مجلة
تركمان
العراق

مقالات

-----------------

اعتزاز دائم بالانتماء إلى هوية العراق الوطنية التركمان

نصرت مردان

فتح المسلمون العراق في سنة ۱۲ هجرية بعد واقعة (نهاوند)،واستوطن التركمان العراق في شخص أربعة آلاف مقاتل في ٥٤ هجرية كما سيأتي ذكره. وإذا كان أول دخول لهم لا يتجاوز أربعة آلاف مقاتل،فقد تتابعت بعد ذلك هجراتهم إلى العراق في فترات تاريخية متعاقبة. لقد استوطن التركمان شمال العراق ووسطه وجنوبه واختلطوا مع العرب نسبا وصهرا بحيث أصبح كما يقول المؤرخ شاكر صابر الضابط " في كل دار من دور العرب على اتساع بلادهم عربي يمت إلى الترك بخؤولة،وفي كل دهر من دور الترك،تركي يمت إلى العرب بعمومة. ."

التركمان والاستعمار البريطاني

حاول الاستعمار البريطاني بعد احتلاله العراق تشجيع التركمان الذين كان يراهم مبررا لمطالبة تركيا بشمال العراق (ولاية الموصل) أثناء إعلان وقف إطلاق النار بعد انتهاء،وقد جرت بين تركيا وبريطانيا التي كانت تحتل العراق آنذاك، مفاوضات طويلة انتهت بالتوقيع على معاهدة لوزان في ۲٤ تموز ۱٩۲۳ اعتبر بموجبها شمال العراق أرضا عراقية. وقد تركت بريطانيا الباب أمام التركمان مفتوحا في اختيار الدولة التي يودون أن يصبحوا من مواطنيها حسب المواد ۳۰،۳۱،۳۲،۳۳،۳٥ من المعاهدة المذكورة. وكان المستعمر البريطاني يخطط ويراهن على أن التركمان سيختارون الدخول في التبعية التركية. من خلال أحكام المواد التالية

: المادة ۳۰ ـ إن تبعية الترك الساكنين هذه البلاد التي انفصلت عن تركية سيكونون بمقتضى أحكام هذه المادة من تبعة الدولة التي انتقلت إليها تلك البلاد.

المادة ۳۱ ـ كل من تجاوز الثامنة عشرة من العمر،من الذين فقدوا الجنسية التركية،واكتسبوا تبعية جديدة بمقتضى المادة الثلاثين،فأنه يكون له الخيار في اختيار التبعية التركية خلال سنتين اعتبارا من وضع هذه المعاهدة موضع التنفيذ.

المادة ۳٥ ـ إن الدول المتعاقدة تتعهد بأنها لا تمنع بوجه من الوجوه استعمال حق الخيار الذي يمنح أصحابه إحراز أية تبعية أخرى ممكنة لهم،والذي جاء بيانه في هذه المعاهدة أو معاهدات الصلح مع ألمانيا والبلغار أو المجر أو في المعاهدات المعقودة بين الدول المتعاقدة المذكورة من غير تركيا أو بين أوربا وبين روسيا. وفي ۱۲ حزيران ۱٩۲٦ أبرمت اتفاقية بين الحكومة التركية والحكومة العراقية وقد نصت مادتها الرابعة على ما يلي :

((إن جنسية سكان الأراضي المتروكة للعراق بموجب أحكام المادة الأولى تعين بموجب المواد ۳۰ و۳٦ من معاهدة لوزان،يوافق المتعاقدون السامون على استمرار حق الخيار الوارد في المواد ۳۱،۳۲ و۳۳ من المعاهدة المذكورة مدة أثنى عشر شهرا من دخول هذه المعاهدة حيز التنفيذ،على أن تحتفظ تركيا بحرية العمل في الاعتراف باختيار من يختار الجنسية التركية من الأهالي المشار إليهم أعلاه))

كما يبدو من نص هذه المادة أعطيت حرية كاملة لمن يرغب من التركمان،ترك العراق و اختيار الانتماء إلى تركيا أو أي دولة أخرى. لكن التركمان خيبوا فأل البريطانيين وكل من كان يحاول الرهان على عراقيتهم في بقائهم أمناء على الانتماء للوطن،معتزين بهويتهم العراقية.

ناضل التركمان كغيرهم من أبناء الشعب العراق ضد الاستعمار البريطاني وشاركوا في كل انتفاضاته. فقد ساهمت جموع التركمان إخوانهم في جنوب العراق في ثورة ۱٩۲۰. فبرزت العديد من الشخصيات في كركوك لمقاومة الاستعمار البريطاني والتي شدت من أزر إخوانهم العرب. ولا يسع المجال لذكر جميع الشخصيات التركمانية البارزة التي كان لها شرف المساهمة في أول ثورة ضد الوجود البريطاني من أهم تلك الشخصيات : ملا رضا الواعظ،عزت باشا صاري كهيه،صديق بك آرسلان،عمر آغا ترجيللي،عاكف الهرمزي،قاسم بك نفطجي،فهمي عرب آغا،أسعد كتانه،أحمد مدني قدسي أحمد ناظم آل شهيد ومئات غيرهم. وكان السيد محمد أمين صديق القابل هو همزة الوصل حيث كان ينقل رسائل يوسف أفندي السويدي والسيد طالب النقيب إلى كركوك. شارك التركمان في كل المناطق التي ينتشرون بها في الثورة على سبيل المثال من منطقة ديالى : محمد آغا حسن سفر،إبراهيم صفان،الحاج علي رشيد،سمين علي نعمان ومن خانقين: محمود أفندي شابندر،طاهر دايي زاده،نوري مردان بياتلي ومن منطقة طوزخورماتو:علي ملا ولي،نجم محمد جابر،قنبر حسين آغا،رشيد خليفة الداقوقي،عباس كهيه. وكان يؤازرهم فارس بك رئيس عشيرة البيات ومن آلتون كوبري : كريم أحمد بك،حسن آغا،يوسف آغا عبدالصمد،،حاجي ولي علي مولود.

وقد أعطت المعركة الحاسمة التي دارت في منطقة تلعفر بين التركمان من عشائر سيدلر،فرحنليلر،بير نزار،الخانليلر،قصابلية وقوات المستعمر البريطاني التي تلقت على أيدي المقاتلين التركمان درسا قاسيا، لا يزال موضوع فخر واعتزاز للكثير من الباحثين العراقيين في ثورة العشرين.

التركمان في العهد الملكي

نصت المادة السادسة عشرة من الدستور العراقي في العهد الملي على ما يلي :

)(للطوائف المختلفة حق تأسيس المدارس لتعليم أفرادها بلغاتها الخاصة والاحتفاظ بها على أن يكون ذلك موافقا للمناهج العامة التي تعين قانونا)(.

بموجب هذا القرار تم إقرار التدريس باللغة التركمانية في المدارس الابتدائية في المناطق التي ينتشر فيها التركمان ،واستمر العمل بهذه المادة حتى السنة الدراسية ۱٩۳۰ ـ ۱٩۳۱ حيث تم إلغاءها من مدارس مدينة أربيل أولا بينما استمر العمل فيها حتى عام ۱٩۳٧ في مدينة كركوك. رغم أن المادة السادسة من (قانون اللغات المحلية رقم ٧٤ لسنة ۱٩۳۱) كانت تنص على :

)(في جميع المدارس الأولية الواردة ذكرها في هذا القانون (دهوك ـ شيخان (لواء الموصل)،اربيل ـ مخمور (لواء أربيل)،كركوك ـ كفري (لواء كركوك) تكون اللغة البيتية لأكثرية طلاب تلك المدارس سواء أكانت عربية أو تركية أو كردية)

والغريب أن قرار الإلغاء شمل المناطق التركمانية فقط، بينما استمر العمل بمضمون القانون المذكور بالنسبة للمناطق الكردية.

يقول الدكتور مصطفى جواد عن التركمان في المقدمة التي كتبها لكتاب (موجز تاريخ التركمان في العراق) لمؤلفه شاكر صابر الضابط ((. . قوم شاركوا أهل الإسلام في جميع ما رفع مقامه في العلوم والآداب والفقه والكلام والفلسفة والسياسة والإدارة،والحروب والملاحم والغزوات والدفاع. . ))

يقول المستشرق و. بارتولد في كتابه (تاريخ الترك في آسيا الوسطى :

((إن مؤسسي أكبر إمبراطوريتين تركيتين خرج من هؤلاء التركمان وهما الإمبراطورية السلجوقية والإمبراطورية العثمانية))

تقرير عصبة الأمم عن تركمان العراق
جاء في التقرير الذي رفعته عصبة الأمم في ۳۰ أيلول ۱٩۲٤والمعنون " تقرير الهيئة الخاصة التي ندبتها عصبة الأمم للإشراف على الاستفتاء حول مسألة الحدود بين العراق وتركية :

. . ((انه في القرن الحادي عشر للميلاد للميلاد عندما اجتاز جميع الترك نهر ـ جيحون ـ واعتنقوا الإسلام،صاروا يدعون ـ تركمان ـ أو ـ تركومان ـ، ولما كان جميع هذه الأقوام تنسب إلى عشيرة " اوغوز " فيكون اسم التركمان قد حل محل اسم " اوغوز ". ومعنى كلمة تركمان مبهم،ولكن يراد به جميع الترك الذين استوطنوا فارس وأذربيجان والعراق وآسيا الصغرى وسورية ومصر. وان أسلاف الترك من العثمانيين كسائر الشعوب التركية في آسيا الصغرى الذين يؤلفون جزءا من الدولة السلجوقية في ـ قونية ـ كانوا في القرن الثالث عشر يعرفون باسم التركمان. وقد انقسم هؤلاء التركمان بالتدريج إلى جماعات وانتحلوا أسماء جديدة لجنسياتهم،استمدوها من موقفهم السياسي وموقعهم الجغرافي،فهؤلاء الذين استوطنوا أذربيجان يدعون الآن " أذربيجانيين ". وهؤلاء الذين استوطنوا آسيا الصغرى صاروا حينما أصبحوا تحت حكم الدولة العثمانية يدعون بـ " العثمانيين "،ولا سيما المتحضرين منهم إذ أن بعض القبائل البدوية أو شبه البدوية في آسيا الصغرى لا يزالون يعرفون باسم (التركمان)أما الجماعات التي لم تتخذ لها أسماء جديدة فقد ظلت محتفظة باسم ـ التركمان ـ القاطنين في البلدان الواقعة شرقي بحر قزوين. وكذلك الحال بالنسبة للترك في العراق فانهم لم ينتحلوا لهم اسما خاصا لأنه مضى عليهم زمن طويل قبل أن يصبحوا تحت حكم الدولة العثمانية فيجوز والحالة هذه أن نسميهم " تركمان)) (تقرير الاستفتاء لمسالة الحدود بين العراق وتركيا (النسخة العربية) ص٥٥ و٥٦. وجاء في الصفحة ٥٧ من التقرير نفسه ((ونرى أن الحكومة البريطانية مصيبة في قولها بان اغلب هؤلاء ـ أي التركمان ـ من سلالة عساكر طغرول،ومن سلالة جنود الخلفاء العباسيين وجنود آتابك،كما أن قسما منهم من سلالة جنود آل عثمان وضباطهم))

