يا أخيار العرب..الفلوجة تناديكم لنصرتها فلا تتأخروا
عندما جاء صوت الصديقين القديمين، طه الجميلي وياسين الدليمي، عبر الهاتف من مدينة العز، وبور سعيد العراق، الفلوجة الباسلة، وهما من وجوهها وابرز مناضليها ضد عهود الدكتاتورية والتسلط منذ الستينيات، سعدت كثيرا وانا أسمع منهما حكايات البطولة، وصفحات المجد التي سطرها الفلوجيون وما يزالون ضد الغزاة الامريكان، رغم ما تعرضوا له من دمار أهوج ضرب أحياءهم وبيوتهم ومساجدهم ومدارسهم ومستشفياتهم وشوارعهم، وما قدموه من تضحيات الشهداء الذين فاق عددهم على الـ٧۰۰ كلهم أبناء حمولة وأصل وشهامة، حتى ان عائلة واحدة (آل عوض) قدمت وحدها(٤٣) شهيدا بالتمام، وأروع ما في كوكبة الشهداء الابرار، أنهم يجسدون الوحدة الوطنية بأزهى صورها، ففيهم الاسلامي والقومي والمستقل والمواطن العادي والعسكري السابق وشيخ العشيرة والفلاح والعامل والكاسب والحرفي والتاجر والشباب والشيوخ والنساء والفتيان والصبايا والاطفال.
وعندما أبلغاني بانهما جزء من هيئة شعبية شكلت من آهالي المنطقة الغربية (الانبار وما جاورها) لاعادة اعمار الفلوجة ذاتيا وتعزيز صمودها، ويريدان التوجه الى عدد من الدول العربية المجاورة، وخاصة الخليجية، ليتوليا شراء أدوية ومعدات طبية ومستلزمات ووسائل ايضاح مدرسية ومواد بناء، لترميم المستشفيات والمدارس والمساجد وبيوت المواطنيين ومرافق الخدمات، مباشرة من المناشيء ، ادراكا منهما بان زمان التبرعات الاغاثية والمساعدات الخيرية والمعونات الاخوية، من الدول والحكومات والهيئات والشخصيات العربية قد مضى وانقضى، وصار كل شيء بالفلوس وبالعملات الصعبة مع الاسف، وطلبا مني تأمين تأشيرات زيارة الى السعودية والكويت والامارات وقطر، اعتقادا منهما بانني أقدر على ذلك، اعتذرت لهما، ليس تقاعسا ولا تهربا، وانما لاني لا أعرف مسؤولا في الرياض والكويت والدوحة وأبو ظبي، له صوت مسموع وكلمة نافذة، يمكنه اعطاء تعليمات الى سفارة او قنصلية بلاده في العاصمة الاردنية التي ينويان الانطلاق منها، وقلت لهما هذه (شغلة) لا أدبرها حقيقة، اعتمدا على جهدكما، والله يعينكما على اتمام مهمتكما النبيلة، ونصحتهما ان يشتغلا على الامارات وقطر، ويشطبا السعودية والكويت من حساباتهما، لان الجهات الرسمية في البلدين الاخيرين، تتطير من الفلوجة واخواتها، ووقفت بالضد من انتفاضتها، وسبق للرياض ان ردت على اعقابه وفداً من السنة العرب، توجه اليها نهاية العام الماضي طالباً مساعدات انسانية وطبية، ومنعت اعضاءه حتى من اداء العمرة، خشية ان يلتف السعوديون حولهم، ويبترعون لهم، اما الكويت فأن وزارة اعلامها استقدمت نفراً من الكتبة الليكوديين والطائفيين والشعوبيين الى منتدى اعلامي مفتعل نظمته مطلع الشهر الماضي، وعقدت لهم ندوات ومقابلات تلفزيونية شتموا فيها اهل الفلوجة، وجرحوا بالسنة العرب في العراق، ووجههوا اليهم اتهامات باطلة، في الوقت الذي كان العالم أجمع يهتز ويتعاطف مع صمود الفلوجة ويتابع المقاومة فيها، ولم يسلم منهم السيد مقتدى الصدر، الذي سبوه وطعنوا باتباعه ومؤيديه، وهم الذين ارتزقوا وتعيشوا سنوات طويلة على شهداء اسرته الصدرية، وتراثها النضالي.
