على خلفية الانتخابات القادمة. . الساسة التركمان في الدور النهائي للامتحانات
جاسم محمد طوزلو - مجلة تركمان العراق
إذا كانت الانتخابات التي يستعد لها العراقيون بمثابة اختبار عسير لمرحلة ديمقراطية هي جديدة في تأريخ البلد شكلا وظروفا وآليات، فان الانتخابات نفسها هي المحك الأصعب لاختبار مدى حنكة وجدارة القيادة السياسية التركمانية في قيادة قطار المعادلة وليس الجلوس في عرباتـه الأخيرة كما هم اليوم ومنذ سقوط الدكتاتورية حين شهرت هذه القيادة ـ في اغلبها ـ سيف العاطفة الجماهيرية ومحاولة استدرار دموعها وغضبها معا ودخلت عبره المعاركات السياسية بغية الحصول على الحقوق المشروعة للتركمان، وجربت خلال اكثر من عام ونصف لغة المواجهة مع الطرف الأكثر تأثيرا وثقلا في اللعبة السياسية بعد ان كانت هذه القيادة إبان سنوات المعارضة العراقية في قطيعة شبه كاملة تقريبا مع جميع أطرافها متكئة بطرف واحد من العامل الإقليمي ولم تستطع او هي لا تريد نسج علاقات وتحالفات كضرورة من ضرورات العمل السياسي.
سنة ونصف هي كافية لاثبات ان لغة المواجهة الصارخة في موازاة إثارة عواطف الجماهيـر هي لغة بائسـة لا تجلب للتركمان سوى المزيد من هضم الحقوق السياسية والإدارية حين تعامل البعض مع القضايا السياسية من منطلق عشائري قبلي يصعب عليه التنازل عن عاداته وتقاليده بينما العمل السياسي غير ذلك تماما، لذا فان على قادة التركمان اختيار منهج جديد ومرن يتواءم مع المعادلة السياسية في بغداد والتي هي في بعض الأحيان ظالمة لا ترحم المظلوم بل تزيده ألما وحرقة، ومن يتكأ على خلفية ثقافية سياسية - وأظن ان تجربة المعارضة العراقية كانت مدرسة سياسية جديرة بالقراءة وإمعان النظر فيها - بإمكانه ان يعيد صياغة خطابه ومنهجه السياسي بعد كل تشكيلة حكومية في العهد الجديد لا ان يتشبت بعقلية الثمانينات وحقبة الحرب الباردة التي ما زال البعض من قادة التركمان يقاتل في أتونها ببسالة وهو فخور من دون ان يدرك ان البسالة الحقيقية تكمن في نيل الجماهير التركمانية على حقوقها المشروعة وإن تجرع القادة كؤوس السم او الحنظل، والذي يقرأ مذكرات القادة التأريخيين سيحصل في خاتمتها على هذه النتيجة بالتأكيد.
إن المرحلة الراهنة بهمومها الكبيرة تستدعي نسج شبكة علاقات عنكبوتية ومناورات رصينة بغية رسم أسس تحالفات سياسية جديدة رغم مرارتها مع بعض الأطراف وضرورة العض على جراحات الماضي لمصلحة أهم هي الدخول في قلب المعادلة السياسية والا سيتوالى مسلسل تهميش التركمان في مرحلة ما بعد الانتخابات التي تعتمد أولاً وثانياً على قوة التحالفات وثالثاً على قوة الجماهير، وأن يتخلى الساسة التركمان عن المراهنة على عواطف الجماهير وفطرتها السليمة والتي أثبتت أنها سحابة صيف لا تغني ولا تسمن من جوع، وبالتأكيد ثبتت لكثيرين صحة المسار السياسي للاتحاد خلال مرحلة ما بعد النظام ورائديته في فهم اللعبة السياسية وحجم تعقيداتها.
