عند قراءة السيد الأخضر الأبراهيمـي تقريره أمام أعضاء مجلس الأمن يوم الأثنين المصادف۰٧/۰٦/۲۰۰٤ الساعة ۲۰:۰۰ على توقيت كرينتش قال بالحرف الواحد قوله وانتظر التركمان مثل هذا القول عشرات السنين بالصبر وبالعض على النواجذ حيث قال: ـ
إنني أنقل لكم طلب التركمان في العراق ومساعدتهم والأعتراف بهم كقومية أساسية ثالثـة من الشعب العراقي في الدستور الدائم للعــــراق. . . . . . . . . .
أولا: ـ أقدم الشكر والتقدير للسيد الأخضر الأبراهيمي لأيفائه بوعده الذي قطعه للتركمان حينما إجتمع في بغداد بممثليهم، بنقل طلبهم إلى مجلس الأمن للأعتراف بالتركمان كشعب تركماني يعيش في العراق منذ آلاف السنين دستوريا، والقومية الثالثة في العراق، حيث هضم حق هذه القومية ولم يعترف بهم كمكوّن حقيقي من مكوّنات الشعب العراقي منذ قيام الدولة العراقيــة في بدايات القرن العشرين.
وثانيا: ـ للتركمان حق العتب للسيد الأبراهيمـي على هظمه شخصيا لحقوقهم السياسية حين تشكيل الحكومة المؤقتة، وقبوله للتمثيل التركماني من قبل معرفين نكرة للساحة التركمانية، وعدم وجود تمثيل تركماني حقيقي في الحكومة الأنتقالية للعراق، والتي بدأت أعمالها منذ بداية شهر حزيران ۲۰۰٤. وستسلم السيادة في ٣۰/٦/۲۰۰٤ حسب القرار الأخير لمجلس الأمن الذي صوت عليه أعضاء مجلس الأمن بالأجماع.
وكما هو معلوم لكل من عاش في العراق أو درس المجتمع العراقي، بأن العراق يتكون من قوميات وفسيفساء متنوع ومنهم التركمان، ولا يخفى بأنّ نسبة وجود التركمان في العراق حاليا تقدّر بأكثر من ۱٣٪ من مجموع نفوس العراق، وإنّ تأريخ وجودهم يرجع بقُــدم العراق، لأنّ العراق في قديم الأيام كان بلدا مفتوحا وطريقا بريـا بين الشرق والغرب، وكان يهاجر اليه الأقوام طلبا لرزقهم ورزق حيواناتهم بأعتبار العراق يعتبر من البلدان التي يكثر فيه الخضار وأماكن الرعي بعد دخول فصل الربيع إلى نهاية فصل الصيف، وكان التركمان يهاجرون الى العراق حالهم حال بقيـة الأقوام الأخـر من شـرق الأرض، ونظرة بسيطة لأماكن تواجد التركمان في العراق إلى يومنا هذا تؤكد هذا المعنى، حيث يسكنون الأراضي السهلية التي تتخضر في الربيع وتكثر فيها زراعة المحاصيل الزراعية والتي تساعد على الرعي وطلب المعيشة، ولربما عيشهم في الأراضي السهلية الخضراء أعطاهم الطيبة في النفس ولا عقدة قومية أو أي تطرف من أنواع التطرف في نفوسهم وأناس مسالمين، وأعتنفوا الأسلام من حين ظهوره كدين حق للبشرية وقدّموا الغالي والنفيس طيلة التأريخ الأسلامي في الدفاع عن الأسلام. وامتهنوا الزراعة وتربية الحيوانات منذ وجودهم في العراق والتي كانت تعتبر هذه المهن عوامل التقدم والأزدهار للبلد في ذلك الوقت.