وحمداً لله.. فأن الفلوجة بخير، وهي تلملم جراحها بهمة اهلها ومساعدة عرب العراق النشامى، الذين هبوا لتقديم العون لها حسب طاقاتهم وامكانياتهم، وهي سالمة وغانمة، تعيش الفخر بأبهى اشكاله، ووثبتها البطولية في مقاومة المحتلين دخلت التأريخ من اوسع ابوابه، وسجلت بصمودها وتضحياتها صفحات مضيئة في الصبر والجلد والمطاولة على دحر الغزاة، وصحيح ان المدينة عانت من الحصار والدمار الامريكيين على مدى شهر كامل، الا ان شعبها المقدام، مصمم على الثبات والتمسك بالقيم والمباديء، والاستمرار على مواجهة المحتلين وطردهم، فما يجري الان في سيدة المدن من مشاهد وحالات الاخوة والتضامن والتعاضد يفرح القلوب ويبعث الامل والتفاؤل في النفوس، فقد شمر أهل الفلوجة عن سواعدهم والبنادق على اكتافهم، وشكلوا لجاناً وهيئات عدة، كل واحدة منها مكرسة لمهمة محددة، لجنة لترميم المدارس واخرى للمستشفيات، وهنا لابد من التنوية بالمساعدات التي قدمها المستشفى الاردني، وثالثة للمساجد والجوامع وجهود هيئة علماء المسلمين مشكورة في هذا المجال، وقصص وحكايات الايثار والعطاء تسر من يسمع بها، وتصوروا ان مواطنين تهدمت بيوتهم من هجمات وصواريخ الامريكان، رفعوا انقاضها من الطابوق وحملوه الى المدارس والمستوصفات لاعادة بنائها، رغم أن بيوتهم احوج ما تكون لهذه المواد، وتحول مدرسون ومعلمون واطباء ومهندسون الى عمال بناء يشتغلون بالسمنت والجص لاصلاح ابنيتهم المتهدمة، اما الفلوجيات فكن نعم الاصالة واثبتن انهن اخوات الخنساء، وفيهن سيدة دليمية، في حي الجولان، ذهبت الى المسجد وهو مستهدف من الامريكان، لتصلي الى الله شكراً وحمداً، بعد ان ابلغت باستشهاد احد ابنائها واثنين من احفادها من بنت لها.
وشباب الفلوجة تكاتفوا لبناء ملعب رياضي جديد، بعد ان ضمت تربة الملعب القديم، جثامين المئات من الشهداء الابرار، كل ذلك يجري بحيوية وحماس دون ان يكلف اعضاء مجلس الحكم بما فيهم اعضاء (الخانة السنية) ووزراءهم انفسهم في تقديم مساهمة بسيطة، ولو لمجرد رفع العتب فقط، وتصوروا ان وزيري الاسكان والاعمار والشباب، وهما شيعيان محسوبان على مجلس عبد العزيز طباطبائي، رفضا الاستماع الى نصائح من المقربين منهما، طلبوا منهما المبادرة ولو بالاعلانات والتصريحات عن وضع امكانيات الوزارتين في خدمة اعمار الفلوجة، على اساس ان الوزارة الاولى هي المسؤولة كما يفترض عن اعمار بيوت المواطنيين المخربة، والوزارة الثانية مسؤولة عن تخصيص مساحة من الارض وتخطيطها واعدادها كملعب رياضي بديلا من الملعب السابق الذي صار مقبرة للشهداء، اما وزيرة الاشغال الكردية الانيقة، فهي لا تعرف من هي الفلوجة وأين تقع وماذا جرى لها؟ لانها مشغولة بهوى (البيش ميركه) الاسمر والاحمر والاصفر، وتصوروا ايضا حجم الاحقاد على هذه المدينة العربية المجيدة، عندما زعق الحاخامات والجواسيس وأدلاء الامريكان، ولطموا وجوههم وضربوا رؤوسهم، جزعا من تعيين ضابط من أبناء المدينة آمرا لقوة الحماية فيها هو اللواء محمد جاسم صالح المحمدي، وراحوا يلفقون عنه أخبارا ومعلومات كاذبة ومغرضة، واتهموه باشنع الصفات والممارسات، رغم ان الرجل معروف بأخلاقه الحميدة وخصاله الجليلة، وسجله العسكري ناصع يشهد له، وكل ما قيل فيه مجرد افتراءات، لانه عربي أصيل وصاحب نخوة، تطوع لخدمة أهله وشعبه ومدينته، وقبل به الفلوجيون وهم أدرى بمصلحتهم، من الطائفيين والشعوبيين والانفصاليين الذين حرقت قلوبهم الغليظة انتفاضة الفلوجة، وسودت وجوههم رغم انها سوداء أصلا، وقفة العراقيين الميامين والعرب الشرفاء في كل مكان، مع أهل الفلوجة ووثبتهم الوطنية والقومية.
