يهدد مسعود بارزاني باشعال حرب ضد كل من لا يعترف بكردية كركوك في مزايدة عنصرية واضحة كما يبدو، علي غريمه اللدود جلال طالباني الذي يهيمن حزبه الاتحاد الوطني الكردي علي المدينة منذ احتلال العراق قبل عام ونصف، ويحتل اتباعه المواقع القيادية فيها، ولم يترك لحزب مسعود غير فتات الموائد.
وعندما نقول مزايدة، فاننا نقصد ذلك تماماً، لان من يعود الي تصريحات بارزاني في الثامن عشر من نيسان (ابريل) ٢٠٠٣ الي صحيفة الحياة اللندنية تعقيباً علي احتلال الجلاليين لكركوك، وقال فيها بالنص موضوع كركوك كنا قد اتفقنا قبل الحرب علي تركه لحساسيته، اما الان وبعد الذي جري فيها من الجانب الآخر ـ يقصد طالباني ـ فان كركوك ضاعت من الكرد يتضح ان تهديداته الحربية هي اشبه ما تكون بالنكتة، يحارب من؟ الامريكان وهو اداة بيدهم، أم يحارب طالباني وسيخسر امامه بالتأكيد، وحادثة اربيل في نهاية اب (اغسطس) ١٩٩٦ ما تزال طرية في الذاكرة وعالقة في الاذهان عندما استنجد بصدام حسين لطرد الجلاليين من المدينة وتسليمها اليه هدية (مقشرة) كما يقال.
اما اذا كان يقصد بمحاربة عرب كركوك وتركمانها، وهما الاكثرية الساحقة من سكانها منذ عرفت كمدينة تأريخياً واجتماعياً، فانه يقع في خطأ تصوراته، لأن المليون العربي والتركماني والمسيحي فيها سيقاتلونه ويطاردونه من قرية الي قرية ولن تحميه قصور صدام في (سره رش) التي يتحصن فيها، لان قبائل وعشائر البرادوست والزيباريين والهركية والسورجية والشروانيين والجاف والنقشبندية والبرزنجية الكردية التي اغتال هو وابوه واخوانه خيرة رجالها وشيوخها، ستلاحقه لتثأر منه ومن عشيرته، ولن ينفعه تابعه (بابكر) الذي نصبه الامريكان رئيساً لاركان الجيش علي طريقة (من قلة الخيل. . الخ) ولا مراسله السابق (بروسكه) الذي يحتل منصب مفتش وزارة الدفاع حالياً، لان الاثنين لن يقدرا علي اللحاق به والوصول اليه لاسباب يعرفها جيداً.
ووفق ما يروجه الجلاليون والعهدة عليهم، فان حملة مسعود الكركوكية جاءت بعد ان عرف ان محضر اجتماع بينه وبين صدام حسين عقد في بغداد، منتصف تموز (يوليو) ٢٠٠٢ وفي القصر الجمهوري تحديدا، سربته وكالة المخابرات الامريكية (سي آي ايه) التي استولت علي ملفات ووثائق ديوان الرئاسة الي طالباني، وهذا المحضر المؤلف من خمس صفحات فولسكاب مكتوب بخط يد أحد مساعدي الفريق عبد حمود محمود سكرتير صدام الخاص واسمه العقيد عجمي الناصري، يعتقد انه من أقارب صدام فيه، حديث طويل بين الاثنين بمشاركة نائب رئيس الوزراء السابق طارق عزيز الذي حضر الاجتماع كما هو واضح من مداخلاته وتعليقاته، وفي بدايته يسأل الرئيس السابق ضيفه الكردي، كيف أحوالكم يا أخ مسعود، انا ممنون من تصريحاتكم الاخيرة التي تقولون فيها انكم لن تشتركوا في أي عمل خارجي ضد الحكومة المركزية، فيرد عليه مسعود: نحن بخير والحمد لله ما دام سيادتكم موجود الله يخليك ويحفظك، وفي المحضر الذي يحتفظ كوسرت رسول المسؤول الامني للاتحاد الوطني الكردي بنسخة منه واطلع عليه بعض زواره في السليمانية مؤخرا، كلام بين صدام وبارزاني عن جلال طالباني، وفيه يقول مسعود ان الحرس الثوري الايراني موجود في السليمانية بكثافة والمنظمات والحسينيات الايرانية باتت اكثر من اللازم فيها، وهذا يؤكد بان التحالف بين جلال والايرانيين اصبح خطيراً ياسيدي ولا بد من عملية تأديبية يا سيادة الرئيس.
يجيب صدام لا تهتم اخ مسعود، المهم ان جلال يعرف حدوده ويعرف انه اذا تجاوز تلك الحدود فلن يبقي ليلة واحدة في السليمانية، نحن نراقب الموقف عنده جيدا وهو يعرف ذلك تماما، هالمرة اذا سوه مشكلة، والله أخليه مثل (. . .) وفي الصفحات الخمس من محضر الاجتماع، يتطرق الاثنان الي اوضاع الشمال ونشاط الاجهزة الامريكية في المنطقة وتقييم مسعود لها، ووفق مصادر الاتحاد الوطني فان جلال ابدي استعداده لدفع نصف مليون دولار، وهو المعروف بحرصه وليس بخله علي الدولارات، لموظف سابق في القصر الجمهوري كان مسؤولاً عن ارشيف ديوان الرئاسة، يعتقد ان بحوزته شريط فيديو للاجتماع المذكور، اذا سلمه الي طالباني، الذي نسب اليه، انه سيقوم باستنساخ ملايين الاشرطة والسيديات لفلم اجتماع صدام ومسعود اذا حصل عليه ليوزعه في جميع انحاء العراق مجاناً.
