في عام ١۹٥٤ ظهر الى الوجود حلف بغداد وقد ضم كل من العراق وايران وتركيا وباكستان ودخلت فيه كل من الولايات المتحده الامريكية وبريطانيا بصفة مراقب. وكان الهدف
الرئيسي لهذا الحلف منع انتشار الشيوعية ونفاذها الى منطقة الشرق الاوسط حيث كان الاتحاد السوفياتي قائما كقطب دولي يقود ما سمي حينها بالمعسكر الشيوعي او الاشتراكي. ولعل من اهم محاسن هذا الحلف هو ان الاستقرار اصبح السمة الرئيسية التي تمتاز بها كل من ايران وتركيا والعراق بعد ظهور ما سمي بالمشكلة الكردية في هذه الاقطار بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى. وفيما يتعلق بالعراق فقد انتهت هذه المشكلة عام ١۹٤٦ بعد فرار المرحوم الملا مصطفى البرزاني الى الاتحاد السوفياتي ومنذ ذلك الوقت وحتى عام ١۹٥٨ عاش الاكراد حياة امنة في ظل استقرار شمل العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه وكان الاكراد ممثلون في الدولة العراقية في ظل النظام الملكي وفي اهم مؤسساتها المدنية والعسكرية كرئاسة الحكومه والوزارات المختلفة ومجلسي النواب والاعيان والجيش والشرطة والسلك الدبلوماسي وكانت السمة الرئيسية لهم هي كونهم مواطنون عراقيون وانهم يسكنون شمال العراق وقد اندمجوا في الحياة العراقية بشكل كامل وحينما يسال المواطن منهم فانه يردد ويؤكد على صفة المواطنة العراقية والانتماء العراقي ولا يذكر اطلاقا الانحدار الاثني او القومي او العنصري. وعندما انهار النظام الملكي اعتقد المرحوم عبد الكريم قاسم انه بسماحه للملا مصطفى بالعودة الى العراق وتاكيده على مبدا التاخي بين العرب والاكراد انه سيقوي الوحدة الوطنية ويعمل الجميع لبناء العراق وترسيخ تقدمه واستقراره فاغدق العطاء على الملا مصطفى البارزاني ويبدو ان احسان عبد الكريم قاسم قابله الملا مصطفى بالاساءة فما هي الا فترة زمنية قصيرة حتى اشعل البارزاني الاضطرابات في شمال العراق وعادت سمفونية الحركة االكردية ثانية الى الوجود واستمرت هذه الحركة تغذيها اطراف دولية واقليمية كل ينشد ضالته المنشودة على حساب العراق وبؤس وشقاء وتخلف المواطن االعراقي الى ان وصل الامر في الوقت الحالي ان اصبح شمال العراق وبفضل القيادات الكردية على السواء قاعدة لاسرائيل ومسرحا يصول ويجول فيه الموساد ويبدو ان القيادات الكردية الحالية تقابل احسان العراق الجديد وقياداته بنفس الاساءة التي قابل بها الملا مصطفى كرم وشهامة واحسان عبد الكريم قاسم.
لا اريد الدخول في تفاصيل الدور الذي قام به الاكراد في عدم الاستقرار الذي ما زال يشكل الصفة الرئيسية للعهد الجديد في العراق ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الان في ظل رغبة جميع العراقيين على اختلاف مذاهبهم وشاربهم وانتماءاتهم بان ينعم العراق بالاستقرار لتقوم دولة القانون والديمقراطية والعدالة هو هل ان الاكراد عراقيون ام اكراد غير عراقيين وهل ان وطنهم العراق او ما اسموه هم وليس غيرهم كردستان وهل انهم بعد طي صفحة الماضي يرغبون بعراق جديد واحد موحد ومستقر تسوده الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ام انهم يريدون الانفصال عن العراق.
ما نلاحظه الان ودون مجاملة او لف او دوران ان تثقيف الاكراد يجري الان وبشكل محموم على انهم اكراد وليسوا عراقيين. هنا في اوربا وهناك في العراق هذا على صعيد المواطنين الاكراد. اما على صعيد القيادات الكردية فكل يوم يخرج علينا حليف الطاغية صدام بالامس السيد مسعود البارزاني بنفس التصريحات الصدامية المقبورة يهدد ويتوعد بشن الحرب لاستعادة كركوك مدينة التاخي العراقية العريقة وطبعا السيد البارزاني محق في تصريحاته فهو لم يذق مرارة الحصار الاقتصادي الاسود الذي ذاق منه مواطنوا وسط وجنوب العراق فيما عدا المثلث المشؤوم ومنطقة تكريت بؤرة العار والشنار. ومليشياته المسلحة لم يصدر لحد الان امرا بحلها فهو يحتفظ بها وزاد من تسليحها تسليحا بنهبه اسلحة واعتدة الجيش العراقي المنحل. واستغل هو ومليشياته الوضع العراقي بعد سقوط الطاغية لينهب سيارات الدولة ومكائنها ومعداتها وآلاتها ونقودها وما وقع تحت ايديهم واندفع باحلام شيطانية نحو الموصل وكركوك وبغداد وديالى لكي يزرع البذرة السيئة لشجرة سيئة في المستقبل.
