كركوك مدينة التآخي والسلام العراقي. ومنذ قرون عديدة عاش فيها التركمان والعرب والكلدان والآشوريون والأرمن والأكراد بسلام وأمان.
كركوك مدينة ذات خصوصية تركمانية، ووردت ذلك في كتابات معظم المستشرقين والمؤرخين العرب والأجانب. لكن الإحصاءات الشوفينية التي أجريت من قبل الأنظمة العراقية الدكتاتورية السابقة لم تكن دقيقة وقد أهملت تعداد التركمان في عموم البلاد وأعطت لهم أرقاما لا تتناسب مع عددهم الحقيقي الذي يزيد الآن عن ثلاثة ملايين أي أكثر من ١٣٪ من نفوس العراقيين. حيث لا فرق بينهم وبين الأكراد فرقا كبيرا. وفي آخر إحصائية للسكان في العراق عام ١٩٩٧ أجبر الكثير من التركمان والكلدان والآشوريون والأرمن بتسجيل قوميتهم عربا. فالنظام الصدامي العفلقي خطط ونفذ خطة تعريبية عنصرية حاقدة وممارسات وحشية لا إنسانية بحق التركمان، بغية إلغاء الهوية التركمانية كاملة في العراق. بدأت بإخلاء أحياء كاملة في كركوك وعشرات القصبات والقرى من التركمان ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية وتوزيعها على عوائل العرب (العشرة الآف) التي جلبتهم النظام من كافة أرجاء الوطن وترحيل التركمان إلى المناطق النائية في جنوب العراق التي يصعب العيش فيها، مما كان سببا في ترك الكثيرين منهم ملتجئين إلى الدول المجاورة ومنها إلى دول أوربا وأستراليا وأمريكا. وقام بتبديل أسماء المدن والقصابات والقرى وحتى الأحياء التركمانية إلى أسماء عربية كتبديل اسم كركوك بالتأميم وآلتون كوبري بالنهرين... وهكذا.
إستمرت حكومة البعث وبأمر صدام شخصيا بملاحقة التركمان وممارسة أبشع الجرائم بحقهم طيلة الفترة مابين ١٩٦٨-٢٠٠٣. لكنهم ورغم حقدهم الدفين وجميع أساليبهم الخبيثة لم يتمكنوا من القضاء على التركمان. كان الأمل مشهودا في عيون كبار السن من أبناء القومية التركمانية وهم يتحدثون عن جرائم صدام. دائما كانوا يتفاءلون بسقوط الطاغية وجبروته. رحلوا من بيننا وكلهم أمل بأن شمس يوم الفرح العظيم ستشرق يوما. رحم الله كبار التركمان العظام أمثال الشاعرين المرحومين مصطفى كوك قايا ومحمد عزة خطاط والفنان الكبير المرحوم صديق بنده غفور الذين كانوا لا يهابون أبدا من ظلم وجبروت العملاء البعثيين. فكانوا واعدين، حاضرين في قصائدهم وأناشيدهم وأغانيهم ورباعياتهم التركمانية(الخوريات) يحثون التركمان على الصمود في وجه الطغاة. كانوا دوما يأملون بزوال صدام وزمرته الشريرة.
صدام حسين الذي كان قائدا جبارا وقاسيا وظالما بالشعب التركماني ورغم ولائهم الحقيقي لوطنهم العراق والدفاع عنه في كل المعارك، لم يكن رحيما وعطوفا أيضا ببقية شعوب العراق. إذ أنه ظلم الأكراد والشيعة والسنة من العرب والمسيحيين من الكلدان والآشوريين والأرمن. وإن العراقيين جميعا فرحوا عندما جعلت قوات التحالف الأمريكي شمال العراق منطقة آمنة معزولة عن النظام العراقي في بداية التسعينات. وتمنوا أن يتحقق أحلامهم أيضا بسقوط النظام البائد في بغداد. ولكن وللأسف فالأحزاب الكردية وميليشياتهم خططوا بإكمال مخططات صدام المقبور. فبدلا من تعريب صدامي أصبح العراقيون في كركوك وضواحيها في منتصف نيسان ٢٠٠٣ على حملة شوفينية جديدة وهي تكريد بارزاني وطالباني وتحت غطاء أمريكي وصهيوني. فجاءوا وعلى متن دبابات ومدرعات الغزاة بأعلامهم الصفراء والخضراء ورفعوها فوق كل بناية دنسوها. قاموا بتبديل لوحات الدوائر والمدارس كافة بلوحات عددوا لها أشهر طويلة، كتبوها بالكردية أيضا جنب العربية. بدلوا أسماء الشوارع والمستشفيات ومراكز الشرطة. عينوا وبتأييد أمريكي محافظا كرديا للمحافظة ومدراء لجميع الدوائر الحساسة فيها. شكلوا مجلس بلدية للمحافظة بتوزيع غير عادل في نسب التمثيل فحصلوا هم وأيضا بتأييد أسيادهم الأمريكان على أكثر مقاعد المجلس. ووفق التقارير الواردة من قبل الحكومات التركية والإيرانية إنهم جلبوا أكثر من ثلاثين ألف كردي إيراني وأكثر من عشرون ألف كردي تركي من مؤيدي حزب العمال الكردستاني المحضور وقاموا بإسكانهم في المعسكرات المحيطة بالمحافظة وبيوت المواطنين العرب الذين عادوا إلى مدنهم التي جاءوا منها خوفا من ملاحقة الميليشيات الكردية لهم.
بدأ المجلس عمله رغم ضغوط أعضاءها الأكراد على الأعضاء الآخرين من أبناء القوميات الأخرى لإصدار قرارات من مصلحتهم، إلى أن زادت التصفيات ومحاولات الاغتيال بالقياديين والمثقفين في المحافظة كمحاولة اغتيال إسماعيل الحديدي النائب العربي للمحافظ والذي أصاب بجروح بليغة وأيضا محاولات الاغتيال الفاشلة بكل من الدكتور فاروق عبدالله عبدالرحمن رئيس الجبهة التركمانية العراقية والدكتور صبحي صابر ممثل الجبهة التركمانية في كركوك واغتيال الصحفي التركماني علي أكرم كوبرولو واغتيال السيد عكار الطويل العضو العربي في المجلس البلدي لمحافظة كركوك والذي كان سببا في انسحاب الأعضاء العرب والتركمان والآشوريون من مجلس البلدية ولم يبقى سوى الأعضاء الأكراد لينفذوا مخططاتهم العنصرية في تكريد المحافظة. فأن مايجري في كركوك من قبل ممارسات زمر التخريب والعمالة والتجاوز على حقوق الآخرين لا يرضى عنها أحد. وتجب على القوات الأمريكية التي جاءت صادقة لتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة في العراق التدخل السريع لحل المشكلات الموجودة بين أعضاء المجلس وتحقيق الأمن والسلام في المحافظة وإبعاد الميليشيات الكردية وعملاء جهاز الموساد من كركوك وأطرافه وتحقيق العدالة في توزيع نسب أعضاء كل قومية في مجلس البلدية وإجراء انتخاب عادل لاختيار محافظ كركوك لكي يعود التركمان والعرب والآشوريون إلى ممارسة أعمالهم في خدمة أبناء المحافظة من أجل تحقيق السلام والأمان والحرية وفي العكس سيحصل معاذ الله كارثة بين أبناء المدينة وسيدفع الجميع أثمان غالية ولايمكن السيطرة عليها حتى ومن قبل قوات الاحتلال.