ورغم أن تاريخ التركمان في العراق يبدأ منذ سنة ٤٥ هجرية حيث يقول الطبري في صفحة ۲۲۱ الجزء الرابع من كتابه الشهير (تاريخ الأمم والملوك): " إن عبيدالله (عبيدالله بن زياد) قام في شهر ربيع الأول سنة ٥٤ هـ (٦٧۳ م) بهجماته عبر (جيحون) على (بخارى) ثم على (بيكند) فقاومه الجيش التركي تحت إمرة الملكة (قبج خاتون) مقاومة شديدة جدا،جلبت انتباهه وإعجابه لما لمسه فيهم من شجاعة فائقة وحسن استعمال الأسلحة،فاختار منهم ألفي مقاتل يحسنون الرماية بالنشاب فبعثهم في العراق وأسكنهم البصرة "

كما يذكر الطبري في الجزء التاسع من كتابه المذكور،الصفحة ۱٤٤ ما يلي ((انه عندما استسلم يزيد بن هبيرة بمدينة (واسط) إلى جعفر المنصور سنة ۱۳۲ للهجرة بعد حصار دام عدة أشهر،كان معه ألفان وثلاثمائة رجل من الأتراك البخاريين " نسبة إلى بخارى "كما يؤيد هذه الواقعة العديد من المؤرخين ومنهم الهمداني والبلاذري.

ويذكر الدكتور مصطفى جواد في مقال له نشره بمجلة (الدليل) العدد ۲،۱٩٤٦ ما يلي ((كما اجتذب قواد بني أمية الترك وجندوهم،كذلك اجتذبتهم بنو العباس،فقد كانت دعاياتهم بلغت بلاد الترك في تركستان وآسيا الوسطى،وثاروا على بني أمية واستنهضوهم داعين إلى عيش رفيع جديد وأحياء العدل والسنة،ودفع ظلم بني أمية عنهم والانتصار لأهل البيت. فتوافدت إليهم جموع غفيرة من الأتراك من طامع في مال وراغب في تبديل حال ومتطوع يظن طاعته لوجه الله))

أن مئات الشهادات التاريخية التي لا نرى ضرورة لتثبيتها إنما تؤكد حقيقة مهمة وهي : عراقة وأصالة الوجود التركماني في العراق. وبأن التركمان جزء لا يتجزأ من تاريخ العراق،وهم عراقيون بالأصالة،هاجروا إلى العراق على شكل موجات في ظروف تاريخية مختلفة من أواسط آسيا وتركستان ومن البلاد المناطق الشرقية المجاورة للعراق،ومن أتراك بخارى وسمرقند وأذربيجان وخراسان والسلاجقة وأوزبكستان وخوارزم والصغد وفرغانة والشبك والصارولية والماولية والقبجاقية وقرة قويونلية وأق قويونلية وقزلباش الصوفية. وهم استوطنوا القسم الجنوبي من العراق وشماله ووسطه،وامتزجوا مع أهله وأبنائه،منصهرين في بودقة الشعب العراقي وأصبحوا على مر التاريخ جزءا من نسيجه الأساسي،وهويته الوطنية. بدليل لأنهم لم يرضوا لهم بلد أخر غير العراق، رغم أن المواد المشار إليها أعلاه من معاهدة لوزان منحتهم مثل هذا الخيار في ترك العراق والتجنس بالجنسية التركية أو غيرها منذ ۱٩۲٦.

أن تاريخ أربعة عشر قرنا من الانتماء إلى تراب العراق يؤكد بما لا يقبل أدنى شك عراقية التركمان، بحكم الروابط التاريخية والدينية والاجتماعية ورابطة المصير المشترك، وهو الأمر الذي يمنحهم الحق في التمتع بحقوقهم القومية والثقافية والإنسانية والسياسية في عراق ما بعد صدام.


صحيفة (القدس العربي)
۱٥/٩/۲۰۰۳

القوات التركية.. مكانها الطبيعي شمال العراق

هارون محمد

لان العراق اليوم، بات بلداً مستباحاً، تصول فيه القوات الاجنبية من كل القارات، ابتداء من أمريكا وبريطانيا، مروراً ببولندا وإيطاليا والدنمارك وأوكرانيا وانتهاء باستراليا، ولأن الدول العربية مضروبة علي رأسها، ومرعوبة من صقور البنتاغون والمحافظين الصهاينة في واشنطن كي يغضوا النظر عنها، ولا يصدروا (نموذجهم) العراقي إليها، فان علي تركيا الجارة الشمالية للعراق، إلا تقف مكتوفة عما يجري في تخومها الجنوبية والشرقية، من تحركات واستعدادات كردية تستهدف أمنها القومي ونقل الفوضي والاحتراب والاقتتال الداخلي الي أراضيها.

فتركيا الآن وبعد أن استحوذت الأحزاب الكردية الانفصالية في العراق علي حصة مبالغ بها في مجلس الحكم والوزارة المنبثقة عنه، بفضل الاهتمام والرعاية الامريكية لقادتها ومليشياتها المسلحة (المعلومات المتسربة من العراق في الأيام القليلة الماضية، تؤكد أن قوات الاحتلال الامريكي بصدد تأهيل أكثر من ثلاثين ألف كردي وتدريبهم في معسكر مهجور للجيش العراقي بمنطقة (فايدة) علي الطريق بين الموصل ودهوك) فان الجارة الشمالية ستكون عرضة لابتزازات وتهديدات كردية بدأت أولي مظاهرها في تصريحات وزير الخارجية الجديد الكردي هوشيار زيباري الاستفزازية لها، عندما أعلن رفضه لمشاركة وحدات عسكرية تركية في قوات حفظ الأمن بالعراق، وظهر الاستفزاز أيضاً في تعيين وزير كردي آخر هو لطيف رشيد المعروف بشوفينيته وكراهيته للعرب والتركمان، وزيراً للمياه، في محاولة مدروسة من الأحزاب الكردية، لتخريب العلاقات الطيبة والتعاون الثنائي بين العراق وتركيا، وخصوصاً في مجال المياه، التي تجمع البلدين بمصالح مشتركة كما هو معروف. من هنا فان علي أنقرة التي قبلت بإرسال قوات عسكرية الي العراق في الشهر المقبل، كما ذكرت آخر الأنباء، ان تصر علي نشر تلك القوات في المنطقة الكردية في شمال العراق، باعتبار أن هذه المنطقة هي وحدها التي تشكل تهديداً لأمن تركيا واستقرارها، وعلي الحكومة التركية أن تنتبه وتحذر من إرسال قواتها الي المناطق العربية السنية، كما يراد لها، وذلك لان هناك خطة خبيثة للإيقاع بين العرب والاتراك، الذين جمعت بينهم علي امتداد التاريخ أواصر متينة وصلات جيدة، وعلاقات أخوية تأسست علي التفاهم والتفهم، وعرب العراق ما زالوا يحتفظون بالتقدير والامتنان، لتركيا التي استجابت لخيارات أهل الموصل الوطنية، واستفتائهم الشعبي الساحق في البقاء ضمن الدولة العراقية عام ١٩۲٥ وانسحاب الإدارة والقوات التركية من هذه المحافظة العربية العريقة.

إن نشر القوات التركية في المناطق العربية من العراق، مؤامرة أمريكية كردية، الغرض منها واضح وجلي، فليس هناك من معني لإرسال تلك القوات الي الموصل والمنطقة الغربية (الرمادي وما جاورها)، لان سكان هذه المنطقة لا يشكلون تهديدا لتركيا وشعبها ومصالحها وأمنها واستقرارها، وبالتالي فان رضوخ أنقرة الي الضغوط الأمريكية واستجابتها لإرسال قواتها الي مناطق عرب العراق، سيخلق مشاكل سياسية لها، ومتاعب لقواتها، إضافة الي ان العراقيين العرب الذين جمعتهم مع إخوانهم الترك صلات طيبة ووطيدة وتاريخية سينظرون الي الجنود والضباط الأتراك، كجزء من القوات الامريكية المحتلة، علي العكس من الأكراد في شمال العراق، الذين حولتهم أحزابهم الي أدلاء ووكلاء للأمريكان، وأدوات طيعة ومنفذة لا يعصون لواشنطن أمرا أو طلبا، كما ان ليس من مصلحة تركيا الآن وغدا وبعد غد، ان تكشف عن ظهرها، وتتوجه الي مناطق مسالمة لها وصديقة، وتترك أطرافها الجنوبية والشرقية، ساحات مفتوحة للمناوئين لها والمتربصين للعبث بأمنها. ان ما يريده جلال الطالباني وحليفه أحمد الجلبي تحديدا، والثاني زار أنقرة مؤخرا لاغرائها علي نشر قواتها في مناطق أعدائه (السنة العرب) والتلويح لها بالموصل، المدينة التي طرد شعبها العربي الأصيل، أتباعه ومرتزقته، عندما حاولوا تدنيسها مع دخول القوات الامريكية هو: إحداث فتنة عربية تركية تترك آثاراً وتداعيات خطيرة علي مستقبل العلاقات بين العراق وتركيا، وتخلق مبررات ومقدمات لحروب قادمة بين البلدين، وبالتأكيد فان المسؤولين الأتراك لهم معرفة واطلاع عما جري للعراقيين العرب والتركمان في كركوك وطوزخورماتو وكفري وتلعفر وخانقين من تشريد وتطهير عرقي واغتيالات وملاحقات، قامت بها قوات (البيش ميركة) الكردية، لذا فان الواجب الأخلاقي والمسؤولية الإنسانية والتأريخية تحتمان علي تركيا أن تتحرك في تلك المناطق لإنقاذ تركمان العراق ـ علي الأقل ـ من إبادة تنتظرهم، فالأحزاب الكردية المتعاونة مع قوات الاحتلال الامريكي، تريد استئصال التركمان من مدنهم وقراهم، وما حدث في (طوزخورماتو) دليل صارخ علي ذلك، وبات معروفاً علي نطاق واسع سياسة (التكريد) التي يمارسها جلال الطالباني وحزبه العنصري، في المناطق العربية والتركمانية والمسيحية في شمال العراق، وما حصل في كركوك ويحصل فيها منذ خمسة شهور، أوضح برهان لما يضمر لهذه المدينة الآمنة التي نكبت مرتين من الأكراد، مرة في صيف عام ١٩٥٩ عندما استباحتها قوات البيشمركة والشيوعيين الأكراد، وقتلوا نخبة من الوجوه والشخصيات التركمانية والعربية، والمرة الثانية عندما زحفت إليها قوات الطالباني وسيطرت عليها في نيسان (ابريل) الماضي، بغطاء امريكي، الامر الذي دعا زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني الي إطلاق تصريحات صحفية أعلن فيها أن الطالباني خرق اتفاقاً مسبقاً معه، بعدم دخول الأكراد الي كركوك في تلك الفترة، تحاشياً للحساسيات التي يخلقها هذا العمل بين سكان المدينة.

