!محنة انتخابات تعيشها الاحزاب العراقية الطائفية الآن
تعيش الاحزاب الدينية ذات المناهج والتوجهات الطائفية في العراق الآن، وفي مقدمتها المجلس الاعلي وحزب الدعوة الشيعيان، والحزب الاسلامي السني الذي هو امتداد لجماعة الاخوان المسلمين، في محنة حقيقية، نتيجة بروز معطيات وتداعيات سياسية تتصل بقضية الانتخابات التي حددت سلطات الاحتلال موعدها في مطلع العام المقبل، اضافة الي سلسلة من مشكلات تنظيمية وفكرية وعلاقاتية تعاني منها بسبب تعاونها مع قوات الاحتلال الامريكي، طفحت علي سطح الاحداث مؤخرا، وأنتجت آثارا سلبية انعكست علي مجمل مساراتها وأنشطتها وتحركاتها في الساحة العراقية.
فالمجلس الاعلي برئاسة عبدالعزيز طباطبائي الحكيم، وحزب الدعوة باجنحته الثلاثة (جماعة ابراهيم جعفري ومجموعة البصرة التي كان يرأسها المرحوم عبدالزهرة (عزالدين سليم) عضو مجلس الحكم الانتقالي الملغي وحركة الدعوة بقيادة عبدالكريم عنيزاوي، في حيرة من أمرها بشأن الانتخابات المقبلة بعد دعوة المرجع الشيعي السيد علي السيستاني بضرورة التقدم بلائحة موحدة لمرشحي الشيعة تحظي برعايته في خطوة غير مسبوقة في تاريخ وتراث المرجعيات النجفية التي ظلت تنأي بمكانتها ومنزلتها عن الخوض في قضايا سياسية حساسة، في حين اقترحت سلطات الاحتلال في العراق قائمة انتخابية اخري اطلقت عليها تسمية قائمة (٦+١) تضم ستة احزب هي: المجلس الاعلي وحزب الدعوة والحزبان الكرديان برئاسة مسعود بارزاني وجلال طالباني وحركة الوفاق الوطني التي يرأسها رئيس الحكومة المؤقتة اياد علاوي والحزب الشيوعي بقيادة حميد مجيد موسي، والشيخ غازي الياور الرئيس المؤقت الذي لا يملك حزباً او تجمعاً واشير اليه بالرقم واحد.
والمشكلة التي يواجهها المجلس والدعوة انهما اذا ارتبطا بالقائمة الامريكية فإنهما مع ضمان فوز مرشحيهما في الانتخابات المقبلة علي اعتبار ان هذه القائمة ستفوز في شبه تزكية بسبب دعم قوات الاحتلال وحرصها علي انجاح المتعاونين معها، سيعدان في نظر الجمهور الشيعي علي الاقل، خارجين علي قرار المرجعية، ومثل هذا الامر له نتائج وخيمة علي مستقبل الحزبين اللذين يعلنان بمناسبة وغير مناسبة انهما يأتمران بما تقرره المرجعية وما تراه.
اما اذا انخرطا في لائحة السيستاني، فان الحزبين قد يحصلان علي مقاعد في البرلمان المقبل ضمن مرشحي المرجعية الذين سيفوزون بلا شك في بعض المناطق والمحافظات الشيعية التي فيها مقلدون للمرجع، ولكنهما سيخسران في هذه الحالة الدعم الامريكي لهما، وهذا يعني ان ممثليهما سيتم استبعادهم تلقائياً من الوزارات والدوائر التي نصبهم الامريكان فيها، كما سيحرم الحزبان من الامتيازات والتسهيلات التي منحت لهما في الفترة السابقة، خاصة وان سلطات الاحتلال لمحت بمعارضتها لقوائم ذات طابع طائفي، وتفضيلها للوائح انتخابية سياسية وحزبية كما اشارت الي ذلك صحيفة (فايننشال تايمز) البريطانية، يوم الجمعة الماضي نقلاً عن دبلوماسيين امريكيين معنيين بالشأن العراقي.
