صرح رئيس حكومة (المنطقة الخضراء) ببغداد الدكتور اياد علاوي خلال زيارته الاخيرة للعاصمة البريطانية بعد اختتام جولته الامريكية، ان ثلاث دول عربية هي الاردن والامارات ومصر، تبرعت بتقديم ١٥٠ مدرعة و١٨٠ دبابة و٥٠ دبابة علي التوالي، شاكراً هذه الدول الشقيقة علي تبرعها الاخوي لدعم امكانيات حكومته العسكرية، دون ان يوضح، علي أي الفيالق والفرق والالوية والافواج والسرايا التي ستوزع عليها هذه الدبابات، وهو يعرف أكثر من غيره انها ستسرق وتهرب الي الشمال او ايران عاجلا أم آجلا، ما دام سيادة الرئيس مسعود ومام جلال، يحكمان وأيديهما بـ(الدهن).
وتصوروا بلداً مثل العراق، كان له جيش وطني، قوي ومتين، محترف ورصين، عرف بأصالة رجاله وبسالة قادته، في تعزيز سيادة العراق والدفاع عن حدوده، وخاض حروبا عادلة من أجل الوطن والامة، وقدم ملايين الشهداء علي طريق العطاء والبذل والتضحيات، يصل به الامر الي استجداء مدرعات ودبابات من دول عربية هي اصلا بحاجة الي أسلحة ومعدات عسكرية، في الوقت الذي تجثم الاف الدبابات والمدرعات وعربات النقل والمدافع والصواريخ التي نهبها مسعود بارزاني من معسكرات الفيلق الخامس في (فايدة) بالموصل، في وديان دهوك وبامرني وشقلاوة وميركه سور وبارزان، أخفاها هناك بعد ان باع جزءاً منها كخردة وادوات احتياطية الي الايرانيين، ومثله فعل جلال طالباني الذي استولت ميليشياته علي معسكرات الفيلق الاول في كركوك واستحوذت علي مستودعاته واسلحته، ونقلها الي جمجمال وامام قاسم وقلعة دزة ودربنديخان وكلار، وتقديرات الخبراء العسكريين تؤكد ان بحوزة الاثنين الان اكثر من ٨٦٠ دبابة (تي ٥٤ و٥٥) سوفيتية الصنع كانت سليمة لغاية العاشر من نيسان (ابريل) ٢٠٠٣ عندما سقطت كركوك والموصل، اضافة الي اكثر من ثلاثة الاف مدفع من مختلف الأنواع والعيارات والمديات، وثلاثين الف رشاش كلاشنكوف وعشرين منظومة صواريخ واكثر من خمسة وعشرين الف سيارة جيب ولاندكروز وعربة نقل وقيادة ومنظومات كاملة للرادار والرصد.
ولو فكر السيد علاوي قليلاً وتمعن في عدد هذه الاسلحة والمعدات، وتساءل مع نفسه للحظات باعتباره رئيس حكومة ولو مؤقتة، لماذا يخزن بارزاني وطالباني هذه الكميات الهائلة من الدبابات والمدافع والصواريخ، لأدرك دون عناء بان ثمة حربا علي الابواب، بدايتها في كركوك التي يهدد بارزاني باشعالها اذا اعيدت الهوية العراقية للمدينة، فيما يؤكد طالباني بانها قدس الاكراد، رغم انها لم تكن في يوم من الايام مدينة كردية او جزءا من مقاطعة الجلاليين في قلاجوان أو مشيخة المسعوديين في بارزان.