وعمد الطالباني الي لعبة مفضوحة النوايا والأهداف خلال اجراء انتخابات المجلس المحلي لكركوك، عندما لجأ الي تقسيم المدينة الي خمسة قطاعات (عربية وتركمانية وكردية واقليات ومستقلين) وفرض رجاله وعناصر حزبه ليس علي الفريق الكردي فحسب، وانما علي الاقليات والمستقلين، ليضمن أكثرية ضد العرب والتركمان، وهذا ما حصل بالفعل حيث نصب كرديا محسوبا عليه محافظاً للمدينة، وكان أول عمل اقدم عليه المحافظ الكردي هو حل شرطة المدينة، واستقدام مقاتلين بدائيين ومتخلفين من جبال جمجمال وكويسنجق وسرجنار ليحلوا مكانهم بعد تغيير أزيائهم وأغطية رؤوسهم، بعد غسل أدمغتهم مسبقا، وتعبئتهم علي ان كل من في كركوك عدو يجب التنكيل به، علماً بان كركوك كما تدل الوثائق التأريخية والوقائع الاجتماعية لم تكن مدينة ذات طابع أو كثافة كردية في يوم من الايام، والحقائق الثابتة والملموسة، تؤكد أن الأكراد أقلية عاش أفرادها في كركوك في دعة وطمأنينة حتي الثلاثينات من القرن الماضي عندما تدفق عليها عمال ومستخدمون قرويون أكراد بحثاً عن العمل والرزق في حقول ومنشآت النفط.

وصحيح أن نظام صدام حسين شجع علي نقل أعداد من العرب للإقامة والسكني في كركوك، وقدم تسهيلات وخدمات لمن يرغب، ولكن الصحيح أيضا ان قلة من العرب استجابوا لدعواته، وحتي هؤلاء بنوا بيوتاً وأقامواً مصالح وعملوا في الوظائف فيها، واعتمدوا علي أنفسهم في تدبير أمور عيشهم، لم يستولوا علي بيوت الآخرين، ولم يسلبوا حقوق المهجرين الاكراد، وهم قلة للمعلومات، هذه حقائق لا يستطيع الطالباني أو غيره إنكارها، ومن اجل حسم ملابسات هذه القضية، وحتي لا يستغلها هو أو غيره، فان الحاجة باتت ضرورة ملحة، الي تشكيل لجنة دولية من الامم المتحدة والهيئات القانونية والإنسانية، دون مشاركة كردية أو عربية أو تركمانية، تتولي التقصي عن الحقائق في هذه المدينة، كما حدث في البوسنة والهرسك وكوسوفو وتيمور الشرقية، وعندها ستظهر الحقيقة واضحة وعلي الجميع أن يتقبل نتائجها.

إن جلال الطالباني، أو الكردي التائه، كما وصفه طلال سلمان قبل سنوات، وهو وصف دقيق ينطبق عليه تماما، يريد أن يقيم دولته الكردية الأمريكانية، علي مدن وأراض ومناطق عربية وتركمانية ومسيحية عراقية، وهو يسعي الآن الي إعادة تحالفه القديم مع حزب العمال الكردي التركي، لاستخدامه شوكة في الخاصرة التركية، وفي كل الأحوال فان أمام تركيا فرصة للتفكير والتحسب، كي لا تقع في مأزق وورطة، عندما ترسل قواتها الي العراق في الشهر المقبل، وعليها أن ترفض محاولات إقناعها وإغرائها بنشر جنودها في المناطق العربية، لأن مكانهم الطبيعي في شمال العراق وتحديداً في المنطقة الكردية.


كتابات

التركمان وقضية دخول القوات التركية الى العراق

نشأت احمد

المتابع لمجريات الامور في العراق يستخلص بأن امريكا تسعى لتدويل القضية الامنية في العراق من خلال اقناع دول كثيرة في العالم من اجل اشراكها في عملية حفظ الامن والاستقرار وتخفيف الضغط على قواتها في العراق تحت الوجود السياسي الامريكي, وتركيا احدى هذه الدول وبذلك تكون جزءا من قوات أخرى لدول متعددة والتي مستعدة ان تلعب دورا عسكريا وسياسيا تحت المظلة الامريكية, في قبال الدول الاوربية والتي تريد دورا أكبر للأمم المتحدة ليكون مظلة للتواجد الدولي في العراق فعليه تكون القوات التركية في حالة دخولها الى العراق تكون ضمن هذه المعادلة الدولية المعقدة وذات حسابات ااستراتيجية لقوى سياسية قادرة على تحريك خيوط اللعبة في المنطقة برمتها, ويتضح بُعد المعادلة اكثر اذا كان امن اسرائيل جزءا منها, فعليه تكون من السذاجة حشر التركمان في هذة القضية إذُ نلاحظ عند الحديث عن مسألة القوات التركية يُحشر التركمان قسرا فيها والغاية منها هو النيل من وطنية التركمان والتشكيك في ولائهم للعراق.

والتركمان في العراق اثبتوا وبشكل قاطع وخلال المراحل التاريخية انهم عراقييون وينتمون الى هذه التربة المباركة من خلال اصرارهم على التمسك بهويتهم الوطنية ووطنهم العراق حيث نبتت جذورهم ودفنت موتاهم واختلطت دماؤهم وتفرعت عوائلهم وانتشرت عشائرهم وهذا الاصرار في التمسك نابع من الشعور الداخلي القوي بالانتماء والاندفاع الصادق في العلاقة مع بقية أبناء العراق ضمن شراكة ومصير واحد.

فإثارة زوبعة حول علاقة تلك القوات المؤقتة ولمهام محددة بهذه القومية العراقية العريقة لا يمكن أن تنال من وطنيتها وولائها مهما حاول أصحاب الافاق الضقيقة والحسابات السياسية المتورّمة من تشويه وتشويش الواقع السياسي التركماني والعراقي, لان محاولاتهم في إظهار التركمان ورقة قابلة للتوظيف من قبل الدولة التركية في الضغط على العراق أو الاكراد محاولة فاشلة لان الواقع التركماني غير ذلك حيث التنوع المذهبي والانتماء الوطني والاختلاف الثقافي والبعد الجغرافي وغيرها من الاسباب تؤكد خواء تهمتهم. وهنا لا ننكر ان بعض التصريحات من قبل بعض المسؤليين الاتراك بالاضافة الى ممارسات بعض التركمان توحي بذلك وتعطي ذرائع للمتشبثين للاستفادة منها كأرقام غير قابلة للنقاش على عمالة التركمان لتركيا, الا ان تاريخ وتضحيات وولاء التركمان يثبت عكس ذلك , الى جانب ذلك لتركيا أوراق ضاغطة أكثر فاعلية من التركمان إذا أرادت أن تستعمها مثل مياه دجلة والفرات والخط الاستراتيجي لضخ البترول من كركوك الى ميناء جيهان , ومكانة تركيا إقليميا ودوليا وأمريكيا وغيرها.

بالاضافة الى كل هذا, الطالب لدخول القوات التركية الى العرق ليس التركمان, بل أمريكا هي التي تسعى لذلك والتركمان لحد هذه اللحظة لم يمارسوا هذا الحق علما أن لهم ذلك مبدئيا, لان بنود ومقررات الامم المتحدة والخاصة بحقوق الانسان تضمن لكل طائفة أو عرقية مهددة بمخاطر لها الحق في طلب الحماية من الاخرين وهذا الحق مورس بشكل عملي في العراق من قبل الكرد بعد انتفاضة اذار \ شعبان الشعبية سنة ١٩٩١م ولحد سقوط النظام البائد حيث اقامة الدول الغربية منطقة امنة شمال خط ۳٨ وبمشاركة تركية فعالة من خلال تأمين القواعد العسكرية والمطارات لم تكن تلك الحماية الّا استجابة لهذا الحق الانساني, فليس من المعقول أن يكون ذلك حقا لجهة دون أخرى ما دام يستند الى خلفية قانونية واحدة. والتركمان لم يطلبوا حماية تركيا ولا غيرها لحد الان حتى في الاحداث الدامية الاخيرة والتي تعرضوا فيها الى اعتداءات غير مبرره في طوزخورماتو وكركوك كان تطلعاتهم وامالهم وإنشدادهم للعمق العراقي ولشركائهم في الوطن وليس لاي طرف اخر. ثم لماذا هذا الاجحاف في حقهم سواء كان في مجلس الحكم أو الحكومة المؤقتة أو في مواقع القرارات الاخرى ؟ ولماذا الاصرار في خفض سقف وجودهم والتشكيك بكل ما يتعلق بدورهم وحضورهم وعطائاتهم؟. ألم يكن سبب مشاكل العراق طوال العقود الماضية في المعادلة السياسية الحاكمة انذاك والتي استحوذت على العراق فئة وهمشت دور الاخرين مما أدى الى دورة تاريخية كاملة ذاق فيها شعبنا الممتحن كل انواع الضيم والقهر,. أيمكن ان تحل تلك الاشكالية بتغير عنصر بدل اخر!! ام باقامة نظام تعددي يشارك فيه الجميع دون استثناء أو تغييب, وعراق اليوم مفتوح امامنا فليس هناك صدام ونظامه الدكتاتوري ليمنعنا من اجراء احصاءات دقيقة لمعرفة ثقل كل طرف ليكون له حضورا يناسب وجوده ودوره في بناء العراق الجديد.....


