اخطأ اكراد العراق حينما اعتقدوا انهم اقاموا تحالفاً استراتيجياً مع الولايات المتحدة يمكن له ان يدوم الى الأبد. فالولايات المتحدة استغلت نقمة الاكراد العارمة على النظام السابق وعلى ما كان يمثل من نزعة عروبية للحصول على مساعدات لوجستية من الاكراد انتهت تقريباً بنجاح الغزو.
ولأن السياسة هي فن التعامل بالمصالح فان مصلحة الولايات المتحدة قضت بالابتعاد المضطرد عن اقلية عرقية لا تنسجم مصالحها وتطلعاتها القومية مع المصلحة الأوسع والاكثر شمولاً للولايات المتحدة.
لقد شهدنا كيف تخلت الولايات المتحدة عن حليفها الأقرب اليها وهو احمد الجلبي الذي كرس العشرين عاماً الماضية من عمره في خدمة الخطط الاميركية التي انتهت بغزو العراق. لقد انهت هفوة صغيرة حياة الجلبي السياسية او على الأقل قضت على الآمال التي بناها جراء تعاونه الوثيق والمخلص مع صقور البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية.
ونفس الشيء حدث مع الاكراد الذين اعتقدوا ان ولاءهم للأمريكيين الذي وصل الى الحد الذي حاربوا فيه اخوانهم من العرب في الفلوجة وغيرها يمكن ان يضمن لهم امتناناً اميركيا يحقق لهم في النهاية مطالبهم التاريخية في حكم ذاتي يقترب كثيراً من درجة الاستقلال.
الاكراد لم يفهموا ولم يتقنوا اللعبة السياسية التي تحركها الولايات المتحدة في العراق وفي المنطقة بكاملها والتي تعتمد على الانتقال المفاجىء الى جانب الطرف الأقوى في معادلة الصراع. فالاميركيون الان يهمهم جذب الشيعة الطرف الذي يمسك بخيوط عديدة في مجريات الصراع، الى جانب المخطط الجديد الذي وضعته الادارة الاميركية في محاولة لتهدئة الموقف لاسكات الأصوات المعارضة لحرب العراق في الداخل واعادة الوفاق بين الحلفاء.
ولأن الشيعة يرفضون الاستجابة لجميع المطالب الكردية لأسباب تاريخية ومخاوف غذّاها التطرف الكردي في معاداة كل ما هو عربي، فان الاميركيين رأوا ان الوقت غير مناسب لرد الجميل لأقلية عرقية محدودة العدد لا تمتلك الا اقل القليل من اوراق الحرب والسلام.
ثم ان امريكا اكتشفت انها يمكن ان تخسر تركيا حليفها الاطلسي الذي وقف معها في معظم الاوقات واقام تحالفاً وثيقاً مع اسرائيل. فما يهم تركيا الان هو فصم العلاقة الاميركية - الكردية حتى لا ينال اكراد العراق حكماً ذاتياً موسعاً يلهب آمال وطموحات الاكراد في الجنوب الشرقي من تركيا.
هي اذن لعبة التحالفات والمصالح التي دفعت واشنطن الى التراخي في الاستجابة للمطالب الكردية. وسيأتي الوقت الذي يكتشف فيه الاكراد ان مصلحتهم تكمن في التصالح والوفاق في عراق موحد الطوائف والأهداف.