لقد أوضحتُ لكم بِ صدق و شفافية مطلقة رؤيتنا، أو على الأقل رؤيتي أنا، كي أكون دقيقا في التعبير والموضوع، و أعتقد بأنكم تعرفون مواقفي تجاه الحق و الحرية و المساواة، و لا شكَّ بأنكم (أو مثقفيكم) قرأتم ما كتبته في الصحف الإلكترونية بِ خصوص هذه المسائل، و لِقطع الطريق على القومويين من كل الأطراف، أقول لكم و أيضا بكل صدق و إخلاص: كما كان لِ جدِّي أصدقاء حميمين مِن الأكراد، و كما كان لِ أبي أصدقاء حميمين، و أنا أيضا لي أصدقاء حميمين من الأكراد، و سيبقون أصدقائي، ولتكونوا على ثقة تامة، بأني لا أقول هذا الكلام لِ كَسْبِ عواطفكم أو لِ غاية في نفسي، لأ أبدا، فَ كان لي أصدقاء حميمين من الفلسطينيين و الإخوان المسلمين و قوميين سوريين و ماركسيين عرب و بعثيين و آثوريين و تركمان و جركس و عرب، و سوف أبقى حريصا على تلك الصداقات، حرصي على الأزهار المختلفة في حديقتنا و روضنا الغنَّاء، و أنا واثق بأنهم سوف يبقون صادقين و مخلصين لِ الصداقة بين البشر و الشعوب المختلفة، لِ جهة انتماءاتهم و ولاءاتهم التي لم نخترها نحن بِ محض إراداتنا، فَ الحياة لها قدسية إنسانية، بِ صرْف النظر عن كلِّ الإبداعات التي اخترعها الإنسان منذ عهود موغلة في التاريخ، و التي تتجلى اليوم(و لِ الأسف) في شرقنا الحبيب، بِ كلِّ مظاهرها المتخلفة و البدائية، فَ أنا لا أعترف بِ الإنتماءات العصابية الإقصائية من أيِّ مصدر كان، فَ الإنسان هو بِ ذاته الذي اخترع تلك الولاءات الهمجية البدائية، بدءاً من الأديان التي لا علاقة لِ السماء بها، و لا علاقة لِ الرب بها، و لا علاقة له لِ ما يجري بين الشعوب، بين البشر، بين الناس، فَ نحن هم الذين نذكي نيران الحقد و الكراهية فيما بيننا، و نفعل ذلك لِ جهلنا المطبق لِ وحدانية الكون و الإنسان؛ وصولاً إلى الإنتماءات القبلية، العشائرية، الشعوبية، و التي كلها تدفعنا وقودا لِ آتون رهيب مشتعل ما دمنا نرمي بعضنا بعضاً في لهيب جحيم دانتي.
أعود و أكرر طرح السؤال الرئيس: لماذا جزيرتنا الخضراء هي كردستان الغربية، و متى كنتم امبراطورية أو دولة، و كانت جزيرتنا الحبيبة جزءاً من دولتكم العتيدة؟!
و السؤال الأهم هو: متى كنتم أغلبية إثنية أو عرقية في جزيرتنا؟
بالطبع سوف لن أطلب منكم أثراً تاريخيا، حتى لو كان كهفا لِ العبادة بشرط أن يكون فيه أثر يدلُّ عليكم بشكل مادي ملموس، و ليس بِ ليِّ عنق الحقيقة و إحلال المتخيَّل مكانها، و لن أطلب منكم قطعة أثرية من أعماق الأرض، كَ قطعة فَخَّار أو رُقُمٍ أو نص من ملكٍ كردي إلى ملكٍ آخر في دولة مجاورة لِ الامبراطورية الكردية، أو قطعة نقدية عليها صورة ملكٍ كرديٍّ...إلخ لن أطلب لأنها غير موجودة، بِ الرغم من تهجُّم معظم مثقفيكم على التاريخ، و تبنِّيه نظرية مؤامرة الكون عليكم إلى حدِّ العصبية الثقافية، و الطلب من الطبيعة و الأرض بِ الزلزلة و إخراج ما في باطنها، و كأن الأرض هي الأخرى تتآمر عليكم و تخفي آثاركم في جوفها بِ قصد حرمانكم من حقوقكم المزعومة.
من سيقول لِ الأرض بِ أن تخرج آثاركم و تاريخكم من جوفها في هذه المنطقة، أو بِ الأحرى من هم الذين تآمروا مع الأرض الأم لإخفاء ما في باطنها؟!
