على فترات متفاوتة من اشهر عام (٢٠٠٢) عندما كانت المعارضة العراقية آنذاك تبذل قصارى جهدها على نخر جسد النظام العراقي على طريقتها الخاصة بعيدا عن الساحة العراقية تستجدي العون من الغرب وهم شتات في كل وادي يهيمون لا تجمعهم ولا توحدهم إلا هدف واحد هو إسقاط النظام وفي ماعدا ذلك متفقون في الظاهر مختلفون في الباطن، تحت تلك الظروف نشرت مقالات عدة عن معاناة العراق بأبنائه على مواقع الانترنيت والصحف الصادرة في الخارج وأنواع (الضيم) الذي يذوقونه صباح مساء موزعة على اشهر السنة يتلقونها مع البطاقة التموينية، كانت تلك المقالات على التوالي تحت عناوين (الآه العراقية على ماذا..وماذا..ولماذا..؟) و (دولة الآه العراقية) و(حلم الآه العراقية).
قلت في الأولى (أن تشاطئ التشكيلة العراقية حول الآه التي اخترقت عنان السماء التي تطلقها عناصر أطيافها ورموز ألوانها، تلك التشكيلة لا يجوز بأي حال من الأحوال امتلاكها أو التصرف بها أو التقليل من شأنها..في قطر لا يقبل القسمة القومية أو المذهبية أو الجغرافية ولا حتى السياسية لاسباب مهمة ومهمة جدا، منها التمازج المنوع بين تلك الأطياف وحقها ونصيبهم في إسهامات حضاراته غير الممكن تمليكها لجماعة دون أخرى، ولان القسمة تشتت قوتنا الفكرية والحضارية ومعها الطاقات البشرية والثقافية والاقتصادية، وهذا ما يريده الأعداء، ولأنها تحرك المشاكل التي عانينا منها طوال العقود السابقة، واخيرا الآه..ذلك القاسم المشترك الأعظم للعراقيين أينما كانوا في الوطن والمهجر الملازمة لنا المفروضة علينا وقد رحل الراحلون بحسراتهم إلى اليوم الموعود، وهي ذات مواصفات مميزة لها نغمة خاصة ونبرة تختلف عن آهات شعوب الدول الأخرى، ننتظر تواقين الزمن، متى يتوقف عن هذه الآه، ويحدث زلزال الفرح..).
ها قد سقطت تماثيل الدكتاتور من الساحات والباحات وكانت الجاثمة على صدورنا جميعا، وما أن أزهرت الفرحة في قلوب العراقيين وأوشكت أن تكشف عن ألوانها المعبرة بسقوط النظام القمعي الذي يعد اللاعب المباشر بين اللاعبين في استقدام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حتى هبت العواصف وانفجرت براكين السياسات الخاطئة في خط متعاكس مع رغبات العراقيين لتصيب الفرحة من صميمها ولم تسمح لها أن تكبر وتعبر عن ذاتها بألوانها التي توشحت بالسواد جراء أخطاء الحسابات القاتلة في أسلوب التعامل مع الورقة العراقية برمتها من قبل إدارة العراق المدنية.
ثم اختتمت المقالة بـ (شعب يبحث عن الخلاص ويتعامل مع حياة يختارها وفق منظور تداعيات الماضي ومعطيات المستقبل يسيره وأركان دولته دستور دائم ضامن لحقوقه كافة، دستور وضع واضعوه اليد على الثغرات السابقة والجراحات التي لم تلتئم بعد، دستور يتآلف مع الواقع الجديد يزرع الثقة في نفس الشعب ويعمل على إنماء وتطوير العائلة العراقية وقد نزع منها فتيل الخوف والقلق والضياع..وبعكسه يعني سلب الإرادة وتفرد الاحتكار السلطوي وعودة الدكتاتورية مرة أخرى، عندها لا نقول مسك الختام..ولا حسن الختام..إنما نقول..اقرأوا علينا السلام.).
