تينت قال لمسعود البارزاني وجلال الطالباني: انتظروا... الجيش والمخابرات والاموال كلها قادمة
ابراهيم درويش
في كتاب الصحافي الامريكي المعروف بوب وودورد، خطة الهجوم يبدو غزو العراق مبيتا ومحضرا وجاء نتاجا طبيعيا لهذه الجهود التي قام بها مجلس حرب قاده الرئيس الامريكي جورج بوش الذي جاء للبيت الابيض وفي ذهنه اكمال ما لم يكمله والده في عام ١٩٩١ وهو الاطاحة بصدام حسين.
ويحدد بوب ودورد بدء التحضير الفعلي لاحتلال العراق بشهرين او اكثر من الهجمات التي نفذها مهاجمون من القاعدة علي نيويورك وواشنطن في ١١ ايلول (سبتمبر) ٢٠٠١، ففي ٢١ تشرين الثاني (نوفمبر) اخذ بوش دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع بيده الي غرفة جانبية في البيت الابيض وطلب منه العمل علي تطوير خطة للعراق ومراجعة الخطة السابقة وتقديم تقييم لها، بوب ودورد الصحافي واشنطن بوست يقدم صورة عن اهم اللاعبين في احتلال العراق، حيث يتحدث عن ايديولوجيي اليمين ويقدم معرفة داخلية عن تصرفاتهم، والطريقة التي يفكرون بها، وبالتحديد دونالد رامسفيلد وديك تشيني اللذان يقفان وراء معظم الجهود للاطاحة بصدام حسين. بوب وودورد يكتب بشفافية الصحافي المطلع علي خفايا البيت الابيض ما كان يقال في الصحف باعتباره تكهنات، وهو يؤكد الحقيقة ولا ينفيها، ويصف اصرار الرئيس علي تغيير النظام بالعراق، واستغلاله للحرب علي الارهاب التي نتجت بعد الهجمات لتبرير هذا والدفع باتجاه انجاز المشروع. واهم ما في الكتاب انه يرصد الادوار التي لعبها اليمين الامريكي، او صقور الادارة الامريكية في تقديم التبريرات، او الدفع باتجاه الغزو، وهو بهذه المثابة يعتبر دليلا لافكار هذا الفريق الذي احتل مناصب هامة في البيت الابيض والدفاع، ويدير مراكز بحث تعمل علي تزويد الادارة الامريكية بالافكار، وتعيد انتاج ما كان يقوله اليمين في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عن ضرورة تأمين المنطقة العربية بما يخدم المصالح الامريكية، باستثناء وحيد ان غزو المنطقة العربية لم يعد منحصرا باحتلال منابع النفط، ولكن تغيير الانظمة تحت شعار نشر الحرية والديمقراطية للوصول الي منابع النفط. بوب وودرود باعتباره صحافيا يحظي باحترام يقدم سردا واضحا للنقاشات والخطط التي دارت في داخل اروقة صناع السياسة في امريكا بعد هجمات ايلول (سبتمبر) وحتي شباط (فبراير) ٢٠٠٣ حيث بدا ان امريكا جادة فيما تقول وعازمة علي احتلال العراق. واهمية كتاب خطة الحرب انه يستند علي مقابلات ولقاءات مع ٧٥ من مسؤولي الادارة بما فيهم جورج بوش، الرئيس الامريكي، الذي جلس معه ثلاث مرات، امتدت كلها علي ثلاث ساعات ونصف، وكانت المقابلات الثلاث التي تمت في كانون الاول (ديسمبر) العام الماضي من اجل هذا الكتاب، اضافة لسجلات ووثائق. وودورد كاتب معروف في الصحافة الامريكية لانه كان مع زميل صحافي له هو كارل بيرنشتاين، وراء الكشف عن فضيحة ووتر غيت التي اطاحت عام ١٩٧٤ بالرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون، والتي تمحورت حول عملية تنصت قام بها الرئيس علي مقر الحزب الديمقراطي في ووترغيت.
