العراق. . دولة موحدة أم فدرالية؟
نظرة تركمانية إلى المواطنة العراقية والطروح الفدرالية
أرشــد الهرمزي
إن وظائف وأعمال الدولة الأساسية هي الأعمال الخاصة بالحماية والأمن والعدالة والتي يرى الجميع أهمية قيام الدولة بها. وأساسا فأن البحث في وظائف وأعمال الدولة يستدعي النظر في الأسباب التي وجدت الدولة من أجلها ولتحقيقها. وقد حدث تطور مفهوم الدولة أساسا لتأمين الحماية وتنظيم علاقة الفرد بالجماعة بشكل يضمن رفاهية ورقاء الجماعة. وبذلك ينادي القائلون بهذا الطرح أن الدولة هي وسيلة وليست غاية بحد ذاتها وذلك بعكس نظريات أخرى تمجد الدولة باعتبارها الرمز القوي للأمة أو الجماعة. "١"
وقد اتجه العالم المعاصر إلى تبني الديمقراطية كنظام أمثل للعلاقة الاجتماعية بين مواطني الدولة الواحدة ولكن يجب الانتباه إلى أن الديمقراطية لها مقومات رئيسية فهي تفترض أولا بأن يكون الحكام ذوي صفة تمثيلية أي أنهم يمثلون فعلا قوى مجتمعية فاصلة، أما الصفة الثانية فهي أن يكون الناخبون مواطنين وأن يعتبروا أنفسهم كذلك إلا إذا كانوا لا يأبهون بالحكم أو لا يشعرون بالانتماء إلى مجتمع سياسي بل بمجرد الانتماء إلى عائلة أو قرية أو فئة إقليمية أو مذهبية فلا تعني حرية اختيار الحاكمين لهم شيئا! أما الصفة الأخيرة فهي أن تكون سلطة الحاكمين محدودة مرسومة بالانتخابات وباحترام القوانين لا بسلطة المنشآت عسكرية كانت أم مدنية أو بالعائلات والقبائل. "٢"
ومن الأمور الهامة أنه لا ديمقراطية بدون وعي بالانتماء فإذا كان المواطنون يشعرون أن حكومتهم تمارس سلطتها ضمن أراض تبدو لهم مصطنعة أو أجنبية فلا مجال للتحدث عن صفة التمثيل، لذلك يجب أن يشعر المواطن أو الكتلة السكانية بانتمائهم لكامل الأرض وليس لجزء منه والا فأن حديث هؤلاء عن سيادة الديمقراطية على كامل تراب الوطن يكون أمرا غير مبرر أو مطلوب.
فإذا تحلت الدولة بالأسلوب الديمقراطي بعيدا عن التسلط والقهر الاجتماعي والقومي والطائفي فان مؤسسات الدولة تزدهر باحترام سيادة القانون وتغليب العدل على المصالح الذاتية، حينئذ تتراجع المطالب الإقليمية أو الأثنية التي تعمد إلى الحفاظ على خصوصياتها باعتبار أن هذه الخصوصيات محمية أساسا بقوة القانون.
أن العناصر الأساسية للدولة تكمن في الشعب الذي هو التجمع البشري للأفراد الذين يقيمون بصفة مستقرة ودائمة على أراضيها وفي الوطن أي الرقعة الجغرافية التي يستقر عليها شعب الدولة بصورة دائمة وفي الحكومة وهي السلطة التي تمارس السيادة في الدولة لحفظ النظام ووضع القواعد القانونية موضع التنفيذ وتفصل في النزاعات، أما العنصر الأخير فهو السيادة وهي سلطة الدولة المطلقة وهيمنتها على كامل رقعتها الوطنية.