إني قرأت و أقرأ ما كتبتم و ما تكتبونه الآن فيما يخصّ الامبراطوريات التي تنسبونها لأنفسكم، و ليكن الأمر كما تدَّعون و ترغبون أن يكون كذلك، لكن المسألة الجوهرية هي التالي: هل لكم أن تدلوننا على امبراطورية قديمة كانت سائدة في زمن ما، و لم يبق لها أثراً تدلِّل على تلك الامبراطرية، أو على شعب تلك الامبراطورية؟
فَ كلُّ الممالك التي سادت و بادت، لها آثارها الآركيولوجية، و أوابدها الضاربة جذورها في أعماق الأرض إلاَّ آثاركم و أوابدكم التي لا وجود لها كَ سِمة إثنية أو عرقية أو حضارية، سوى انقضاضكم القسري على امبراطورية وحيدة واحدة و التي لم يتبنها/ إلى هذا اليوم/ أيّ من الشعوب أو الدول الحاضرة(و ربما يكون من منطلق ديني بَحتْ)، ألا و هي الامبراطورية التي تدرَّجَتْ تحت مسمَّيات مختلفة في قاموسكم، فَ مرَّة أنتم عيلاميين، و أخرى نسبتم أنفسكم إلى الحوريين، و ثالثة إلى الحثيين و رابعة إلى الميتانيين و آخرها الميديين، و لا أعرف إنْ كنتم تعتبرون أنفسكم امتدادا لِ مملكة أورارتو، أو أجداد الفينيقيين، و ربَّما ذهبتم إلى الاعتقاد بِ أنكم جذر السومريين و البابليين، و لا أستبعد ذلك من خلال التوليفات اللغوية التي تتمسكون بها، فَ بكلِّ بساطة يمكنكم أن تعتبروا بيكاسو فنَّانا كرديا، كما كان يفعل العرب(في أعمالهم الفنية الكوميدية) حين كانوا يولِّفون الأسماء، كأن يقولوا بأن شكسبير كان عربيا، و أصل اسمه هو شيخ زبير، و أنتم أيضا بِ إمكانكم الادعاء حتى أن ريغان أصله كردي بتوليفة اسمه من ريغان إلى(ريه كن) و الذي معناه بالكردية الذقن القصيرة أو الذقن الحليق، و بِ نفس الوتيرة يكون[ روما- روه ما-، و رودي و فان....إلخ] كلها من جذر كردي، و بهذه التوليفات اللغوية يمكن الانقضاض على الامبراطورية السومرية أو الآشورية على اعتبار أن ملحمة جلجامش هي ملحمتكم أنتم(و كأني سمعت مرَّةً هذه التوليفة)، فاسم جلجامش هو من جذر كردي(جل جاميش) أي أربعين جاموس، و ليس هذا فقط، فَ إنكم، و بكلِّ بساطة، تنسبون الرسول، و ابراهيم نفسه إلى الأكراد، هنا أنا أقف مدهوشا، فاذا كان ابراهيم و اسماعيل و محمد من سلالة الأكراد، فكيف سأربط هذا القوم السامي و الحامي إلى العرق الآري الذي أنتم منه؟!
لقد قرأت كتابات الانتليجينسيا الكردية، و خاصة بعد الأحداث المأساوية التي حصلت في جزيرتنا الحبيبة، منهم مِن الداخل، و مِنهم مِن الخارج و خاصة من أوروبا، فَ معظمهم يؤكد على جذوره العميقة الضاربة في شرقنا و خاصة في جزيرتنا، و منهم مَن ذهب إلى عمق التاريخ حتى/١٢٠٠٠/ سنة قبل الميلاد، فَ إذا كانت المسألة كذلك، فَ ما علاقة العنصر الذي أجداد أجداده مِن الجغرافية السامية و الحامية بِ العنصر الآري الذي لم يدخل حرمة هذا الشرق إلاَّ في متأخرات التاريخ، و الذي عمقه لا يتجاوز الألف عام قبل الميلاد، و ليكن ذلك مِن خلال ممالك الحثيين أو الحوريين أو الأورارتيين، أو مؤخرا الفرس مع قمبيز و كورش؛ فَ إمَّا أن تكونوا آريين و بالتالي وجودهم ليس أبعد من ألف عام قبل الميلاد، و إمَّا أن تكونوا ساميين أو حاميين الذين تضرب جذورهم إلى أبعد مِن /١٢٠٠٠/ عام ق.م؟ فَ مَن أنتم أيها الأصدقاء؟!