ومن الغريب ان تشاهد الان العناصر الكردية تتبوأ اعلى المراكز في الدولة العراقية الجديدة وهذا ما يسرنا ان كان هؤلاء يمثلون العراق وليس ما يسمى بكردستان فلا فرق بين الوان الطيف العراقي في ان يتبوا اي منهم مراكز المسؤولية والمواقع الحساسة ان هم فعلا يعملون على خدمة العراق والاخلاص لهذا البلد المظلوم الذي يحتاج فعلا الى نكران الذات والاخلاص والتفاني في خدمته وبنوع جديد ولكن مما يثير القلق والدهشة والاستغراب ان هذه العناصر ما انفكت ولحد الان تطلق التصريحات النارية حول ما يسمى بكردستان وكانهم ليسوا بعراقيين ويهددون ويتوعدون بالحرب وعلى من على العراق الذي استضاف واوى ورحب ومنح واعطى وقد نست او تناست هذه العناصر ان اياديها وايادي عربية ملطخة بدماء العراقيين عربا واكرادا خلال كل السنوات التي كانت فيها الحرب قائمة في شمال العراق ونسى هؤلاء او تناسوا ان ارض الرافدين جزعت وكفرت ان يستمر ارواءها بدماء ابناءها ولعل تصريحات شاويس الاخيرة في لندن تصب الزيت على النار وهو المعروف بملامحه الصدامية وتقاسيم وجهه التي لا تدل اطلاقا على وجود نزعة الخير لديه.
لهذا ان الاوان ان يكون الاكراد صريحون معنا. . . . . . نحن نريد عراق واحد موحد. حر مستقل يعيش فيه الجميع في ظل ديمقراطية حقيقية وفي ظل سيادة القانون تتحقق فيه العدالة الاجتماعية وتكون فيه سلطة القضاء مستقلة ولا مكان اطلاقا للفساد الاداري والرشوة والمحسوبية وان يعمل ابن الشمال في الجنوب من العراق ويعمل ابن الجنوب في الشمال من العراق وان تمارس السلطة التنفيذية والتشريعية دورها الدستوري بشكل كامل وان يكون الهدف النهائي عراق مزدهر متطور وحديث يلحق بركب المدنية الصاعد لا مكان فيه للفقر اطلاقا تصان فيه كرامة الانسان والعراقي فيه يكون مرفوع الراس من خلال حياة شريفة ومزدهرة. فان كنتم ايها الاخوة الاكراد تريدون ذلك فاعلنوا صراحة عن موقفكم فان كان ردكم ايجابيا وهذا ما نتمناه ونرغب به فعليكم الانصياع كما انصاع الاخرون لارادة الدولة والعراق الجديد في ان لا احد فوق سيادة القانون وتقوموا بحل مليشياتكم وتنصهروا في المجتمع العراقي كالاخرين مع الاحتفاظ بكل حقوقكم الانسانية التي هي ايضا حق مشروع لكل الوان الطيف العراقي. وان كان ردكم سلبيا وهذا ما لا نريده ولا نرغب به وتريدون الانفصا ل وقيام ما تحلمون به فاعلنوا انفصالكم صراحة لاننا زهقنا وتقيئنا من لغة التهديد والوعيد ومل العراقيون وكفروا من اراقة الدماء الا انه يجب على الدولة ان تعمل في حالة استمرار الاكراد على نهجهم العنصري الشوفيني الذي اثبت فشله الذريع عبر عصور التاريخ ان تقوم بالاتي
اولا. . . حل المليشيات الكردية رسميا ودعوتهم للانخراط في صفوف الجيش العراقي الجديد والانتشار في معظم ربوع العراق.
ثانيا. . . الغاء موضوع الفدرالية بعد ان اثبتت الاحداث ان الاكراد يعتبرونها الخطوة الاولى على طريق تحقيق اوهامهم باقامة الدولة الكردية المزعومة والعودة الى التقسيم الاداري الذي كان معمولا به بعد قيام الدولة العراقية عام ١۹٢١ حيث كان العراق يتكون من اربعة عشر لواءا.
ثالثا. . . استبدال العناصر الكردية الحالية بعناصر كردية شريفة مخلصة للعراق ومستعدة للتضحية في سبيل العراق.
رابعا. . . ايقاف اي دعم مالي لشمال العراق وايقاف عملية تطويره لحين القضاء على الانفصاليين بشكل نهائي.
خامسا. . . الدعوة والعمل على اعادة حلف بغداد بشكل جديد بحيث يضم الدول التي يعنيها موضوع الاكراد وهي كل من العراق وتركيا وايران وسوريا.
سادسا. . . دخول الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا في هذا الحلف بعد الاتفاق معهما على ضرورة تغيير سياسة الكيل بمكيالين نحو العراق ومنطقة الشرق الاوسط ومصارحتهما بان شعب العراق يرغب بسياسة استراتيجية معهما قائمة على تحقيق المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة.
سابعا. . . ان تتعهد هذه الاطراف جميعا بانهاء ما يسمى. . . مشاكل الاكراد. . . من خلال تطهير مناطقهم من العناصر الانفصالية والشوفينية والعمل بقوة مع العناصر الكردية الشريفة واعطائهم حقوقهم في المواطنة بشكل كامل مع بقية الوان مجتمعات هذه الدول شريطة ان يوقعوا على وثيقة تقر دوليا بتخليهم نهائيا عن طرح موضوع الانفصال والعمل كمواطنين اسوة بالاخرين.
فاذا كانت النظرة الى حلف بغداد في الخمسينات من القرن الماضي نظرة غير طبيعية فان هذه النظرة اصبحت الان نظرة وطنية تلزم الجميع بالعمل على اعادته وباسرع ما يمكن.