واستناداً الي ما يتم تداوله في الاوساط الحزبيه الشيعية، فان السفير الامريكي في بغداد جون نكروبنتي ابلغ الحكيم خلال اجتماع عقد بينهما قبل اسبوعين وتم الاعلان عنه في وسائل الاعلام المحلية، ان واشنطن لا تعارض علي الاطلاق رغبة السيد السيستاني في رعاية قائمة شيعية موحدة تخوض انتخابات العام المقبل، رغم انها كانت تأمل في ان تكون عراقية ولا تقتصر علي الشيعة فقط، ولكنها سترفض قطعاً اي محاولة ازدواجية يسعي اليها بعض التنظيمات الشيعية في خوض الانتخابات المقبلة، وهذا الكلام الذي اوقع الحكيم في حرج كما يبدو من تصريحاته المقتضبة عقب اللقاء، يعني اما ان تكون ضمن قائمة (ستة زائد واحد) الامريكية، او مع لائحة اية الله السيستاني، ويقال بهذا الصدد ان ضغوطاً امريكية وشيعية عراقية تمارس علي المرجع الشيعي لتعديل مبادرته بتشكيل لائحة شيعية صرفة، يخوض اعضاؤها الانتخابات برعاية المرجعية، الي لجنة او هيئة مهمتها تقديم المساعدة والدعم للمرشحين الشيعة الي الانتخابات عموما، غير ان هذا التحول اذا حصل فان هناك خشية من تأويلات قد تفسر بانه تعاون بين المرجعية وقوات الاحتلال، وهذه مسألة تضر بسمعة المرجعية وثوابتها الراسخة في عدم التعامل مع جهات اجنبية سواء كانت امريكية او غيرها، وهو ما درج عليه المراجع الكبار، منذ نشأة المرجعية الي يومنا الراهن، وضمن هذا السياق كان اعتذار السيد السيستاني من استقبال الحاكم الامريكي السابق بول برايمر الذي رغب في الاجتماع به نهاية العام الماضي، للبحث في موضوعات سياسية عندما رد عليه: انت مسؤول امريكي وانا رجل دين ماذا يجمع بينك وبيني، وهذا الرد البليغ في معناه والعميق في مغزاه، شوهته المصادر الامريكية في حينه، في محاولة للاساءة الي المرجع الكبير، عندما ذكرت بان السيد السيستاني قال لبرايمر: انت امريكي وانا ايراني لماذا لا ندع العراقيين يبحثون شؤون بلدهم!
هذا علي صعيد التنظيمات الشيعية المنشغلة الان في ايجاد مخرج لازمتها الراهنة، اما الحزب الاسلامي السني، فهو الآخر في مأزق اشد واقسي من مأزق الجماعات الشيعية، لانه معزول تماماً في المحافظات السنية ومنبوذ من الجمهور السني لاسباب تاريخية وسياسية، فجماعة الاخوان المسلمين التي غير اسمها الي الحزب الاسلامي عقب الاحتلال، لم تكن في يوم من الايام حزباً شعبياً، رغم انها من اقدم الجماعات السياسية في العراق، حيث اقتصرت علي فئات محددة من اثمة وخطباء الجوامع وبعض المعلمين الدينيين، كما ان ارتباطات قياداتها بالاجهزة الحكومية المتعاقبة منذ نهاية الاربعينات ابعدها عن الحركة الوطنية العراقية، حيث كان زعيمها الاسبق المرحوم محمود الصواف يقدم برنامجاً دينياً اسبوعياً في اذاعة بغداد مقابل اجور، قبل ان يغادر الي السعودية ليعمل مبعوثاً لها في افريقياً، وكذلك رئيسها السابق عبدالكريم زيدان الذي صار وزيراً في حكومة عبدالرزاق النايف عقب انقلاب ١٧ تموز (يوليو) ١۹٦٨. وهناك اعتقاد واسع في الاوساط السياسية العراقية ان تغيير اسمها من جماعة الاخوان المسلمين الي الحزب الاسلامي العراقي عقب الاحتلال جاء استجابة لرغبة مسؤولين امريكان، يدركون حساسية تعاون بلادهم مع تنظيمات هذه الجماعة الموضوعة في خانة خصوم امريكا منذ سنوات.