هكذا يظهر للعيان مع نهاية عام مضى على انهيار النظام الدكتاتوري الاستبدادي ديمومة الآه العراقية وتواصلها مع تواصل معاناة (الضيم) بأشكالها الجديدة في العراق الجديد (عراق المستقبل) الذي كنا ننشده، وكانت تتغنى به قادة المعارضة السابقة وجلهم أقطاب المجلس الحكم الانتقالي الان الذين راودوا ويراودون أنفسهم بالأماني والتمنيات الضالة وليس لديهم لا حول ولا قوة إلا بالقدر المسموح لهم منذ صدور أوامر تعيينهم وساعة زرع الفتنة بين أبناء الشعب العراقي بشكل يجعل لكل بقعة على طول وعرض أرضه آهات خاصة بها تسجل باسمها ولا تقاسمها الأخرى وهي النابعة بحد ذاتها من الحسرة على المستقبل والمصير المشترك تجمعها القواسم المشتركة، في مقدمتها حق الوطن والمواطنة، وقيم الإنسان والإنسانية، وشرائع الأديان السماوية..أوثق عرى التماسك بين الشعب العراقي الواحد..وشاهد دليل الإثبات، تلاحم الكنائس مع الجوامع والمساجد في الدعاء والصلوات وجمع التبرعات لإخوانهم وأخواتهم الذين يعيشون المحنة في الفلوجة الجريحة تضامنا معها في حمل قسط من الآه عنهم مساهمة مع أبناء المدن والمحافظات العراقية الأخرى في بغداد والبصرة والموصل وكربلاء وديالى وكركوك وباقي المدن العراقية المتضامنة قلبا وروحا معها وفيما بينها مع أي جرح آه عراقية مهما كان نوعها وأسبابها المنبعثة من وجدان الذات العراقية، وأينما كان هذا الجرح سواءا في قلب العراق بغداد أو ثغره الباسم البصرة او موصل الحدباء أو كركوك باباكوركور أوالنجف وكربلاء المقدستين أو مدينة البرتقال ديالى..او..او..الديوانية او العمارة..او..او.
وفي المقالة الثانية تحدثت عن دولة الآه (العراق) وركزت على تقاسم إطلاقها بين أبنائها عموما في آن واحد أولا واطلاقها قوميا ومذهبا ودينيا حسب خصوصيات الضغوط الواقعة عليهم من ممارسات نظام دولة الآه ثانيا، وجاءت الأحداث مساندة ومعززة للاحتمالات المتوقعة خلال مواقف وطروحات الأطراف والفصائل السياسية عندما قلت (وترجع مأساة الآه آها بطرح أفكار مفرقة سياسية وجغرافية وتضاريسية و إدارية واقتصادية وقومية لا تخدم إلا الجهة الطارحة لها، نتائجها خلق العزلة بين العراقيين، مما يولد عدم الانسجام فيما بينهم، وتتحول باقة الزهور إلى أشواك مؤذية لبعضها البعض بقصد و دون قصد، ثم نقف عند خط الندم الذي يسوقنا إلى إطلاق الآه الجديدة من جديد.) يمكن تشبيهها بقائمة حساب يجب دفعها مهما كان الأمر(وكأنها فاتورة مستحقات يجب علينا تسديدها شئنا أم أبينا طالما نحن عراقيين نعتز بعرقيتنا) وفعلا بدلا من أن يعمل الاحتلال والعاملين معه في إدارة العراق على تخفيف معاناتنا من الاه التي فاقت صبرها علينا لتحل المستحدث والجديد قبل رحيل السابقات من مخلفات وبقايا الأيام الماضية، بتفاقم حدة البطالة وفقدان الأمن و الأمان وهروب الاستقرار وضياع حقوق الإنسان العراقي بعد أن واجه التغييب المتعمد لقدراته وإمكاناته اللامحدودة على مستوى القطاعين العام الخاص أفرادا وشركات عندما أوكلت إلى غيرهم من المؤسسات الأجنبية إعادة اعمار وبناء ما خربته آلة التحالف العسكرية.