يبدو غزو العراق مثل حوادث موت معلن، فهو سر مفتوح ابقت عليه الادارة الامريكية للحظة الاخيرة في اذار (مارس) ٢٠٠٣. واهم ما يميز الكتاب انه يكشف عن مواقف وادوار لعبتها انظمة عربية، حيث حاولت امريكا التعاون معها من خلال قنوات سرية، لتسهيل الغزو واسقاط نظام صدام حسين، وبدا هذا واضحا في زيارة ديك تشيني الي المنطقة عام ٢٠٠٢ عندما حمل معه رسالة واضحة لهذه الانظمة ان امريكا عازمة علي فعل عسكري، وبحث مع كل منها المطالب الامريكية. ومن هنا يكشف الكاتب عن تناقض المواقف العربية المعلنة من غزو العراق والترتيبات التي وافقت عليها مع الادارة الامريكية بالسر.
المعلومات التي يقدمها وودورد تعطي احساسا ان فرصة ربما ضيعها بعض المسؤولين العرب لتلافي الحرب وتجنب ويلاتها، حيث طرحت في تلك الفترة فكرة خروج صدام للمنفي مع عائلته، ويشير الكاتب هنا الي ان مبعوثا مصري طرح الفكرة مع بوش ورايس اللذان رحبا بالفكرة الا ان بوش تردد في اعطاء ضمانات. كما يظلل الكاتب هنا الدور الذي لعبه سفير السعودية في امريكا، الامير بندر بن عبد العزيز، فقد استدعاه نائب الرئيس لاعلامه بعد اكتمال خطة الهجوم علي العراق، وقدم تشيني لبندر الذي اجتمع به في الجناح الغربي من البيت الابيض، وبحضور رامسفيلد ورئيس هيئة الاركان المشتركة، ريتشارد مايرز بانه الولايات المتحدة عازمة علي الزحف نحو بغداد وان القوات الامريكية قد تحتاج لاستخدام الاراضي السعودية. وكان تشيني يكرر ما فعله في اثناء حرب الخليج عام ١٩٩٠عندما استدعي بندر واعلمه عن خطط اجتياح الكويت واجبار صدام علي الانسحاب منها.
ويبدو في داخل الفريق اللاعب والمحفز علي احتلال العراق، ديك تشيني، الذي طلب من مسؤولي ادارة بيل كلينتون الذين كانوا يحزمون امتعتهم تقديم اهم الملفات المتوفرة لديهم عن العراق. وعلي خلاف موقف ديك تشيني وممثلي اليمين الذين تمركزوا في الادارة الجديدة، كانت المخابرات سي اي ايه تعتقد ان اي اي تحرك لها داخل العراق يظل مرهونا بقرار من البيت الابيض لعمل عسكري، فالتقديرات التي قدمتها المخابرات الي الادارة اعتمدت بالضرورة علي ان دعم العراقيين للاطاحة بصدام يعتمد علي النية الامريكية، وتوصلت المخابرات تحت ادارة جورج تينت الي حقيقة مفادها ان لعبة الانقلابات لن تجدي، خاصة ان صدام ظل في السلطة لاكثر من ثلاثين عاما ولديه خبرة في تحديد الخصوم واحباط الانقلابات. ويبرز في هذا الاطار دور شول الذي عمل كمسؤول عن ملفات في المخابرات في عدد من محطات سي اي ايه في الخارج، وتسلم مكتب العراق وتحليل المواد الامنية المتوفرة عنه، بعد ان كان مكتب العراق في المخابرات بمثابة سجن لكل الطاقات العاملة في المخابرات، فالمكتب عرف في داخل اروقة المخابرات باعتباره المركز الذي يقتل صعود الموظفين في هيكل المخابرات واطلق عليه مكتب الدمي المتحطمة، وفي العادة يعمل فيه موظفون ينتظرون التقاعد.
وقام شول الذي حدس ان ادارة بوش عازمة علي اعادة ترتيب الملف العراقي بدراسة تحليلية لكل المواد المتوفرة عن العراق ونظام صدام، وتأكد لشول ان التغيير لن يتم عبر انقلاب او دعم جماعات معارضة، بل من خلال عمل عسكري مباشر. وفي الوقت الذي كان رامسفيلد يقوم بتطوير استراتيجية احتلال جديدة للعراق، فقد اقتضي العمل علي جبهة الدبلوماسية، وبدا المدخل الامريكي بشأن العراق متناقضا فهو يدعم سياسة الاحتواء للنظام عبر استمرار فرض العقوبات علي العراق، وفي الوقت نفسه تعمل الادارة علي خطط عسكرية وقائية، وهذا المدخل كان مشوشا للعديد من المسؤولين الامريكيين. كما يكشف الكتاب عن الافكار التبسيطية التي حملها عدد من المسؤولين عن الغزو الذين اعتقدوا انه سيكون سهلا. الاهم من ذلك ان اللعبة البلاغية، ومحاولات العودة للامم المتحدة، والسماح لمفتشي الامم المتحدة بالعودة للعراق لم تكن الا لعبا وخداعا، تمسحت بها، ولم تؤثر علي مشروعها في العراق.