جريدة (الزمان)
۲٩/٩/۲۰۰۳

مؤتمر الجبهة التركمانية -- دلالات ونتائج

نصرت مردان

انعقاد المؤتمر الثالث للجبهة التركمانية مؤخرا له دلالة سياسية كبيرة ، فهو أول تجمع سياسي للتركمان في مدينتهم التاريخية كركوك ، بعد أن ظل الحكم الصدامي المقبور يحظر عليهم أي تجمع فيها حتى لو كان بهدف تأسيس ناد أو جمعية تمثلهم. حيث لم يوافق النظام المقبور حتى على فتح فرع لنادي الإخاء التركماني (قارداشلق) والذي تأسس في ١٩٦۰ ببغداد في عهد عبدالكريم قاسم رغم وجود فروع له في أربيل والموصل ، وهو النادي الذي أدى للتركمان خدمات ثقافية هامة تمثلت في إصدار مجلة (الإخاء ـ قارداشلق) التي ظلت تصدر منذ عام ١٩٦١ وحتى عام ١٩٩۰ دون انقطاع. وقد استطاع هذا الإصدار الهام من الحفاظ على الثقافة والتراث التركمانيين من خلال نشر نتاجات عشرات الكتاب والأدباء الذين أثروا الحركة التركمانية. كما لم يتوان النظام المقبور من إخماد أي صوت تركماني شريف من الانقضاض على صاحبه وإسكاته شنقا أو بإلقائه في غياهب السجون.

ان انعقاد مؤتمر الجبهة التركمانية في كركوك بعد انعقاد مؤتمره الأول الثاني في أربيل في عامي ١٩٩٧ و۲۰۰۰ ، يعني أن التركمان سيستطيعون ولأول مرة منذ ٨٥ عاما من مواصلة مسيرتهم السياسية في مدينتهم التاريخية بعد أن ظل محظورا عليهم تنظيم أي تجمع سياسي في هذه المدينة الجريحة التي تعرضت إلى غدر النظام البائد عليها من خلال ممارسة سياسة تعريب منظمة وسلخ أقضيتها التاريخية عنها (طوزخورماتو ،كفري والتون كوبري) بسبب الحقد الشخصي لصدام حسين البائد على هذه المدينة وسكانها.

أجواء ديمقراطية
بشهادة كل المشاركين في المؤتمر وعلى رأسهم ممثل الإدارة الأمريكية في كركوك الذي حضر المؤتمر في يومه الثالث عبر عن اعتزازه بالتجربة الديمقراطية للتركمان في مؤتمرهم الثالث لاختيار رئيس جديد للجبهة خلفا لصنعان أحمد آغا (الرئيس السابق للجبهة) ، حيث تنافس أربعة أعضاء على الرئاسة (البروفيسور سعدالدين أركيج والدكتور فاروق عبدالله عبدالرحمن وجمال شن ومصطفى يايجلي) وقد أعلن فيما بعد الأخيران انسحابها من الترشيح

ساد التنافس الشريف بين المرشحين في جو من الشفافية والوضوح والإيمان بضرورة إيصال القضية التركمانية ، والتي لا تختلف عن أية قضية مشروعة وعادلة لقومية عراقية أصيلة في الحصول على حقوقها كاملة في عراق يسوده الاستقرار والآمان والديمقراطية ، دون السماح للمتصيدين في الماء العكر من تعكير صفو العلاقات مع كل الفئات القومية والوطنية في العراق.

ولعل خير دليل على ديمقراطية الانتخابات ، هو اعتراف الجنرال الأمريكي الذي يشرف على إدارة كركوك نفسه ، الذي أكد أن حقوق التركمان سوف تبقى مصانه ، وصوتهم سيكون مسموعا في بغداد ، وهو الجنرال نفسه الذي عمل على تهميش دور التركمان بسبب عدم اشتراك تركيا إلى جانب القوات الأمريكية في الحرب ضد العراق.

وصف الجنرال الأمريكي لجلسات مؤتمر الجبهة بالحياد ووصف أجوائها ونتائجها بالديمقراطية ، وهذه شهادة لا يمكن لأحد أن يشكك في مصداقيتها. كما أن توصله إلى هذه القناعة يعني أن التركمان استطاعوا بصبرهم ومثابرتهم والتحكم إلى المنطق وليس إلى إثارة القلاقل والمشاكل وتعاملهم العقلاني اليومي مع الإدارة الأمريكية ، في تغيير النظرة الأمريكية للتركمان بشكل جذري.

نجاحات بدلا من الإخفاقات
ان نجاح التركمان في أول مؤتمر لهم بعد تحرير العراق ، وكونهم أصحاب أول تنظيم سياسي عراقي يختارون فيه رئيسهم المنتخب في أجواء ديمقراطية شفافة ، جرت بحضور العديد من الشخصيات السياسية العراقية والمسؤولين الأمريكيين ، سيكون حافزا أمامهم للاحتفاظ بهذه الصورة المشرقة في ذاكرة العراقيين وإيصال صوتهم إلى كل الأحزاب العراقية..وسيكون حافزا أمام الأحزاب الأخرى على إتباع نفس الممارسات لاختيار قيادات شابة بدلا من قيادات جاثمة على رقاب بعض الأحزاب منذ عقود طويلة.

مركز انطلاق نشاط الجبهة التركمانية ، على ضوء نتائج المؤتمر، سيكون بغداد وليس أربيل.ولهذا الأمر أهميته القصوى ، حيث سيكون للجبهة اتصال يومي مكثف مع كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية العراقية ، وستكون قريبة من مركز القرار ، وستكون مؤثرة وفاعلة في الأحداث المقبلة.

"لا يفرق بيننا إلا الاسم”
هذا ما قاله البروفيسور الدكتور سعدالدين اركيج أحد ابرز المرشحين لرئاسة الجبهة التركمانية في مؤتمرها الأخير أثناء إلقائه كلمته في المؤتمرين عقب إعلان نتائج المؤتمر التي فاز فيها الدكتور فاروق عبدالله عبدالرحمن الذي فاز بأغلبية ۲٦٤ صوتا ، وهو نجل الزعيم الركن الشهيد عبدالله عبدالرحمن ، رئيس نادي الإخاء التركماني السبق ،والذي أعدمه طاغية العراق في ١٩٨۰.

أما البروفيسور سعدالدين الذي فاز بـ ۲۰۲ صوتا من أصوات الناخبين ، فانه من الشخصيات البارزة في الحركة الوطنية التركمانية ، وهو أحد المتخصصين المرموقين في (المكننة الزراعية) وهو أيضا كان اللولب الفاعل لتنظيم نضال التركمان السري في مدينة كركوك حتى سقوط طاغية العراق. ولعل قوله وهو يعانق الرئيس الجديد للجبهة الدكتور فاروق عبدالله عبدالرحمن أمام المؤتمرين يكشف عن الجو الأخوي الذي ساد الانتخابات :

"لا تستطيعون التمييز بيني وبين رئيس الجبهة المنتخب نضاليا ووطنيا ، فنحن نكمل بعضا البعض ، ولا يفرق بيننا إلا اسمينا"

أهم نتيجة للمؤتمر
لعل أهم نتائج المؤتمر الثالث للجبهة التركمانية ، إيذانها بانتهاء فترة التخوين والتهميش التي اعتاد البعض إلصاقها بتركمان العراق ،الشريحة الأصيلة والوطنية في النسيج الوطني العراقي لمصالح سياسية بحتة.. ودلالتها على عزمهم في عدم الانعزال بعد اليوم عن النخب العراق السياسية ، و على ضرورة توجيه خطابهم السياسي الوطني بكل وضوح وشفافية إلى جميع القوى الوطنية من خلال التعامل اليومي معها لتأسيس العراق الحر الديمقراطي ، الذي سيكفل حريات وحقوق جميع الفئات العراقية دون تمييز..كما عزز المؤتمر تنظيم التركمان لصفوفهم في معظم المحافظات العراقية بدءا بكركوك ووصولا إلى تلعفر واربيل وطوزخورماتو وخانقين ومندلي وجلولاء وبدرة..وتتطلب هذه المرحلة ، إعادة تنظيم إعلام الجبهة الذي يجب ان يكون جديرا بإيصال صوت التركمان إلى كل بقعة عراقية ، بعد الإخفاقات التي عاشها الإعلام السابق للجبهة التركمانية. في أول تصريح أدلى به رئيس الجبهة المنتخب الدكتور فاروق عبدالله عبدالرحمن ردا على سؤال حول موقف التركمان من دخول القوات التركية الى العراق ، قال أن الموضوع من ضمن صلاحيات الأمم المتحدة. الأمر الذي يلقي الضوء على بدء مرحلة سياسية جديدة للجبهة التركمانية التي اختارت بغداد مركزا لنشطاتها السياسية والاكتفاء بجعل فرع الجبهة في أنقرة بمثابة ممثلية تابعة للحزب ، على غرار ممثليتي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني في العاصمة التركية ، مما يعني على أن مركز الجبهة ببغداد سيكون المركز الوحيد لاتخاذ القرار.


من كتاب (موجز تاريخ التركمان)
الجزء الأول

أيام لها تاريخ
مجزرة كركوك ١٤ تموز ١٩٥٨

المؤرخ شاكر صابر الضابط

استيقظت كركوك فجر الرابع عشر من تموز الخالد على نسمات عذاب عطرها شذى الفجر المشرق،وانطلقت مع بواكير الصباح لتكمل عدتها وزينتها النهائية ،لتحتفل مع الشعب ـ شعب ١٤ تموزـ بأعز ذكرى وأقدس مناسبة ،مع الشعور بالفرحة تغمر الأفئدة المؤمنة المخلصة لهذا الحبيب،تجاوب التركمان في كركوك مع إخوانهم بقية القوميات من أبناء وطننا الغالي ،واخذوا يسابقون الوقت انتظارا للساعة المحدودة للاحتفال بالعيد الأغر للذكرى المجيدة.