و هناك مسألة جوهرية فيما يجري الآن في جزيرتنا الحبيبة، و هي أنكم مصرُّون على اعتبارها جزءاً من كردستان الكبرى، و مصرُّون على اعتبارها كردستان الغربية، و مصرُّون على أنها(= الجزيرة) محتلة مِن قِبَل المستعمر السوري، و أنكم ماضون في تعميم هذا الإعلام العنصري الإقصائي علينا نحن المختلفون عنكم، إننا مختلفون في الإنتماءات، لكننا لسنا متخالفين في المواطنية، لسنا أعداءكم، و لسنا أعداء الدولة السورية، بالرغم من اخنلافنا الإنتمائي عن انتماء الدولة، فَ إننا لم ننظر لأنفسنا كَ غرباء في الدولة السورية بالرغم من اختلافنا في الإنتماء، و لم نسعَ لِ خَلْق قضية قومية لنا ضد الحكومة المركزية العربية(رسميا)، فَ نحن لسنا أقلَّ إحساساً منكم، و لسنا ذليلين و خنوعين تجاه الظلم و التعسف، لكننا ننظر إلى أنفسنا كَ جزء حقيقي مِن هذا النسيج السوري، بِكلِّ ما تعني هذه الكلمة من معنى، و الفرق بيننا أيها الأصدقاء، هو أننا نتفهَّم، و نقرُّ وجود دولة اسمها الجمهورية العربية السورية،[ و التي أقترح – كما طرحتُ في مقالات سابقة – أن يكون اسمها، دولة سوريا أو الجمهورية السورية]، و أيضا نتقبَّل السمة العربية لهذه الدولة، فَ القومية العربية هي السائدة في دولتنا، فلماذا لا نعطي الحقَّ لهم في الوجود و الاستمرارية في هذه الدولة، فكما نحن جميعا نفتخر بانتماءاتنا القومية، العرقية، الإثنية، أيضا لهم الحقَّ بِ أن يفخروا و يتباهوا بانتمائهم العروبي، أمَّا أن نعتبر القومية العربية أو العروبة حركة عنصرية مستعمرة لِ غيرها من الشعوب و الإنتماءات، فَ هذه المسألة بحاجة لبحث معمَّق و جرأة في التحليل و مصداقية في المراجع التاريخية، طبعا هذا لا يعني بِ أن العروبة، أو الدول العربية هي أنظمة عادلة و متفهِّمة لِ مواطنيها المختلفين في الإنتماءات. نعم هناك ظلم و هناك سياسات عنصرية، و هناك ممارسات إقصائية عنفية تجاه الآخر المختلف، و أكثر من هذا، فَ هناك مؤرخين و مفكرين و مثقفين يعتبرون بِ أن شرق المتوسط و شمال أفريقية قد خَضَعَتْ لاستعمار عربي منذ الغزوات الأولى لِ دولة الرسول، و بِ الطبع من ضمن تلك الجغرافيا شرقنا المسحور، و الذي يضم في بؤرته بلاد الشام، فَ هذه المسألة يجب التعامل معها بِ القلم و الكلمة
فَالظلم الواقع علينا هو على كل الفئات و الإثنيات و الإنتماءات المكوِّنة لِ المجتمع السوري(مع اعترافي و إقراري بِ نصيبكم الأكثر)، فَ المسؤولين و القادة من الفاسدين يمارسون الظلم و الإجحاف بِ حقِّ أبناء جلدتهم و قوميتهم و دينهم و مذهبهم، فَ المسألة الوحيدة التي تتفردون بها من الظلم و الغبن هي في حرمانكم من التعبير عن هويتكم و قوميتكم، و التي أنا متضامن معكم و أطالب الدولة بِ إنصافكم في هذا المجال الإنساني لِ تعبِّروا عن تفرّدكم و أنا معكم، و كنتُ قد قلت سابقاً: ليس بِ الضرورة أن يكون كل سوري عربيَّاً؛ فَ لماذا لم تقدِّم نفسكَ إليَّ (= الآخر) كَ مواطن سوري مثلنا جميعا دون خلفيات و أطماع في السيطرة على هذه المحافظة و على امتدادها حتى البحر المتوسط؟ لماذا تتبعون سياسة إعلامية لا تريح شركاءكم في هذه الجغرافية، لماذا تقفزون من جذر المشكلة إلى نتائجها، و التي لم تتوانوا و لا لِ لحظة في تغيير الموضوع الأساس في المسألة، لماذا لم تقولوا لنا بكل وضوح و صراحة تامة بِ أنكم لا تعتبرون الجزيرة كردستان الغربية، و لا تعتبرون الدولة السورية دولة مستعمرة، و ما هو رأيكم بِ حكومة المنفى(حكومة كردستان الجزيرة) التي تم تشكيلها في مدينة هيرنه الألمانية بِ قيادة الدكتور جواد ملا، هل تعتبرونها مَزْحة لا أكثر؟؟!
