ثمة مفارقة عجيبة في مايدعوه غلاة القوميين من العرب والكرد بان هم يشكلون القوميتان "المتآخيتان" الكبيرتان مع عطفهم الجميل على وجود قوميات "متآخية" أخرى. و بغض النظر عن الفرق الكبير بالنسبة السكانية بين القوميتين (دون طرق تجارة الأرقام والإحصائيات الكاذبة على طريقة الشيخ حارث الضاري)فأن أحوال الكعكة العراقية تكون (قسمة الله والرسول) بينهم دون الآخرين. ونجد اليوم (مام جلال) من جهة ومشعان الجبوري من جهة أخرى يقسمون الطوائف على هواهم،مستغلين وهن العراق ووضعه المأساوي،ومتناسين الخطر الملم بالجميع ويسوقون حلولا قومية وطائفية.
وعرف عن القومجية أنهم كانوا دائما (لادين ولاملة) مثل عفلق وصدام وطلفاح ونجدهم اليوم يسوقون الطائفية بعد أن أفلست تجارتهم القومية ولاسيما العروبية بعد الخزي الذي لحق بها بعد تجربة البعث القومجي المريرة.وستنجح خطتهم اللهم إلا إذا أرادوا أن يقسموا (درابين) العراق الى كانتونات عنصرية وطائفية، ويقطعوا أوصال البلد الى أشتات، فلهم بها، وما يشجعهم على ذلك أن العراق اليوم مهيض الجناح. وعلى إيقاع الطبل الإستحواذي خفت أرجل البعض وأنبروا يغنون على لياليهم وبدأوا يحضرون لإنفصال البصرة وإنشاء إمارة خليجية أو حتى الجنوب كله وتكوين دولة (الشرقاوه) ثم دولة الغربية (دولة السنه) وإعادة نصف الموصل الى تركيا والنصف الآخر يلحق بكردستان القومية، وغيرها من مسوغات قصر النظر، مع إحترامي لحقوقهم المشروعة التي غبنت وسحقت خلال زمان البعث،أو خوفهم "كما يدعوا" من قادم الأيام ونحن في أول المشوار(أسم الله بالطبق).
لقد كان الرعيل الأول من القومجية اكثر حيلة من الرعيل الجديد فنجد أن ساطع الحصري المنزوي الإبليسي والملا مصطفى المشهور الرحماني، لم يتركوا الكثير من الفضائح الأخلاقية المتعلقة بالنزاهة والإستحواذ، بالرغم من تبنيهم للصراع القومي كواجهة يخفون ورائها مآرب طائفية. فالحصري كان طائفيا ضد الشيعة حد النخاع وأعتبرهم (فرس). والبرزاني كان (ملا) يحكم بالدين والإقطاع مثل جل القيادات الكردية. ولفت نظري تلك العبارة الجميلة (ملا)التي وطأت حتى الإرهابي (ملا كريكوار)، ولا أعلم الصلة في التسمية بينهم وبين (ملا عمر) الأفغاني الأعور الذي أراد تسقيط الجميع (سلفيا) من تماثيل بوذا حتى قوات الأمريكان. ومن أطرف ما شاهدته على إحدى الفضائيان أن أحدهم أطلق على نفسه أسم (ملا..) ايضا وصفته سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني،بما يناقض طبيعته الشيوعية العلمانية إذا لم نغالي ونقول ملحدة لدى بعضهم، ناهيك عن طروحاته القومجية البحتة بما يناقض كونه شيوعيا أمميا، و الانكى من كل ذلك أنه حزب مستقل عن جسد الحزب الشيوعي العراقي بما يرسم ملامح هزلية من تقسيم التركة بين الأبناء قبل أن يموت الأب ويقبر.
لقد كانت رائحة الطائفية قد أزكمت النفوس أيام المد العروبي بعد وصول البعث ١٩٦٣ ثم القوميين العرب مما جعل (عدو السلام) كما كان يسميه المرحوم الجواهري أن يصرح علانية أنه سوف يجعل من الشيعة أقلية في دولة الوحدة العربية حينما يمتزج "الفرع بالأصل" وتسلّم لحية العراق وخيره ونفطه الى عبدالناصر والسورييين. واليوم نجد أن الطلباني يعزف على نفس الوتر حينما يوحد (كردستان الجنوبية) الفرع مع جورجيا والأناظول الأصل ليجعل هذه المرة من التركمان والكلدوآشوريين واليزيدية والشبك والعرب لديه أقليات يتحكم بنفطها (نقصد نفط كركوك) العراقي، ويهبهم فتات من الحرية والخبز،ويروضهم مع الوقت "ليتكردوا" كما فعلها في كردستان اليوم حينما نجد أن يافطات الدوائر والمحال تكتب بالكردية والانكليزية فقط دون لغات قومية جارة أخرى (اقلية أو أكثرية).أو مثلا تبديل تسمية (أربيل) ذات الثلاثة آلاف عام الى (هه ولير) بعد ١٢ عام من الإنفراد القومجي.