وفي غمرة الاحتفالات الكبرى بعيد التحرير والانعتاق ،وفي غفلة من مواكب الشعب المتدفقة حماسة ووطنية وبهجة ،وقعت النكبة ،ولعلع الرصاص واسقط في أيدي المحتفلين فأريقت دماء الأبرياء جهارا ،وإذا بالدائرة تدور على المواطنين التركمان،وإذا برهط منهم يتساقطون كالشهب النيرة ،صرعى الظلم والغدر والفوضوية،ولم تقف المأساة عند هذا الحد ـ حد الشارع والسوق ـ بل تجاوزتهما إلى البيوت والدور فروعت الأطفال والشيوخ والنساء وكان ما كان به النكبة ،دماء وأشلاء وضحايا ،فنهبت الدور والمخازن والمحلات العامة ،واضطرب حبل المن وعمت الفوضى واستشرت الجريمة.. لماذا هذا الغدر ؟ يغتال من بيننا إخواننا الكرماء الأعزاء ؟ ولماذا هذا الإجرام ينصب فوق رؤوسنا دون سبب أو مبرر؟لماذا يستحيل عيدنا مأتما ؟وفرحتنا نكبة وابتساماتنا دموعا وعويلا؟

حلت الذكرى الأولى للثورة ،واستعد الشعب لاستقبالها وأقيمت الأفراح والزينة في كل مكان،وجاء دور التركمان في الاحتفال بعيد الثورة الأولى ،وقد أقاموا أقواس النصر في مدنهم وقراهم وخاصة كركوك،حيث زاد عدد القواس على ١٥۰ قوسا زينوها بالشعارات الوطنية وانصرفوا يتهيئون للعيد عيد الشعب،عيد الحرية ،عيد الاستقلال.

إلى هنا وكل شيء على ما يرام ،والى هنا والتركمان آمنون مطمئنون لم يشغل بالهم شاغل ،ولم يصرف تفكيرهم عن مباهج العيد شعور بشيء من قلق أو خوف.ولكن الرياح جرت على غير ما تشتهي السفن..وإذا النكبة تدهم التركمان في كركوك وهم في غمرة أفراح العيد ،وإذا الجريمة تجتاح كركوك بالإعصار المدمر فتصيبها في الصميم ،وكان ما كان.

لماذا كل هذا ولمصلحة من دبرت هذه الجريمة ؟هل يستحق التركمان هذه المأساة تنصب على رؤوسنا كالصاعقة فتزهق الأرواح البريئة ،وتدفن الأحياء وتسفك الدم الحرام على ارض العراق الطهور. لم يكن استعداد التركمان للاحتفال بعيد الثورة الأغر إلا استجابة وجدانية للمناسبة السعيدة، ويبدو أن هذه الاستجابة بما انطوت عليه من معاني الإخلاص والولاء للجمهورية وصرفت تفكيرهم عن كل ما لا يتصل بخدمة الجمهورية بسبب أو أسباب،فأبوا أن يسايروا أي تيار لا يستهدف خدمة الجمهورية ،شأنهم في ذلك كشأن جميع المواطنين المخلصين في شتى أرجاء عراقنا الحبيب ،أثارت حفيظة الموتورين الذين استكثروا على الشعب وحدته في ظل الجمهورية الخالدة فعمدوا إلى تفريق الصفوف بالشغب والدس على التركمان ،وإثارة الشكوك في إخلاصهم وتعلقهم بالجمهورية وفنائهم في سبيل دعمها والحفاظ على مكتسباتها التي هي في الواقع من مكتسبات الشعب.

ولقد كان ثبات التركمان بوجه المناورات التي لعبت دورها في كركوك سببا مباشرا لما حل بهم خلال تلك الفتنة اللئيمة الرعناء،فقد عز على مفرقي الصفوف أن لا ينصاع التركمان لأهوائهم وإغوائهم واتجاهاتهم ،واستكثروا عنادهم للفتنة،وإصرارهم على نبذ كل ما لا يتفق معهم ومصلحة الجمهورية.فكان ذلك الذنب الوحيد الذي من أجله وقعت الواقعة وأريقت خلالها الدماء.


الحياة

تركمان العراق في مواجهة سياسة التعصب الكردي

نصرت مردان

حسنا فعل عبد القادر البريفكاني الإعلامي القومي الكردي، حينما كشف بكل صراحة ومباشرة عن حقيقة موقف القيادات القومية "الكردوية" إزاء تركمان العراق. جرى ذلك في الحوار الذي أعده د.مهدي السعيد تحت عنوان (الأبعاد الراهنة لمشكلة الأقليات القومية في كردستان العراق) والمنشور في العدد ٤ آذارـ مارس ـ من جريدة (الحياة). لقد أتاح السيد البريفكاني للرأي العام العراقي والعربي فرصة الاطلاع على كيف يكيل مسؤولو الكيان الكردي في شمال العراق بمكيالين حينما يتعلق الموضوع بالحقوق المشروعة لبقية القوميات المتواجدة في المنطقة الخاضعة لسيطرتهم. وشعارهم هو: ((ما يجوز لي لا يجوز لغيري))!! فهم كقومية من خميرة أخرى تختلف عن بقية القوميات ومن الآثام الكبيرة التي لا تغتفر أن تقارن تلك القوميات أنفسها بهم!

وحدانية القومية الكردية

إن من أولى مميزات أجهزة التثقيف والإعلام الكردية ،الإصرار على تشويه تاريخ القوميات الأخرى ومحاولة بث الصراع بينها، بالإضافة إلى التشدق باللغة الاستعلائية ضدهم كاللغة التي استعملها البريفكاني. فالملاحظ مثلا أنه في كل مقابلته الطويلة، لم يتراجع ولو لمرة واحدة عن تكرار ذلك التعبير السلبي عن التركمان:((الأقلية))! ولم يسمح لنفسه أبدا أن يقول مثلا:(إخواننا أو أشقائنا التركمان). بل هو لم يتوان عن زيادة الاستهانة بإضافة صفة(صغيرة) إلى تسمية(أقلية) بصورة استخفافية لا تحمل ذرة واحدة من روح الأخوة والعيش المشترك.. وفوق كل هذا فأن هؤلاء لا يتوقفون عن التباكي وذرف دموع الرياء والشكوى من ظلم الآخرين!

يبدأ البريفكاني حديثه بإلغاء حق الآخرين من حمل تسمية" قومية" فهذا الشرف لا يستحق حمله غير الأكراد. تراه يقول : ((في رأيي أن التركمان لا يشكلون قومية قائمة بذاتها ، وإنما أقلية قومية صغيرة. فهم جاءوا إلي العراق أثناء حكم المعتصم لأن والدته كانت من تركمانستان. واكتسبوا أهمية سياسية أثناء الدولة العثمانية..)). لاحظوا هذه اللغة التغريبية ((جاءوا))! نعم التركمان جاءوا إلى العراق قبل ألف وأربعمائة عام، ويبدو أن هذه القرون الطويلة بنظر مثقفنا الكردوي غير كافية لأن تجعلهم من أبناء الوطن، وكأن الوطن وأرضه وتاريخه حكر على الأسطوريين الأكراد الذين يقطنون في العراق قبل أن يخلق الله باقي البشرية! ورغم عدم أهمية ذلك على الإطلاق. فقبول البريفكاني بهم سوف لن يزيدهم فخرا ،وإنكاره لهم لا يعني عدم تشكيلهم واقعا قوميا قائما في العراق. ويحق لنا هنا أن نتساءل : ما الذي ينقص التركمان حتى لا يحق لهم أن يتميزوا بواقع قومي مستقل ؟ أليس لديهم تاريخ ولغة وتراث وثقافة وهوية تميزهم عن بقية القوميات. وما الذي يملكه الأكراد إضافة إلى هذه الخصائص حتى يتميزوا عن بقية القوميات الأخرى ويرون أنفسهم في الأبراج العاجية؟ أن الهدف من ربط التركمان بالعثمانيين حصرا هو محاولة لتغريب التركمان أكثر فأكثر.علما أن أي مطلع على تاريخ العراق يدرك أن تركمان العراق على العكس من هذه المزاعم عاشوا ذروة قوتهم السياسية قبل العثمانيين :زمن المعتصم ثم السلاجقة ثم اتابكة الموصل وحلب واربيل ثم دولتي الخروف الأسود والخروف الأبيض..أي على العكس من مزاعم البريفكاني،حيث أن العثمانيين لهذه الأسباب السياسية لم يفضلوا الاعتماد على التركمان في حكم العراق بل فضلوا العناصر القفقاسية والبلقانية عليهم.

أن الكاتب يطالب التركمان بكل ببساطة أن يرضوا بالفتات لأنهم (أقلية صغيرة) و لا يجب أن يبالغوا في المطالبة بحقوقهم. ولا ندري حقا متى كانت الحريات والحقوق تتجزأ بحيث يجوز للأكراد مالا يجوز للآخرين. وهل ثمة مادة في (مبادئ حقوق الإنسان) تنص انه لا يجوز لأية قومية أن تتمتع بحقوقها الإنسانية والثقافية والإدارية إلا إذا كان نفوسها كذا ألف أو كذا مليون نسمة ؟ ولا يخفى على السيد البريفكاني أن ثمة دول عدد نفوسها اقل بكثير من عدد نفوس التركمان في العراق (حتى لو اعتبرنا أيضا جدلا أن إحصائية البريفكاني عنهم صحيحة) فلماذا هذه الاستماتة الكردية في تقليل عدد التركمان التي لا تعني لنا شيئا البتة، فلم يحدث أن كان العدد عائقا لتمتع أية قومية مهما كانت بالحقوق المشروعة التي تنص عليها كل المواثيق الدولية وفي مقدمتها حقوق الإنسان.