لذلك فإن الورقة الوحيدة التي من الممكن ان يلعبها الساسة التركمان لعدم تكرار فصول التهميش والإقصاء هي إعادة رسم التحالفات السياسية في بغداد وتوزيع البيضات على سلات متنوعة داخل بغداد والخروج من شرنقة التعالي والتغني بالتاريخ والتراث والتي هي لغة مفيدة في المهرجانات والاحتفالات الشعبية وليست مجدية في اللعبة السياسية. .
*المراهنة على الانتخابات الأمريكية. . هل تجدينا نفعاً؟
ليس جديدا ان يتم تداول سباق الرئاسة الأمريكية خارج حدود الولايات المتحدة لكونها دولة عظمى تقود مفاصل العالم دون منافس حقيقي، وهي الدولة الوحيدة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي تحظى انتخاباتها أهمية في اكثر بلدان العالم إعلاميا على الأقل نظرا للاعتقاد السائد ان كل تغيير في ديكورات البيت الأبيض يعني بالضرورة تغييرا في تعاطي أمريكا مع قضايا البلدان وخاصة العالم الثالث وبالأخص بؤرات التوتر والاضطراب، صحيح ان الحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين ينافسان على الرئاسة لكل منهما برامجه السياسية الداخلية والخارجية وان الإعلام العالمي منقسم على نفسه في تبجيل حزب وتفضيله على آخر، إلا أن الصحيح أيضا أن الاستراتيجية الأمريكية خاصة فيما يتعلق بالخارج لا تعتمد كليا على حزب بعينه وان كان حاكما فضلا عن عدم اعتمادها على عقلية رئيسه نظرا لكون أمريكا دولة مؤسساتية غير مركزية فيها العشرات من المطابخ السياسية، لكن مشكلة البعض أنه ينظر الى الانتخابات الأمريكية وقد يستهويه الانشغال الكبير للوسائل الإعلامية في يومياتها من منظار دولته ذات الصبغة الشرقية الشمولية والمركزية وانه لا يفرق بين تكتيك جمهوري هنا وديمقراطي هناك وبين الاستراتيجية التي ترسمها عقول الكونغرس ومجلس الشيوخ ومجلس الأمن القومي وغيرها من المؤسسات فضلا عن مرورها تحت مجهر العديد من مراكز صناعة القرار والاستراتيجيين، وان أية مراهنة على فوز حزب دون آخر هو خطأ سياسي لابد لكل عاقل ان يلقي بنظرة الى مساري القضيتين العراقية والفلسطينية كأقرب شاهد حي ليستخلص مدى التطابق في برامج الحزبين في يوميات القضيتين ومحطاتهما، ويبقى الإعلام في العالمين الإسلامي والعربي هو الذي يحاول خطف اهتمامات الشعوب من كومة محنتها في بلدانها الى الانشغال بالانتخابات الأمريكية عبر إعطائها أضواء يومية مكثفة في نقل حي لمناظرات بوش وكيري ودعايتهما الانتخابية.
نعم قد يقلل الأخير لو فاز ـ كما يدعي ـ عديد القوات الأمريكية ويقوم ببعض التكتيكات ولكن ذلك لا يلغي الاستراتيجية الأمريكية القائمة في العراق، فإذا كان تحرير العراق من الدكتاتورية قد تم على يد الجمهوريين فان قانونه قد أصدره الديمقراطيون إبان حكومة كلنتون عام ١۹۹٧م بعنوان (قانون تحرير العراق) وهم الذين قاموا بعملية (ثعلب الصحراء) العسكرية ضد النظام البائد.
إذن المراهنة على تلك الانتخابات وتعليق الآمال عليها هي مراهنة على السراب لكونها لا تجدينا نفعا نحن العراقيين الذين من سوء حظنا أن تتداول يوميات محنتنا في بورصة المنافسات السياسية الداخلية في ولايات أميركا، وأن نسبة نجاح كل حزب مرهونة بما يقدمه للشعب الأمريكي في الداخل وتحديدا في الجانب الاقتصادي ولا يبالي الفرد الأمريكي بما تنجزه دولته في الخارج على مستوى الهيمنة على الشعوب والدول