دولة موحدة أم اتحادية؟
تنقسم دول العالم إلى دول موحدة واتحادية فالدولة الموحدة تتميز بوحدة السلطة والقوانين ووحدة الإقليم فهناك حكومة واحدة تمارس السيادة الخارجية وتفرض كامل سلطتها وسيادتها على مناطق الدولة ورعاياها دون منازع. "٣" وقد تختلف أنظمة الدول الموحدة فيتميز قسم منها بالمركزية الشديدة كما تتبع البعض من أساليب مختلفة في الحكم كأنظمة أما ديمقراطية أو دكتاتورية كما تختلف من كونها ملكية أو جمهورية كما تختلف صلاحيات الإدارات المحلية والإقليمية بين الدول فقسم منها تتوسع في منح أوسع الصلاحيات للإدارات المحلية بينما تقتصر الأخرى على أضيق الحدود.
أما الدولة الاتحادية أو المركبة فتتألف من اتحاد دولتين أو أكثر ويختلف شكلها تبعا لاختلاف نوع الاتحاد الذي أوجدها. فالاختلافات في طبيعة وجوهر الاتحادات الدولية قد سببت في وجود أشكال متعددة للدولة الاتحادية تختلف باختلاف العلاقة والتداخل بين دول أو وحدات الاتحاد. "٤"
طبيعة الاتحاد التعاهدي(الكونفدرالي):
الاتحاد الكونفدرالي ينتج عن معاهدة تبرم بين دول كاملة السيادة وتتفق بينها على تنظيم علاقاتها الاقتصادية والثقافية والعسكرية إذا رأت الدول المنظمة إلى هذا الاتحاد أن ذلك يضمن لها المصلحة والتكامل. إن هذا الاتحاد لا يوجد دولة جديدة فتبقى الدول محتفظة باستقلاليتها ونظامها السياسي وجنسية مواطنيها، والاهم من كل ذلك إن أية دولة منضوية تحت الاتحاد يمكن أن تدخل في علاقات ثنائية أو اتفاقيات مع الدول الأجنبية دون أن يستوجب ذلك التزامات على الدول الأخرى في الاتحاد.
النظام الفدرالي
النظام الفدرالي اتحاد مركزي تنتج عنه دولة فدرالية وفي ظل الاتحاد الفدرالي تندمج الدول أو وحدات الاتحاد في دولة واحدة بموجب دستور يوافق عليه كل الدول الأعضاء ويصبح بمثابة القانون الأعلى أو النظام الأساسي للدولة الاتحادية.
تفقد الدول أو الوحدات المنظمة إلى الاتحاد الفدرالي أو الدولة الفدرالية شخصيتها الدولية وسيادتها الخارجية وتصبح هناك شخصية دولية واحدة وسيادة خارجية واحدة في دولة يكون لها علم واحد ورمز وطني واحد وجنسية واحدة تسري على كل المواطنين. "٥"
إن أهم ما يميز الاتحاد الكونفدرالي عن الدولة الفيدرالية أن الكونفدراليات تسمح للدول أو الوحدات المنضوية إليها بالاحتفاظ بمميزات شخصيتها الدولية فيكون لها علم خاص وجيش خاص ونشيد خاص وقوانين خاصة كما تمارس مظاهر السيادة الخارجية، وفي الاتحاد الكونفدرالي يعتبر الأعضاء أنفسهم غير ملزمين بقرارات الجمعية العامة للاتحاد وإنما تتوقف على موافقة هذه الدول أو الوحدات عليها. كما يجوز لدولة الاتحاد الكونفدرالي الانسحاب إن أرادت ذلك بينما لا تتمكن وحدة الاتحاد الفدرالي أن تنفصل ويمكن استخدام القوة من قبل الحكومة الفدرالية للقضاء على أية حركة انفصالية والعمل على إبقاء الوحدات التي تحاول الانفصال ضمن نطاق الاتحاد"٦".
الأساليب المتبعة في الأنظمة السياسية:
يرى الكثيرون أن ابرز العلامات التي توضح طبيعة الدولة موحدة أم اتحادية تكمن في تجربتين هامتين فالولايات المتحدة الأمريكية دولة فدرالية تحكمها حكومة فدرالية مع توسع في تأسيس الإدارات المحلية وسن بعض القوانين وممارسة السلطة المحلية في الولايات الأمريكية.
