بغض النظر عن الحقائق التاريخية والجغرافية والمنطقية التي تثبت أن العراق بلد واحد من أقصى شماله الى أقصى جنوبه، فإن المتابع للجهات التي تنادي بالإنفصال وحق تقرير المصير يرى أنها جهات مشبوهة وعليها العشرات من علامات الإستفهام، ولا يمكن الوثوق بها أو بطروحاتها السياسية الخاصة بكيان العراق. وأنا شخصيا ً سأحاول تفهم الطرح الإنفصالي الكردوي ومناقشته (وليس قبوله) لو كان مطروحا ً من قبل جهات ليس لها ماض ٍ معروف مع الكيان الصهيوني. وبالطبع هذا هو نفس الموقف الذي يتخذه كل من يعتبر الكيان الصهيوني كياناً غاصباً لايمكن حتى التفكير بالإعتراف به لا التعاون معه!!
والذي يدرس التأريخ السياسي الحديث للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ينادي بالإنفصال و(حق تقرير المصير) وغيرها من الأمور، يرى أن بداياته كانت بتمويل إسرائيلي. فبعدما يئس الملا مصطفى البارزاني مؤسس هذا الحزب من الحصول على الدعم السوفييتي، اتجه صوب المعسكر الغربي. . أي الولايات المتحدة الأمريكية. وكان أقصر طريق للوصول الى أمريكا باعتقاد البارزاني هي إسرائيل. ولأن قضية البارزاني كانت قومية كردية، لم يعتبر إسرائيل خطا ً أحمر لايمكن التفكير بالإقتراب منه. فقد اعتبر أن إسرائيل هي عدوة العرب وبما أنه كردي، فلا علاقة له بالأمر. وهكذا بدأ الدعم الصهيوني لحركة البارزاني.
الفائدة التي جنتها إسرائيل هي حصولها على موطئ قدم في أهم بقعة استراتيجية بالنسبة لها. فالمنطق التي يتمركز فيها الأكراد تطل على أهم ثلاثة دول معادية لإسرائيل وهي العراق، سورية، وايران. ووجود عين تطل على هذه الدول سيكون ذو فائدة عظيمة للكيان الصهيوني.
ان الحديث عن العلاقات الصهيونية – الكردية ليست اتهاما يطلقه أناس ينصبون العداء لحركة البارزاني ذلك لأن الأكراد أنفسهم أعترفوا بهذه العلاقات، وهم لا يخجلون منها، وعندما يسألون عن هذه العلاقات يعتبرونها شيئا ً عادياً ويتحججون بان الكثير من الدول العربية تعترف صراحة بعلاقتها بهذا الكيان ولديها سفارات في اسرائيل فلماذا التركيز على الأكراد فقط؟!!
لنأخذ مثلا الدكتور محمود عثمان، المستشار السابق للملا مصطفى ومترجمه وطبيبه الخاص، فقد أعترف الدكتور محمود بعلاقات البارزاني مع الكيان الصهيوني بكل صراحة وكشف لجريدة الوسط الصادرة في لندن في عددها ٢٩٨ و ٢٩٩ في ۱۳ و ٢٠/۱٠/۱٩٩٧ وتحديدا للصحفي فائق الشيخ علي، كشف القصة الكاملة لهذه العلاقات وأعترف بأنه زار اسرائيل مع البارزاني مرتين. ولا يزال الدكتور محمود عثمان من قيادي الحركة الكردية وهو حاليا عضو المجلس الوطني في العراق بعد ان كان عضوا في مجلس الحكم. بالاضافة الى ذلك فقد ألف العديد من الصحفيين والضباط الإسرائيليين كتبا ً يكشفون فيها التمويل الصهيوني لحركة البارزاني بل والتواجد الصهيوني وعمليات التجسس والإغتيالات التي كانت تقوم بها قوات صهيونية- كردية مشتركة. من الأمثلة على ذلك الصحفي دانا آدمز شمدت مراسل صحيفة نيويورك تايمز الذي ألف كتاب " رحلة الى رجال شجعان في كردستان ".
إن مثل هذه الأحزاب التي لاتهمها الطريقة التي تصل بها الى غايتها لايمكن أن يُؤتمن شرها. فقد تتحالف مع أية جهة مهما كانت لكي تحقق ما تريد، حتى لو كانت هذه الجهة هي الشيطان نفسه!! وقد تجلى هذا الأمر بوضوح عندما تحالف مسعود البارزاني، نجل مصطفى البارزاني الذي يقود الحزب الديمقراطي الكردسـتاني حاليا ً، مع صدام حسين لضرب قوات الإتحاد الوطني الكردستاني في عام ۱٩٩٦ ثم يدخل الى أربيل. إذن فهذه الجهات مستعدة أن تسحق حتى أبناء جلدتها لكي تصل الى ما تريد. . .
وبعد أن أطيح بنظام صدام حسين عاد مسعود البارزاني ليتباكى ويقول أنه كان من أول المتضررين من نظام صدام!!
الحق يقال أن الكثير من مثقفي الشعب الكردي في العراق يعرفون ما هو حزب البارزاني حق المعرفة، ويعلمون أن هذا الحزب وأمثاله لايستحقون ثقة الشعب الكردي ولايمكن أن يحققوا في يوم من الأيام الحياة الطيبة لهذا الشعب. ولكن هؤلاء المثقفين يعانون الآن ما عاناه الشعب العراقي في عهد النظام السابق من كبت الحريات وإحتكار الصحافة وغيرها من الممارسات الدكتاتورية التي تمارس في ما يسمى باقليم كردستان الذي يحكم حزب مسعود فيه مدينة أربيل وضواحيها، ولديه نفس أساليب النظام السابق في الإعتقالات والسجون والتعذيب.
والذي لايصدق ذلك يستطيع أن يزور مدينة أربيل أو أن يسأل أي شخص قد زارها من قبل.
في الختام، أدعو جميع المثقفين والكتاب من الأكراد وغير الأكراد لتقييم ما جاء في هذا المقال. فإن كان مجرد سفسطة وأكاذيب فليبينوا ذلك، أما إن كان الطرح واقعيا ً، فإني أدعوهم لأن يضموا أصواتهم الى صوتي لكي نكشف ألاعيب البارزاني قبل أن (يقع الفاس في الراس) كما يقول المثل الشعبي، ويصبح هذا الشخص من الذين يقررون مصير هذا البلد الجريح.