إلى متى سَ تشحنون أبناءكم على أن اتفاقية/ سايكس- بيكو/ كانت مؤامرة لِ تقسيم كردستان؟
أين كانت كردستان في جميع المداولات السرية و العلنية بين الدول التي شاركت في الحرب الكونية الأولى؟
ثم أن الإتفاقية قسَّمَتْ الامبراطورية العثمانية شكلا و جوهرا و إسْمَاً، و لم تكن هناك دولة اسمها كردستان في كل أرشيفات العالم، و أن الدولة التي جرى تقسيمها هي الدولة العثمانية و ليس سِواها.
إلى متى سَ تبقون حاملين سيف الإرهاب الفكري على رقابنا؟ ثم ألا ترون بِ أننا لا نستطيع مجاراة اليهود بِ الهجوم على الخصوم الإعلاميين و المثقفين و الأدباء و الكتاب بِ سيف معاداة الكردية؟!
لقد وصل الأمر لديكم إلى حد التهديد العلني المباشر بِ حقِّ الإعلاميين و الكتاب الذين خطابهم يتناقض مع خطابكم، فَ لماذا أنتم تعتبرون ما تعتقدون و ما تحلمون به هو من الثوابت لديكم، و هو من حقائق مقدَّسة، لا تسمحون لأحدٍ بِ تناولها من زاوية مختلفة و رؤية مغايرة لِ رؤاكم؟، و لماذا تتهمون الكتاب بِ معاداة الكرد لِ مجرَّد أنهم يرفضون استعمار الجزيرة من قِبَلِكم، و تتهمونهم: بِ التزلف لِ السلطات، و التأثر بِ الأحقاد الدفينة و المواقف المسبقة، و إلاَّ فَ مِن الأفضل لهم أن لا يكتبوا بعد الآن عن الكرد و حركتهم و قضاياهم بِ الشكل الذي يكتبون؟؟!!!
لِ يكن معلوما لديكم أيها الأصدقاء، عندما نكتب عن بلدنا و عن المخاطر التي تهددنا كلنا، فَ إننا لا نفعل ذلك لِ مجرَّد التسلية أو لِ التبلي بكم، لا بل أنتم الذين تريدوننا شهود زور لِ مشاريعكم الطورانية الكردستانية، فَ أنتم ماضون في رَسْمِ خارطة تريحكم، و كتابة تاريخ متخيَّل تطمئن له قلوبكم، و جلَّ ما في وثائقكم و أرشيفاتكم من الحجج و الشواهد التي تثبت مزاعمكم هو عنصر التكاثر و القوة، فَ أنتم تريدوننا أن نسكت عن مخططاتكم و مشاريعكم التقسيمية، و ألاَّ نتحدَّث عنها، في نفس الوقت الذي شكَّلتم حكومة كردستان في المنفى، و سوف تعلنون عدد الوزراء و أسماءهم لاحقاً، و قد قررتم العمل بها(= حكومة المنفى) في٢٥/٠٤/٠٠٤، و شَرَعْتم في تكريد أسماء المدن و البلدات و القرىليس فقط في الجزيرة، و إنما على مستوى البلاد كلها(قامشلو، تربي سبي، كوباني، سَري كاني، زور آفا...إلخ)، و لم تقتصر سياسة التكريد على الجغرافيا، و إنما طاولت انتماءات الشعوب أيضا، فَ بكلِّ بساطة قلتم، و تقولون، عن السريان و الأرمن بِ أنهم أكراد مسيحيين!!!!
إنكم فعلتم و تفعلون كما فعل و يفعل زعماء كردستان العراق، ألم يغيِّروا(و أنتم ترددون بِ كلِّ بساطة، دون مراعاة لِ مشاعر أصحاب الأرض الحقيقيين!!) اسم أربيل إلى هولير، و جعلها عاصمة لهم، إمعانا في إرهاب أيٍّ كان بِ معارضة ذلك، و أربيل هذه، هي مدينة آشورية منذ آلاف السنين(= أربعة آلهة)، فَ لماذا تم تكريد هذه المدينة التاريخية؟ أَلا يمكن أن تتدخل منظمة اليونسكو لحماية الآثار و المعالم التاريخية، و تعترض على تغيير اسم هذه المدينة، لأنكم تعلمون جيدا ماذا يعني التعريب، و ماذا يعني التكريد؟؟