بينما ينحى المنهج الفرنسي إلى دولة موحدة تتمتع بمركزية موحدة مع منح صلاحيات واسعة للبلديات التي تدير شؤون المواطنين في البقع الجغرافية والإقليمية المختلفة ضمن البلد الواحد. وبما أن كلا النظامين يحتويان على عيوب عديدة إلى جانب المزايا التي تتمتع بها ولذلك فقد عمدت هذه الأنظمة إلى الاقتراب من بعضها فقد اتجهت الدول الفدرالية إلى المزيد من المركزية بينما توسعت الدول الموحدة في منح الصلاحيات لإداراتها المحلية. ويقول الباحثون إن بعض الدول قد عدلت في أنظمتها للاستفادة من مزايا كلا النظامين ويكون الحديث هنا عن ايطاليا بوصفها دولة مركزية وتقع خارج نطاق الدولة الموحدة والدولة الفدرالية معا، حيث أن مناطقها المعترف بها في دستور عام ١٩٤٧ تعتبر وحدات إقليمية مزودة في بعض المجالات الإدارية خصوصا بسلطة تشريعية فعلية"٧" وهو ما يذكرنا بتجربة الحكم الذاتي المطبق أو لنقل المقرر للعراق في فترة السبعينات من القرن الماضي.
وقد أصبح الجدل النظري واقعا ملموسا بين حقوق الإنسان التي تنظمها العهود والوثائق الدولية وبين سيادة الدول على إقليمها الوطني ووحدة أراضيها، ولذلك فأن من الضروري التطرق إلى حقوق الأقليات المضمونة وفق هذه اللوائح وبين أحقية تقرير المصير المنوه عنها في المواثيق الدولية. أن دراسة هذا الأمرتأخذنا إلى الحدود التي يمكن أن تذهب إليها القوميات التي تسكن البلد الواحد في الانفراد بأمرها أو الانخراط في الشأن العام.
لقد حسم المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فينا في الفترة من ١٤-٢٥ حزيران(يونيو) ١٩٩٣في إعلانه الصادر مسألة حقوق الأقليات والتداخل بينها واحتمالات المساس بسيادة الدول في الفقرتين ٢ و١٩ من الإعلان، فقد ورد في نهاية الفقرة الثانية التي عالجت حق الشعوب في تقرير المصير أنه وفقا لإعلان مباديء القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول طبقا لميثاق الأمم المتحدة، يجب عدم تفسير هذا بأنه يرخص أو يشجع أي عمل من شأنه أن يمزق أو أن يمس، كليا أو جزئيا، السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية للدول ذات السيادة والمستقلة التي تتصرف على نحو يتمشى مع مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب، والتي بالتالي لديها حكومة تمثل جميع السكان دون تمييز من أي نوع. "٨"
وكما نلاحظ فأن الاتجاه الدولي العام هو الذي ينحى إلى رأب الصدع وليس تعميق الخلافات للمواطنين من أصول أثنية مختلفة فأن النزاعات الحاصلة في يوغسلافيا بعد تفتت وحدتها ماثلة للعيان، يقابل ذلك إصرار المجتمع الدولي على توحيد قبرص بالرغم من تأصل الخلافات بين شطري الجزيرة.