محور دول الشر: غطاء لغزو العراق
خلال هذا التحضير للحرب قدمت خطابا عاما مراوغا عن العراق، فبوش اكد مرارا علي ان سياسة الولايات المتحدة هي الاطاحة بصدام حسين ولكن اللغة التي استخدمها ظلت لغة معلقة، غامضة، ولعل فكرة محور دول الشر التي طرحها بوش في خطاب حالة الاتحاد عام ٢٠٠٢ تعبير عن محاولات الادارة الاختفاء وراء الكلمات في الوقت الذي واصل فيه تومي فرانكس جهوده لتطوير خطة حرب اكثر عملية من الخطة القديمة المتوفرة لغزو العراق. مصطلح محور دول الشر عبر عن التحول في السياسة الخارجية الامريكية في مرحلة ما بعد هجمات ايلول (سبتمبر) فقد اخذت السياسة بالميل نحو بناء علاقة بين الارهاب واسلحة الدمار الشامل ومن هنا فان كتاب خطابات الرئيس عملوا علي تضمين هذه الفكرة في خطابه عن حالة الاتحاد، وفي البداية حاول مايكل غيرسون، كاتب خطابات بوش تأكيد هذه التيمة في الخطاب، فهو مثل غير من المسيحيين المتحمسين في ادارة بوش اعتقد ان العالم تغير بعد عام ٢٠٠١، وغيرسون يصف نفسه بالمسيحي المتحمس المحافظ وعليه لم يخجل من تضمين رؤيته الدينية وحماسه الاخلاقي خطابات الرئيس، وقام غيرسون باستخدام هذا الموقف الذي مزج بين الايمان الشعبي والقصص التوراتية في خطابات بوش التي كتبها بعد مرحلة الهجمات علي نيويورك وواشنطن. وقام غيرسون ببحث طويل ومكثف لاعداد خطاب بوش، حيث ناقش طويلا مع كوندوليزا رايس مستشارة بوش للامن القومي، كما طلب من ديفيد فرام، الكاتب المحافظ العامل في فريقه لنحت مصطلح من كلمتين يلخص موقف الادارة الامريكية من العراق. ومثل كل المحافظين الجدد اعتقد فرام ان المخرج الذي يبحث عنه بوش في العراق يكمن بربط نظام صدام حسين بفكرة الدول الداعية للارهاب، ولهذا جاء بفكرة محور الكراهية، المصطلح الجديد هذا عكس فكرة التحالف في الحرب العالمية الثانية دول المحور، وكان غيرسون قد تذكر ان تشيني عندما انضم الي حملة جورج بوش عام ٢٠٠٠ كان اول من ربط بين الارهاب واسلحة الدمار الشامل، ولهذا قام بتغيير الفكرة الي محور دول الشر، وعندما قرأت رايس المسودة الاولي من الخطاب اعجبت بها، الا انها ومساعدها ستقن هيدلي اللذين كانا عارفين بخطط الحرب خشيا ان يفسر تضمين العراق وحده في الخطاب باعتباره مرحلة اعلان حرب. ولهذا اقترحا اضافة اسماء دول جديدة، فرايس لم تكن راغبة بتضييع فرصة الحديث عن العلاقة بين الارهاب واسلحة الدمار الشامل، وعليه كانت كل من ايران وكوريا الشمالية مرشحتين لانهما دولتان تدعمان الارهاب وتطوران اسلحة دمار شامل.
