمانية بتياريها القومية والدينية. وشكلوا وكلاء للوزراء وسفراء للعراق في الخارج وبدون تمثيل تركماني. وأصدر المجلس الإنتقالي قانون إدارة الدولة العراقي المؤقت وفيه أيضا لم يعترف بالتركمان كقومية ثالثة في العراق. وفي كل مرة يجيب قادة التحالف الذين يديرون أمور البلاد بأن هذه الإجراءات مؤقتة وستنالون كافة حقوقكم عندما يجري الانتخابات العامة في البلاد. وهكذا اغتصبت حقوقنا الإدارية في المحافظات ذات الغالبية التركمانية ومجالسها البلدية. فلو لم يكن كل هذا تهميش وتجهيل للتركمان في العراق فما هو إلا بسبب عدم ولاء التركمان وخضوعهم للأمريكان والصهاينة والتعامل معهم ضد مصالح الوطن.
وإلى جانب حقوقنا الإدارية، فإن قوات التحالف ومجلس الحكم الغير عراقي أهملوا الأمن والاستقرار في مناطق تواجد التركمان في العراق. مما أدى إلى تمكن الأكراد الذين جاءوا من تركيا وإيران بغية إظهار المناطق التركمانية بأنها كردية من زعزعة الأمن وعدم الاستقرار. حيث قاموا بأعمال النهب والاختطاف والقتل والسرقة. وتمكن أولئك الأشرار العملاء للصهاينة والذين انخرطوا في صفوف الميليشيات كردية التابعة لجلال الطالباني ومسعود البارزاني من إغتيال العديد من القادة والشخصيات الفكرية التركمانية أمثال المناضل القومي مصطفى كمال يايجيلي والشهيد الصحفي علي أكرم كوبرولو والآخرون. في حين نجا العديد من القادة التركمان أمثال الدكتور فاروق عبدالله عبدالرحمن رئيس الجبهة التركمانية والدكتور صبحي صابر ممثل الجبهة في كركوك من محاولات دنيئة مماثلة والتي أصبحت ارتكابها تسند إلى القتل في ظروف غامضة أو بدون قصد لكي لا يحكم على المجرمين مرتكبي هذه الجرائم البشعة. فأين مصداقية الديمقراطية والحرية التي وعدونا بها الأمريكان والإنكليز الذين احتلوا بسببها العراق؟ وأين مصداقية الديمقراطية التي ناضلت من أجلها المعارضة العراقية. وأين منظمات حقوق الإنسان الدولية في كل مكان؟ وإلى متى سيسكتون كالشيطان الأخرس عن الحق التركماني؟ وإلى من نشتكي عن أطفالنا ونسائنا الأبرياء الذين قتلوا في المظاهرات السلمية نتيجة فتح النار عليهم من قبل عملاء الصهاينة الأوغاد؟ إلى من نشتكي عن مساجدنا وأماكننا التي أستهدفت بقذائف وهاونات الميليشيات الكردية؟ ومن من نطلب حقنا في الحكم على المجرمون الذين يغتالون البسمة في عيون الصغار، ويغتالون كل شي جميل في شوارع وأزقات بلادي؟ وإلى متى سنواجه حملات التعريب والتكريد ونشرد من موطننا بسب عدم تنفيذ أوامر رعاة البقر والأغنام؟ و إلى متى يبقى الخوريات التركماني حزينا وعيون رباعياته تفيض دما على منظميها؟ ومن يحاسب المجرمون الأشرار على أفعالهم الإجرامية الشنيعة؟ ووفق أية مادة ومن أي قانون سيكون حسابهم؟ أين مصداقية المنظمات التي تأسست من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان؟ ومتى ستجيب لصرخاتنا وتنال حقوقنا من الخونة والأنذال؟ وإلى متى سينزف جرحي دما، ويبقى دماء شهدائي الأبرياء على الأرض لا تجف، دون أن ينال القتلى الملعونين جزائهم العادل؟