ثناء على "الضياء الشارق" وهجوم على جميل صدقي الزهاوي
سعود السرحان
هنا نص رسالة غير منشورة من قبل كان بعث بها العلامة العراقي محمود شكري الألوسي إلى العلامة السعودي الشيخ سليمان بن سحمان يقرظ فيها كتابه "الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق" الذي ردَّ فيه سليمان على الشاعر جميل صدقي الزهاوي بسبب هجومه على محمد بن عبد الوهاب.
ومحمود شكري الألوسي (١٢٧٤٣ - ١٣٤٢ هـ = ١٨٥٧-١٩٢٤م), يمتدح سليمان بن سحمان (١٢٦٨ - ١٣٤٩ هـ = ١٨٥٢ - ١٩٣٠م) احد مشايخ نجد المعروفين وفي هذه الرسالة أبيات مجهولة في هجاء الزهاوي. يذكر ان الرسالة مرسلة في حياة الزهاوي وقبل وفاته بإحدى عشرة سنة.
والزهاوي هو جميل صدقي بن محمد فيضي, وهو كردي الأصل, وكان والده مفتياً لبغداد, التي ولد فيها جميل سنة ١٢٧٩هـ ١٨٦٣م, وتوفي فيها سنة ١٣٥٤هـ ١٩٣٦م. وهو كان شاعراً مشهوراً, ونعت بأنه فيلسوف بسبب مواكبته افكار الدهريين وأنصار نظرية داروين, متأثراً بما كتب شبلي الشميل عن تلك النظرية. تقلد مناصب كثيرة منها: عضوية مجلس المعارف ببغداد, وعضوية محكمة الاستئناف, وأستاذ الفلسفة الإسلامية في المدرسة الملكية, وأستاذ الآداب العربية في دار الفنون في الآستانة, وأستاذ المجلة العثمانية في مدرسة الحقوق ببغداد, ونائب عن منطقة المنتفق في مجلس المبعوثان, وله مؤلفات كثيرة ودواوين شعر. وكان الزهاوي ألّف كتابه "الفجر الصادق في الرد على منكري التوسل والكرامات والخوارق", رداً على آراء محمد بن عبدالوهاب وتزلفاً إلى السلطان عبد الحميد ومصانعة للشيخ أبي الهدى الصيادي, وطبع كتابه هذا في مطبعة الواعظ بمصر سنة ١٣٢٣هـ. والكتاب هو الذي رد عليه سليمان بن سحمان في كتابه "الضياء الشارق", واعترف الزهاوي في مقدمة "رباعياته" أنه لم يؤلف هذا الكتاب عن عقيدة ولكن جلباً لمغنم ودفعاً لمغرم. (انظر: هلال ناجي: الزهاوي وديوانه المفقود (ص ٣٣, ٥٤- ٥٧), ومحمد بهجة الأثري: محمود شكري الألوسي (ص ١٩- ٠٢), وأعلام العراق (ص ١٠٠), وعبد الحميد الرشودي: الزهاوي دراسات ونصوص ص ١٥٧). وذكر الألوسي أن الزهاوي كتب مقالة يدعو فيها إلى أن تكون للمرأة عدة أزواج كما أن للرجل عدة زوجات, وهذا لم يقله الزهاوي, بل كان يدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة فقط, ومقالة الزهاوي منشورة في جريدة "المؤيد" عدد رقم ٦١٣٨, الصادر في ٧ آب ١٩١٠م, وأعاد نشرها هلال ناجي في كتابه, وصالح العلي الصالح في كتابه "جميل صدقي الزهاوي".
