آخر الدعوات الصهيونية ـ الكردية للإنفصال عن العراق
أ. د. محمد العبيدي - كتابات
في حديثه لإذاعة "سوا" الصهيونية الأمريكية، خرج علينا المدعو نجم الدين كريم رئيس ما يسمى بمعهد واشنطن للأكراد مصرحاً بأن الولايات المتحدة ستغير موقفها من مسألة المحافظة على وحدة الأراضي العراقية، أي بعبارة أخرى أن أمريكا بإحتلالها للعراق سوف لن تحافظ على وحدة العراق الجغرافية كما تدعي بل جاءت لتقسيمه وتفتيه إلى ولايات لتخدم بذلك المشروع الصهيوني لما يسمى بالشرق الأوسط الكبير أولاً، وثانياً من أجل وضع اللبنة الأولى للتوسع الصهيوني نحو الشرق لإنشاء ما يطلقوا عليه "إسرائيل الكبرى".
ومن أجل أن يعرف القارئ من هو نجم الدين كريم ومن يقف وراءه و وراء معهده الصهيوني، علينا أولاً أن نذكر ونوضح أنه في عام ١٩٩٣ تأسست في تل أبيب منظمة صهيونية بإسم جامعة الصداقة الإسرائيلية الكردية Israeli Kurdish Friendship League التي يرأسها الصهيوني اليهودي الكردي (أصلاً من مدينة زاخو العراقية) موتي زاكن Moti Zaken الذي عمل كمستشار لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين ناتنياهو للشؤون العربية (تصوروا!!! كردي يعمل مستشار الشؤون العربية لرئيس وزراء إسرائيل)، والذي تربطه أيضاً علاقة وثيقة باللوبي الصهيوني الأمريكي. وأثناء عمله مع بنيامين ناتنياهو الذي أصبح رئيساً لوزراء إسرائيل في عام ١٩٩٦ تم في ذلك العام تشكيل مؤسسة في واشنطن تحمل إسم معهد واشنطن للأكرادWashington Kurdish Institute والذي أسسه، بمساعدة مالية وإشراف من الموساد، الصهيوني مايك أميتاي Mike Amitayإبن الصهيوني المعروف موريس أميتاي Morris Amitay الذي عمل كمشرّع أقدم في الكونغرس الأمريكي وعضو اللوبي للجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية المؤثرة ومستشار لمركز فرانك جافني للسياسة الأمنية ونائب الرئيس السابق للمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (مؤسسة صهيونية في الولايات المتحدة تتولى الدفاع عن حزب الليكود الإسرائيلي وتتخصص في التعاون المشترك بين كبار ضباط الجيش الأمريكي ونظراءهم في القوات المسلحة الإسرائيلية). ومن أعضاء المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي المعروفين هم كل من ديك تشيني، جون بولتون، دوغلاس فيث و ريتشارد بيرل. كما أن أميتاي أيضاً عضو مهم في الجناح المؤيد لنزعة اليمين الفاشي الأمريكي المتطرف الذين يدعون إلى التدخل الأمريكي الواسع والمباشر في الشرق الأوسط. ويشرف على معهد واشنطن للأكراد مجموعة من الأكراد المعروفين بإتصالاتهم وولاءهم للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية وعلى رأسهم نجم الدين كريم رئيس المعهد الحالي. وبذلك فإن ما صرح به كريم لا يعكس فقط رأي القيادات الكردية الشوفينية العميلة بل كذلك ما تدعو له الصهيونية العالمية من خلال إسرائيل واللوبي الصهيوني الأمريكي واليمين الفاشي المتطرف في الإدارة الأمريكية.
فإن كان هذا هو نجم الدين كريم، فلا عجب أن يطلق تصريحاته تلك بالإنفصال عن العراق وبدعم صهيوني مكشوف. بل أن التخرص في تصريحاته تلك، والتي عكفت القيادات الكردية العميلة على التصريح بها أيضاً وبإستمرار منذ إحتلال العراق وحتى الآن، هو تأكيد نجم الدين كريم على أن الإنفصال سيكون حتمياً بعد إجراء مهزلة الإنتخابات التي نعلم جميعاً أنها واحدة من الأساليب التي تتبعها قوات الإحتلال لفرض "شرعية" وجودها على أرض العراق من خلال هذه المسرحية الهزيلة والتي ستربط بعدها العراق بإتفاقيات لا يمكن للعراق التنصل منها ومن خلال إنشاء العديد من القواعد العسكرية الضخمة والدائمية لحماية الحكومة العميلة التي يأملون بتنصيبها بعد هذه "الإنتخابات". لا بل والأقبح ما في تصريحات كريم هذا هو إستشهاده بالصهيوني هنري كيسنجر الذي يدعو صراحة إلى تقسيم العراق، والتي تعكس بشكل مؤكد فكرة الصهيونية العالمية بتقسيم العراق وتفتيته.
