استيقظ الحوت الهائل المتكبر حفيد سلالة القراصنة ذات يوم مظلم وقد ارتفعت عليه حمى أعراض عقدة جنون العظمة.. فشحذ أسنانه، وسن أنيابه، وقرر ابتلاع الجزيرة بمن عليها وما عليها..
وأنه خشي أن تتآمر براكين الجزيرة على مخططاته فتثور في وقت واحد دفاعا عنها مدمرة بذلك أطماعه و أحلام جشعه ومبعثرة وجوده أشلاء من الخيبة اللا محدودة، فإنه قرر التسلل إلى كيان الجزيرة عبر ثغرة ضعفها الموجعة والمتمثلة في حاكمها الأخطبوط الأسود القزم المعاق فكريا والمصاب بجنون عظمة مزمن ينخر دماغه منذ سنين
بلا عدد..
أوحى الحوت الخبيث للجزيرة أنه رسول الحرية إليها، وأنه قادم لكسر أذرع القراصنة الحديدية التي لا زال الأخطبوط المعقد يفقأ بها عيون سكان الجزيرة في كل لحظة ويبتر شرايين حناجرهم بها دونما ذرة من الرأفة..
فرحت الجزيرة.. ونسيت في لحظة ضعفها تلك والكماشة الحديدية الحادة قابضة على أنفاس روحها أن الأخطبوط المجنون ليس إلا ربيب الحوت وابنه لروحي الذي كبر على يده، فصار مخلبه الذي يبطش به، ولما كبر واشتد ساعده قرر أن يتخلى عن مربيه وأستاذه في فن ارتشاف الدم ومضغ الأرواح قبل الأجساد، ويقيم لنفسه أمبراطورية رعب خاصة به.. ولهذا غدا من مصلحة الحوت التخلص منه في سبيل إرضاء نزوته بابتلاع الجزيرة الشهية لا سيما وأنه غدا كائنا فائضا عن الحاجة بالنسبة له..
واصطاد الحوت الأخطبوط.. وشرع فكيه على مصراعيهما لالتهام الجزيرة،
لكنها- وياللدهشة- كانت صلبة.. متماسكة.. وعسيرة الهضم مما أجبره على تغيير مخططه بالتهامها نيئة والبحث عن وصفة لطبخها جيدا على نار يقدحها من شرر ما عليها، ويكون وقودها من عليها.. فتصبح بعدها لقمة سائغة يسهل ازدرادها كقرص من حلوى السكر..
كانت هذه هي الصفحة الألف من قصة أسطورة جميلة مفعمة بالسحر اسمها(العراق)..
البداية مفجعة.. لكن ما يبعث طفولة الأمل في أعماق النفس هو كون الشعب العراقي الطيب قادرا على إتمام فصول الرواية وخط سطور صفحاتها القادمة بصدق عزيمته واشتياق روحه للحرية الحقيقة ومحبته العميقة لوطنه وجذوره لأصيلة..
هذا الشعب هو نسر الفضاءات السبع الذي لا يقتل.. صامد.. شجاع.. صابر.. ليس في قاموس وجوده عبارة مرادفة لمعاني فقدان الأمل بميلاد حياة أفضل.. وبرغم كل ما عاناه من ويلات على مدى العقود الماضية، إلا أنه كان ينهض من جديد ليناضل بثبات شجاع للدفاع عن حقه في الحياة والكرامة والكيان الفريد المستقل.. ويستمر بإنشاد أغنيات الأمل رغم نغمة أيام الحزن الخالية..
ولأنه شعب يأبى أن يبتلع الحوت جزيرته الحبيبة ويبتلعه معها، فيجب عليه توخي الحذر لئلا يكون وقودا تطبخ به تلك الجزيرة دون أن يشعر.. فكل خطوة لدعم مكانة السلاح بين أفراد المجتمع العادي من الطيبين والبسطاء ونشر الخوف والذعر وري الأرض بغزير الدماء من أبناء الشعب نفسه هي خطوة ملعونة مخيفة تباركها الجهات التي تزفر أنفاس الحقد والحسد على مختلف الطوائف والفئات العراقية لغرس بذور الشقاق والهلاك بينها حتى يقتل بعضها بعضا ويعتدي بعضها على بعض.. فقط وفقط ليتيسر للحوت المغرور التهام الجزيرة!!!!..
فهل يتعاون الجميع من كل فئة وطائفة وأمة لاصطياد الحوت وطبخه قبل أن يلتهم هو الجميع؟؟؟؟.. ذاك هو يوم النصر بحق..