لهذا السبب وغيره من الاسباب التي لها صلة بعلاقات مسعود وقيادات حزبه مع النظام السابق، يحاول بارزاني المبالغة في تهديداته (الفاشوشية) بشن حربه العنترية وهو الذي يعيش تحت وطأة تلك العلاقات السياسية والاستخبارية والتجارية والنفطية وضغوطها النفسية والسياسية، خصوصاً وقد تم العثور علي ملف كامل في الشركة العراقية لتسويق النفط (سومو) ضم وثائق حكومية تكشف ان ستة من اقارب مسعود وفي مقدمتهم ابن اخيه، تسلموا ملايين الاطنان من النفط بسعر التراب (٨ دولارات) للبرميل الواحد منذ نهاية عام ١٩٩٦ لغاية مطلع اذار (مارس) ٢٠٠٣، صدروها الي تركيا.
اما اللقاءات والاجتماعات الدورية التي كانت تعقد بين ممثلي مسعود ومندوبي حكومة صدام في فايدة وغابات الموصل ومخمور التي تم التحفظ عليها وتمكن احمد الجلبي وجلال طالباني من الحصول علي قسم كبير منها، فحدث ولا حرج، وكلها تؤكد ان صلات بارزاني مع النظام السابق لم تنقطع منذ عام ١٩٩١ حتي قبل سقوط النظام باسبوعين فقط، ولعل ابرز ما تم ضبطه، تقرير سياسي يتألف من ٢٤ صفحة فولسكاب كتب باللغة العربية، يستعرض فيه ما حدث في الغرف المغلقة والجلسات الخاصة اثناء انعقاد مؤتمر المعارضة في (ادجور رود) بلندن في نهاية ٢٠٠٢، حتي ان الجلبي عندما وصلته نسخة من هذا التقرير من (أصدقائه) الامريكان حمله وذهب الي جلال وقال له أمام جمع من حراسهما ومرافقيهما (معقولة. . صدام فايت بينا طول وعرض!) فرد عليه الطالباني وهو يضحك: معقولة ونص. . بابا هذا صدام بلوة. . من كنت أقول تره صاحبنا ـ يقصد مسعود ـ هو وصدام متقاربان محد كان يصدقني، والمثير في تلك العلاقة الثنائية الوثيقة ان أحد كوادر حزب بارزاني عمل لسنوات عدة مساعدا لهوشيار زيباري خال مسعود، في مكتب العلاقات الخارجية، ظل يتسلم راتبا شهريا من السفارة العراقية في النمسا، كما كشفت الوثائق الرسمية التي ضبطت عقب الاحتلال، لغاية آذار (مارس) ٢٠٠٣ شهر الاحتلال كما هو معروف، وزيادة في المعلومات فان هذا الـكردي، مرشح لوزارة في حكومة أربيل الكارتونية، اما ملف الصحافي الذي ألف كتبا عن (بطولات) مسعود وابيه، ويشغل حاليا مسؤولية ادارة التحرير في صحيفة الحزب ببغداد، وتقاريره الي (حفظه الله ورعاه) عن نشاطات المعارضة والمعارضين في الخارج، وتحويلات القصر اليه عبر حسابه في أحد بنوك بروكسل، فتحتاج الي مجلد.
والحكايات كثيرة، وهذا لا يعني ان طالباني لم تكن له علاقات مع النظام السابق أو مراسلات ووسطاء ولكنها اخف كما يقال من بارزاني، وابرزها ان صدام استجاب لمناشدة من جلال في منتصف عام ١٩٩٧ لكي يأمر سيادته قوات الجيش العراقي المرابطة في الروابي المشرفة علي نهر الزاب الاسفل في غربي محافظة السليمانية، بعدم اطلاق النار علي عمال كرد كانوا يشتغلون في بئر نفط سبق لشركة نفط الشمال العراقية ان حفرته في عام ١٩٨٩ وغطت فوهته، والسماح لادارته باستخراج نفطه للاستهلاك المحلي كما يقول طالباني في رسالته الي الرئيس السابق، ويأمر صدام وزارة النفط بتجهيز جماعة جلال بما يحتاجون اليه من معدات ومكائن وابراج ومضخات لمستلزمات الانتاج، وتقديرات الوزارة تشير الي ان معدلات انتاج هذه البئر هي بحدود (٣٠) الف برميل يومياً. . والحساب عندكم!
مسعود يهدد بالحرب دفاعاً عن كردية كركوك المزيفة، ام بحثاً عن حصة يريدها لنفسه واسرته من نفط كركوك الذي هو ملك لكل عراقي من زاخو الي الفاو، وحق سيعود الي اصحابه الشرعيين عندما يضطر الامريكان الي الرحيل والانسحـــاب من العـــراق غداً او بعد غد، وعندها ليجرب بارزاني حظه في الحرب التي يتوعد العرب والتركمان بها.
ويا ضباط وجنود ومراتب جيش العراق الباسل، استعدوا لمنازلات الشرف، ستعودون عاجلاً أم آجلاً الي مرابضكم وقواعدكم ومعسكراتكم (غصبناً) علي الامريكان وعملائهم.