لكن اسم ايران اصبح معضلة لان هذه الدولة فيها نظام ديمقراطي، وقد تقبلت رايس مخاوف هيدلي عندما قال ان ايران بلد يختلف عن العراق وكوريا الشمالية، وان تضمينها بالخطاب سيثير انتقادات، ولكن بوش اصر علي اضافة الاسم لدعم الحركة الديمقراطية في ايران كما قال في تصريحات لاحقة للمؤلف. لا مجال للشك، العراق وكوريا الشمالية وايران تمثل الخطر الحقيقي علي السلام في الوقت الحالي. وعندما سئل عن رد فعل الايرانيين قال ان الجماعات الديمقراطية والمعارضة ستفرح ام النظام فلا. واكد بوش ان دور امريكا في العالم هي نشر الحرية، وعندما ساله االكاتب ان امريكا بهذه المثابة تتصرف بطريقة ابوية تجاه دول العالم الاخري، عندها قال توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا، وخوسيه ماريا اثنار، اسبانيا، وجون هوارد، استراليا يشاركونه في هذا الموقف. يقول وودورد ان غيرسون كان مسرورا بالاكتشاف الذي قام به، حيث كانت الدول التي تعارض سياسة الولايات المتحدة يطلق عليها في الغالب اسم الدول المارقة او المنبوذة وفي هذا المصطلح الجديد فانه قام بعكس ظلال الحرب العالمية الثانية وخطابة رونالد ريغان في الثمانينات عندما وصف الاتحاد السوفييتي السابق بامبراطورية الشر. والخطاب يعكس، كما يقول الكاتب دهشة بوش الدول التي تنتج ايديولوجيات لقتل الامريكيين، وعليه فقد آمن بفكرة اصلاح هذه المجتمعات. هذه الفكرة لم يتفوه بها اي رئيس من قبله وجاءت نتيجة الهجمات التي نظمها مهاجمون للقاعدة علي التراب الامريكي، لويس (سكوتر) ليبي، ايضا عبر عن تحفظه من الاشارة لايران، ولكن هذه التحفظات تراجعت امام ما اعتقده عدد من مسؤولي الادارة انه عبارة مهمة وستترك اثرها. في داخل الخارجية الامريكية، عندما قرأ كولن باول ومساعده ارميتاج الخطاب اعتقدا انه غامض، واقترحا تغيير عبارة ان ١٠٠ الف ارهابي يتجولون احرارا في العالم، واقترحوا تغييرها الي عشرات الالوف. ومع ان باول مر علي فكرة محور دول الشر، الا انه لم يقف كثيرا عندها لاعتقاده ان خطاب حالة الاتحاد ليس حدثا كبيرا، وهو مناسبة ستمضي، ونفس الموقف وجد في المؤسسة العسكرية، فبعد عامين من الخطاب قال رامسفيلد انه ربما لم يشاهد الخطاب قبل القائه في ٢٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٢. وكذا جورج تينت الذي كان يعتقد ان مهمة امريكا الحالية هي محاربة الارهاب، ولكن عبارة محور الشر اعطت اشارة واضحة عن التغير في السياسة الخارجية الامريكية، وفوق هذا فقد منحت المؤسسة العسكرية غطاء لمواصلة خططها بشأن الحرب، تاركة الاعلام والمحللين في شأنهم واتفاقهم او اختلافهم حول المصطلح. فبعد ثلاثة ايام من خطاب بوش، استدعي رامسفيلد فرانكس الي البنتاغون لمواصلة الخطط، وفي هذه المرة قدم فرانكس اول خطة عملية لغزو العراق حيث ابتعدت كثيرا عن الخطط القديمة وبنت رؤيتها علي جدول زمني، وحملت اسم خطة العملية ـ ١٠٠٣، وتحدثت الخطة عن مراحل زمنية تقتضي استخدام ١٦٠ الف جندي، واشارت الخطة الي حاجة امريكا الي فترة ثلاثة اشهر لوضع الجنود في المنطقة، وخمس واربعين يوما يحتاجها القصف الجوي المكثف، اما المرحلة الاخيرة فهي مرحلة الهجوم الجوي الذي قد يكتمل في ٩٠ يوما وعندما قدم فرانكس ما اسماه خطة البداية المتولدة للرئيس بوش وهي الخطة المعدلة لخطته التي قدمها لرامسفيلد استخدم المصطلح الرقمي (٩٠ ـ٤٥ ـ٩٠) لتلخيص الجدول الزمني للحرب، وكانت هذه هي المرة الاولي التي شاهد فيها بوش خطة حقيقية لغزو العراق. وفي اثناء عرض فرانكس للخطة، قدم فرانكس لبوش مصطلح الصدمة والترويع، ما كان يحدث في الغرف الخلفية من عمليات تخطيط انعكس علي تصريحات بوش العامة ولكن بطريقة غامضة فقد اكد انه يحتفظ بكل الخيارات امامه علي الطاولة.