لم يكن الزهاوي شجاعاً أو صاحب ثبات على مبدأ, بل كان كثير الاضطراب والتنقل, وهذا ما أشار إليه الألوسي في رسالته, ومن أمثلة اضطرابه: أنه هجا السلطان عبد الحميد, ثم رجع وتزلف إليه بكتابه "الفجر الصادق"... ومدحه فيه بقصيدة, وأنه هاجم الملك عبد العزيز آل سعود, في كتابه "الفجر الصادق", ثم رجع ومدح الملك عبد العزيز بقصيدة يقول فيها:
وابنُ السعودِ له الإمامةُ إنه
السندُ الذي يقوى بهِ الإسلامُ
ملكُ العروبةِ عزُّها وصلاحُها
وعصامُها وشجاعُها الهمهامُ
نجدٌ لهُ ثم الحجازُ وإنما
يشدو العراقُ بحمدِهِ والشامُ
ومن وجوه اضطرابه مدحه الإنكليز وهجاؤه إياهم, بحسب الظروف السياسية, وذكر الألوسي بعض هذا. ولما ثار الناس عليه بسبب مقالته عن المرأة" زعم أن المقالة مدسوسة عليه, وحمل محرر "المؤيد" على القول: أنه قابل الإمضاء على ما عنده من تواقيع الزهاوي فرأى اختلافاً. (انظر هلال ناجي ص ٣٤).
ومن ذلك ايضاً اضطرابه بين الإيمان والإلحاد, فتارة يكتب كتباً وقصائد إلحادية, ذكر الألوسي بعضها, وتارة يكتب كتابات يزعم فيها الدفاع عن الإسلام, كما في كتابه "الفجر الصادق". بل من أغرب الأمور أنه بعد إشهاره إلحاده, وتصريحه بذلك, وجدته قد أجاز الشيخ محمد ياسين الفاداني برواية الحديث عنه, وذلك في تاريخ ٨/١٠/١٣٥٣هـ, أي قبل وفاته ببضعة أشهر!
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الفاضل الهمام, سليمان بن سحمان, وفَّقه الله تعالى لتأييد أهل الإسلام والإيمان, وحفظه من معرَّة الشيطان, آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته, أما بعد:
فإني أرجو من الله تعالى أنْ تكونوا بخير وعافية, ومسرة دائمة, وقبل أشهر أرسل لي بعض الأحبة في قطر جملةً من مآثركم وآثاركم" فقرَّت بها العين, وانشرح الصدر بمطالعتها, منها كتابكم "الضياء الشارق, في رد شبهات جميل الكردي الماذق" فرأيته كتاباً جمع فأوعى, واشتمل على بيان الحقائق الدينية, والمسائل اليقينية, وفقكم الله لأمثال هذه الخدمات المرضية, غير أني كنتُ أودُّ أنْ تسألوني قبل شروعكم في الرد على هذا الملعون" لأبين لكم حقيقته, وحقيقة كتابه.
فإنَّ هذا الرجل هو ممن ينكر إله العالم, وينكر النبوات والمعاد, وليس له من الإسلام أدنى نصيب, وليس هو ممن يقول بالتوسل بالله, ولا بمخلوق من مخلوقاته, ويهزأ على شرائع المسلمين, وكتابه الذي ادَّعاه ليس له منه سوى الشتم على إمام المسلمين وقومه, وإلا فإني قد رأيتُ هذا الكتابَ عنده قبل عدة سنين, وكان مؤرخاً بتاريخ يزيد على مائة سنة, وأراد بيعه, ثم أخَّره.
وقد ألَّفَ سابقاً كتاباً برهن فيه, بزعمه, على نفي الإله, وإنكار وجوده, وألَّف رسالة أخرى اعترض فيها على الدين الإسلامي من جهة إباحة تعدد الزوجات دون تعدد أزواجهن, وقال: ينبغي أنْ يكون للمرأة عدةُ أزواج, كما يباح للرجل أنْ تكون عنده عدة زوجات, وطبع هذه الرسالة في الجرائد المصرية, وشاع ذلك عند العوام والخواص حتى اتفق أنَّ بعض العوام صادفه في الطريق فمسكوه, وقالوا له: جئناك لنشاركك في زوجتك, ولنا رغبة فيما جوَّزته وأبحته. وبعد اللتيَّا والتي انفلت من أيديهم, وكان منصوباً في بعض المناصب" فطردته الحكومة من منصبه.