إن التركمان الذين يفتخرون بانتمائهم الأصيل للعراق تاريخا وحضارة وشعبا، يناضلون مع كل العراقيين من اجل حقوق المواطنة أولا ثم حقوقهم الثقافية الخاصة بهم، وضد إلغائهم إحصائيا وتغييبهم دستوريا.
التركمان وتركيا

اعتاد التخوينيون الكرد ومعهم الحزب الشيوعي العراقي منذ اعلان الجمهورية في العراق على اتهام التركمان بالعمالة لتركيا وبتهمة الطورانية بهدف تحقيق مكاسب سياسية منذ تلك الفترة حيث أن كل من يعارضهم هو عميل وأنهم وحدهم يرفعون راية التقدمية في العراق. وقد طرحوا هذه الاتهامات الباطلة لتبرير مطالبة الأكراد بمدينة كركوك منذ ١٩٥٩ ولكن دون جدوى رغم أنهم ارتكبوا في سبيل تحقيقه مجزرة كركوك في ١٤ تموز من نفس العام بدعم من الحزب الشيوعي العراقي الذي كان الرفاق الأكراد يسيطرون على قيادته في الوقت الذي كان التركمان الذين اتهموهم بالطورانية عند الهجوم الغادر عليهم ينظمون مسيرة في ذكرى تأسيس (الجمهورية الفتية) ويهتفون مثلهم بحياة (ابن الشعب البار عبدالكريم قاسم !) . واحب أن أحيل البريفكاني إلى شهادة جرجيس فتح الله الذي يحدد بحيادية يفتقدها البريفكاني مع الأسف حقائق متعلقة بإشكالية الكرد مع التركمان وذلك في كتاب (مغامرة الكويت الوجه والتاريخ ،امستردام ،١٩٩١):

" اخضع التركمان العراقيون لعملية الإذابة والانصهار العنصري ،أنكر عليهم نظام (صدام) وجودهم القومي التاريخي رسميا كما لاحق غيرهم بأشد ما يمكن من العنف فنكل بهم وأرغم من نجا من القتل والسجن على الهجرة والنفي الاختياري.وقد كان طبيعيا أن تنجم عن هذه الإرهاصات تنظيمات سياسية وطنية ،يهمهما مستقبل العراق ومصير أبناء جلدتها حيثما وجدت مجالا للتحرك ونشطوا بشكل محدود في تركيا وسوريا وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وغيرهم. ولم ينجو من تهم "العمالة" التي كان يتراشق بها المعارضون العراقيون كلما وجدوا إلى ذلك.والتهمة الأثيرة التي راجت عنهم زمنا هو أنهم عملاء للاستخبارات التركية مثلما كان يرمى الكرد زمنا بوصفهم عملاء إيران ،والآشوريين بوصفهم عملاء لإنكلترا والولايات المتحدة وبخلاف ذلك لم تكن علاقاتهم ببقية أطراف المعارضة تتسم بالحرارة بل غلب عليها الصدود والبرود ، و لاسيما من الجانب اليساري (الماركسي)والجانب الكردي.وهو على الأغلب صدود متبادل ارجح أنه من مخلفات ذلك الصراع الدموي الذي تفجرت براكينه بعيد الرابع عشر من تموز ١٩٥٨ وزوال الحكم الملكي ومن آياته التقاذف بالتهم السياسية المحطة بالكرامة.واختير للتركمان تهمة "الطورانية" وهي قطعة نقدية سكت في دار أحزاب اليسار العراقي ولم يتردد الكرد من جانبهم من تداولها"

يعزف البريفكاني حاله حال غيره من المتعصبين الكردوين على وتر "تدخل تركيا لحماية التركمان" فتراه يقول:

((المشكلة التي تواجه إقليم كردستان حاليا هي محاولات تركيا لضمان حماية الأقلية التركمانية في العراق..)).

علما بأن كل شواهد السنوات الأخيرة تقول أن تركيا تحمي الإدارة الكردية اكثر بكثير من حمايتها للتركمان.

وان إدارة هذه القيادات الكردية هي الحليف المخلص لتركيا، فهل ينكر احد دور ميليشيا البرزاني والطالباني بالتنسيق اليومي الكامل مع القوات التركية التي تدخل إلى اراضي شمال العراق لحماية هذا الكيان بالتعاون مع الطيران الأمريكي..فلماذا هذا التنكر السافر للحقائق أيها السيد البريكفاني..

لم يحدث قط أن تدخلت تركيا في أي مرة لحماية التركمان كما يدعي البريفكاني فمصير ۲٧ من مناضلي التركمان الذين تم تسليمهم إلى الحرس الجمهوري بعد اجتياح القوات الحكومية لأربيل لصالح البرزاني في ۳١ آب (أغسطس) ١٩٩٦ لا يزال مجهولا. كما أن القوات المسلحة التابعة للبرزاني لم تتوان من احتلال مقرات الجبهة التركمانية في ١۰ ـ ١١ آب ١٩٩٨ إضافة إلى الهجوم المسلح لـ (لوا تايبتي) التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني على ١۲ مقرا تابع للجبهة التركمانية في أربيل في ١۰ تموز ۲۰۰۰. بالإضافة إلى الاعتداءات الكردية المسلحة في فترات مختلفة انتهت بالقتل وسلب ونهب مقرات الأحزاب التركمانية. ورغم أن البريفكاني يشير إلى "دعم تركيا السخي للتركمان" لكن ولولا الدعم التركي لما كان بإمكان الكيان الكردي أن يقوم ويستمر حتى الآن كما يعترف البريفكاني بذلك بقوله "وهي (أي تركيا) الدولة الوحيدة التي تمول إقليم كردستان بالمواد الغذائية والسلع المختلفة". كما أن (بوابة خابور) هي النقطة الحدودية الوحيدة على الحدود التركية ـ العراقية التي يصل ويدخل منها اللاجئون الأكراد الموجودون في أوربا إلى شمال العراق (المنطقة المحمية) بعد حصولهم على (فيزا مزدوجة) للدخول والخروج من السلطات التركية. كما أن واردات البرزاني من الحدود التركية المفتوحة تتجاوز مليوني دولار في العام الواحد من خلال دخول اكثر من ١٥۰۰ شاحنة تركية يوميا وهي محملة بالبضائع والمواد الغذائية المختلفة ، بالإضافة إلى عمليات التهريب. كما أنها المعبرالرئيسي لمئات الأكراد الهاربين يوميا من النعيم الكردستاني عبر الحدود التركية إلى أوربا للحصول علىاللجوء فيها. والمعروف أن الواردات التي ينفرد البرزاني بها لوحده رافضا أن يشاركه بها الطالباني ه السبب الرئيسي للصراعات الدامية بين الطرفين، حتى شاع بين الأكراد تسمية هذه الحروب بين الشقيقين اللدودين بـ "أم الكمارك" !


الديمقراطية على الطريقة الكردية

وكدليل على الديمقراطية الكردية لا يعلن السيد البريفكاني عن اسفه لأن : ((الإدارة الكردية أ غلقت مقرات لأحزاب التركمانية)).. بل على العكس تماما مما يتوقع القارئ، فهولا يتأسف لهذا الإغلاق، بل يتأسف على أن تركيا : ((أرغمت الإدارة الكردية على السماح لهذه الأحزاب بالعودةإلى النشاط السياسي..))!!

نعم هذا هو المثقف الديمقراطي القومي الحقيقي.. يكشف عن نفسه بكل جرأة وثقة بالنفس ما بعدها ثقة!

علما بأنه من الأساليب" الديمقراطية جدا" التي بدأت تمارسها القيادات الكردية، هي خلق تنظيمات تركمانية مزيفة مرتبطة بها وتأتمر بأوامرها. وكان الطالباني سباقا في هذا المضمار حين أسس (حزب الإخاء التركماني) الذي يترأسه حاليا وليد شريكة. كما لم يتوان البرزاني من تشكيل حزب تركماني مؤيد للطروحات الكردية (حزب الوحدة التركماني) بقيادة نصرالدين الدامرجي. ومهمة هذين الحزبين معاداة طروحات الجبهة التركمانية في كل فرص من خلال إصدار البيانات أو المشاركة في البرامج التلفزيونية وإعلان أن التركمان يعيشون في الإقليم عصرهم الذهبي.

ضمن هذا السياق يتطرق البريكفاني إلى مخاطر "عسكرة الأقلية التركمانية" ، والذي يقرأ هذه المزاعم التي مافتأ الإعلام الكردي يرددها منذ فترة ليست بالقصيرة يتصور أن التركمان اصبحوا ما بين ليلة وضحاها يملكون طائرات ودبابات وجيش عرمرم جرار. ونسأل ومن حقنا السؤال : يا سيد بريفكاني قل لنا بربك هل ثمة حزب مهما كان صغيرا في كردستانكم (المنطقة المحمية) لا يملك ميليشيات مسلحة؟ وهل التركمان حصرا هم الوحيدون الذين يمتلكون مسلحين عددهم هو أقل من عدد ميليشيات الأحزاب الأخرى ؟ وهل من الغريب أن يلجا التركمان بعد الاعتداءات المتكررة على أرواحهم وممتلكاتهم إلى تشكيل قوة مسلحة تحمي أموالهم وأرواحهم ؟ ثم لماذا هذا الاستغراب والتشكيك الدائم في كل ما يمت إلى التركمان بصلة ؟ أم أن ما هو مسموح به للآخرين لا يجوز للتركمان في هذا المجال أيضا ؟ وأنه ليس من حقهم حماية مقراتهم وممتلكاتهم وأرواحهم بعد التجارب المريرة التي تعرضوا فيها لاعتداءات متكررة على أرواحهم وأموالهم من سلب ونهب من قبل الميليشيات الكردية حتى أن البرزاني اضطر بعد الاعتداء الأخير في ١۰ تموز ۲۰۰۰ إلى تعويض الجبهة التركمانية بمليون دينار عراقي نتيجة سلب ونهب ممتلكات مكاتبها في اربيل. كما لا يزال الرأي العام يذكر الهجوم المسلح على منزل المحامي صنعان أحمد آغا القصاب ،الشخصية التركمانية المعروفة في مجتمع أربيل والأوساط العراقية والذي يترأس حاليا الجبهة التركمانية بسبب كتابه (أربيل والأربيلي) الذي طرح فيه تاريخ مدينة اربيل وعراقة الوجود التركماني فيها مما أزعج البعض في الإدارة الكردية فكان الرد على الحقائق التي ذكرها هو: مصادرة الكتاب فورا من المكتبات والقيام بهجوم مسلح غادر على منزله بتاريخ ۳ شباط عام ۲۰۰۰.والمعروف أن السيد صنعان هو مؤسس (نادي الإخاء التركماني) الذي تأسس بأربيل منذ عام ١٩٧٤.

