هل تصبح كركوك نموذجا آخر لتفريغ القوة؟
في منتصف العام ١٩٩٠ نفذ الرئيس العراقي السابق صدام حسين تصوراته في نظرية الضم واجتاح الكويت في سويعات ليعلنها المحافظة التاسعة عشرة للعراق. . تلك المأساة اشعلت نيران الاستنزاف في كلا البلدين، فاستفرغت الخزائن وهدمت معالم التحضر والاعمار. . واصبح جميع ما يمتلكه العرب من دولارات في جعبة سماسرة السلاح واصحاب الفيتو في مجلس الامن.
وكانت احدى اهم ملامح ذلك المشهد السياسي هي نظرية استفراغ القوة كما يصفها الاستاذ حسن العلوي في كتابه الشهير- اسوار الطين – وعلى حد قوله: (ان حرب الكويت هي حرب نزع السلاح اولاً لتستمر السلطة في بغداد ثانيا).
البلدان العظمى في شمال الكرة الارضية كانت تدعم الشاه حتى اصبح شرطيّ الخليج، وبين لحظة واخرى استولى الخمينيون على كل شئ واستحوذوا على تلك الثروة العسكرية ومنابع النفط والغاز، فلابد من معالجة ذلك الموقف، وهنالك اغبياء كثيرون يلعبون ادوارا من هذا النوع، فتمهد الطريق امام صدام ليقفز من رئاسة الوزراء الى رئاسة الجمهورية واقحم العراق في حرب ضروس بشرت بمزيد من الديون، وبعد ثمان سنوات خرج بجيش متمرس وترسانة هائلة من السلاح، فجائت ورقة الكويت لتقضي على جيش وخزانة وشعب العراق. . والذريعة هي الحدود، تلك القنابل الموقوتة يفجرها لاعب السياسة الذكي حينما يكون بحاجة اليها وينفذها حفنة من الاغبياء، ودائما يفضل صدام اكثر الحلول غباءا كما يقول شوارسكوف في مذكراته. مرت الايام والسنون وبقيت الحدود تؤرق جميع بلدان العالم الثالث (وعساها بحظ وبخت سايكس بيكو)، فاستفحلت مأساة كركوك تلك المدينة التي دخلت بقوة في لعبة الامم. .
انها آبار للنفط ومدينة تضم ثلاث قوميات. . وليست ازمتها بين اطراف البلد الواحد فهناك بلدان تدخل وتلمح بالدخول على خطوط الازمة من وقت لآخر.
الاكراد هذه الايام يلوّحون فقط بالعصى وليست ثمة اغصان للزيتون، تصريحات تلوّح بين فترة واخرى بالحرب. . وبالحرب فقط، في لحظة هي الاصعب في تأريخ العراق، وحينما يعرف الاكراد صعوبة المهمة فلابد ان يستثمروا هذه الفرصة الذهبية التي يمر فيها العراق بدربكة سياسية خطرة جدا، قد تفهم النخبة السياسية الكردية انها فرصة لاتفوّت.
لكن المهمة صعبة للاكراد في نفس الوقت وفقا لما تفرضه الخارطة السياسية ليس للعراق فحسب بل خارطة الشرق الاوسط بكامله، في المرحلة الراهنة التي لابد ان يعرف الاخوة الكرد انها قد تتقاطع مع المشروع الامريكي وتحصل الكارثة، فيصبح الضم ويلات تجرها آهات الثكلى في شمالنا الحبيب. .
السياسة لعبة واللعبة مصالح والمصلحة قد يوفرها هذا الطرف في لحظة من الزمن وقد يكون عاجزا عن توفيرها في لحظة اخرى. . ولو دخلت تركيا او حتى سوريا وايران مع طرف كامريكا قد تختلط الاوراق وتتبدل المراكز وتصبح المطالبة في كركوك تناقض المصالح الامريكية فيصبح مصيرها الذبول. . القصة تطول فيها الفصول، والتركمان والعرب موجودون في هذه المنطقة منذ القدم وسيبقون وبالتالي فليس من مصلحة الاكراد ان يفتحوا جبهة معهم في مثل هذه الضروف العصيبة. . لذلك فمن الافضل ان يتعامل الاكراد بمزيد من العقلانية وقد ولّى زمن العواطف.