ان وجود هذه الترسانة من الاسلحة وبغير انتظام لدي الحزبين الكرديين له آثار خطيرة علي مستقبل الشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه وأقلياته المتآخية، سواء اذا استمر الطرفان يطالبان بالفيدرالية الانفصالية، او عادا مجدداً الي الاقتتال بينهما، في وقت باتت الهدنة الثنائية المتفق عليها تكتيكيا، بين بارزاني وطالباني مهددة بالانهيار في يوم قادم لا ريب فيه، في اعقاب حدوث عمليات متبادلة جرت بين ميليشيات الجانبين تم التكتم والتعتيم عليها، وآخرها تلك التي اسفرت عن قتل مرافق محافظ كركوك وهو من الجلاليين، حيث ثبت لدي اجهزة الطالباني ان المرافق استدرج من بيته في حي (رحيم آوه) الي منزل صديق له من حزب بارزاني في الحي نفسه وصفي هناك بعد استجوابه وتعذيبه جسديا، وهذا الحي للعلم مغلق امام العرب والتركمان والمسيحيين منذ اكثر من عام ونصف، كما ان التحقيقات التي قام بها أتباع مسعود بشأن مقتل رئيس حراس هوشيار زيباري في الطريق من أربيل الي كركوك في الشهر الماضي، توصلت الي مسؤولية مجموعة طالبانية تصدت له وصرعته. كما ان بارزاني ما زال يرفض باصرار فكرة طالباني تحويل قضاء خانقين التابع لمحافظة ديالي الي محافظة كردية ترتبط بالسليمانية، وينقل عن أوساط مسعود انه ابلغ فريدون عبد القادر، احد مساعدي جلال، انه يوافق علي تحويل خانقين الي محافظة كردية في حالة واحدة هي: ان يتقاسم الحزبان المناصب القيادية فيها بالتساوي، ويكون محافظها كرديا مستقلا عن الحزبين يعين بقرار يوقعه مسعود وجلال سوية، حتي لا تتكرر تجربة كركوك التي استحوذ علي مناصب المحافظ ومدراء الشرطة والامن والدوائر الحكومية الحساسة أنصار الطالباني، وهو ما رفضه الجلاليون الذين يقولون ان حزب مسعود لا وجود له في خانقين حتي علي مستوي الافراد.
وعموماً. . فان علاوي المنشغل في السفرات والزيارات لتغيير الجو والاسترخاء يتحمل مسؤولية تأريخية لها نتائج خطيرة علي حاضر ومستقبل العراق، اذا استمر في تخاذله أمام بارزاني وطالباني اللذين يقودان حكومتين محليتين منفصلتين عن الحكومة المؤقتة من جهة، ويهيمنان علي حكومة المنطقة الخضراء ببغداد التي يرأسها من جهة أخري، في مفارقة تثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام. فالحكايات الموثقة بالوقائع والاحداث تؤكد ان وزير الخارجية المؤقت هوشيار زيباري وهو خال مسعود، حول الوزارة الي ضيعة بارزانية واستـــــورد اليها مئة وعشرين شخصاً من اعضاء وانصار حزبه، وزعهم علي مكاتب واقسام وشعب الوزارة، واغلبهم من مقاتلي الـ(بيش ميركه) الذين استقدموا من الجبال والمغارات وكثير منهم ما يزال يعتقد رغم مرور شهور علي عمله ان مبني الوزارة هو مقر لحزب بارزاني وليس دائرة حكومية عراقية، والحكايات الطريفة والمحزنة في آن، عما يحدث في وزارة الخارجية كثيرة لا يسع المجال هنا لذكرها وسردها، لانها تحتاج الي صفحات وصفحات، اما زميلة هوشيار ورفيقته في الحزب والمسيرة، الوزيرة العروس، فشغلها وشاغلها هما تحويل موازنة وزارتها الي مشيخة صلاح الدين فقط، فلم تقم وزارتها بتبليط طريق واحد او تشييد مدرسة واحدة او بناء مستوصف واحد او ترميم جسر واحد خارج محافظتي اربيل ودهوك، واغرب ما قامت به الوزيرة المسنودة من (فوك وجوة) انها خصصت ٦٠٠ مليون دولار، من اصل ميزانية مقترحة لوزارتها قدرها مليار ومئة مليون دولار، لمحافظات اربيل ودهوك والسليمانية، وتركت مبلغ ٥٠٠ مليون دولار المتبقية لـ(١٥) محافظة عربية، وحمداً لله فان المبلغ المقترح لميزانية وزارتها العتيدة، لم يحول لحد الان بعد ان انكشف المستور.