أن الخلط بين ممارسة الحقوق الطبيعية المقبولة للإنسان وبين التسلط الفوقي ومحاولة الإجهاز على حقوق الآخرين أمر شهدته الساحات الدولية فهناك معضلة تأخذ بالمشاعر الوطنية وتتمثل بالطموحات الجامحة لدى كثير من الناس والتي تدفع على نحو صارخ إلى اختراق المجال الخاص للآخرين والعدوان على حقوقهم وحرمانهم من فرص الترقي الاجتماعي والاقتصادي. "٩"
إن الحلول العرضية التي تستفيد من الأوضاع الاستثنائية والقهر الاجتماعي المتمثل في القبول بحلول استثنائية لا تعني بالضرورة استمرار الحل وديمومته، فالاضطرار إلى القبول أو الإذعان للحلول الاستثنائية تولد قطعا نزاعات أثنية وعرقية أو مذهبية وقد عاش العالم قدرا هائلا من هذه الصراعات التي ولدت حروبا أهلية ومنازعات دائمة كانت لها آثارها المادية والاقتصادية والاجتماعية كما كانت لها تداعيات نفسية ومعنوية أخلت بالإجماع على الحد الأدنى من القيم والمعايير والتي هي شرط لاستقرار كيان الدولة ونظامها السياسي في المستقبل. فحتى إذا حسم الصراع المسلح لصالح إحدى الجماعات الاثنية على غيرها، فان هذه الأخيرة قد "تذعن" ولكنها قد"لا تقبل" أو "ترضى"، وبالتالي تظل عملية بناء الدولة الحديثة معرضة لألغام غير موقوتة. "١٠"
نظرة إلى الحلول المطروحة:
تقدمت جهات عديدة مؤخرا بطروح بديلة لاستبدال الدستور العراقي بدستور جديد ودائم يعتمد الأساليب الديمقراطية وبطروح تنبذ التسلط الدكتاتوري ونظرية الحكم الشمولي التوتاليتاري وتنادي بعراق ديمقراطي تعددي برلماني وان تعددت الوجوه التي تناولت هذه الطروح الأخذ بها كحل شامل.
وإذا كان الحل الفدرالي قد قدم كمشروع بديل لنظام الحكم من قبل الحركات السياسية الكردية فقد استقطب هذا الطرح اهتماما تناولته أقلام الكثير من أبناء العراق من مناقش ومؤيد، وبالرغم من أن الإخوة الأكراد قد اعتادوا ذكر أن أغلبية الحركات السياسية العراقية قد تبنت هذا الحل فان الواقع يدل على أن هذا الطرح لم يناقش بالجدية الكافية من قبل العراقيين الذين لهم وحدهم الحق في اتخاذ القرار المناسب بشأنه.
ولا جدال أن مشاريع" دستور الجمهورية الفدرالية العراقية " و" مشروع دستور إقليم كوردستان الفدرالي" المقدم من قبل الأحزاب الكردية طروح فوقية لم تجر استشارة عموم جماهير المجتمع العراقي بشأنه، فالدستور المقترح للعراق ينص على إن العراق يتكون من إقليمين أحدهما الإقليم الكردي الذي خطت حدوده ومكوناته دون النظر في ما يفكر به أصحاب العلاقة الساكنين في هذه الرقع الجغرافية وفيها ما فيها من كركوك وأربيل وتلعفر وخانقين و مندلي وأخرى مثل دهوك وبعشيقة!
كما تناول الدستور المقترح في مادته الرابعة أن العراق يتكون من قوميتين رئيسيتين هما العربية والكردية، وإذا تطرق الدستور المقترح إلى القوميات الأخرى فإنها تتناول هذه القوميات باعتبارها مجموعات أثنية أو على الأكثر مجموعات قومية بما يفيد عدم تساويها مع"القوميتين الرئيسيتين" وهذا خلل واضح بجميع المقاييس، فلو كان المعيار المتخذ هو الخيار القومي فأن جميع القوميات صغرت أم كبرت تتمتع بنفس الحقوق الإنسانية والقومية وان منع بعضها من ممارسة هذه الحقوق هي بالتالي جريمة دولية تحرمها العهود الدولية، وإذا كان المعيار المتخذ هو التفوق العددي، فأن القوميتين المذكورتين ليستا رئيسيتين في العراق بواقع تفوق القومية العربية عدديا على الكردية مثلا. أضف إلى ذلك أن المعيار العددي لم يعد مقياسا حضاريا ولعل الكل يرون الآن كيف تعامل دول لا يتعدى نفوسها بضع مئات من الألوف في انتمائها إلى الاتحاد الأوربي على قدم المساواة مع دول ذات كثافة سكانية كبيرة مثل المملكة المتحدة أو ألمانيا أو ايطاليا.
ان أي مشروع لدستور مقبل يجب أن يقترن بموافقة الشعب العراقي برمته في استفتاء عام، ولكن يجب أن يسبق ذلك التئام مجلس تأسيسي يعتمد مشروع الدستور فأن الأولى طرح مسودات ومشاريع الدساتير على مثل هذه المجالس مستقبلا إذ إن المشروع أو المقترح قد يصيبه الكثير من التغيير والتنقيح لاستبعاد الأخطاء الرئيسية فيها قانونيا ومبدئيا بحيث تنال الرضى العراقي الكامل.