في مكتب تشيني، كانت الخطط التي يقوم بها فرانكس تحت اشراف رامسفيلد قد اخذت وقتا اطول مما تحتمله، ومن هنا يشير الكاتب الي دور المحافظ اندي كارد، احد كبار المسؤولين في فريق بوش، حيث كان كارد واعيا بما يمثله العراق لكل جنرال، ميدان تقليدي للحرب، كبير، خطط حربية كبيرة بعربات حاملة للجنود، والاف الطلعات الجوية والمدرعات التي تخترق الصحراء، وما اعطي كارد تأثيرا علي جورج بوش الابن، انه عمل مع والده، حيث كان وراء النصر الذي حققه الاب علي المرشح الديمقراطي بوب دول، وخلال فترة كلينتون، عمل كارد في اللوبي لصالح شركات تصنيع السيارات، وكارد درس التصمـــــيم الهندسي اما زوجته فتعمل قسيسة. وتأثير كارد علي بوش يبدو من محاولته زرع في ذهن الرئيس فكرة ان الرئيــــس وليس غيره هو القادر علي اتخاذ القرار بشـــأن الحرب علي العراق، ولهذا قام باستعادة مشهــــــد غزو بنما للاطاحة بنظام مانويل نورييغا، حيــث كان جورج بوش الاب هو الذي ترك لاتخاذ القرار ويرسل الجنود الامريكيين هناك.
المخابرات تعيد ترتيب اولوياتها
في المخابرات الامريكية، تم التركيز علي حرب الارهاب والقاعدة، والعراق لم يكن داخلا في معادلة الاولويات. ومع ذلك فشول المسؤول الجديد عن عمليات العراق، وجد ان مصادر المعلومات الاستخباراتية القادمة من العراق كانت شحيحة جدا، ومرة تساءل جورج تينت عن السبب الذي يجعل كل المعلومات الامنية المتوفرة عن العراق تأتي في العادة من مصادر الاستخبارات البريطانية، وعندما حاول شول الحديث عن عملية استخباراتية داخل العراق لدعم الجهد العسكري لاحظ ان عدد العملاء العراقيين في الداخل قليل جد ويعدون علي اصابع اليد، وهؤلاء العملاء متواجدون خارج المؤسسة العراقية اي بعيدا عن الحرس الجمهوري والجيش، والذين يعملون منهم في وزارة الخارجية العراقية كانوا في مناصب هامشية، ولاحظ شول صعوبة التواصل مع العملاء العراقيين نظرا لعدم وجود سفارة امريكية في العراق، وتوصل شول الي حقيقة مفادها ان عمل المخابرات في العراق لن يطيح وحده بنظام صدام حسين، وان الطريقة الوحيدة لتجنيد عملاء في الداخل هو اظهار ان واشنطن لديها النية الحقيقية لاحتلال العراق. وعليه قام شول ومساعدوه بوضع خطة عمل لدعم تغيير النظام في العراق وهو الامر الذي وجه المخابرات لدعم الجيش الامريكي في جهوده للاطاحة بصدام حسين. وقع بوش الامر في ١٦ شباط (فبراير) ٢٠٠٢ وقامت خطة شول علي زيادة عدد العملاء داخل العراق من ٥٠ في البداية الي ٣٦٠ خلال ستة اشهر. فرانكس في رسمه للخطط ومراجعته له ونقاشاته مع مسؤولي الادارة الامريكية، قدم في مرحلة خارطة مفصلة للاهداف المحتملة التي يمكن ضربها بالعراق وعددها اربعة الاف هدف، فعلي خلاف افغانستان التي لم تجد امريكا فيها ما تدمره، كما اشار رامسفيلد عندما قال ان الجيش لم يكن يعاني من قلة اهداف ولكن افغانستان، ومن هنا طلب رامسفيلد من فرانكس تنظيم الاهداف بجداول حسب اهميتها واولويتها. فرانكس اكد ايضا في خطته علي الدور التي سيلعبه السياسيون في اقناع الدول الجارة للتعاون في الغزو. وعندما اعلم تشيني فرانكس بنيته القيام بجولة في المنطقة في اذار (مارس) وطلب