وأقل تقدير لأقرب تأريخ لتواجد التركمان في العراق كما ذكره بعض المؤرخيـن هي قبل أكثر من ألف سنة، وثبتها بعضهم حوالي سنــة ٥٤ للهجرة ((على مهاجرها آلاف التحية والثناء والأكرام))، حينما جلبتهم الحكومة الأمويــة الى العراق كمقاتليــن في الجيش الأموي حينذاك، وإنّ ثبوت هذا الأمر لاينفي وجود التركمان في العراق قبل السيطرة الأمويـة للعراق، ويذكر التأريخ إستشهاد تركي في طليعة المستشهدين مع الأمام الحسين عليه السلام في واقعة كربلاء يدل على وجودهم الحقيقي في العراق ومعرفتهم بالأوضاع السياسية والعقائدية التي كانت تمر بها الأمّة الأسلامية حينها، وغير خفي لبصير إتباع مذهب والدفاع عنه بالغالي والنفيس ليس بأمر يسير حتى يتمكن من إلقاء نفسه في أتون حرب هو عالم بمصيره ليس إلاّ القتل، إنني أستنتج من هذا الموقف المشرف للشهيد التركي في واقعة كربلاء لم يكن بوحده في العراق ومن زمان قليل، بل كان التركمان موجودون في زمان حكومة الأمام علي عليه السلام في العراق وآمنوا بأمامته وقيادته وقاتلوا تحت لوائه وكان هذا الشهيد الذي بخل التأريخ لنا في ذكر إسمه الشريف، وذكروا فقط: ـ وقتل تركي في المعركة لجانب أصحاب الحسين (ع) ـ ليس إلاّ رمزا من رموز التركمان ووجودهم الحقيقي في العراق قبل ذلك الوقت.
وكان للتركمان وجود حقيقي في العراق على طول التأريخ حيث أقاموا دولا وحكومات، حكموا من خلالها العراق والمناطق المجاورة ذات النفوذ لهم بها، وحكومة البويهيين ـ والسلاجقة ـ وآق قويونلو ـ وقره قويونلو ـ والآتابكية في الموصل، وحكومات في كركوك اقاموها طول التأريخ. . ولكن لم يحالفهم الحظ مع إحتلال العثمانيين العراق، وبعد سقوط الأمبراطورية العثمانيــة خلال الحرب العالمية الأولى وإنسحابهم من العراق مندحرين، واحتلال القوات الأنكليزية العراق، ليعترف بهم كمواطن حقيقي أسوة بالعرب والأكراد بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة بداية القرن المنصرم.
وأوّل شرارة للثورة ضد الأنكليز اندلعت من قٍبل التركمان في مدينة تلعفــر التركمانيــة في شمال العراق وانتشرت هذه الشرارة حتى وصلت الجنوب الأبي وكانت ثورة العشرين المشهورة ضد المحتــلّ الأنكليــزي، وأخيرا تمّ إستيراد الملك الهاشمي لعرش العراق بقرار بريطانـي، وجاء مقررات مؤتمر لوزان الذي عقد عام ۱٩۲٣ م للبحث حول تركة الدولة العثمانيـة وتقسيمها بين الحلفاء، . . . . وخيروا التركمان حينها إما الهجرة من العراق إلى أي بلد يشاؤون في العالم، أو البقاء في العراق ((وكأنما أريد لهم أن يبقوا كمواطنين من الدرجة الثانية في العراق عقوبة لوقوفهم ضد المحتل الأنكليزي حين الأحتلال، وعدم تصويتهم لصالح الملكية في العراق، وإن لم يصرح بها في تلك المقررات)) ولكنهم أبوا أن يتركوا التركمان بلد الأجداد وتمسكوا بالعراق بأعتباره بلدهم الأصلي ولا يمكن التنازل عنه أبدا واختاروا البقاء فيهـا.
فلم يُعترف بالتركمان كقومية أساسيّـة من مكونات الشعب العراقـي في أوّل دستور سُـنّ للبلاد في عهد الملكيـة في عام ۱٩۲٥ م حيث لم يشر القانون لا من قريب ولا من بعيد لوجود التركمان في العراق.
وفي الدستور المؤقت لعام ۱٩٥٨ م الذي كتبه الأنقلابيون العسكر في المادة الثالثة من الباب الأوّل ما نصه:ـ
المادة الثالثة: (٣): ـ يقوم الكيان العراقي على أساس من التعاون بين المواطنين كافة بأحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقرّ هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقيــة.
لم يذكر القانون شيئا عن وجود التركمان في العراق في أي مادة من موادها، ولا شيئا من حقوقهم السياسية والأدارية والقانونية أو أي حق من حقوق المواطنة، فهل هم شركاء في الوطن؟ أم هم أجانب مقيمون لوقت محدود، بإقامات محدودة؟ أم أنهم بشر في العراق أم لا؟
وفي القانون المؤقت لعام ۱٩٦٤ الذي سنّته حكومة الوقت، يقول هذا القانون في الباب الثالث الحقوق والواجبات العامة ما نصه: ـ
المادة التاسعة عشر: ـ العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات العامة بلا تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو أي سبب آخر، ويقر هذا الدستور الحقوق القومية للأكراد ضمن الشعب العراقي في وحدة وطنية متآخية.