ومما زاد في عزلة الحزب الاسلامي في الوسط السني تعاونه مع الاحتلال وانخراط رئيسه محسن عبدالحميد في عضوية مجلس برايمر الانتقالي المنحل، ومشاركة الحزب في الحكومة السابقة والحكومة المؤقتة الحالية. وارتكب عبدالحميد مخالفة دينية وخطأ سياسياً عندما نسب نفسه الي السنة العرب ضمن الخانة الخماسية السنية في مجلس الحكم الملغي الي جانب عدنان الباجه جي ونصير الجادرجي وغازي الياور وسمير الصميدعي، مع انه كردي من جمجمال وله علاقات وثيقة مع حزب بارزاني، وصلت الي درجة تطوعه بالترجمة من الكردية الي العربية في مؤتمر صحافي عقده مسعود في نهاية فترته الرئاسية الشهرية من العام الماضي، عندما اصر بارزاني علي الحديث بالكردية انسجاماً مع توجهاته المعادية للعرب ولغتهم، وكانت مفارقة اذهلت الكثيرين من المراقبين السياسيين وهم يشاهدون عضو مجلس يتكلم الكردية ويتولي عضو مجلس آخر زميل له محسوب علي السنة العرب ترجمة حديثه الي العربية.
ويعتقد ان استبعاد الحزب الاسلامي من قائمة (٦+١) الامريكية، جاء نتيجة ادراك المسؤولين الامريكان انه لا يحظي بقبول وتأييد الاوساط السنية العربية التي لنخبها السياسية والاجتماعية والثقافية والعشائرية، موقف واضح بالضد من الاحتلال، اضافة الي ان معظم مندوبي الحزب في المناطق والمحافظات السنية العربية استقالوا منه احتجاجاً علي تعاونه مع المحتلين واستنكاراً لمواقفه الباهتة من الهجمات الامريكية الوحشية علي مناطق السنة وخصوصاً في الفلوجة والرمادي وهيت والموصل وديالي وتكريت وسامراء وكركوك، فيما تم اقفال مكاتب الحزب في الزبير وابو الخصيب والفاو وصفوان في البصرة وسوق الشيوخ في الناصرية والاعظمية والكرخ وابو غريب وسلمان باك ببغداد لعدم اقبال الناس عليها، وفشل الحزب من ايجاد مندوبين له في كثير من المناطق مثل المحمودية واليوسفية واللطيفية والحصوة جنوبي العاصمة.
واخر المعلومات عن الحزب الاسلامي تفيد بان بارزاني اقترح علي صديقه الحميم وصهره الجديد غازي الياور ان يضم محسن عبدالحميد رئيس الحزب واربعة من قياداته يعتقد ان حاجم الحسني وزير الصناعة الحالي سيكون احدهم ضمن لائحة الرئيس المؤقت، التي يؤكد المقربون منه في بغداد ان الامريكان وعدوه بمنح كتلته التي سيتقدم بها الي الانتخابات ضمن قائمة (٦+١) نصف المقاعد النيابية المخصصة للسنة العرب في البرلمان المقبل، اي بحدود ۳٥ مقعداً، علماً بان سلطات الاحتلال اقرت منذ الان عدد اعضاء البرلمان العتيد بـ(٢٧٥) عضواً، سيتم اختيارهم وفق معايير ومحاصصات طائفية وعرقية علي الشكل التالي: ١٢٠ عضواً للشيعة، و٧٠ عضواً للسنة العرب، و٥٥ عضواً للأكراد، و١٥ عضواً للتركمان، و١٠ للمسيحيين (كلدواشوريين) وخمسة لليزيديين والصابئة، و(قيم الركاع بديرة دبش) كما يقول المثل الشعبي العراقي الساخر، وقيم بتشديد الياء بمعني ربح، والركاع مفردة دارجة تعني الإسكافي، ودبش هي مدينة كان اهلها وسكانها القدامي يستحرمون ارتداء الاحذية في ارجلهم اعتقاداً منهم بان تربة مدينتهم تضم رفات وقبور أولياء صالحين!