ولا يخفي على أحد أن مصيبة (القومجية) في العراق أنهم لم ينظروا الى تلك التجمعات الفسيفسائية بحسن نية، وفكروا برد حق ضايع لهم، بقدر القفز عليها الى ما وراء الحدود " هكذا يقال على الأقل" كما تفعل النعامة. وبحسب ساذج التجربة الملموسة فأنهم دأبوا دائما في البحث عن مآرب للثراء والإستحواذ، لمسناها في بضاعة (أحلام الأمة) التي جسدوها في مقاطعات وضيع معزولة وقصور فارهة، وأرصدة مصرفية، لايعلم إلا الله قدر مخزونها، سحتا حراما أخذوها من أفواه جياع الشعب.
وهكذا تطبق بحذاقة تجارة البيع (بالقطاعي) أو (المفرّق) حيث هم يستلمون الحقوق القومية والمالية كاملة ويوزعونها بحسب معرفتهم (لنكه أو ملابس مستعملة (Second Hand على هؤلاء عاثري الحظ(أولاد الخدامه الخايبه). لقد سبقهم الى ذلك ومارس بقباحة مكشوفة البعث القومي مع الشيعة في الجنوب حينما كانت نفط الرميلة وحقول مجنون تنز عسلا وحليبا على عفلق وطلفاح وصدام وحسين كامل وجماعة كوبونات النفط وكلوي بالوقت الذي كان به (الشروقيون) يتضورون جوعا ويأنون مرضا ومن بقى منهم حيا بقى ينتظر ظهور المهدي(ع) أو على الأقل يغني على ليلاه نفس أغنية نخل السماوة الأزلية (سعف وكرب ضليت مابيه ثمره).
و وجدنا على عين غرة الطلباني اليوم وهو يعرض خرائطه، وقد ظهر يحاكي جغرافيي الدنيا مثل سترابون وهيرودوس و الأدريسي وهو يعرض ويناقش أمام مجلس الحكم خارطة أستقها من بطون الكتب الصفراء، يأكد بها مفهومه بان ثمة قوميات باب أول(first hand) والأخرى باب ثاني(second hand)، وإذ نعلم جميعا أن العثمانيين لم يرسموا خططا،و كانوا منشغلين بـ(البخشيش) و(الحريم) ولم يتوفر لهم الوقت الكافي لرسم خرائط. وإذا وجدنا خرائط باقية منهم فأنك تشم في ثناياها رائحة البخشيش،ولم نجد، فقد وطأوا القوم الحد الأدنى من أنحطاط الأمم ونخر إداراتهم الفساد والرشاوى حد النخاع، فخلطوا بين الاسود والابيض والحلال والحرام لمن يدفع أكثر،ونشهد في ذلك على حادثة كتابة تقرير عن عائدية (منارة الكفل) بعد أن رشاهم اليهود.
وإذ أرجو السيد طالباني أن يراجع كتب الروسي (باسيل نيكيتف) المتخصص بالأكراد في بدايات القرن العشرين بعد أن رصد أنهم شعب مهاجر ولهم وجود في آسيا الوسطى و روسيا والقوقاز وارمينيا بعيدا عما يتقوله غلاة القوميون الكرد اليوم، وأمتد إهتمامه لكرد العراق، ورسم خارطة مدنها واكد أن جل سكان كركوك تركمان وأن الكرد موجودون بعيدا عنها بتجمعات من الرعاة المتنقلين صيفا نحو الجبل وفي الشتاء نحو الوادي وهم يحاكون أي شعب مثل العرب المشتتون الراحلون الموجودون اليوم في الزنجبار أو تشاد مثلا.وإذ أرفق خارطة أخذتها من كتاب الرحالة السويدي(سفين هدين Sven Hedin) من كتابه (بغداد، بابل ونينوى) الصادر عام ١٩١٧ بعد رحلته عام ١٩١٦ الى الشرق،واستعمل تلك الخارطة التي كانت الأحسن في زمانه، ولم أجد بها أي تفاصيل لحدود إمارة أو دولة وجد الطالباني لها خارطة اليوم.والأهم أنه ذكر أسم العراق فيها (ميزوبوتاميا) بالوقت الذي يشيع البعض أن العراق جديد و نشأ بعد إنتخابات انضمام الموصل طوعا عام ١٩٢٥.