أما مشروع" دستور إقليم كوردستان الفدرالي" كما ناقشه واعتمده المجلس التمثيلي الكردي في أربيل فأنه أبعد ما يكون عن الحل الفدرالي لأسباب عديدة نتناول هنا بعضها.
إن الاتحاد الفدرالي كما أسلفنا يكون إما بين دولتين قائمتين أو عدة دول بحيث تعتمد السلطات التشريعية هذا الخيار بقبول تام أو صريح أو يكون بين أقاليم لاتمثل دولا قائمة وفي ضمن الوطن الواحد، وهو ما يفهم من الطرح الكردي وعلى ذلك فان القرار الخاص بذلك يجب أن يكون أيضا عراقيا وليس انتقائيا والا أصبح يمثل فرضا لأمر واقع! فإذا رأينا تناول المادة الأولى لهذا الدستور الإقليمي نراه يطالب بنظام جمهوري للإقليم وهو ما يتنافى مع قواعد الدولة الاتحادية التي لا تختار أقاليمها أنظمة سياسية وإنما تنضوي تحت نظام قائم.
وتعمد المادة الخامسة من الدستور إلى اختيار عاصمة للإقليم وهي مدينة كركوك في هذا المقترح دون أن يكلف المشروع نفسه لسؤال سكنة المدينة ومدى ما يرغبونه من الانضمام إلى هذا الإقليم أو للآخر وكأن منظري المشروع يودون الإيحاء بأنهم أعلم من سكنة الإقليم أو المدينة بتوجهاتهم ولا حاجة لأخذ رأيهم في الموضوع.
كما أن نظرة بسيطة إلى المادتين السادسة والسابعة تدل على أن المشروع لا يتناول دولة اتحادية فدرالية بل تعاهدا كونفدراليا، فالمشروع ينص على أن لإقليم كردستان علم خاص به وشعار ونشيد وينظم ذلك بقانون! بل يستطرد المشروع إلى أن يكون لهذا الإقليم قوات مسلحة دفاعية خاصة به وهو ما لا ينطبق على منظور الدول الاتحادية الفدرالية.
إن الباب الثالث من هذا المشروع يتناول سلطات إقليم كردستان المقترح، ويتناول الفصل الأول السلطة التشريعية بمسمى المجلس الوطني للإقليم حيث تنص المادة الرابعة والثلاثون على حق المصادقة على الاتفاقيات التي تعقد من قبل السلطة التنفيذية مع الأقاليم الأخرى للجمهورية الفدرالية العراقية" والجهات الأجنبية" و"أقاليم الدول الفدرالية" في المجالات الاقتصادية والتنموية والثقافية والتعليمية والإنسانية والشؤون الإدارية والأمنية الحدودية و "شؤون الجوار"!
تقول المادة الرابعة والأربعون من مشروع الدستور المذكور أن رئيس إقليم كردستان يمارس صلاحيات منها:
- إعلان حالة الطواريء بموجب قانون خاص، وهذا أمر سيادي يكون من ضمن اختصاصات الحكومة الفدرالية.
- تحريك القوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي للإقليم بالاتفاق مع مجلس وزراء الإقليم (وليس السلطة الفدرالية) هذا إذا سلمنا بإمكانية احتفاظ الإقليم بجيش خاص كما يرنو إليه المشروع.
إن جميع هذه المباديء التي جاء بها الدستور الإقليمي المقترح متنافية ومجافية للدولة الموحدة والدولة الفدرالية وهو اقرب ما يكون إلى حلول انتقائية اقرب إلى إعلان سيادة دولة وليس بالحل الفدرالي.
