مابين حكم الجغرافيا والتاريخ والهوية العرقية يكمن السؤال
تركمان العراق.. وحدويون وطنيون أم تابعون لتركيا
زعيم الجبهة التركمانية للأهرام: لسنا انفصاليين لكن نريد حقوقنا
الأكراد يعاملوننا كأقلية ويريدون الهيمنة علينا
تساؤلات كثيرة تطرح حول تركمان العراق..جذورهم عددهم.. مناطقهم الجغرافية.. ولاءاتهم وهل يشعرون بالانتماء للعراق كوطن نبتوا في أرضه أم لتركيا التي يرتبطون معها بأواصر عرقية, ثم ماهي تصوراتهم لمستقبل العراق في ظل صراعهم مع الأكراد الأهرام يحاول الاجابة علي هذه الاسئلة بألسنة رموز التركمان أنفسهم ولايفوته الاشارة إلي أن هذه الاجابة لاتعبر عن مواقف أطراف عراقية أخري تعذر الوصول إليها قد تناقض الطرح التركماني في كثير من جوانبه.
عندما التقيت صنعان أنما قصاب زعيم الجبهة التركمانية كبري تنظيمات تركمان العراق في أحد فنادق أنقرة الكبري فاجآني بلغته العربية الرصينة ونطقه لكلماتها وفق علامات التشكيل وصحح لي نطق أسمه الأول, وكنت أظنه سنان حسبما ينطق باللغة التركية, وكان هذا مفتتحا مقصودا منه للحديث عن وطنية تركمان العراق, وولائهم للتراب العراقي, وليس لتركيا كما يشاع عنهم, ونفي أية نزعة انفصالية تنسب لهم.
التركمان.. بداية تاريخية.
وقد اثر صنعان قصاب بعد ذلك البدء بالتاريخ وصولا إلي الحاضر, مع التأكيد علي عراقية التركمان, بقوله مما يؤسف له أن التركمان برغم كونهم العرقية الثالثة في العراق من حيث الكثافة السكانية بعد العرب, والأكراد إلا أن هناك من يتجاهل وجودهم كعنصر في موزاييك الشعب العراقي في الوقت الذي هم فيه مواطنون عراقيون قلبا وقالبا, والتاريخ يؤكد ذلك حيث تعود جذورهم للسومريين وقد أسسوا دولا عدة قبل الميلاد, وخلال فترة الحكم الإسلامي أقاموا٦ دول هي: السلاجقة, والجلائريون, والأتابكة, والضعويون, وفضلا عن دولتي أقيوليو الخروف الأبيض, وقراه قونيلو, الخروف الأسود.
ويضيف قصاب: لقد بقي التركمان بعد ذلك في العراق, وتفاعلوا مع العثمانيين عندما جاءوا إليهم نظرا لأن العثمانيين أيضا من أصل سلجوقي, وظل الأمر كذلك حتي تعرض العراق لحروب في القرن الماضي, وانتهي الأمر بانحسار التركمان في المناطق الواقعة مابين تلعفر شمالا حتي بدرا جنوب شرق بغداد حيث تقع مدن الموصل, أربيل, كوبزي, كركوك, دهوك, توزخورماتو, كفري, وماندلي, وكلها تركمانية وحتي الآن سكانها تركمان يتحدثون اللغة التركمانية, وهي غير اللغة التركية, وإن كان هناك بينهما بعض التشابه.
ويبدي قصاب أسفه لتجاهل وسائل الإعلام العربية بل والدولية للتركمان, والأسوأ في نظره تعامل فصائل المعارضة العراقية معهم.
ويؤكد قصاب أن التركمان مع المطالبة بوحدة أراضي العراق, ومع التمتع بالحقوق السياسية والعرقية تحت مـظلة الهوية الوطنية العراقية.
ويضيف: إن علينا كعراقيين بشكل عام وكتركمان بشكل خاص العمل علي بناء عراق ديمقراطي ذي نظام برلماني يؤمن بالتعددية علي أن يتمتع كل المواطنين بالمساواة أمام القانون في جميع الحقوق الدستورية أما مايتعلق بنوع الإدارة سواء فيدرالية أو غيرها فليس من حق أية فئة أو حزب البت فيها من الان وطرح هذه المسألة للمناقشة سابق لآوانه حسب القيم القانونية, ومن ثم نري أن البرلمان المنتخب الذي سيمثل جميع العراقيين في عراق المستقبل الوحيد المخول تحديد نوع الإدارة.