إن كان ثمةخلاف بيننا على تلك الخرائط، فأقترح أن نكوّن لجان تاريخية ومراكز بحوث تأخذ الأمر على عاتقها كتابة التاريخ الحقيقي للمنطقة والعراق، وان تنشر الكتب والبحوث، على أن لا أستعملها "انا على الأقل" في نظريات (الحق التاريخي) الذي فشل برأيي فشلا ذريعا ولاسيما في اسرائيل التي ارادت حقا تاريخيا في فلسطين. ونقول في ذلك الصدد معلومة أن الأشوريين أصحاب الأرض الأوائل ليسوا بالعدد الكافي الذي يمكن أن يكونوا دولة كارتونية مثل اسرائيل. وإذ أرجوه أن يجد لي صفة عندما أعين غدا بمحض إرادتي في كركوك لخدمتها، فهل يطلق علي (مرتزق) او (تعريبي) أو (بعثي)..الخ.وأسأله هل أحتاج لتأشيرة لدخول كركوك، ولي عم يسكن هناك منذ ١٩٤٢ فهل يمكنه الحصول على إقامة دائمة أو ربما بـ "مكرمة" من لدنكم يحصل على جنسية.
ثمة مفارقة عجيبة في فكر القومجية وهو عدم إعترافهم بوجود قوميات أخرى لايذكر اسمها تحاشيا لإثارة لغط بعددها مفرقة أو مجتمعة (first& second hand) مثل الأرمن والشبك واليزيدية والأهم فيهم جميعا الفرس الذي بأعتقادي انهم مارسوا التقية لمدة أمتدت منذ إصدار قانون الجنسية العراقية عام ١٩٢٥، واصبح من سجاياهم الحضرية المهادنة، وهم الأكثر عراقية اليوم من غيرهم ولاسيما القومجية العرب والكرد، ونشهد على موقف السيد السيستاني النبيل. ولمست من خلال التجربة بأنهم يصرحون ضمنا عن فارسيتهم بالرغم من عدم معرفة جل الأجيال الصاعدة باللغة الفارسية،إلا الذين سفروا وتسنى لهم ذلك. ولو فتحنا باب التصريح عن (القومية الفارسية) للعراقيين في الإنتخابات القادمة، فأننا سنجد منهم عددهم غفيرا يمكن أن يفوق عدد الكرد مجتمعين، وهذا حتما مايخشاه غلاة القومجية،ويتهموا أعضاء مجلس الحكم بأنهم (فرس). ولا ننسى في تلك العجالة "القومية" بان الارمن كانوا ومازالوا في العراق منذ قبل التاريخ، وسكنوا كل العراق حتى مدن الجنوب والبصرة حتى قبل حوادث عام ١٩١٥ حينما شردهم العثمانيون،ولم نجد اليوم من يذكرهم حتى في خاطرة "قومجية" بما يؤكد أنهم مصنفون من قوميات (سكند هاند).
وثمة مئة ألف عراقي يعيشون في السويد اليوم جلهم حصلوا على جنسية البلد بعد خمسة سنوات،(الحمد لله أنهم لم يلجأوا الى كردستان) ونسال عن متى يعامل العرب والتركمان في "كردستان" بمثل تلك الروحية الحضارية. و نذكر بهذه الشجون أمرا عجبا حينما عملت السويد دراسات حول عملية الإندماج(Integration) لتجمعات الأجانب في النظم والمجتمع السويدي،فوجدوا أن أكثر الأجانب إنطواءا وصعوبة في الإندماج في المجتمع السويدي هم العراقيين، ولديهم صعوبات في فهم اللغة والعقلية السويدية حتى لدى الجيل المولد المتمرد ضمنا على سويديته، فما بالك بالجيل الأول. والأنكى من ذلك أن أكثر العراقيين ممن يصعب ترويضهم وأقلمتهم مع المجتمع السويدي الذي يطأ حالهم المحال هم العراقيون من أصل إيراني أو المسفرين الذين لجاءوا للسويد. ومما يلفت النظر في هذه المفارقة بان نفس الدراسة أكدت بان أكثر التجمعات الأجنبية قابلة للإنخراط والإندماج والتأقلم مع السويديين هم الإيرانيين القادمين من فارس.مما يؤكد أن العراقيين الفرس هم عراقيين اكثر من العراقيين الآخرين (ملكيين أكثر من الملك).
وهكذا فأن الطروحات (القومجية) لغلاة العرب والكرد (طرزاني) ومشعان الجبوري،وغيرهم تنحدر دون منطق الأطفال، و سوف تصلنا حتما الى ترهات الحلول وسقيم المنظور،ووخيم الايام للعراق الفسيفسائي الجميل.