تزييف الاحصاءات السكانية

تعمل العناصر الكردوية بشتى الطرق ، المبالغة في زيادة عدد سكان الأكراد في العراق مقابل تقليل عدد القوميات الأخرى وخاصة عدد التركمان في العراق ، حيث يدخل البريفكاني في تناقضات واضحة مع نفسه، رغم انه يعترف من دون قصد أن ذلك اصعب من تحديد عدد الأكراد. وهذا صحيح لأنه محظور على التركمان منذ ما يقارب الثلاثين عاما تسجيل هويتهم القومية في الإحصاءات السكانية في العراق. حيث لا خيار أمام المواطن التركماني إلا أن يتنازل وبخطه عن هويته ويدعي بأنه إما "عربي" أو "كردي". حسب البند الموجود في استمارة الإحصاء الحكومي: "هل أنت عربي أم كردي ؟" أجل لقد أصاب البريفكاني في هذه النقطة فليست ثمة مشكلة تواجه الأكراد في هذا المجال.أما بالنسبة للتركمان فانهم مرغمون على أن يختاروا لأنفسهم واحدة من القوميتين التي يعترف النظام العراقي فقط بوجودهما وهي: العربية والكردية. فهل هناك من ظلم وإجحاف يلحق بشعب يراد تصفية كيانه وواقعه أكثر من هذا النموذج الذي يندر وجوده حتى في أعتى الأنظمة الدكتاتورية بإرغام قومية على التنكر لأصولها وان تختار لنفسها قومية غير قوميتها الأصلية. والحالة هذه هل بإمكان أي كردي أن ينكر هذا الظلم الذي يتعرض له التركمان في وطنهم ؟! لكن البريفكاني سرعان ما يعود إلى اسلوبه التضليلي فيذكر أن أسباب صعوبة تحديد عدد التركمان قياسا للأكراد يعود إلى أن: ((وزنهم ـ أي التركمان ـ العام أقل بكثير من وزن الأكراد مما جعل الاهتمام بأعدادهم أو أجراء إحصاءات حولهم يتسم باللامبالاة (!) فضلا عن المخاوف السياسية العراقية من زيادة عددهم الذي يشكل ذريعة لتركيا للتدخل في شؤون العراق الداخلية والمطالبة بالسيادة على كركوك والموصل)). أولا ما حكاية الوزن هذه، وكيف يتميز الأكراد عن التركمان وزنا. إذا كان يقصد أن الأكراد كانوا ومازالوا ورقة رابحة بيد الدول الإمبريالية لضرب العراق منذ تشكيل الدولة العراقية وحتى الآن ، وان التركمان لم يكونوا كذلك فهو مصيب وهو ما يستحق فخر التركمان وتأكيدهم على عراقيتهم الأصيلة. فلم يكونوا في يوم ما ورقة بيد الدول الأجنبية للضغط على وطننا وتهديد أمنه وسيادته واستقراره واقتصاده.

ورغم اعتراف البريفكاني بصعوبة تحديد عدد التركمان في العراق لأسباب لم يذكرها إلا أنه لا يستطيع مقاومة اللهجة الاستعلائية في الاستهانة بكل ما يمت إلى التركمان بصلة فيتكهن بان نسبتهم في العراق هي ۲و۲ ـ ۳و۲% من مجموع سكان العراق وهي نفس النسبة التي حددتها بريطانيا للتركمان والتي كانت طرفا في النزاع بحكم احتلالها للعراق أثناء مطالبة تركيا بولاية الموصل بعد الحرب العالمية الأولى ١٩١٨ بحجة أنها لم تفقدها خلال الحرب وإنما كانت تسيطر عليها أثناء إعلان الهدنة. وقد استمرت المباحثات الخاصة بولاية الموصل بين تركيا وبريطانيا في مدينة لوزان السويسرية حتى ٥ حزيران ١٩۲٦ حيث تخلت تركيا عن مطالبتها بولاية الموصل بموجب (معاهدة لوزان) التي تم التوقيع عليها في نفس العام حيث تم ضم ولاية الموصل (شمال العراق الذي يضم الموصل وكركوك وأربيل والسليمانية) إلى الدولة العراقية. والغريب أن الإعلام الكردي بدأ يعمل من خلال صحفه وفضائياته على تزييف هذه الحقيقة التاريخية بالادعاء أن بريطانيا التي كانت تحتل العراق لم تلحق شمال العراق بالأراضي العراقية لأن الأكراد كانوا يرفضون الانضمام للعراق ،وان الانضمام الذي تم في ١٩۲٦ (أي بعد تخلي تركيا عن مطالبتها بولاية الموصل) هو (إلحاق قسري وليس طوعي) إلى آخر ما هنالك من تزييف الوقائع التاريخية لأغراض سياسية بحتة . ولو كانت هذه النسبة البريطانية لنسبة التركمان التي يتبناها البريفكاني بعد البريطانيين بما ما يقارب من ثمانية عقود ، صحيحة، يتساءل المرء أليس غريبا أن يبقى التركمان على نفس نسبتهم السكانية في العراق منذ ٧٥ عاما دون أي زيادة ؟ لقد حددت إحصائية ١٩٥٧ عدد التركمان في العراق بنصف مليون نسمة. ولم يذكر عددهم في أية إحصائية منذ ذلك التاريخ.

مدينة كركوك التركمانية

وحول محافظة كركوك التركمانية الغنية بالنفط، تلك العقدة المستعصية على الأكراد منذ ١٤ تموز ١٩٥٩ والتي هي بمثابة شريان الحياة للتركمان يقول البريفكاني "أن القيادة الكردية اضطرت إلى التنازل عنها في اتفاق آذار (مارس)”

ويظن من لا يعرف الواقع الجغرافي والتاريخي للعراق للوهلة الأولى أن هذه المدينة كانت في السابق خاضعة لسيطرة إدارة كردية ، وان الأكراد اضطروا للتنازل عنها في سبيل التوصل إلى اتفاقية (الحكم الذاتي) الذي يقللون الآن من أهميته في كل فرصة. ببساطة لم يكن للأكراد طوال تاريخهم أي وجود إداري في هذه المنطقة التي ظلت خاضعة للدول والإمارات التركمانية التي حكمت إيران والعراق بعد سقوط الدولة العباسية وحتى الاحتلال العثماني للعراق : (البويهيون(٩٤٥ ـ ١۰٥٥) ،السلاجقة العراقيين (١١١٨ ـ ١١٩٤) ،أتابكة الموصل (١١۲٧ ـ ١۲۳۳)أتابكة أربيل (١١۰٤ ـ ١۲۳۳) ، الدولة الايلخانية (١۲٥٨ ـ ١۳٤٤) الدولة الجلائرية (١۳۳٩ ـ ١٤١۰) دولة قره قويونلو(١٤١١ ـ ١٤٦٨) دولة واق قويونلو(١٤٦٨ ـ ١٥۰٨)، الدولة الصفوية (١٥۰٨ ـ ١٥۳٤).

علما بأن كل تاريخ كركوك منذ العصور العراقية القديمة(السومرية الآشورية) وحتى الآن، يؤكد على عراقية هذه المنطقة ذات الخصوصية التركمانية ومعها كذلك اربيل عاصمة الأكراد الحالية(المدينة التي تضم اكبر تجمع للتركمان في العراق بعد كركوك).. أن أية دراسة موضوعية لتاريخ شمال العراق تؤكد بأن حقوق الأكراد السياسية والثقافية لا تتجاوز تاريخيا حقوق التركمان في شمال العراق الذي يعتبر جزءا تاريخيا وحضاريا أصيلا من الدولة العراقية. نعم، إذا كان أشقاؤنا الأكراد ينتظرون منا تأييد حقوقهم ، فان المطلوب منهم أيضا احترامهم لوجودنا وواقعنا وتاريخنا في العراق.. والتخلي عن المزايدات ومحاولة فرض السيطرة على التركمان ، وتبرير سياسة تذويبهم وتكريدهم لتحقيق مشروعهم القومي : ((كردستان الكبرى)).. إذا كان المطلوب من القوميات العراقية أن تعيش حياتها المشتركة في جو من الوئام والتآخي والاحترام المتبادل في ارض الوطن فان الضرورة تتطلب من جميع القوى الوطنية العراقية، ضرورة احترام التركمان باعتبارهم حقيقة تاريخية لا يمكن فصلها عن تاريخ العراق الحضاري والسياسي. والكف عن التعرض لهم بالطروحات الاستعلائية والعنصرية والتخوينية التي راحت في السنوات الأخيرة تسيطر تماما على الإعلام الكردي في الكيان المحمي في شمال العراق ومحاولتهم السيطرة عليهم ، لأن هكذا سياسات لن تساهم إلا في زرع الأحقاد وتأجيج الخلافات بين القوميتين ، إضافة إلى تشويه القضية الكردية وفقدانها لمصداقيتها.


في كنيسة مار يوسف بتاريخ
١٩/٧/١٩٥٩

شهادات عن مجزرة كركوك

من خطاب عبد الكريم قاسم

ـ لدي ٧٥۰ صورة للذين اشتركوا في حوادث كركوك ،التقطت لهم أثناء الحوادث.

ـ..إنني أبارك لإخواني التركمان صبرهم وسوف أسعى جاهدا لرعايتهم فقد أصبح الشعب في هذه الأوقات كتلة واحدة متراصة لا يفرق أبناءه بعد اليوم مفرق.

ـ إن بلدنا يتكون من عدة قوميات ٧٥% من أبناء الشعب هم من العرب الأقحاح ويليهم إخواننا الأكراد ،فإخواننا التركمان والاقليات الأخرى ،كل هذه القوميات متحابة متآخية فيما بينها لخدمة هذا البلد.

" إن الفوضويين توجهوا إلى المنازل التي اشر عليها مسبقا في خرائطهم على أسماء أصحابها وفتكوا بهم" أما ما حدث في كركوك فإنني اشجبه تماما.باستطاعتنا أيها الإخوان أن نسحق كل من يتصدى شعبنا بعمال فوضوية نتيجة للحزازات والأحقاد والتعصب الأعمى..إنني سأحاسب حسابا عسيرا أولئك الذين اعتدوا على حرية الشعب في كركوك بصورة خاصة (…) أولئك الذين يدعون بالحرية والديمقراطية لا يعتدون اعتداءا وحشيا.إن حوادث كركوك لطخة سوداء في تاريخنا ولطخة سوداء في تاريخ ثورتنا.هل فعل ذلك جنكيز خان أو هولاكو. أهذه مدنية القرن العشرين؟..لقد ذهب ضحية هذه الحوادث ٧٩ قتيلا يضاف إليهم ٤٦ شخصا دفن بعضهم وهم أحياء ،وقد أمكن إنقاذ ۳ أشخاص منهم فقط.


