مسألة غريبة جدا هذا العداء العربي الإعلامي عموما للشعب العراقي. المتابع لا يفهم سبب هذا التشويه الذي يتعرض له العراق والعراقيون عبر شاشات الفضائيات وأثير الإذاعات وعلى المقروء من الصفحات. فضحايا العراق قتلى، بينما قتلى الآخرين شهداء، وكأن الإعلام العربي قد اطلق فتوى بأن «قتلى العراق في النار، والقتلى من غيرهم في الجنة»، حتى وإن كان القتلى العراقيون من الأطفال والمدنيين الذين يسقطون ضحايا للسيارات المفخخة والعمليات الإرهابية. وما يجري في العراق، من قتل وتدمير عشوائي وإرهاب عبثي، هو «مقاومة» في معظم تسميات الإعلام العربي، ولا تجد في الإعلام العربي ما يمكن أن يبشر بمستقبل أفضل للعراق، أو أية جوانب إيجابية أبدا تحققت منذ سقوط الطاغية، فالحريات بعد الدكتاتورية ـ حسب الإعلام العربي ـ معدومة والأوضاع المعيشية والتعليمية والتنظيمية وكافة مناحي الحياة ميؤوس منها في نظر الإعلام العربي، ولا أدري ما مصلحة هؤلاء في التصميم على رسم صورة قاتمة، وتعزيز ثقافة الدم، ودفع العراقيين نحو اليأس والشعور بالهزيمة الذاتية.
آخر «فذلكات» الإعلام العربي كان ذاك التسابق المحموم في كل وسائل الإعلام العربي، من دون استثناء، على تأكيد خبر مفتعل عن سبب زيارة الرئيس العراقي للكويت الشيخ غازي الياور الأسبوع الماضي، وكان مفاد ما رددته وسائل الإعلام العربية أن الزيارة دافعها مطالبة الكويت بإسقاط الديون والتوقف عن التعويضات التي قررتها الأمم المتحدة للمتضررين من غزو صدام للكويت عام ١٩٩٠، وعلى رأسهم الكويت ـ الضحية الأولى لذلك الغزو.
وجاءت زيارة الرئيس العراقي الناجحة للكويت لتنفي مثل هذه الأخبار المفتعلة جملة وتفصيلا، فالزيارة جاءت لتهيئة الأجواء لخلق علاقة جديدة بين الجارين الشقيقين، وعبر الرئيس العراقي أثناءها عن أن طرح مسائل الديون والتعويضات ليس ضمن جدول زيارته بالمرة.
لكن الإعلام العربي ما يزال يصر على أن هدف الزيارة هو مسألة مالية، في مكابرة غبية من جهة، وفي محاولة خبيثة لدى البعض من جهة أخرى لدق أسافين جديدة بين العراق والكويت. فلقد أغاظ هؤلاء هذه العلاقات الكويتية ـ العراقية المتميزة في وقت يقف فيه الآخرون مؤيدين للإرهاب باسم المقاومة، ومشجعين للقتلة باسم طرد الأميركان من العراق والنضال والمقاومة حتى آخر طفل عراقي.
لم يشر الإعلام العربي إلى أجواء الزيارة، والحفاوة التي لقيها الرئيس العراقي في الكويت من الكويتيين حكومة وشعبا، ولم يأخذ من تصريحات الياور إلا ما يوافق هواه وعقول بعضه المريضة، فالزيارة أرست تقليدا جديدا بين الكويت والعراق كونها الأولى التي يقوم بها رئيس عراقي رسميا للكويت، وأرسلت رسالة واضحة بأن المقبل بين العراق وجيرانه مختلف تماما عما كان عليه عراق الماضي السياسي الذي يمتهن الحروب العبثية والفوضى الثورجية.
تطرقت كثير من الفضائيات ووسائل الإعلام العربي بحوارات مع هذا وذاك، عن الديون والتعويضات، ولم يدر حوار واحد حول عدم تطرق الزيارة لهذا الأمر البتة، وما هي الحكمة التي انتهجها الرئيس العراقي أثناء زيارته للكويت بعدم مفاتحة الكويتيين بهذه المسألة، ذلك لأن هذه المسألة كانت مما يتمناه كثير من الإخوة العرب في كثير من غرف تحرير الأخبار في وسائل إعلامية عديدة، لكنها لم تتحقق، ولله الحمد.
الإعلام العربي يسير في قافلة الواهمين الذين يظنون بأن ما يجري في العراق من دموية هو مقاومة، ويتوافق مع الهلعين الذي يظنون بأن في استقرار العراق خطرا عليهم، ويديره أناس يعيشون أوهاما وتسيرهم أهدافا خاصة ساهمت وما تزال في استمرار نكبة الشعب العراقي واستمرار العبث الدموي فيه، هل يمكن لهؤلاء أن يتغيروا؟ أشك في ذلك!