واذا كان الانسان العراقي يتفهم قسوة قوات الاحتلال وضراوتها في مواجهة الحركات الوطنية والانتفاضات الشعبية، واستخدام الغزاة المفرط للقوة ضد ثوار الفلوجة، الا ان مواقف السفلة من قناصة (البيش ميركة) كانت عارا على القيادات والاحزاب الكردية التي سوف لن تفلت من لعنة التاريخ والكرد المخلصين، وسيأتيها يوم لن تنفع فيه حماية الطائرات الامريكية لها، ولا جنود المارينز ولا الدولارات، فالجيش العراقي والحمد لله جاهز وحاضر رغم قرار رامسفيلد وولفوتز وبرايمر بحله، فالجنود والمراتب والافراد والضباط يحتفظون بعناية فائقة ببدلات القتال الزيتونية والكاكية اللون، وهي معلقة على المشاجب في البيوت، والاسلحة متوفرة، والعقول صاحية، والقناعات الوطنية راسخة لحسم معركة العراق المصيرية ونيل استقلاله وتعزيز سيادته وحماية وحدة شعبه وأراضيه، ولو كان لقادة الاحزاب والجماعات الكردية ذاكرة بسيطة، لاستعادوا ذكريات الماضي القريب، وكيف لعبت وتلاعبت بهم أمريكا واسرائيل وايران الشاه والاتحاد السوفييتي السابق، وكيف استخدمتهم للتآمر على العراق؟ وبعد ان استنفذت ورقتهم رمتهم في زوايا الاهمال.
وعموما .. فان الفلوجة اليوم هي كما كانت دائما، عزيزة على أهلها، عصية على أعدائها، ولن تقدر أعتى القوى والقوات على زحزحة أهلها عن مواضعهم وخنادقهم، فالمعركة التي خاضوها ضد المحتلين، أكسبتهم عزيمة مضافة وزخما مضافا، وهم الان يبنون ما دمره الامريكان بيد، واليد الاخرى على الزناد، وصحيح ان الخراب الذي ضرب المدينة كان شاملا وهائلا، لم يترك حيا او بيتا او مدرسة او مسجدا او مستشفى او دائرة او مبنى او طريقا الا وهاجمه الجبناء بقذائفهم وصواريخهم ونيران طائراتهم، غير ان ثقة الفلوجيين بأنفسهم وقدراتهم عالية، وهم ايضا على قناعة كاملة بان أشقاءهم العرب يحسون بما حصل للفلوجة التي رفعت هاماتهم، ونكست رؤوس الاعداء والعملاء، فالمدد المدد يا أخيار العرب لفلوجتكم، عززوا نصرها واقتدارها، فهو نصر ومنعة لكم في كل مكان، ودم العربي والمسلم لن يصبح ماء أي والله و(قوم اللي تعاونوا.. ما ذلوا) انشاء الله ، فلا تتأخروا ..