مأساة انسان عبرت بلا حدود ولا سدود من القرن العشرين ومأساته حتى استقرت في قلب كل انسان شريف عند ساحة الواحد والعشرين لذكراك العطرة ووجودك السرمدي ببقاء الانسان على وجه المعمورة حتى يأذن الله بفناء الأرض عبر الوعد الالهي سنظل نحيي ذكراك ونكتب ونبعث ألف قبلة وقبلة من الصغار والكبار.تسعين يا اسم دخل التاريخ دون ان يطرق بابه ولكن التاريخ جاء خاضعا اليه لمواقف رجاله وشبابه وكهوله ونساءه بعد رحلة طويلة ومعاناة مريرة إلتقت الدموع مع دفء الحنين فوق تراب تسعين المعذب من جراراة الحقد اللئيم في أحد أيام الصيف من عام١ ١٩٨ وتحديدا يوم الثلاثاء الأسود عند أهالي هذه المنطقة التي كانت تلتهب نارا تحت أقدام الأقزام عندما فرغوا حقدهم ودناءتهم وجاؤا بعد أن اجتمعوا كالثعالب ليفترسوا شيئا ما ثم أهالوا التراب وذروه على قناديل وضاءة عند عتبة مرقد الشاه طهماسب وسلطان ساقي ذلك المكان الذي طالما ذكره كل انسان مر من تسعين وشرب من ماءه وسمع أصوات الطبول والمواعظ من على المنابر لذكرى وذكريات عاشوراء.
تسعين أقمارك أفلن في يوم عاصف حقود في ربى تسعين شبابك الذين كانوا يحملون الامال للمستقبل صعدوا واحدا بعد الواحد المشانق وهم مستبشرين بأن المجد سيمر من هنا يوما وهم يعرفون بأن المشانق دروب الأمجاد نحو غد مشرق سيأتي صباحه ويمزق فجره اللامع حجب الظلام يوم غريب بعد معاناة السنين عبير الأزهار وأريج الأقحوان والنخيل من بساتين أفندي باغي وجموع الأطفال وهم يتراكضون ليصلوا بعد لعب في يوم صائف رشفة ماء لهم والأمهات أيضا يأتين لترتوي أكبادهن بعد طول فراق وانتظار طالما يئس الناس منه إلا المؤمنون الذين كانوا يعرفون بأن الله سيفتح عليهم وأنهم سوف يرتوون كما كانوا يرتون عند مصب جدول الدهنة عند ملتقى حمزه لي وتسعين.
لا زلت أسمع قرقرات الطبول وضرب الدفوف والملابس السوداء ونحن صغار في إحدى أيدينا السلاسل وفي الأخرى صفيح صغير لمعلبات أكلناه اليوم ثم أثقبنا جانبا منه بالمسمار كالمنخل حتى ينفذ ضوء الشمعة من خلاله وفي الوسط شمعة صغيرة تضيء لنا درب الحسين وتعطي للمستقبل طريق العاشقين إلى منحنى نهر الحسين في أرض كربلاء.
تسعين يا مرافيء الذكريات الندية الوافدة على كل قلب وإلى كل عين محصورة الدموع ذكريات رحلت مع شباب عانقوا الردى وأثبتوا للزمن الغافي بأن الإرادة الحرة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في اعلى عليين حيث تمتد حتى تشمل الأحرار هناك حيث مقعد صدق ومدخل صدق وحياة صدق عند مليك مقتدر وحاضر كحضور الشمس بقرارة الأرض والمحيطات وللجبال الرواسي والوديان التي تمر عبرها المياه والإنسان.
مرت السنون وتشتت الجموع لا زلنا كنا نقول الأكباد حرى والعيون عبرى وتسعين صابرة محتسبة.
يا أيها الفلاح الآتي من جنوب تسعين وهو يحمل مسحاته بعد أن سقى الزرع ومشى بين البساتين وهو عنوان الرجولة والشهامة قف لي لأنني أريد ان اقبل يديك لأنها نفق نمر عبره إلى عالم يسوده السعادة بعيدا عن تحرشاة وتهتكات جاهلية البعث.
تسعين كم سمعت أنيني وحسراتي إني أنا أحد أولادك الذي مشى على ترابك وطاف بساتينك وزار المراقد عندك ووضع الشموع على مراقدهم وجلس مأتم الحسين وعاش وصادق كثير من الذين مضوا إلى عالم الخلود وهم شهداء أحياء عند ربهم يرزقون فسلام لهم واحد واحد ونحن لن ننساكم يا أبناء التسعين الكرام.
تسعين صحيح نحن غرباء فرقنا الزمان أخذنا نجول من أرض الى أرض ولكن جمعتنا تسعين كل حين كل زمان ومكان سافرنا معها عند دروب الغربة حملنا معنا صور الشهداء وصور بيوت تسعين الطينية الجميلة وأحاديث الزمان من أفواه العجائز عند مقاهي تسعين القديمةهل ستقف عالية سامقة كأشجار النخيل والزيتون ثانية لقد مزقت الأكفان بعودتنا إلى وطن القلوب الوالهة رأيت الناس تسكب الدموع مع مصاب الحسين عليه السلام ويتذكرون الماضي العتيد حيث كان مآتم وخواطر عاشوراء الأليمة رجعنا ورجعت كل شيء المواعظ والعبر الطبول والدفوف حتى التشبيهات وضرب السلاسل وذكريات (ليله علي ليله) و (حسين واي مظلوم واي) من حنجرة المرحوم طالب علوش ليالي عاشوراء.
فهاجت الأشواق لك يا تسعين كم عزيزة أنت رجعنا وكل رجع الى وطنه ولكن للأسف كان حلما صيفيا الوطن أطلال تبكي الديارا هكذا مدينتي ومراتع طفولتي وذكريات شبابي أصبحت خاوية تعيش الصدى.