وكما هو ملاحظ لم يذكر هذا القانون المكوّن من ۱۰٦ مادة الصادر في بغداد اليوم السابع عشر من شهر ذي الحجة ۱٣٨٣هـ المصادف لليوم التاسع والعشرين من شهر نيسان لسنة ۱٩٦٤م، أيّ إسم للتركمان وكأنّما عقدوا العزم على نفيهم من بلدهم أو صهرهم ضمن أحد القوميتين الأساسيتين كما إدّعوا ذلك، وكأنهم يقولون نحن ربكم الأعلى نقدر ما نشاء لكل أحد أو قومية في العراق!!!!.
وفي الدستور المؤقت الصادر في ۲۱/ أيلول من عام ۱٩٦٨ يقول في الباب الثالث الحقوق والواجبات العامة ما نصه: ـ
المادة الحادية والعشرين: ـ العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين، ويتعاونون في الحفاظ على كيان الوطن بما فيهم العرب والأكراد ويقرّ هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية.
ولم يذكر هذا القانون المؤقت المكون من ٩٥ مادة الصادرفي الصادر في بغداد ۲٨/ جمادي الأخر/۱٣٨٨ هـ المصادف ۲۱/ أيلول/۱٩٦٨ م، المنشور في الوقائع العراقية رقم ۱٦۲٥ في سنة ۱٩٨٨ م، أيّ ذكر للتركمان كسابقاتها من القوانيــن التي لم يراع أيّـأ منهم حقوق الشعب التركماني في العراق.
وهكذا لم يُـعتـرف بالتركمان كمكون من مكونات الشعب العراقي منذ قيام الدولة العراقية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولــى.
وبعد تسلط الأرهابيين البعثيين على رقاب الشعب العراقي وتمكنهم منهم بدأوا إستعمال سياسة العصا الغليظة تجاه التركمان وصهرهم في بوتقة العروبة وإجبار أبنائهم للأنضمام إلى تنظيمات حزب البعث المشؤوم، وأصدروا قرارات متعددة من أجل صهر التركمان في العروبة! واتبعت حكومة البعث أساليب متعددة للوصول الى محو التركمان من العراق وذلك من خلال: ـ عمليات التعريب التي إنتهجها تارة، ومنع التركمان من التملك في محافظة كركوك التركمانية، وتغيير أسماء المدن التركمانية والشوارع والمدارس والمحلات مثلا تغيير إسم كركوك إلى التأميم، وإجبار العشائر التركمانية على تغيير نسبها إلى عشائر عربية، تدمير وتفكيك بعض المدن التركمانية وتهجير أهلها الى مناطق مختلفة، تقليص المساحة الأدارية لمحافظة كركوك حسب المرسومين ٤٤ ـ ٤٥ الصادرين عام ۱٩٧٦م وإلحاق ما أستقطعت من المناطق الأدارية في محافظة كركوك الى محافظة صلاح الدين وديالى والسليمانية، وإستعمال سياسة تبديل القومية للأفراد من التركمان الى القومية العربية بالترغيب والرهيب، وإعدام المئات من المثقفين من شباب التركمان وزج المئات الأخر بالسجون، وإستعمال سياسة الأرهاب والتخويف الدائم تجاه عوائل المعدومين والمسجونين والهاربين من بطش النظام البعثي الأرهابي بأساليب خسيسة متعددة. وأساليب يعجز القلم من كتابتها وذكرها. . . .
وبعد سقوط حكم الطاغية وقيام مجلس الحكم لم يتغير النظر الى التركمان حتى من قبل رفقاء الأمس في الوقوف أمام سلطة الطاغية، فهمّـش التركمان من جديد وهضم حقهم ومنعوا من الدخول الى حلبة الصراع السياسي في مجلس الحكم، واختير لتمثيلهم إمرأة غير معروفة في ساحات النضال والوقوف ضد الحكم البعثي الفاشيستي الظالم من قبل بعض الأعضاء المؤثرين في مجلس الحكم بالتعاقد مع جهات أخرى من أعضاء مجلس الحكم المنحل وغرض المتحالفين جميعا هو تهميش دور التركمان في الساحة السياسية في العراق.