منه تقديم اطار عن المطلوب من هذه الدول، وعليه قدم له فرانكس ورقة سرية قام باعدادها بالتعاون مع رامسفيلد حدد فيها المطلوب من كل دولة عربية علي حدة، سواء كان هذا توفير فرص لانطلاق الجيش، او التزود بالوقود، التجمع علي اراضيها للانطلاق، تقديم معلومات امنية وغير ذلك. وقدم فرانكس صورة شخصية عن مسؤولي المخابرات في كل البلدان العربية التي زارها. وبحسب الافتراض الامريكي، فكل الدول العربية ستعارض علنا الاطاحة بصدام حسين، الا انها في الداخل تحبذ رحيله، واشار فرانكس الي التعاون الذي تم مع الاردن واليمن في مجال الاستخبارات. ونجح تشيني في الاردن، لكن لقي ترددا مصريا، وفي قطر عندما تناولت زوجته طعام الغداء مع زوجة الامير، قالت لين تشيني متي يبدأ الاطفال هنا في البحرين مدارسهم؟ فقيل لها هذه ليست البحرين. ما سمعه تشيني في الشرق الاوسط ان ما يحتاجه في الوقت الحالي هو تحرك امريكي حقيقي علي المسار الفلسطيني الاسرائيلي وليس العراق، كما جلب تشيني معه شعورا ان المنطقة لا تسير بالطريق الصحيح، اضافة الي انه حمل معه فكرة جديدة ان السلام الدائم لن يتحقق بالشرق الاوسط طالما بقي عرفات رئيسا للفلسطينيين.
تينت يجتمع سرا مع الاكراد
يشير وودورد الي ان التحضير للحرب من قبل القيادة الوسطي استمر، فبعد لقاء فرانكس مع رامسفيلد وتشيني قام في شباط (فبراير) بجمع كل القيادات العسكرية حيث اخبرهم عن الخطط التي تقوم بها القيادة بشأن العراق، وقال لهم باسلوبه المعروف الامر جدي، واذا اعتقدتم ان هذا لن يحدث، فانتم مخطئون، عليكم تحريك اقفيتكم.
في اذار (مارس) التقي جورج تينت سرا مع شخصين مهمين وسيكون لهما دور هام في العمليات السرية التي ستقوم بها وكالته في العراق، هذان الشخصان هما: مسعود البارزاني وجلال الطالباني، اللذان يسيطران علي مناطق شمال العراق. وكان مع تينت في لقائه معهما رسالة واحدة: الادارة الامريكية جادة هذه المرة، الجيش والمخابرات قادمون للعراق، الامر يختلف هذه المرة، المخابرات لن تكون وحدها، الرئيس بوش عني كل كلمة قالها، صدام سيذهب، هذا قرار. يعلق وودورد علي ما قاله تينت ان الاخير لم يكن يعرف فيما اذا كان يقول الحقيقة ام لا، ولكن عليه ان يقول هذا حتي يرفع من سقف توقعات الاكراد ويحصل منهم علي وعد بالتعاون مع فرقه. وعندما تحدث مع الزعيمين الكرديين كان تينت يعرف انه يجب ان يبيع بضاعته بمقابل، ففي هذه المناطق لا يباع شيء بالمجان. ومن خلال عمله بالمخابرات، عرف من المسؤولين السابقين ان الاستخبارات هي الوجه القذر للعبة السياسية، فالوكالة الوحيدة المسموح لها رشوة الاخرين هي وكالته، فيما يطلب من كافة الوزارات الحصول علي موافقة من الكونغرس قبل تقديم اي دعم لجماعة او حزب. والمثير في عرض تينت انه كان يحمل معه هذه المرة حقائب مليئة بالاموال، ولـــــديه عشرات الملايين من الدولارات من ورقة المئة دولار الجديدة. واخبر تينت جورج بوش ان بعض الاموال ستـــستخدم في عمليات ارضاء وشراء ذمم الاخرين ودفعهم للتأكد من جدية الادارة الامريكية. وكانت رسالة تينت في النهاية للكرديين: انتظروا، الاموال والجيش والمخابرات كلهم قادمون.