أما قول كريم أنه من غير المعقول بقاء العراق ديمقراطياً بشكله الحالي، أي بوحدة ترابه الحالية، فهذا هو قمة الغباء السياسي الذي لم نسمع بحدوثه من قبل في أي من الدول ذات الأنظمة الديمقراطية. فإن كانت الديمقراطية برأي كريم هي تفتيت الأوطان وتقسيمها إلى تجمعات عرقية وإثنية، فقد كان عليه قبل أن يطلق تصريحاته الغوغائية تلك أن ينظر إلى العديد من دول العالم الغربية، على وجه الخصوص، فعلى سبيل المثال هذه هي بريطانيا يعيش فيها الأسكتلنديون والإنكليز والويلز في دولة واحدة رغم التمايز بينهم.
أما حديثه حول "حق تقرير المصير" للأكراد، فلا بد لنا الإشارة إلى جزء من دراسة نشرها التجمع الوطني المستقل، إحدى التنظيمات الوطنية العراقية المناهضة لإحتلال العراق عن تبجح الأكراد بدعوة حق "تقرير المصير" بعد مطالبتهم بالفدرالية أو بدونها ليطالبوا ويؤسسوا للإنفصال فيما بعد.
تقول الدراسة، "أن حق "تقرير المصير" يستدعي مستلزمات حددها القانون الدولي، فجميع القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بهذا الشأن أكدت على مبدأ السلامة الإقليمية والوحدة السياسية للدول المستقلة وذات السيادة، ففي عام ١٩٧٠ أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة حق تقرير المصير لثلاث فئات من الشعوب وعلى النحو التالي:-
١. حق الشعب الذي يعيش في منطقة مستعمرة المطالبة بتقرير مصيره.
٢. حق الشعب الذي يعيش في إقليم تم إخضاعه بعد إعتماد ميثاق الأمم المتحدة في عام ١٩٤٥ للإحتلال الأجنبي أو للضم الذي لم يقره إستفتاء شعبي حر وعادل في تقرير المصير كما هو الحال في إستفتاء شعب أريتريا من السيطرة الأثيوبية عام ١٩٩٣.
٣. حالة الدولة الإتحادية (الفدرالية) التي تم تشكيلها عن طريق الإنضمام الطوعي من الدول الأعضاء والتي وردت صراحة في دساتير كل منها لها الحق في الإنسحاب من الدول الاتحادية، وفي مثل هذه الحالة فإن الإنسحاب سيكون مبرراً بإعتباره إستخدام لحق قائم منذ بدء الإندماج بالإتحاد، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الإتحاد السوفيتي والإتحاد اليوغسلافي. وفيما بعد هذه الحالات الثلاث فإن مسألة الحق المنفرد في تقرير المصير هي موضوع شك بالغ.
مما تقدم فإن التصنيف السابق للأمم المتحدة لم يقصد منه تعميم إعطاء هذا الحق للجماعات الإثنية والقومية لأن من شأن ذلك أن يخلق فوضى عارمة للنظام الدولي حيث يندر أن تجتمع لدولة ما كافة عناصر التجانس ومقوماته (من مجموع ٢٠٠ دولة تشكل الأسرة الدولية توجد ١٢ دولة تتصف بوجود حالة تجانس ول اتعاني من مشكلة القوميات والاقليات). فمبدأ حق تقرير المصير مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي يقصد به أن لجميع الشعوب التي تخضع للإستعباد الأجنبي وسيطرته وإستغلاله الحق في تقرير مصيرها بنفسها ولا ينطبق ذلك على جزء من شعب الدولة بعد إنشاءها كما في الوضع الحالي للعراق. وهذا ما تم تأكيده عند صياغة إعلان مبادئ القانون الدولي الخاص بعلاقات الصداقة والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، حيث لا ينبغي أن يفسر مبدأ حق تقرير المصير بإعتباره يرخص أو يشجع أي عمل من شأنه أن يمزق أو يضعف بصورة كلية أو جزئية السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية للدول المستقلة وذات السيادة والتي تتصرف على نحو يتماشى مع مبدأ المساومة في الحقوق وتقرير المصير وبالتالي تملك الحكومة تمثيل جميع السكان المنتمين إلى الإقليم دون تمييز من أي نوع.
وعلى هذا الأساس فإن حق تقرير المصير لا ينطبق على الأقليات الإثنية (القومية واللغوية والدينية) المتعايشة مع باقي السكان دون عنصر القهر والإستعمار، فهذه تنحصر حقوقها الجماعية بالحقوق الثقافية وممارسة الشعائر الدينية المنصوص عليها في المادة ٢٧ من إتفاقية الحقوق المدنية والسياسية.
إن تصريحات كريم ومن قبله المجرمين الطالباني والبرزاني وقيادات حزبيهما ما هي إلا النغمة التي أوكلت لهم الصهيونية العالمية بالعزف عليها قبل وبعد إحتلال العراق، وما معهد واشنطن للأكراد برئاسة كريم إلا الجهة المنسقة لعملهم على مشروعهم الإنفصالي الذي سوف لن يرى النور.