وفي القانون المؤقت السيء الصيت الذي كتبه ووقع عليه جميع أعضاء مجلس الحكم أو من ينوب عنهم مع تحفظ بعضهم عليه، لم يذكر لا من قريب ولا من بعيد إلى كون التركمان هم القومية الثالثة من قوميات الشعب العراقي
ففي المادة السادســة من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية يقول: ـ
ج/٤ ان الحقوق الادارية والثقافية والسياسية للتركمان والكلدو آشوريين وسائر المواطنين، حقوق مضمونة.
نعم ذكروا هذه المادة ليس إلاّ من باب ذرّ الرماد على العيون لأسكات التركمان من المطالبة لأيّ حق من حقوقهم وخصوصا في هذا الوقت الحساس من عمر العراق الذي يجري على قدم وساق بناء أطر جديدة لمستقبل العراق والشعب العراقي، ولم يذكروا بصراحة من أن التركمان هم جزء لايتجزؤون من الشعب العراقي أو أي تعبير قانوني آخر يشير الى كون التركمان هم القومية الثالثة المكونة للشعب العراقي. . . مع ملاحظة ذكر الكثير من التفاصيل والمميزات للقومية الكردية بخاصة في نفس القانون وتفريع مواد تخصهم لاغير.
إلى جانب ذلك نرى المحاولات الغير المسؤولة التي جرت أو تجري لتغيير الحقائق عن التركمان من قبل المغرضين والحاقدين للوجود التركماني، من خلال الأعلام المضاد لتشويه سمعة التركمان، وسرقة الدفاتر والسجلات الحكومية الأساسية من الدوائر الحكومية في كركوك بعد سقوط النظام وجلبها الى محافظات أخرى، وإطلاق تصريحات بربرية ضد التركمان من قبيل: ـ إن نفي التركمان من العراق ليس قانونا جديدا في العراق. . . . أو: ـ أن الشعب العراقي يتكون من العرب والكرد ويجب أن يتقاسما الحقوق بالسوية بينهما، أو من قبيل: ـ أن العراق يتكون من العرب الشيعة والعرب السنة والشعب الكردستاني. . . . الى آخره من التصريحات العنصرية التي لاتخدم العراق والشعب العراقي بل تخدم النوايا الأنفصالية والعنصرية والعدائية تجاه وحدة العراق وأمن شعبه واستقراره.
وحين تشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة السيد أياد علاوي رأينا إتباع نفس الأسلوب في تهميش الدور السياسي للتركمان وهضم حقوقهم الحقيقي في إدارة شؤون الدولة.
إن التركمان ينظرون للعراق الجديد بعيون حذرة، وبنفوس يملأها القلق، وبقلوب غير مطمئنّــة، لمستقبل وجودهم السياسي والثقافي. . . الى آخره، وذلك للمحاولات البغيضة التي يتبعها الكثير من السياسيين العراقيين تجاه التركمان عموما، ولا سيما بعض الذين أرسلوا الى العراق من قبل الدول العربية للعب دور طائفي خطير في العراق.
وان التركمان يتطلعون الى إجراء إحصاء سكاني حقيقي في العراق، من دون وقوع أيّ تزوير للحقائق لتبيين الواقع السكاني في البلد ولو لمرّة واحدة في تأريخ العراق قاطبة. . .
ويتطلعون إلى إستبعاد الشخصيات المشبوهة التي تسعى للعب في الدور التركماني من خلال تعريف شخصيات غير معروفة في الساحة التركمانية لتمثيل التركمان في المواقع السيادية، وإبراز أنفسهم كرحماء أو متصدقين للتركمان حقوقهم في العراق. .
ويتطلعون أساسا للشرفاء من أبناء الشعب العراقي عموما والوطنيين المخلصين من ناحية ومجلس الأمن والأمم المتحدة من ناحية أخرى للقيام بدورهم التأريخي لمساعدة التركمان بالأعتراف بهم كقومية ثالثة من قوميات الشعب العراقي حين كتابة الدستور الدائم للبلاد، ليتمكن التركمان من القيام بالواجبات الملقاة على عاتقهم بأخلاص وتفاني كما قاموا بها طول التأريخ بكل إخلاص تجاه العراق الوطن والشعب العراقي المتآخـي الواحد.
ويتطلع التركمان عدم نسيان مطالبة مندوب الأمين العام للأمم المتحدة السيد الأخضر الأبراهيمي في العراق لتشكيل الحكومة المؤقتة والذي قرأها أمام مجلس الأمن وطالب بالوقوف مع التركمان في الأعتراف بهم كقومية ثالثة من قوميات الشعب العراقي.