قسطنطين زاتولين، مدير معهد رابطة الدول المستقلة ونائب مجلس الدوما - مجلة تركمان العراق
ترجمة: مروان سوداح
أسفرت الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في أوكرانيا عن انقسام البلد الى قسمين: الشرق والغرب. فقد أيد غرب أوكرانيا زعيم المعارضة "الموالي للغرب" فيكتور يوشينكو فيما أيد شطرها الشرقي رئيس الوزراء المنحاز الى روسيا فيتكور يانوكوفيتش. ولم تلعب أي دور في هذه الأثناء آراء المرشحين أو برنامجاهما إن كانت مائلة الى اليسار أو اليمين وإنما لعب الدور فقط مكان إقامة الناخبين.
وهل يصح فعلا القول بأن التقاء شرق أوكرانيا بغربها أمر مستحيل؟ وهل أن فوز يوشينكو يعني فعلا نزوح أوكرانيا الى الغرب فيما يعنى فوز يانوكوفيتش الاعتماد على روسيا؟ برأي أنه لو طرح هذا السؤال على كل من المرشحين لعمد الى إنكار هذه الفكرة. إذ ذكر يوشينكو أكثر من مرة بأنه ولد في شرق أوكرانيا بينما صرح يانوكوفيتش مرارا بأنه يؤيد بثبات اندماج بلده الى أوروبا.
وبديهي أن النزعات السياسية التي يؤيدها يوشينكو هي نزعات موالية للغرب في حين تقف وراء شخصية يانوكوفيتش قوى موالية لروسيا والناخبون المنحازون الى روسيا.
بيد ان أيا من يانوكوفيتش ويوشينكو غير قادر في حال فوزه بالانتخابات على تحقيق الآمال المعلقة عليه وذلك ببساطة بحكم خاصية الدولة الأوكرانية باعتبارها دولة شرقية وغربية في آن واحد.
لذا فأن فوز يوشينكو بالجولة الثانية لا يهدد بكارثة في العلاقات الروسية - الأوكرانية بينما لا يعني فوز يانوكوفيتش البتة خيبة آمال أوكرانيا في الانضمام إلى "الأسرة الأوروبية". على الرغم من أن بعض أولويات السياسة الأوكرانية سوف تتوزع، بالطبع، طبقا للآراء السياسية للمرشح الفائز.
ويستعد فريقا كلا المرشحين اليوم لصراع بلا هوادة آملين بتحقيق الفوز. علما بأن كلا منهما يواجه مشاكل خاصة به. حيث تتمثل مشكلة يانوكوفيتش الرئيسية في كونه محسوبا للرئيس الأوكراني الحالي ليونيد كوتشما الذي اختاره عمليا، خليفة له. ولكن موقف كوتشما من "خليفته" لا يتصف بنزاهة كاملة وإلا فقدم استقالته بثلاثة شهور قبل الانتخابات وأفسح المجال السياسي أمام خليفته على غرار الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين الذي تخلى في نهاية عام ١۹۹۹عن الرئاسة داعيا فلاديمير بوتين لحل محله في الكرملين. فلو تم ذلك لتمكن يانوكوفيتش من إثبات جدارته بأعماله الملموسة.
ولكن هذا لم يتم. فقد ظل كوتشما في منصبه مما يثقل كاهل يانوكوفيتش، لأن الرئيس الحالي لا يحظى بالشعبية في أوكرانيا نظرا للفضائح العديدة التي لطخت اسمه في السنوات الأخيرة. وبات ترشيح يانوكوفيتش من قبل كوتشما في الواقع نقطة ضعف بالنسبة له. وإن التصويت بدافع الاحتجاج ظاهرة يعرفه كل مجتمع وعادة ما يوجه هذا التصويت ضد المرشح عن حزب السلطة أما أوكرانيا فإن ميل الناخبين الى الاحتجاج فيها قوي للغاية.
بل وأكثر من ذلك، إذ بدأ كوتشما قبل فترة يتصرف على نحو وكأنه يتعاطف مع يوشينكو الى حد ما. ولهذا السبب بالذات جرى قبيل الجولة الأولى من الانتخابات في أوكرانيا تقليص عدد مراكز الاقتراع المخصصة لملايين الأوكرانيين المقيمين في روسيا من ٤٢٠ إلى ٤٢ ثم لم يبق منها سوى ٣ مراكز. فلو لا هذا التطور المفاجئ لاستطاع يانوكوفيتش أن يفوز في الجولة الأولى. بيد أن كوتشما الذي فتح الضوء الأخضر لتقليص عدد مراكز الاقتراع في روسيا حرمه من هذه الفرصة.
أما يوشينكو فتتلخص مشكلته الرئيسية في المواقف الراديكالية والمتطرفة التي يحتلها أنصاره الذين نظموا حتى الآن عدة اشتباكات مع رجال الشرطة. وتؤدي مثل هذه الأمزجة والتصرفات غير المسؤولة إلى زعزعة استقرار الوضع في أوكرانيا وخاصة في كييف على نحو خطير. الأمر الذي قد يؤدي الى قيام السلطة بإلغاء نتائج الانتخابات وتأجيلها إلى فترة لاحقة بحيث سيطلع كوتشما الى المسرح وسيعلن: "كفاكم تمزيق أوكرانيا بين الغرب والشرق. إنني كضامن لحرمة أراضي الدولة أحتفظ بكامل السلطة في البلاد" (! ! ).