كلمة للمنظة الاثورية الديمقراطية في مسألة اضطهاد المسيحيين في العراق - مجلة تركمان العراق
لم يذق المسيحيون عموماً، والآشوريون على وجه الخصوص، طعم الأمان والاستقرار لفترات طويلة في العراق الحديث. إذ كانوا دوماً عرضةً للمضايقات والاضطهاد الذي استهدفهم منذ السنة الأولى لتأسيس الدولة العراقية على أيدي الحكومة والجيش العراقي الذي ارتكب واحدة من أبشع المجازر بحق أبناء هذا الشعب عام ١۹۳۳ في بلدة سيميل.
وإذا كانت العلاقات بين المسيحيين والمسلمين وباقي أطياف المجتمع العراقي، قائمة على الود والتفاهم بيد أن الحكومات العراقية المتعاقبة، بسياساتها الرعناء، قد أشاعت الاضطراب والفوضى وأثارت الفتن، وأدخلت العراق في دوامة من الحروب التي عانى منها كل أبناء العراق، ومنهم أبناء شعبنا الكلداني الآشوري السرياني. الذي ارتفعت وتيرة التمييز والاضطهاد ضده في ظل نظام صدام الدموي الذي قام بتدمير أكثر من مائتي قرية آشورية، وتهديم الكثير من الكنائس والأديرة التاريخية أثناء حملة الأنفال سيئة الصيت. ودفع هذا إلى هجرة مئات الألوف من أبناء شعبنا إلى المغتربات.
وبعد سقوط النظام العراقي السابق، استبشر شعبنا والمسيحيين عموماً بقيام عراق ديمقراطي حر ينتفي فيه التمييز، ويسوده الأمان والاستقرار. لكن انتشار الفوضى حال دون تحقق هذه الآمال بسبب الاحتلال، وسيطرة القوى الأصولية الظلامية على الشارع، وسعيها من أجل أسلمة كافة أوجه ومناحي الحياة العامة وتحوّل العراق إلى ساحة للصراع بين القوى الأصولية والغرب في إطار الحرب على الإرهاب.
وبدأت أعمال تهجير المسيحيين في العديد من المدن العراقية مثل البصرة وبعقوبة وغيرها، وسط صمت مطبق، إثر الاعتداءات المتكررة عليهم من قبل أنصار التيار الأصولي بدعوى بيع الخمور أو فرض الحجاب على النساء، وتطبيق الشريعة الإسلامية، أو التعاون مع الأمريكان، ورافق هذه الاعتداءات والتجاوزات تهديدات بضرب الكنائس وقتل رجال الدين المسيحي من قبل مجموعات أصولية، بثتها الفضائيات، وربطت هذه التهديدات بين قصف القوات الأمريكية للمساجد، وبين تفجير الكنائس (وكأن المسيحيين في العراق هم من جلب قوى الاحتلال). وجاء تفجير الكنائس يوم الأحد الدامي تتويجاً لسلسلة طويلة من استهداف المجتمع المسيحي من قبل المجموعات الإرهابية التي تتستر وراء الدين.
ولا شك فإن الإدانة الواسعة من قبل العراقيين بكافة أطيافهم الدينية والقومية كان لها أثراً إيجابياً في تخفيف آلام المسيحيين، لكن الإدانة وحدها لا تكفي لإيقاف هجرة المسيحيين التي تصاعدت في أعقاب هذه التفجيرات الإرهابية، وبأرقام مخيفة. وإنما يجي على الجميع التنبه لحجم المخاطر التي تشكلها الأصولية أيّاً كان منبتها ومنطلقها على المجتمع وتماسكه. ولإدراك هذه المخاطر يكفي الإشارة إلى ما جرى في فلسطين مهد المسيح والمسيحية، حيث ساهمت الأصوليتان اليهودية والإسلامية في إفراغ البلد من مسيحييه.
إن وجود واستمرار المسيحية المشرقية في موطنها الأصلي في الشرق، لا يمثل فقط حاجة لأبنائها. وإنما يمثل في الواقع ضرورة إنسانية وحضارية للمسلمين قبل المسيحيين في هذه المنطقة التي قامت اساساً على التنوع والتعدد القومي والثقافي والديني، ويمثل نموذجاً لحوار الحضارات، ورداً على مقولات الصدام الحضاري، وفكرة إقامة كيانات دينية صافية مثلما تحاول إسرائيل تكريسه، يساعدها على ذلك بعض الجماعات الأصولية الإسلامية التي تحاول بقصد أو بدونه على ترسيخ هذه الفكرة وتعميمها على المنطقة ككل.
إن شعبنا بعد المحنة التي ألمّت به ينبغي عليه إدراك هذا الخطر، وتفويت الفرصة على كل من يرمي إلى اقتلاعه من جذوره. من خلال التمسك بأرضه ووطنه، وعدم الانسياق وراء الهجرة التي يحاول البعض دفعه إليها، والعمل على توحيد صفوفه وكلمته في هذه المرحلة، والتعاون والانفتاح على جميع القوى الخيرة لبناء العراق وإرساء أسس المحبة والسلام بين كافة أطياف ومكونات المجتمع العراقي، والدفاع عن وحدته وأرضه التي عمّدها بدماء أبنائه الطاهرة، من أجل بناء عراق ديمقراطي حر، يكفل العدالة والمساواة والحرية لجميع أبنائه.