حارب الاكراد - خلال قرن من الزمن - ليس نظام صدام فحسب بل كل الحكومات العراقية التي تعاقبت على بغداد، وهم لاهثين وراء حقوق هي مثار خلاف ما بين المركز "بغداد" والاكراد. وتعتبر مطالب "مطامع" الاكراد بـ (كركوك والموصل) المحور الرئيسي للخلاف. فمثلا، بعد استراحة قصيرة بعد اتفاقية اذار ١٩٧٠ والتي منحت الاكراد حكما ذاتيا في العراق كخطوة تاريخية مهمة،
عاد البرزانيون الاكراد للقتال بهدف فرض بنود جديدة على الاتفاقية ومن اهمها ضم منطقة كركوك النفطية الى خارطة الحكم الذاتي! وهكذا يتبين لنا ان حصول الاكراد على الحكم الذاتي الحقيقي واستخدام اللغة الكردية في شمال العراق وتأسيس قنوات التلفزيون والاذاعة ومؤخرا الفضائيات الكردية. . . لم تحل كل هذه الحقوق من قيام الاكراد بحمل السلاح بوجه الحكومة المركزية في بغداد.
ومن القاء نظرة بسيطة على تاريخ التمرد الكردي، يظهر ان الاكراد سيستمرون في نهجهم القديم بالتمرد على بغداد مستقبلاً واثارة القلاقل بغض النظر عمن يحكمها، لان الزعيم الكردي مسعود البرزاني – وهو على خطى والده - يعتبر ان منطقة كركوك النفطية مغتصبة وسيطالب بها حتى لو وجد فيها كرديا واحدا فقط. وما تحرش الاكراد بعرب وتركمان الموصل وكركوك بعد الفوضى التي وقعت بعد اسقاط نظام بغداد، الا تعبيرا عن ايمانهم بالنهج الذي رسمه ووضحه البرزاني باكثر من مناسبة. فمطلب الاكراد الذي لا يستطيعون الاعلان عنه في الوقت الحالي هو (دولة كردية)، اما حدود هذه الدولة فهي تمتد من الخليج الى المتوسط، ولا يخجل االاكراد من تعليق هذه الخارطة في مكاتبهم ومؤسساتهم الشيء الذي لم تفعله اسرائيل بتعليق خارطة اسرائيل الكبرى (من النيل االى الفرات) لكي لا تثير الشبهات. فيكفي ان يقطن الاكراد في بقعة جغرافية معينة لكي يحق لهم تسميتها بـ (كردستان) وبالتالي المطالبة بها وخصوصا اذا كانت هذه المنطقة غنية بالنفظ! لهذا نرى ان هجرة اعداد كردية من ايران الى كركوك (والمنطقة الشمالية) منذ منتصف القرن الماضي اثر سقوط جمهوريتهم في مهاباد، جعلهم يعتبرون كركوك مدينة كردية لا بل هي (قدس الاكراد). وهم يعتمدون بطرحهم على العدد السكاني للاكراد في كركوك وليس الحقوق التاريخية. فالاكراد لم يسكنوا كركوك الا في المائة عام الماضية، ولهذا نرى ان الاعلام الكردي لم يركز الا على الناحية العددية للاكراد في كركوك، مع العلم انهم لا يشكلون اغلبية، لان العرب والكلدان والتركمان وغيرهم هم الأغلبية حتى هذه اللحظة. وعندما اكتشف الاكراد هشاشة طرحهم، ولتقويته بالعامل التاريخي راحوا يخصصون اموالا طائلة (كما فعل قبلهم صدام حسين باعادة كتابة تاريخ العراق باتجاه العروبة)، راح هؤلاء الباحثون الاكراد يطرحون نظرية جديدة وذهبوا الى ربط أصولهم بالميديين والهوريين والميتانيين. . . لكي يحصلوا على مبرر تاريخي بالمطالبة بكركوك والموصل وخانقين. . تماما كما ربط اليهود اصول بعض جماعاتهم التي قدمت من خارج فلسطين بالعبرانيين القدماء لكي يشرعنوا احتلال فلسطين. والجدير ذكره ان ملا مصطفى البرزاني حاول اقناع بغداد (اثناء المفاوضات التي جرت سابقا بين الطرفين) بمنح الجنسية العراقية الى مائة الف كردي من ايران هاجروا الى العراق. وهؤلاء اضافة للمهاجرين من اكراد تركيا، اضروا بالخارطة الاثنية لشمال العراق على حسباب العرب والكلدان والتركمان. والحكومة العراقية بعكس السورية لم تعي لخطورة هذه المشكلة وهكذا تزايد نسبة الاكراد من ٧٪ في الخمسينيات الى ٢٠٪ في بداية هذا القرن!