خفايا مؤتمر لندن
وحول مؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد أخيرا في لندن قال قصاب: تمكنا هناك من أن نوضح للمشاركين في المؤتمر حجم التركمان والجبهة التركمانية, ونجحنا في تغيير بعض النقاط التي لم تكن تنسجم مع واقع الحال وحقيقة وجودنا مثل ذكر كلمة أقلية بالنسبة للتركمان واعتبار العراق مكونا من العرب والأكراد والباقي أقليات بما في ذلك التركمان.
وقد قلنا بإن مبادئ الديمقراطية تتعارض مع تسمية قومنا بالاقلية بسبب قلة العدد ومن ثم تمكنا من اقناع المشاركين في المؤتمر بضرورة تمثيل التركمان من خلال الجبهة التركمانية التي تضم تحالفا واسعا للاحزاب التركمانية وليس من خلال الجماعات العربية والكردية.
لكن قصاب أبدي أسفه في الوقت نفسه لبعض الممارسات في مؤتمر لندن والذهبية التي تعبر عنها هذه الممارسات قائلا: إن هيئة تمثل العراق يجب أن تفكر في كل ابناء الشعب ومن الصعب تصور أن كل عضو في هذه الهيئة يفكر في الفئة التي يمثلها فقط وهذا ماضايقنا في سلوك اللجنة التحضيرية لمؤتمر لندن, فضلا عن توجهات غير ديمقراطية بدت لنا من خلال حضورنا المؤتمر, وفي هذا الإطار أوكد أننا علي وفاق مع الآشوريين والمجموعات التي كانت خارج اللجنة التحضيرية بشأن قصور السلوك الديمقراطي لهذه اللجنة, ولكني علي الرغم من سلبيات مؤتمر لندن فإننا شاركنا من أجل تسجيل تحفظنا علي هذه السلبيات, ولأن مبدأنا هو العمل من داخل الساحة وليس من خارجها.
وتابع قصاب تقويمه للمعارضة العراقية بقوله: إن لم نسع جميعا إلي تحقيق مصالحة وطنية صادقة, والجلوس علي المائدة بروح المتحدين المتمسكين بالديمقراطية وحقوق الإنسان الراغبين في حل جميع المشكلات العالقة بيننا فإننا سنكون مضطرين للجوء للآخرين لإنقاذنا من شرور أنفسنا!
وردا علي سؤال حول علاقات التركمان ببقية فئات الشعب العراقي الآخري بمن في ذلك العرب والاكراد يقول زعيم الجبهة التركمانية: لا خلاف بيننا كشعب عراقي واحد, إلا أن هناك أمورا عالقة مع بعض المؤسسات, وقد أعلنا مرارا إننا مع السلام لكننا لن نكون تابعين لأحد, وفي كل الأحوال نحن مع الحوار.
ولنا اتفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني لحل المشكلات العالقة بيننا بعد وساطة من جانب تركيا بناء علي طلب من زعيم الحزب مسعود البرزاني, لكن حتي الآن لم ينفذ هذا الاتفاق, ونأمل في أن يتم التنفيذ قريبا لأن الوضع الراهن لايحتمل الخلاف والشقاق.
وقد حددنا طلباتنا من الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل واضح وتتمثل في:
١ ـ السماح للتركمان بحرية الشراء والاستئجار في المناطق التي يسيطر عليها الحزب.
٢ ـ السماح لإعلامنا بالتحرك بصورة مستقلة بما في ذلك حق أطقم تليفزيوننا في التصوير في الشوارع والأسواق.
٣ ـ عدم استغلال القضاء لتصفية حسابات سياسية.
٤ ـ عدم معارضة تدريس تاريخ التركمان في مدارسنا.
٥ ـ عدم فرض اللغة الكردية في السنوات الأولي من الدراسة علي أطفالنا.
لسنا مع الحل العسكري
وحول موقف الجبهة من توجيه ضربات عسكرية أمريكية للعراق لإزاحة نظام الرئيس صدام حسين يؤكد قصاب أن الجبهة ليست مع الحل العسكري, ولانتمني دخول أي طرف أرض العراق أو ضربه, لكن إذا أصبحنا وجها لوجه مع هذه الضربة أيا كانت أسبابها فمن واجبنا البحث عن الأسلوب الذي نتمكن فيه من حماية أبناء وطننا العراق وشعبنا التركماني بشكل خاض!
وعندما سألت قصاب: لماذا تلجأون للولايات المتحدة كمعارضة عراقية إذا كنتم تعارضون الحل العسكري؟
أجاب: نلجأ ام لا نلجأ فنحن أمام الأمر الواقع لأن النظام العالمي الجديد لايستأذن من أحد ولا معني لأن نقول هذا الطرف طلب أو لم يطلب!!