وفيما يتعلق بوزارة الدفاع الذي يديرها فعلياً ضابط برتبة (ملازم اول) في الاصل، من جماعة مسعود تمت ترقيته الي رتبة لواء، ويشغل حالياً منصبي رئيس اركان الجيش ومفتش عام الوزارة، فانها اليوم اشبه بثكنة بارزانية، وآخر المعلومات عنها تفيد ان هذا الضابط المتخرج من دورتين عسكريتين في اسرائيل، رفض اقتراحاً تقدم به رئيس الحكومة المؤقتة ووزير دفاعه المغوار، بتعيين الفريق محمد عبد الرحمن معاون رئيس الاركان الاسبق ومحافظ الموصل السابق، رئيساً لاركان الجيش بدلاً من رئيس الاركان المعزول اللواء طارق الهاشمي، وحجة المفتش العام ان الفريق عبد الرحمن (شيشاني) الاصل، هكذا دفعة واحدة، رغم ان الرجل من اسرة موصلية عريقة ومعروفة، وهو عسكري محترف، امضي أعوام خدمته الأربعين في الجيش العراقي بعيداً عن السياسة والاحزاب.
ورفض الضابط الكردي ايضاً تعيين اللواء نبيل خليل سعيد رئيسا لاركان الجيش وهو ضابط متخصص في التخطيط العسكري، وحجة (الكاكة الملازم الاول) ان هذا اللواء كان من كبار ضباط الجيش العراقي وله اهتمامات قومية، ووالده الفريق خليل سعيد من أصدقاء المرحوم عبد الكريم قاسم وقائد الفرقة الثالثة في عهده وعلي اثر هذه الممانعة، عين هذا الضابط الكفوء والنزيه مستشارا ونسب للعمل كمدير ادارة (لا يحل ولا يربط).
وعلي ذكر المستشارين في وزارة الدفاع فان آخر مبادرات وزيرها (الجنرال هوا) كما يطلق عليه في بغداد، انه اصدر قرارا بتعيين ثلاثة مستشارين عسكريين له، ومنح كل واحد منهم رتبة عقيد فخرية، أولهم لشؤون الجنوب، وثانيهم لشؤون العشائر، وثالثهم لشؤون الاعلام، والمفارقة ان المستشارين الثلاثة من المدنيين ومن المتخلفين عن اداء الخدمة العسكرية، او الهاربين من الجيش، وثلاثتهم كانوا لاجئين في السويد ولندن، واحدهم عمل مرافقاً عسكرياً لرئيس الحركة الملكية علي حسين (الشريف) سابقاً، الذي نزعت صفته تلك في اول قرار يتخذه برلمان الملا معصوم المؤقت.
اياد علاوي ووزراؤه يتفرجون علي طوفان الدم العراقي الذي يسفك في سامراء والفلوجة والرمادي وديالي والموصل والبصرة والحلة وتلعفر وكركوك والنجف والناصرية والعمارة والكوت، ويشمتون بالشهداء واعداد الضحايا الذين يسقطون دفاعاً عن الكرامة والشرف، ويظهرون علي شاشات التلفزة يطلقون تصريحات عنترية بالانجازات والنجاحات التي يحققها الغزاة في ابادة العراقيين الشرفاء، ويتباهون بها علي طريقة (القرعة تفاخر بشعر بنت خالتها) يا بؤسهم وسود وجوههم، وكلمة اخيرة نسوقها لـلشيخ (الفاهي) الذي لا يخجل عندما يتحدث لقناة (العربية) ويقول: انه نصح أهل الفلوجة بالتعقل لتفادي الهجمة الامريكية، لانه كان يعرف ـ هكذا يقول بالفم المليان ـ انها ستكون أقوي من السابق، (نكس عقالك. . أحسنلك)!