هذه العقلية (المؤامرة) الكردية هي وراء ديمومة الصراع والدماء في العراق وسوف يستمر هذا الصراع (العراقي – الكردي) الان اكثر من اي وقت مضى، لان زوال صدام سوف يزيل الغطاء عن الكثير من القضايا العراقية الهامة والشائكة ومنها المشكلة الكردية. والغريب ان الكثيرون لم يتطرقوا الى دور الاكراد انفسهم في تأزيم او حل المشكلة الكردية في العراق. فمثلاً، على الاكراد ان يمتنعوا عن اعتبار كركوك جزءا من كردستان الكبرى والتخلي عن السلاح وعدم تشويه التاريخ وعدم اضطهاد القوميات الاصغر منهم ووقف سياسات التكريد والخ. وبدورنا وقبل طرحنا للنقاط التالية على كل العراقيين ومن ضمنهم الاكراد طبعا لمناقشتها بهدف حل المشكلة الكردية والى الابد، اذكر ان طرح المشكلة ليس بهدف الاثارة بل المعالجة:
١ – تغيير أسماء الاحزاب الكردية العراقية التي تحمل في تسميتها اسم (كردستان)، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني وغيره، ويشترط على الاحزاب الكردية العراقية ان تحمل اسماء وطنية كردية مثل: "الحزب الكردي الديمقراطي" او "الحزب الكردي العراقي" الخ. ويستثى من هذه القاعدة الاحزاب الكردية التي تستقر في محافظة السليمانية. والسبب ان السليمانية كانت تاريخيا وبحكم قربها من كردستان الحقيقية في ايران منطقة كردية ومنذ الف عام. وسبب طرحنا هذا، ان مصطلح (كردستان) خارج حدود ايران يعتبر مصطلح سياسي يرمز الى مشروع استعماري توسعي يهدف الى ابتلاع اراضي الشعوب الاخرى مثل: العربية والاذربيجانية والتركية والتركمانية والاشورية الكلدانية واليزيدية والارمنية وغيرها. ومشروع (كردستان) يهدف الى زرع البلبلة والفوضى في المنطقة العربية، وهذا ما ترمي اليه اسرائيل، ولهذا السبب بالذات دعم الموساد البرزاني والاكراد. ولولا علاقة تركيا مع اسرائيل لكان الاكراد قد اغتصبوا ارض الرافدين منذ سنوات طويلة. وفي هذا الاتجاه فان تركيا وسوريا ترفضان التعامل مع احزاب تحمل التسمية (الكردستانية)، ولكن لا يعني هذا اننا ضد منح الحقوق الثقافية والادراية للاكراد في هذين البلدين، اضافة الى العراق.
٢ – حصر تسمية (كردستان) بمنطقة السليمانية والجبال المجاورة لها، وللاكراد حق تقرير المصير بهذه المنطقة اي خيار الارتباط بالعراق او ايران او اقامة دولتهم المستقلة.
