مع تصاعد نيران حرائق الانفلات الأمني في شوارع العاصمة والمدن العراقية، تتكثف التصريحات الأمريكية العراقية لاجراء الانتخابات البرلمانية في بداية العام المقبل. ومع تعدد الدوافع وتباينها، إلا أنها وتحت نظرية (التحدّي الديمقراطي) تريد الايحاء بأن الوضع الأمني المتدهور لن يتمكن من كسر ارادة (الديمقراطيين) في العراق، ويعوق طريق الديمقراطية الجديدة بانتخاب أول برلمان بعد نصف قرن من غيابه.. بل لعل من يحاول مناقشة هذا الموعد (المقدس) من قبل واضعيه تحوم حوله شبهات المعرقل للديمقراطية.. في حين يقف جميع السياسيين الديمقراطيين والمواطنين الذين ذاقوا مرارة الدكتاتورية والاستبداد، وقبلوا الاجراء الأمريكي بتغيير نظام صدام بالقوة، الي جانب الرغبة بدخول العهد الديمقراطي الجديد، واستعادة هذا البلد لنشاطه الحيوي واندماجه الطبيعي في دائرة المجموعة الانسانية الحرة.. ويضيف بعض أصحاب النيّات الطيبة بضرورة اعطاء الفرصة لتجربة الانتخابات المقبلة تحت أية ظروف ومهما كانت النتائج التي ستخرج بها. لقد انتظر العراقيون عقوداً طويلة لكي يمارسوا دورهم في صناعة القرار السياسي ونظامه وفق معايير الديمقراطية الليبرالية، ولا يقبلون مقايضة هذا الهدف المقدّس بانتخابات في ظل مناخ الانفلات الأمني وأرتال دبابات الاحتلال التي تنشر الموت والرعب بين المدنيين من الأطفال والنساء، وتحت هيمنة الميليشيات الحزبية المسلحة، والتي ستكرّس هيمنة القوي السياسية المتسيدة حالياً في ظل تغيير وتهميش القوي والشخصيات السياسية المعبرة عن المكونات الرئيسة للشعب العراقي. ثم لنتساءل أين هم رواد الديمقراطية في تلك الأحزاب، وأين موقعهم من محنة العراقيين الراهنة، غالبيتهم يزور العراق زيارة خاطفة ويقضي أيامه في الخارج متنقلاً ما بين الفنادق والمطاعم في العواصم الاقليمية والأوروبية، وقد يحصل علي بطاقة الفوز من قبل العاملين في تلك المرافق، ولن يكون له حظوة بين أبناء العراق المحروقين بنار الارهاب والاحتلال..
وقد يقول قائل.. هذا هو الواقع.. ما هو البديل؟ لتتم المنافسة ويفوز من يحظي برضي الناس.. نعم من السهل اجراء الانتخابات علي غرار تجربة المؤتمر الوطني قبل شهر عندما تم تجميع ألف شخص في قاعة واحدة بحماية قوات الاحتلال..
من السهل استبدال البطاقة التموينية بالاحصاء السكاني رغم الشكوك المحيطة بهذه الوسيلة ان لم يتم تحديد نفاذ صلاحيتها لغاية ٢۰۰٢/٤/٩.
من السهل استثناء ثلاثة ملايين مقيم عراقي في الخارج.. وكذلك من السهل استثناء محافظات الحرائق وسكانها بالملايين.. وتظل فقط العاصمة وبعض المحافظات الجنوبية، لأن محافظات كردستان لها برلمانها وقياداتها السياسية منذ أكثر من اثني عشر عاماً وسيتم انتخاب البرلمان الجديد في تلك المحافظات علي الطريقة الكردية.
من يحرص علي بناء عهد ديمقراطي جديد عليه أولاً وهو في موقع المسؤولية التاريخية أن يفي بالتزامات واستحقاقات ما قبل الانتخابات.. الأمن الوطني وحماية أرواح الناس، والقدرة علي اقناع قوات الاحتلال بالانسحاب خارج المدن.. والبحث عن حلول أزمة البلاد السياسية، وهي سهلة ومعروفة لكنها بحاجة الي طراز من السياسيين الذين يضعون حقائب سفرهم وبرامج مصالحهم الفئوية علي الرف وينتبهوا الي أين يلقون بمصير العراق والعراقيين.. ؟