وفي اجابته علي سؤال حول الحل الأمثل للمشكلة العراقية وفقا لوجهة نظره, أوضح قائلا: الحل في تطبيق قرارات الأمم المتحدة خاصة القرار٦٨٨ الخاص بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان في العراق, ونحن لازلنا مقتنعين بضرورة اتاحة الفرصة لمجلس الأمن لبلورة الحل الأمثل.
وحول الاستعدادات العسكرية للجبهة التركمانية مع اقتراب شبح الحرب قال قصاب: أفراد الجبهة لايمكلون سوي البنادق الخفيفة, وإذا حدث تدخل عسكري فإن الاسلحة الموجودة بحوزة فصائل المعارضة العراقية لاتفي بالغرض المطلوب وفي كل الاحوال لدينا شباب بامكانهم حمل السلاح وهناك عسكريون سابقون في الجيش العراقي, وعند الطوارئ بالإمكان تسليحهم وحول العلاقات مع تركيا ينفي صنعان قصاب ان يكون التركمان يتعاملون معها باعتبارها الوطن الأم, قائلا: لقد أوضحنا ذلك في أدبياتنا وخطابنا للجميع حيث تؤكد بأننا ننتمي لنفس العراق الخاص بالاتراك لكننا عراقيون وتركيا نفسها تؤكد ذلك, ونحني لانتلقي مساعدات عسكرية من تركيا التي قدمت الكثير من هذه المساعدات للاكراد.
وينفي قصاب الحصول علي مساعدات اقتصادية كبيرة من تركيا قائلا: إن الجبهة تتلقي مساعدات من وقف التركمان, وهي مؤسسة أنشأها التركمان في تركيا بالاضافة إلي مساعدات محدودة من مؤسسات خيرية تركية.
ويستبعد قصاب أن يكون لتركيا أطماع إقليمية في العراق قائلا: تركيا دولة قانون ولاتقدم علي عمل يخالف قرارات الأمم المتحدة.
حكاية العلم وتمثال أتاتورك
الدكتور مصطفي ضياء ممثل الجبهة التركمانية في أنقرة بدا مرحبا بي للغاية عندما زرته في مكتبه في تشانكايا الذي يضم القصر الرئاسي التركي في قلب المدينة, وعندما أبديت ملاحظتين حول تشابه علم الجبهة مع العلم التركي وحول وجود تمثال لمؤسس الجمهورية التركية مصطفي كمال أتاتورك خلف مقعده, رد بابتسامة هادئة بقوله: أما العلم فكل الدول الناطقة بالتركية تتشاطر رموزه, وهي الهلال والنجوم باشكال وألوان مختلفة, وأما التمثال فتعبير عن إعجاب شخصي ولايمكن تفسيره أبدا بأنه يعكس ولاء لتركيا.
بدأ ضياء حواره مع الأهرام بالحديث عن حجم التركمان بين سكان العراق حيث قال: حسب احصاءات عام١٩٥٧ الرسمية العراقية فإن التركمان يمثلون١٣٪ من السكان حيث كان العدد الاجمالي للسكان٦ ملايين بينهم٦٧٠ ألف تركماني, ونحن نعتمد علي هذه الاحصائية في تحديد عدد التركمان تقريبا الآن, ووفقا لذلك فنحن نقول إن العدد يبلغ٣ ملايين نسمة منهم٢٠٠ ألف نزحوا إلي خارج العراق.
وعندما سألته هل أنت عراقي أم تركي أجاب بلغته العربية الواضحة: أنا عراقي الجنسية تركي القومية, تركيا قوميا الأم لكن ولاءنا للعراق, وأحب أن أؤكد لك أنه ليس لدينا أية نوازع انفصالية, وفي جميع مؤتمراتنا واجتماعاتنا نرفع العلم العراقي, ونحن الوحيدون بين فصائل المعارضة العراقية الذين نفعل ذلك!
ويري مصطفي ضياء أن هناك سببا طبيعيا لعدم المطالبة بالانفصال هو أن المناطق التي يمثل التركمان أغلبيته فيها تبدو مثل الساندويتش بين العرب والأكراد ولايوجد للتركمان حدود مع أية دولة سواء سوريا أو إيران أو تركيا.
ويضيف سببا اخر تاريخي بقوله: التركمان حكموا العراق قبل أن يستوطنوا تركيا حيث نزحوا إليه من وسط اسيا, ومن ثم حدث اندماج بينهم وبين العرب, والأكراد وهم ايضا لم يعزلوا انفسهم حتي من غير هذا التزاوج, ففي مدينة أربيل في أي زقاق تجد بيتا تركمانيا يجاوره آخر كردي وهكذا.
