في الماضي، قبل أن يبتسم القدر لنا وننجو من ظلم صدام ونلجأ إلى بلدان الغربة، كنا نخاف من ظلم جلاد واحد وهو صدام. فكان يأتينا ليرعبنا حتى ونحن كنا في عز نومنا. كنا لا نستطيع أن نتكلم عنه وعن نظامه المقبور حتى وعند أعز أقاربنا أو أصدقائنا خوفا أن ينقل كلامنا خاطئا إلى أحد عناصر أمن صدام ويأخذوننا إلى المعتقلات أو يعدموننا. حينها كان عدونا واحد وهو صدام حسين ومن يتبعه من البعثيين. فكان صدام عدوا للسنة مثلما هو عدوا للشيعة. وعدوا للتركمان مثلما هو عدوا للكرد والعرب وهكذا..
كنا عندما نرى أحدا من رجال الأمن والمخابرات في مكان ما نظن بأنهم يراقبوننا لسبب نجهله ونتصور بأنهم سيعتقلوننا. فكان الرعب يحيط بنا في كل مكان. في البيت ونحن مع أهلنا وفي المدرسة ونحن مع الطلاب وفي الدائرة ونحن مع الموظفين وفي حافلة نقل الركاب ونحن مع المسافرين وحتى ونحن نصلي في الجامع الفلاني كنا نخاف أن يرانا رجال الطاغية. كنا في اليوم ألف مرة نتمنى أن نتخلص من صدام وأتباعه المتسلطين على رقاب العراقيين والمتعطشين لدمائهم. فكان يوم عيد عندما سقط بغداد في التاسع من ابريل ٢٠٠٣ وسقط تمثال صدام الكبير. فرحنا كثيرا ونحن نرى نهاية نظام البعث وانهياره وحزننا كثيرا ونحن نرى قوات الاحتلال وآلياته العسكرية تجوب في مدننا وشوارعنا وأزقتنا ويفتش جنود بوش في بيوتنا ومحلاتنا عن الأسلحة التي لا أصل لوجودها.
نعم ففي البداية فرحنا لأنهم أنقذونا من عدونا صدام حسين، عدو العراقيين جميعا بعربه وكرده وتركمانه وكلدانه وكل قومياته ومذاهبه. ولكننا لم نكن نعلم بأنهم سوف يجلبوا لنا بديل صدام أنقذونا منه ألف صدام. ولم نكن نعلم بأنهم سيحلون الجيش العراقي الباسل الذي أرعب العدو اللدود الصهاينة المجرمين وسطر أروع الملاحم البطولية وأحرز أروع الانتصارات، ويشكل ميليشيات عرقية ومذهبية عديدة.
في الماضي كنا نحلم بالحرية و الديمقراطية ونتمنى أن تتحققا. وعندما كانوا أحزابنا و منظماتنا السياسية في الخارج، كانوا يعدوننا بأنهم سيقيمون في البلاد بعد سقوط نظام صدام نظاما ديمقراطيا تعدديا وكل العراقيين سيكونون متساوون في الحقوق والواجبات. لكننا لم نرى شيئا تحقق لما سمعناه غير الفوضى والدمار والخراب والاعتقالات والقتل والسرقات وهكذا قائمة طويلة.
في الماضي كان العراقيون يخافون من نظام صدام وأتباعهم المجرمين. واليوم فالعراقيون يخافون من ألف صدام يلاحقهم. يخافون أن يذهبوا إلى الأسواق وينفجر عربة أمامهم ويموتون. يخافون أن يخرجوا في الليل وإذا بطلقة أمريكية أو صهيونية تأتيهم من الخلف وتقتلهم.يخافون أن يمروا من أمام بناية حكومية أو مقرات حزبية ويخافون أن يسافروا من محافظة جنوبية إلى شمالية وبالعكس. يخافون أن يشتروا الصحيفة الفلانية من بائع الصحف المتجول ويخافون من الدخول إلى صالات عرض الأفلام ويخافون ينطقوا بالحق ويخافون ويخافون ويخافون..
في الماضي لم نكن نستطيع من زيارة أهالينا وأحبائنا في العراق خوفا من النظام الصدامي. والآن أيضا لا نستطيع أن نزور العراق خوفا بأن يعتقلنا أحد عناصر الميليشيات المعينة والتي كما حصلت مع العديد من العراقيين الذين زاروا أهاليهم فأوقفتهم أحد الميليشيات للتحقيق معهم وبعدها سمحت لهم بالدخول. وحسب أقوال الزائرين فكان بحوزة الميليشيا المذكورة قائمة طويلة بأسماء العراقيين المطلوبين لديهم للاعتقال وبسب نشاطاتهم المناهضة لأحد الجهات السياسية في البلاد. ففي الماضي كانت هناك جهازا أمنيا واحدا للحكومة العراقية تنظر في القضايا الداخلية وجهازا للمخابرات العامة تنظر في القضايا الخارجية واستخبارات عسكرية تابع لوزارة الدفاع وتختص بالشؤون العسكرية. وأما اليوم فهناك جهازا أمنيا وأستخباراتيا لكل حزب أو تنظيم سياسي وفضلا على ذلك ففي شمال العراق يوجد كيان دولة كاملة من أجهزة أمنية ومخابراتية وأستخباراتية وميلشيات عائدة للأحزاب الكردية. وملخص الكلام بأن الغزاة تمكنوا من إنقاذنا من صدام واحد ولكنهم جلبوا لنا ألف صدام.كنا نتمنى أن نتخلص من صدام واحد والآن نتمنى أن يبرز من بين العراقيين قائدا بأسم الكلمة. شجاعا وبطلا وشهما وقويا وعظيما لينجينا من ألف صدامين موجودون الآن في العراق.