أن الذي يقرأ اسم الحزب الديمقراطي الكردستاني يفهم أن هذه الحزب يضع الديمقراطية في راس قائمة أولوياته. لكن المطلع على واقع هذا الحزب يرى تناقضا بين الاسم والواقع الفعلي له. لو أخذنا مثلا هيكلة التنظيمي لرأينا هيمنة أشخاص معدودين على إدارة شؤونه واحواله. فمسعود البرزاني مثلا يشغل منصب الرئيس منذ وفاة والده الذي أسس هذا الحزب، ولم يتغير رغم تغير الأوضاع ورغم ارتكابه الكثير من الأخطاء والمغالطات الكبيرة التي تعد بمثابة جرائم. ومن افضع ما ارتكبه مسعود البرزاني هو تحالفه مع صدام حسين ضد الاتحاد الوطني الكردستاني سنة ١٩٩٦ ومشاركة قواته في ضرب قوات الاتحاد الأمر الذي نتج عند ارتكاب مجازر كبيرة وإزهاق للكثير من الأرواح البريئة. وبالرغم من ذلك لم يجرؤ أحد من الحزب على معارضة، أو حتى انتقاد مسعود البرزاني. كما أن وضع المناطق التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يختلف عن وضع أية مدينة عراقية في زمن الطاغية صدام حسين إلا في نواحي ضيقة جدا. فبالنسبة للدوائر الحكومية، هناك سيطرة تامة لجماعة مسعود البرزاني عليها، وبيدهم كل الأمور والمعاملات، ومن غير رضاهم لا يستطيع أحد الحصول على شئ. أما مصير من ينتقد سياسة الحزب أو رموزه فمصيره إلى أحضان المخابرات (المسعودية) المسماة (بالاسايش) الذين لهم خبرة واسعة بأساليب التعذيب الصدامية، وبالمناسبة فهم يستخدمون نفس السجون التي كان يستخدمها صدام حسين عندما كانت مناطق شمال العراق تحت سيطرته. كما إن الكثير من الصحفيين الأكراد أُعلن عن فقدانهم بعد مدة وجيزة من نشرهم مقالا ً ينتقد مسئولا ً في الحزب أو تصرفا ً سيئا ً قامت به قوات البشمركة الخاصة بمسعود.
إن آفة الدكتاتورية المستفحلة في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني تجعله غير مؤهلا ً بتاتا ً لأن يشارك في قيادة بلد يسعى للوصول إلى نظام ديمقراطي تعددي. وباعتقادي فان هذا الحزب غير قابل للإصلاح أيضا ً، ذلك لأن جميع قيادييه في الحقيقة شخصيات دكتاتورية وباتت هذه الصفة فيهم جذرية لا سبيل إلى الخلاص منها. كما إن الحزب الذي يستند إلى عمود واحد فانه ينهار بزوال ذلك العمود. فان أردنا على سبيل الإصلاح إزالة مسعود البرزاني من رئاسة الحزب، فهذا يعني أن الحزب بأكمله سيسقط كما سقط حزب البعث بسقوط صدام حسين. ذلك لأنه هيمن على جميع قرارات وســياسات وموارد الحزب. فلم نر أو نسمع يوما ً ما بأن القرار الفلاني قد اتخذه الحزب الديمقراطي الكردستاني عن طريق مجلس مثلا ً أو عن طريق اجتماع يضم عددا ً من الأشخاص. الوحيد الذي له سلطة اتخاذ القرارات هو مسعود البارزاني ولا أحد غيره.
بإمكان أي محلل محايد أن يستوعب الحالة إذا درس أوضاع منطقة أربيل خلال المدة من ١٩٩٢ وإلى يومنا هذا، وقرأ التصريحات والقرارات وغيرها الخاصة بأحوال هذه المنطقة وسكانها. سيرى المتتبع أن الكثير من القرارات التي اتخذت من قبل مسعود البرزاني الذي كانت ولا تزال هذه المنطقة تحت سلطته شبيهة جدا ً بقرارات صدام، وربما كان هذا عاملا ً نفسيا ً في دفع البرزاني إلى تقليد ذلك الطاغية ليشعر بالجبروت الزائف الذي كان صدام يعتقد انه فيه. من هذه القرارات مثلا ً: إصدار عفو عام عن السجناء، منح مبالغ مالية كبيرة لأي شخص يزور البارزاني ويعجبه…إلى آخره من القرارات. إذن فالدكتاتورية المتعمقة في نفسية البارزاني هي التي دفعته إلى التدخل في شؤون القانون والقضاء واعتبار واردات المدن المذكورة من السياحة والجمارك وغيرها ملكا ً له ولأسرته يتكرم بها على من يشاء.
من البديهيات المتعارف عليها أن الشخص ذو النزعة الدكتاتورية لا يمكن أن يمتلك أية مرونة سياسية. وهذا هو بالضبط أسلوب البرزاني، فليس لدى هذا الرجل أية حنكة أو حتى قابلية سياسية، وهو يقابل أي طرح سياسي لا يعجبه بتشنج أهل الجبل الذي يهدد بالضرب والقتل وغيرها من الأفعال والأساليب المتخلفة التي عفا عليها الزمن. وقد يكون القارئ العزيز لاحظ ذلك من خلال متابعته لتصريحات مسعود البرزاني حول مصير كركوك، أو نسبة الأكراد في الحكومة وغيرها من التصريحات الأخرى.
في الحقيقة إن سيطرة أحزاب يسري فيها داء الدكتاتورية على مناصب مهمة في حكومة تسعى لأن تكون ديمقراطية، تعتبر كارثة لهذه الحكومة. فتخيلوا مثلا ً وزارة داخلية وزيرها مسعود البارزاني. . . بالتأكيد سيعمر كل السجون والمعتقلات البعثية ويعمل على إحياء كل أساليب التعذيب التي يحاول الناس تناسيها بعد سقوط الطاغية.
إن أغلب المواضيع التي تتناول نقد الحزب الديمقراطي الكردستاني تركز على علاقة هذا الحزب ومؤسسيه بالكيان الصهيوني. لكن هذا الموضوع على الرغم من كونه مهما ًوشيقا ً، إلا أنه لم يلق الاهتمام المطلوب من قبل الحكومة العراقية أو الرأي العام الشعبي. ذلك لأن أغلب الحكومات العربية لها علاقات علنية بهذا الكيان الغاصب. لهذا فان أي نوع من الاتصال بين الأكراد وإسرائيل يعتبر شيئا ً عاديا ً. لذا، فأنا أدعو جميع الكتاب الشرفاء من كل القوميات وخصوصا ً ذوي الأقلام الشريفة من الكتاب الأكراد الذين عانوا كثيرا ً من سطوة الحزب الديمقراطي الكردستاني، أدعوهم إلى التركيز على دكتاتورية مسعود البارزاني وحزبه ومحاولة إيصال هذه الحقيقة إلى المسئولين وأصحاب القرار لكي لا يتركوا هذا الشخص وأمثاله أن يعرضوا المسيرة الديمقراطية بلدنا للخطر وحتى لا نبتلى بحزب بعث آخر قد يكون أسوء من الذي قبله.