ومع ذلك لاينكر ضياء الخلافات والنزاعات مع الاكراد لكنه ينسبها إلي التنظيمات الكردية خاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقوله: الخلافات اساسه محاولة الحزب الهيمنة علي كل شيء في المناطق التي تحت سيطرته بما فيها اربيل التي يمثل التركمان أغلبية سكانها وهم يريدوننا مواطنين كردستانيين حسب تعبيرهم ونحن مواطنون عراقيون.. هم يعاملوننا كأقلية, ونحن لانعترف بهذا فكيف ذلك وهم وفقا لنفس منطقهم أقلية؟!
وحسب احصائية١٩٥٧ الاكراد يمثلون١٨٪, ونحن كما قلت١٣٪
وهجمات كردية مسلحة.
ويضيف مصطفي ضيادء لقد هاجم افراد الحزب الديمقراطي الكردستاني مكاتبنا أكثر من مرة وقتلوا بعض حراسها, والحق أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد أن أعلن مسودة دستور لما يسمونه كردستان يريد الهيمنة التامة علي التركمان.
ويكفي أن الدستور الكردي جعل من كركوك وهي مدينة تركمانية عاصمة للأكراد, ونص علي حصول الأكراد علي٢٥٪ من عائدات نفطها, ونحن نقول إننا مع حكومة مركزية توزع ثروات العراق علي جميع أبناء شعبه, وكل مطالبنا تتركز في المساواة بين العراقيين دون تمييز علي أساس المذاهب أو العرق, وأن نحافظ علي هويتنا الثقافية كتركمان تماما مثل الهويتين العربية والكردية, ونود أن نؤكد أن جبهتنا ليست تنظيما عسكريا ولانسعي للمواجهة المسلحة مع أحد.
ويحمل مصطفي ضياء حكومة بغداد مسئولية الوضع المتدهور في البلاد قائلا: إن الجميع يري النظام الديكتاتوري وهو الذي أوصلنا إلي المأساة الراهنة, وينفي ضياء أن يكون هناك أي حوار سري بين الجبهة التركمانية وبغداد متهما الحكومة بممارسة التمييز ضد التركمان.
وحول كيفية تكوين الجبهة التركمانية يقول ضياء: بعد نهاية حرب الخليج الثانية انشئت المنطقة الآمنة في العراق, وكان أول تنظيم للتركمان هو الحزب الوطني التركماني العراقي, ثم تأسست حركة التركمان المستقلة, وفي عام١٩٩٥ أسسنا الجبهة التركمانية التي تضم٢٣ حزبا ومنظمة كمظلة للتنظيمات التركمانية في جميع انحاء العالم بما في ذلك منظمة تركمان أمريكا ومنظمات تركمانية في أوروبا.
وفي شمال العراق أنشأت الجبهة٦ دوائر هي: الثقافة والإعلام, التربية, البحوث, الصحة والمساعدات الإنسانية, الحماية والشئون الإدارية, وهذه الدوائر تقدم الخدمات للمواطنين التركمان حيث أنشانا١٧ مدرسة يتم التعليم فيها باللغة التركانية, ولدينا محطة تليفزيون في أربيل و٣ محطات إذاعية, وجريدة رسمية للجبهة هي تركمانللي التركماني, ولدينا ايضا منظمات مدنية نسوية ونقابية و٣ مستشفيات, ونقدم الخدمات المجانية والمساعدات الإنسانية للتركمان حسب قدراتنا.
الباحث التركماني زياد كوبربرد اغلو في جامعة أنقرة يتحدث عما يصفه بالانتهاكات الصارخة التي تعرض لها التركمان من جانب الحكومات العراقية المتعاقبة علي حد قوله, ويدعي بأن ذلك أدي إلي تغيير ديموجرافي ألحق أضرارا بالغة بهم.
ويشير في دراسة أعدها عن التركمان إلي ما وصفه بسلسلة من المجازر التي تعرضوا لها منذ عام١٩٢٣ فضلا عن اعدامات من جانب النظام لزعماء تركمانيين بالاضافة إلي ماتحدث عنه بشأن تعريب المدن التركمانية ومنها كركوك بما في ذلك تهجير السكان واستبدال عرب بهم وتغيير أسماء الاحياء والشوارع بل كركوك نفسها إلي محافـظة التأميم عام١٩٧٦.
ونحن لانريد التوقف كثيرا عند ادعاءات من جانب واحد, لقد أردنا طرح مواقف التركمان ووجهات نظرهم ككل لكننا نري أنها لاتزيد عن كونها صادرة عن طرف من أطراف المشكلة العراقية دون ان يعني ذلك التسليم بحقيقة أو كذب مايقال وكم من الحقائق تأائهة أو غائبة في بلاد الرافدين.