كما أن الفقرات الواردة في صلاحيات وسلطات المجالس المؤسسة بموجب هذا المشروع تتيح لها حق فرض"الضرائب" و"الرسوم" داخل الإقليم، ولعل ذلك يشير إلى امكان تغيير جميع المسلمات الدستورية اتحاديا وفق هذه النصوص الانتقائية. وكمثل بسيط فأن الحركات السياسية الكردية تقول بأن موارد البترول حتى ولو كانت ضمن حدود الإقليم الذي اختطوه تكون بمتناول السلطة الفدرالية المركزية، الا أن هذا التوجه يشير ببساطة إلى إمكانية فرض هذه المجالس"ضرائب ورسوم" على هذه المنتجات لإفراغ التعهد المذكور من محتواه وهو أمر لا يخفى على أي دارس للموضوع.
نظرة المواطنين التركمان إلى الحل العراقي:
يرى المواطنون التركمان الذين عاشوا مئات السنين مع القوميات الأخرى بصفاء ووئام أن العراق له خصوصياته الواضحة وان المواطنين التركمان لا يستطيعون إنكار تواصلهم مع الثقافة العربية في العراق والوطن العربي ويرون أن ذلك كان وسيلة اغناء فكري لثقافتهم وشخصيتهم القومية فقد تأثروا بالأدب العربي والثقافة العربية كما أثروا في الثقافة العربية بروافد غنية، وينطبق الأمر نفسه على الأكراد فقد تأثروا بالثقافة العربية وأثروا فيها وأصبح النسيج القومي الحضاري المتميز الذي احتضنه الوطن العراقي أمرا متميزا له خصوصيته وإرهاصاته.
لذلك يرى التركمان الحل في عراق حر ديمقراطي تعددي برلماني يجري فيه تداول السلطة بالأساليب الديمقراطية ويسود فيه القانون دون تمييز عرقي أو ديني أو طائفي.
فإذا توفر هذا الحل ورضيت به الجماهير العراقية عربية كانت أم من مختلف القوميات الأخرى فأن التركمان يساندونه بدون تحفظ ما دامت الخصوصيات القومية والثقافية مصانة ومهابة، أما إذا اجتمع الشعب العراقي على الحل الفدرالي على أساس قومي فأن التركمان شأنهم شأن العرب والأكراد والآشوريين قومية متميزة و"رئيسية" في العراق ولهم ما للقوميات الأخرى وعليهم ما على أبناء القوميات الأخرى من واجبات وأعباء.
أما إذا اجتمعت أساليب فرض الحلول على أبناء الشعب العراقي فأن من الواجب أن يعرف العراقيون شمالا وجنوبا إن التركمان حتى وان أذعنوا لفترة من الوقت تحت قهر دولي أو محلي فإنهم"لن يرضوا ولن يقبلوا" بذلك، وشتان ما بين الأمرين.
المصادر
"١"الدكتور نظام بركات، الدكتور عثمان الرواف، الدكتور محمد الحلوة، مباديء علم السياسة، ص ١٧٥، مكتبة العبيكان، الرياض ٢٠٠١
"٢"ألان تورين، ما هي الديمقراطية؟ حكم الأكثرية أم ضمانات الأقلية، ترجمة حسن قبيسي، ص ٤٠-٤٢، دار الساقي، بيروت ٢٠٠١
"٣" د. ن. بركات- د. الرواف- د. الحلوة، المصدر السابق، ص ١٦٤
"٤" المصدر السابق، ص ١٦٨
"٥" المصدر السابق، ص ١٧١ – اندريه هوريو، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الجزء الأول، ترجمة علي مقلد وشفيق حداد وعبد الحسن سعد، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت ١٩٧٧
"٦" المصدر السابق، ص ١٧٢
"٧" المصدر السابق، ص ١٧٤
"٨" باسيل يوسف باسل، سياسة الدول في ضوء الحماية الدولية لحقوق الإنسان، ص ١٤٢، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، ٢٠٠١
"٩" عبد الكريم بكار، الوطنية كائن هلامي، مجموعة كتاب، سلسلة كتاب المعرفة، الرياض، ٢٠٠١
"١٠" الدكتور سعد الدين إبراهيم، تأملات في مسألة الأقليات، ص ١٩٦، دار سعاد الصباح، القاهرة، ١٩٩٢