الأمة التركمانية.. واقع حضاري ومستقبل تقدمي للعراق يستحق الاعتراف به.
زينب علي
إن ما نراه من حاضر الأمة التركمانية المتدفق بمصداقية نضال متفرد بحيويته المسالمة يؤكد على أن هذا الحاضر هو قنطرة عبور طموحات تركمان العراق انطلاقا من ماضي نواة ميلادها التاريخي نحو مستقبل نمو كيانها السياسي والاجتماعي والحضاري الذي تنشده على أرض الوطن المتمثل بالعراق التي تتخذ من نفوس تركمانها مسكنا أبديا.. إنه مخاض الفرح القادم، واستحضار لروح العدالة والحق والسلام المنشود بين خلايا كيان الوطن الواحد ذو التباين القومي والطائفي والتمايز الحضاري على صعيد يعجز الاستقلال عن روح التواؤم الإنساني الناجم عن انصهار حياة الفرد العراقي - أيا كانت توجهاته الدينية والطائفية أو القومية – في بوتقة الوجع الوطني نفسه..
فطموحات الأمة التركمانية التي يباركها عمل دؤوب الإخلاص لا تنظر إلى مستقبلها الفردي بعين واحدة نصف مغمضة من خلال ثقب الانفصالية الضيق، وغنما تشخص ببصيرتها نحو آفاق منبع تدفق الجرح الممتد على طول جسد الوطن النازف منذ عقود زمنية لم تحظ برفاهية تخدير الوجع الشرس الذي لا زالت مضاعفاته المفجعة تتضخم حتى يومنا هذا، ولذا فإن التبلور الحسي الجاد لطموحات تركمان العراق (ببذل يد معونة تحقيقها لهم من قبل الجهات التي لا تتحقق تلك الطموحات إلا إذا وهبتها أذنا جادة الإصغاء ويدا تجسد الوعود إلى حقائق واقعية سافرة) هو في حد ذاته بلورة مشرقة لجزء من نسيج فجر الكيان العراقي المستقبلي عن طريق الاعتراف الفعلي بصرح قومي شامخ العراقة بني على أرض العراق على مدى قرون من مشاطرة أبنائه أشقائهم من أبناء الأمم الشقيقة على أرض العراق أيام الدمعة والابتسامة العراقية، وعلى مدى عقود شقية معاصرة من عذابات الصمت الصارخ والآهات العراقية الدفينة.. لا سيما وأن الأمة التركمانية في العراق كانت وما زالت تنظر إلى مصالح أبنائها من خلال نظرة شمولية إلى مصلحة الوطن ككل دون أن تتعلق بأذيال طموحاتها القومية أدران الأنانية الفردية الساقطة، وآية ذلك أن جل ما تنشد تحققه الأمة التركمانية مما تناشد بتحقيقه يقع ضمن إطار (الحقوق الواجبة) وليس (المطالب المشروعة) فحسب.. واسترداد تلك الحقوق هو أدنى ما يمكن أن تنشده أمة اغتصبت قوى الاستلاب المتتابعة على مدى عقود شقية فلذات من حياتها وتاريخها الصارخ بحقائق صدق انتمائها للوطن الحبيب، فضلا عن كون منطلق رغبتها في استرداد تلك الحقوق هو سمو أهدافها المنصبة على خدمة الوطن.. الأمر الذي يؤكده الاطلاع على ما تنشد تحقيقه من حقوق وتحليل نواة جذور أهدافها النبيلة.. فما رغبتها في تسلم أبنائها شيئا من مناصب الدولة الرسمية التي تمثل القومية التركمانية إلا بغرض بذل خالص الجهود من خلال أولئك الأبناء في سبيل نماء الوطن وتطوير مستقبله، فضلا عن أن الحقوق المعنوية التي ينشدها التركمان من تاريخية ولغوية وحضارية يمثل تحقيقها صعودا حضاريا معنويا وعمليا لحضارة العراق ككل بحيث تساهم جديا في المزيد من رقي تلك الحضارة العريقة بما تنفحه إياها من خصوبة فريدة التميز..
إن للأمة التركمانية على أرض العراق نسيجا حضاريا واجتماعيا بديعا تفتقر إلى مميزاته العديد من الأمم الأخرى في العالم أجمع، فنظرتها الشاهقة السمو إلى الإنسان وحقوقه المادية المعنوية الواجبة أيا كانت جذوره،
ونتاجاتها الفكرية والعلمية والأدبية والفنية التي بنت صرحها التاريخي، وإخلاصها الدائم لروح التضامن الوطني النابذ للانفصالية، هي دلالات سافرة على أن اتخاذ هذه الأمة مركزها الحقيقي الذي تستحقه على أرض العراق هو إيقاظ لمزيد من التطور المستقبلي لهذا الوطن الموشوم في أعماق تركمانه البارين به..