بساتين الكرم في تسعين القديمة (أسكى تسين) على وشك الانبعاث من لحدها المصطنع، إنها مُسيَّجة بالصمود، أشجارها التي اغتالوها غدراً كانت لا تعرف الذبول وهي الآن تتمرّد على قوانين منع التجوال، تتمرّد على الحصار الزمهريري، ترفع قيود الخوف من أرخبيل الأمهات، تجعل أعداء السلام وغيرهم يعيشون في مساحات ضيقة جدرانهم تتطاير مثل أوراق الخريف، أحلامهم تتحوّل إلى رمال تذروها الرياح العاصفة، تشيع أجواء الهموم الثقيلة لدى الغادرين تُحَطِّمُ غطرسة الذين يتّكئون بالعُدّة والعدد، رخيم تسعين القديمة تشعّ بالمستقبل المضيء مشحونة بعطر الورد الجوري الذي كانت أشجاره تسيج تلك البساتين، تلك الخِيَمُ ترتل آيات النصر تمدُّ أضلعَ المُرَحَّلينَ من أهل تسعين بالتحدي، تهديهم حياةً ربيعيّةً، تهدي خيولهم الأصيلة شموخ الفتوحات، فتوحات الشرق والغرب، ينابيع الأمل تتفجّر حِمماً بركانيةً تحت أقْدُمِ الذين جاءوا ليَسحقوا السنبلة اليانعة التي تنمو في قلوبنا، إنّنا عاشقون للحياة، الحياة التي تنبض بأصالةٍ تركمانيةٍ نبيلةٍ تنقلنا إلى رؤى أثيريّة، تُعلِّمُنا الوصول إلى موانئ السعادة، تحملنا في زوارقَ إلى خلجان الجنة الموعودة. وفي سبيل دفع الشرِّ والأذى عن أرضنا وأطفالنا نجعل من أجسادنا راياتٍ مُبَلَّلَةً بالدماءِ تُرفْرِفُ في كلِّ بُقعةٍ من أرض حبيبتنا كركوك بل في كلِّ بقعةٍ من أرض توركمن ايلى كما جعلناها في تسعين القديمة يوم قدَّمنا إلى مذبح العقيدة أكثرَ من مائتي شهيدٍ في زمن الطواغيت، تلك الكوكبة من شهدائنا هم الآن راياتُ نصرٍ خفّاقةٌ تحمل السعادة لأحرار العالم.
المستقبل الجميل يصنعه دائماً عُشّاقُ الإنسانيّة، عُشّاقُ الأرض، وإنّ التركمان معروفٌ عنهم أنهم رُسُلُ السّلام، عُشّاقُ الإنسانيّة والأرض، إنّهم مُغرَمون بفعل الخير بقدر تمسّكهم بتركمانيتهم، وأعلام الصمود المنشورة في مُخَيَّمِ تسعين تُعلن هويَّتَنا وانتماءَنا بوضوح، وتلك الخِيَمُ سوف تتحوّل إلى مدارس نضالٍ صفوفها تتغذى على أشعّة شمسِ الحريّة، أقلامها أوتاد تخترقُ قلبَ الأرضِ جذوراً للنَّماءِ، دفاترها تاريخٌ حافلٌ ببطولات الآباء والأجداد وصفحةٌ مُشرقةٌ في التضحية والفداء، كتبُها تتمرّدُ على الأحزانِ وتعلو على المآسي والتركمانُ عموماً حديقةُ وردٍ فوّاحةٌ للأصدقاء ولكنّ بإمكانه أن يُدميَ جفون أعدائه بشوكة. إننا هنا في العراق قد سُلِبَ حَقُّنا ومن حقِّنا أن نتحدّى صمتَ المسؤولين وتجاهلهم للمظالمِ التي تقع هنا وهناك نتحدّاهم بقناديل الحياة، نتحدّى غيبوبة المجالس المشكَّلة والذين يُشكِّلون تلك المجالس عن وجودنا، نتحدّاهم بأقمار الفجر الآتي، غداً سوفَ نُعلِّمُهم فلسفةً جديدةً هي أنّ الصمودَ يقهر القوةَ التي يتحدّاها، نُلقِّنُ مَنْ يُعادينا دروساً في حكمةِ النضال. هنا في تسعين (تسين) حبيبة كركوك نقيم كرنفالاً بألوان الربيع لولادة تسعين في تلك الخِيَمِ وعودة المُرَحَّلينَ إلى مَسقطِ رأسهم وإنّ غداً لناظرهِ قريبٌ.
* صحيفة (توركمن ايلى) – العدد ٦٥٨ بتاريخ يوم الأربعاء ٢١-٤-٢٠٠٤
** عضو اتحاد أدباء التركمان