المطران يوحنا ابراهيم: رئيس طائفة السريان الأرثوذكس بحلب
- مجلة تركمان العراق
يحتفل المسلمون بعيد الفطر السعيد بعد شهر كامل قضوه في الصوم والصلاة. ففي كل شهر رمضان الكريم، صام المسلمون انقطاعاً عن الطعام، وعبدوا الله من خلال الصلوات الواجبة والتراويح، لكي يستنزلوا نعماً وبركات من الله تعالى، وهم بذلك يُقيِّمون أعمالهم ومواقفهم تجاه بعضهم من جهة، وتجاه الآخرين من جهة أخرى، إذ أنّ فريضة الصوم المقرونة بطلب الغفران والتوبة ـ في المسيحية والإسلام ـ تؤدي إلى غفران كامل من الله للذنوب والخطايا والآثام. ولهذا يردد المسلمون الصائمون قول النبي في الصوم: وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، وجاء في الحديث الشريف على لسان النبي محمد: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه. ونحن في المسيحية نؤمن بأن الشر لا يبتعد عن الجنس البشري إلا بالصلاة والصوم. فالسيد المسيح قال: وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم.
وقد مارس المسيحيون وما زالوا يمارسون الأصوام والصلوات للتقرّب من الله ولطلب المغفرة. وأكثر من ذلك فالسيد المسيح أوصاناً قائلاً: ومتى وقفتم تصلّون فأغفروا إن كان لكم على أحد شيءٌ، لكي يغفر لكم أيضاً أبوكم الذي في السموات زلاتكم. وإن لم تغفروا أنتم، لا يغفر أبوكم الذي في السموات أيضاً زلاتكم. فالمغفرة مرتبطة كلياً بفضيلتي الصوم والصلاة. فبعد هذا الجهاد الروحي يحتفل أخوتنا المسلمون في كل مكان بعيد الفطر السعيد.
وفي هذه السنة يمُّر هذا العيد المبارك على الوطن العربي، وهو يواجه تحديات كبيرة، ويمر في ظروف صعبة، فطبول الحرب مازالت تدقّ في كل من فلسطين والعراق، وتكاد تقضي على أصوات أجراس الكنائس وآذان الجوامع. وبدل أن يعيّد الإنسان في هذين البلدين الشقيقين أسوةً بأخيه الإنسان في كل مكان، نراه يئّن ويتألم، ويدفع ضريبة باهظة للفكر الاستغلالي الصادر عن الإنسان الجشع الآتي من بعيد طلباً للغزو والاحتلال. فالعيد عند أخوتنا الفلسطينيين والعراقيين لا يشبه في هذه السنة عيد المسلمين الآخرين، فجدير بنا جميعاً نحن المسيحيين والمسلمين أينما كنا، أن نلتفت إلى أخوتنا أولئك، ونعمل من خلال أفكارنا وضمائرنا وصلواتنا ودعواتنا لله، للتخفيف عن محنة هؤلاء الأخوة.
وهكذا يبقى الإنسان المهمّش، والجائع، والعطشان، والغريب، والعريان، والمريض، والمحبوس، والمطحون، والمقتلع من جذوره، والمضطهَّد، أمام أعيننا وأنظارنا، نحاول معاً لنعمل شيئاً من أجله.
هكذا يكون العيد عيداً، إذا ما تركنا حيّزاً وافراً لأولئك الأخوة في فكرنا وصلواتنا.
وقانا الله من التجارب والمحن، وأبعدنا عن كل مكروه، وحفظنا من الشرير وأدواته، وجعل الأمن في المعمورة مالكاً، والسلام في المسكونة زاهراً.
وهنيئاً لأخوتنا المسلمين بعيد الفطر السعيد، وكل عيد وأنتم بخير.