٣ – اعادة الخارطة القومية في شمال العراق كما كانت عليه قبل خمسين عاما، مثلاً، اعادة منطقة دهوك الى اشوريتها واربيل وكركوك الى تركمانيتهما وكرديتهما وكلدانيتهما مع مراعاة العدل والحق. فاما اعادة الحق الى الجميع واما تبقى الفوضى متلبدة فوق رقعة العراق المستقبلي!
٤ – تغيير تسمية اقليم (كردستان) الى شمال العراق. لأن هذه التسمية رسميا لم تكن موجودة قبل ان فرضها الاكراد على العراقيين. ولم تسمى هذه المنطقة يوما بـ (كردستان). بل سميت تاريخيا بولاية الموصل او الجزيرة. ولمن يعود الى اتفاقية اذار للحكم الذاتي نرى ان العراقيين كانوا يستعملون مصطلح (المنطقة الكردية) وليس (كردستان!). اذا تغيير التسمية سيدخل الطمأنية الى قلوب العراقيين. ويمكن تقسيم الشمال بعد اعادة الحق الى نصابه الى منطقة كردية ومنطقة تركمانية واخرى يزيدية واشورية ضمن بوتقة العراق الجامعة. اما الموصل تبقى منطقة عربية اضافة الى تكريت. وكركوك تبقى ذات وجه تركماني. هذا التقسيم سوف يخلق توازنا للقوى ويقف ضد اطماع الاكراد في المدن العراقية التي سكنوها في المدة الأخيرة.
٥ – على العراقيين استنكار نهج التكريد لمناطق العراق بالدرجة التي يتم فيها استنكار عمليات التعريب. ويمكن بهذا الخصوص تشكيل لجنة عراقية محايدة تقوم بدراسة تاريخية وميدانية بالنسبة للمناطق التي تعربت وتلك التي تكردت، وتقديم قائمة باسماء المدن والمناطق والقرى التي كانت قبل خمسين عاما كردية او اشورية او يزيدية او حتى ارمنية. اما النتائج فسوف تكون فظيعة ولا يمكن تصورها في حال قامت اللجنة بعملها بشكل محايد!؟
٦ – اعادة كتابة تاريخ شمال العراق خلال الثلاثة قرون الاخيرة، ففي هذه المرحلة جرت كل الاشكاليات التي تنغص حياة العراقيين اليوم. ويمكن الاستفادة في هذا المجال من باحثين ومختصين في التاريخ ذو حيادية. وهذه جدا مسألة مهمة، لانه اي تاريخ سوف يدرس للعراقيين بعد صدام، هل هو التاريخ الذي كتبه الاكراد خلال سيطرتهم على شمال العراق في العشر سنوات الأخيرة، وصوروا فيه العراقيون كـ "غزاة ومحتلين". . .
٧ – ان منح فيدرالية الى الاكراد - ولسنا ضدها - يجب ان يؤدي بالضرورة الى منح فيدرالية ايضا الى التركمان والاشوريون الكلدان واليزيد. فالعدالة هي العدالة ويجب ان تطال الكل. ولكننا نعتقد ان الديمقراطية كفيلة بحل مشكلة القوميات في العراق.
٨ – منع – عن طريق القانون والدستور - نشاط الاحزاب الكردية وغير الكردية التي تروج للانفصال او لكردستان الكبرى، او تركمانستان او اشورستان!؟
٩ – اعتبار اللغات الكردية والسريانية والتركمانية الى جانب العربية، لغات رسمية في العراق لها الدعم الحكومي والمادي والرسمي، وتبقى العربية اللغة الجامعة للكل، وفيها يتعامل العراقيون مع بعضهم.
وأخيرا، ان حل المشكلة الكردية في العراق بعد ان تم القضاء على نظام صدام مرتبط بالدرجة الاولى بالطروحات الكردية التي عليها ان ترمي سلاحها وتبتعد عن التطرف والعنصرية، فهذا سوف يكون لمصلحة الاكراد اولا ولمصلحة كل العراقيين ثانيا!!؟؟