ومن الدليل على كفره, قوله من قصيدة طويلة:
إنَّ في واسع الفضاءِ نجوماً
لاقترابٍ تحركتْ وابتعادِ
نشرتَها يدُ الطبيعةِ جلَّتْ
عن شبيهٍ في هذه الأبعادِ
من شموسٍ تبدو وتخفى وتبدو
في طوالِ الدهورِ والآبادِ
أنا أقضي أنَّ الطبيعةَ كلٌّ
وأراها له من الأفرادِ
أنا لولا خوفي من الناسِ أنْ يعــ
ـزوا كلامي للكفرِ والإلحادِ
قلتُ: سبحان هذه الزهر من
آلهة للكون وحدها والفسادِ
بارئاتٍ يفعلنَ غير مريدا
تٍ, ومفعولهنَّ غيرُ مرادِ
إلى آخر ما هذى به في الأبيات.
ومن العجب أنَّه ذكر في آخر كتابه, ونقلتموه عنه في ص ٦٨٨ من "الضياء الشارق", كلاماً يُظنُّ أنه صدر من ذي دين وإيمان ويقين, يعترض به عليكم أنكم تميلون إلى الإنكليز, ويعترض عليكم أيضاً في كراهتكم الأتراك, مع أنَّ هذا اللعين نظمَ قصيدةً حين احتلالهم في بغداد, وطبعها مراراً في الجرائد البغدادية, وهي على ما نُقلتْ في "جريدة العرب" في عدد ٢٥ سنة ١٣٣٥:
وجدتُ الإنكليزَ أولي احتشامٍ
أباةَ الضيمِ, حُفَّاظَ الذِمامِ
فصادقهم تجدْ أخلاقَ صدقٍ
لهم, والصدقُ من شيمِ الكرامِ
ومنها:
أحبُّ الإنكليزَ وأصطفيهم
لمرضى الإخاءِ من الأنام
ومنها:
تبصَّرْ أيها العربي واتركْ
ولاءَ التركِ من قومٍ لئامِ
ووالِ الإنكليزَ رجال عدلٍ
وصدقٍ في الفعالِ وفي الكلامِ
إلى آخر ما قال, وختم أبياته بقوله:
بحبلهمُ اعتصمْ" فتعيشَ حرَّاً
تسيرُ على البسيطةِ في سلامِ
فمن يكون هذا كلامه" هل في قلبه ذرة إيمان؟ أو له نسبةٌ إلى دينٍ من الأديان؟
وما كان ينبغي لكم أن تقولوا: "قال العراقي", فإنَّ العراق على ما هو عليه: بريءٌ من مثل هذا الملعون, ولشعراء البلد هجاءٌ كثيرٌ فيه, من ذلك قول بعض شعراء الأكراد:
قبيل الموتِ قال أبو جميلٍ,
لزوجتهِ: اصبري صبراً جميلا
فلم تصبر عن الفحشاءِ يوماً,
وقد جعلتْ سبيليها سبيلا
(...)
إلى غير ذلك من الشعر المشتملِ على هجوه, ودناءةِ أصله, ومروقه من الدين, إنْ سنحتْ لنا فرصةٌ نستوعب ذكره لكم.
ولبعض أصحابنا رغبةٌ في آثاركم الجليلة, كالضياء الشارق وغيره, فإذا أمكن التفضلُ بإرسالِ شيءٍ منها يكون لكم من الشاكرين, ولا تقطعوا عنا أخباركم المسرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
١٢ ذي القعدة سنة ١٣٤١
محمود شكري الألوسي.
نقل من قلم الألوسي حرفاً بحرف, من غيــر زيــادة ولا نقصان, وذلك في ٢٦ محرم سنة ١٣٤٢