من كتاب العراق في عهد قاسم،آراء وخواطر
الجزء الثاني ،دار نبز،السويد ،١٩٨٩.

شهادات عن مجزرة كركوك

جرجيس فتح الله المحامي

"قام أعضاء الشبيبة الديمقراطية والمقاومة الشعبية بوضع علامات بالصبغ على عدد من البيوت في المدينة ،أشاعت الخوف في نفوس التركمان ،وأرغمت زهاء أربعمائة أسرة تركمانية على ترك المدينة"

تقرير الأمن في ۲٩/٧/١٩٥٩

"لم يستتب الهدوء في المدينة تماما حتى بعد وصول النجدات العسكرية في السابع عشر من الشهر ونزع السلاح عن جنود اللواء الرابع ،إذ كان يسمع صدى طلقات متباعدة في أنحاء المدينة.وفرض منع التجول ونزلت قوات للمحافظة على الأمن في القلعة.وكان الرعب بسكانها قد وصل بهم إلى الحد الذي سلبهم آخر ما لديهم من الاتزان والهدوء على حد قول أحد العرفاء الذين كلفوا بالحماية في أحد المنازل ،كانت كل طرقة على الباب أو كل حركة غير اعتيادية تطلق عويلا وصراخا من النسوة.لا شك أن كثيرا منهم شاهد كما شاهد راويتي هذا ،كيف أن القتلة قبضوا على أحد الأشخاص فوضعوا حبلا برجليه وشدوهما شدا محكما ثم ربطوا نهاية الحبل بسيارة وانطلقوا بسيارتهم ورأسه يرتطم بالرصيف يمينا وشمالا حتى قضى نحبه.

عاشت المدينة خلال الأسبوعين التاليين وكأنها في حصار.لا يمكن تصور حالة الرعب التي استولت على التركمان خلال الأيام الثلاثة العصيبة إلا بإيراد بعض الوقائع.فمثلا قفزت أثمان الزي القومي الكردي إلى ما يقارب عشرة أضعافها لتهافت الناس على شرائها اعتقادا منهم أن ارتداءها سيخرجهم من دائرة الشك ويتيح لهم التخلص من رجال المقاومة التي مسكت بمداخل المدينة.ولما أدرك هؤلاء الحيلة جعلوا يشكون في قومية من ينطق بكلمة (بلاوـ التمن في اللغتين الكردية والتركمانية) فيها يمكن تمييز الكردي عن التركماني ولكل طريقته الصوتية في لفظها.."


موسوعة النهرين

الحقوق الثقافية للتركمان في ۲٤/۱/ ۱٩٧۰ لماذا منحت؟ ولماذا سلبت؟

عاصف سرت توركمان

حرم التركمان من كافة الحقوق المشروعة تحت سيطرة الحكومات المتعاقبة التي حكمت العراق أبان الحرب العالمية الأولى بعد دخول القوات الإنكليزية وتتويج فيصل الأول ملكا على العراق في ۱٩۲۱م۰ واستمرت معاناة التركمان حتى استلام حزب البعث زمام الأمور في ۱٧ تموز ۱٩٦٨ م والذي واعد التركمان والقوميات العراقية الأخرى بمنح كافة الحقوق المشروعة وضمان العيش في حرية وأمان, ولكن الرياح عصفت عكس ما توقعه الشعب العراقي, وظهرت بوادر وحشية وأهداف النظام الشريرة في السنوات الأولى من الحكم من خلال الانتهاكات اللاإنسانية والتلاعب بمقدرات الشعب, وعند صدور قرار منح الحقوق الثقافية المقيدة للتركمان في ۲٤/۱/۱٩٧۰م, ظن التركمان أن قيود الأسر قد فكت ولكن في الحقيقة كان هذا القرار تمهيدا لتصفية التركمان في العراق وبداية لسياسية الصهر والتعريب۰ كان النظام يترقب الظروف عن كثب للنيل من التركمان في اللحظة المناسبة وأن مسبقات ومعقبات هذا القرار قد أولد سياسة القضاء على التركمان وكان فخا مدروسا من الفخاخ البعثية والتي ثبت فيها الحزب الحاكم الشخصيات التركمانية البارزة ووجهائهم ومثقفيهم وألحقت الكثير من الاضرار بالشعب التركماني من خلال عمليات الاعتقال والقتل والتعذيب والتشريد والاضطهاد في وطنهم العراق، ونتيجة هذه العمليات الغادرة تفتتت النخبة المثقفة من الشعب التركماني من المعلمين والمدرسين وأصحاب الشهادات ورجالات الدين وتضررت البيوت التركمانية الامنة ولم يبق في كركوك وضواحيها بيت إلا ومسها ظلم النظام، وعم السواد في بيوت التركمان من كثرة الشهداء والمفقودين الذين أرسلوا إلى الحرب عنوة۰ وفي مثل هذه الظروف عاش الشعب التركماني في ظل النظام الجائر في العراق ويقدم الضحايا, فالسجون قد اكتضت وحتى المقابر قد امتلئت ولا أحد يستطيع أن يقول لماذا؟ أليس العراق للعراقيين؟ أليس التركمان جزء من هذا الشعب؟ وألم يقدموا آلاف الشهداء في سبيل الوطن؟

نص قرار رقم ٨٩ صادر من مجلس قيادة الثورة في ۲٤-۱-۱٩٧۰ والموقعة من قبل أحمد حسن البكر رئيس مجلس قيادة الثورة:

إن ثورة السابع عشر من تموز التي تؤمن بأن الطريق المؤدي الى زيادة مساهمة المواطنين في خدمة هذا الوطن وترصين الوحدة الوطنية وتعزيز الوحدة الكفاحية يأتي من خلال تمتع المواطنين بحقوقهم المشروعة۰ وايمانا من الثورة بحق الأقلية التركمانية في التمتع بحقوقها الثقافية في المناطق التي تسكنها لذا قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ ۲٤-۱-۱٩٧۰ ما يلي:

۱- تدرس اللغة التركمانية في مرحلة الدراسة الابتدائية۰
۲- جعل كافة وسائل الايضاح باللغة التركمانية في جميع المدارس التي ستدرس بهذه اللغة۰
۳- استحداث مديرية الدراسة التركمانية في وزارة التربية والتعليم۰
٤- تمكين الادباء والشعراء والكتاب التركمان من تأسيس اتحاد لهم والعمل على مساعدتهم وتمكينهم من طبع مؤلفاتهم وتوفير الفرص لزيادة قدرتهم وقابلياتهم اللغوية وربط هذا الاتحاد بأتحاد الادباء العراقيين
۰ ٥- استحداث مديرية للثقافة التركمانية ترتبط بوزارة الثقافة والتعليم۰
٦- أصدار صحيفة أسبوعية ومجلة شهرية باللغة التركمانية۰
٧- زيادة البرامج التركمانية في تلفزيون كركوك۰

فوجئ التركمان بهذا القرار لكونه أول قرار يصدر من قبل الدولة تمنح فيها الحقوق الثقافية للتركمان وحرية التدريس باللغة التركمانية بعد أن كانت تدرس في المدارس الابتدائية وقد منعت من قبل حكومة ياسين الهاشمي في العهد الملكي في عام ۱٩۳٦م، وظن البعض أن منح الحقوق الثقافية للتركمان هي بداية للحقوق الاخرى التي سوف تعطى فيما بعد ولكن القسم الاكبر من التركمان كانوا على يقين بأن اعطاء مثل هذه الحقوق المفاجئة أشبه بالسكون قبل العاصفة, هذه العاصفة التي قضت على نخبة ممتازة من المثقفين التركمان ولم يترك للتركمان فرصة مناقشة هذا القرار, ومن ذا الذي سيعطيهم هذه الفرصة لان جميع القرارات التي تصدر في العراق هي تحت تسمية (نفذ ثم ناقش) العسكرية۰

۱- تدرس اللغة التركمانية في مرحلة الدراسة الابتدائية :

فتحت بعض المدارس التركمانية الابتدائية وسميت بالاسماء التركمانية مثل ده ده هجري ( اسم شاعر تركماني), يلدز(النجوم)، قره ألتون (الذهب الاسود), أق طاش (الحجر الابيض), يدي قارداش (الاخوة السبعة), شانلي (ذو المجد), موطلو(السعيد)، ۲٤ اوجاق (۲٤ كانون الثاني)، دوغرولوق ( الصدق)، وايلري ( التقدم)۰وكذلك فأن عدد المدارس المقترح فتحها في كركوك كانت ۲۰۰ مدرسة تركمانية ولكن الذي تم فتحها فعليا هي ۱۲۰ مدرسة وكانت حجج الحكومة في هذا الصدد هو عدم وجود العدد الكافي من المعلمين التركمان لتعليم هذه اللغة بينما كان عدد المعلمين يفوق عدد المدارس التركمانية بالالاف۰ من الواضح أنه تم ذكر كلمة التركمان سبعة مرات في القرار مع التأكيد على كلمة التركمان في كل فقرة من فقراتها وهذه سياسة مقصودة لفصل التركمان عن الاتراك حيث أن هذين الاسمين متلازمين مع بعض منذ دخول السومريون الى العراق قبل ۳٥۰۰ سنة ق ۰م ۰ مع العلم أن اللغة التركمانية والتركية هي لغة واحدة مع اختلاف بسيط في اللهجة كما هو الحال مع اللغة العربية بلهجاتها العراقية المختلفة داخل العراق وباقي الدول العربية الاخرى۰ وأكد القرار على أن تكون التدريس باللغة التركمانية مع الكتابة بالاحرف العربية أي باللغة العثمانية القديمة والتي غيرت إلى الأحرف اللاتينية بعد حرب التحرير في تركيا, وكان القصد من الاصرار على الكتابة بالاحرف العربية هو الاستمرار على اللغة العثمانية القديمة لمنع تعليم اللغة التركية الحديثة وهذا معناه انقطاع الاتصال الثقافي بين تركيا وبذلك سيكون التركمان فريسة سهلة لتغيير هويتهم القومية۰

۲- جعل كافة وسائل الايضاح باللغة التركمانية في جميع المدارس التي ستدرس بهذه اللغة:

أن جعل كافة وسائل الايضاح باللغة التركمانية كانت مرحلة جيدة لاطفال التركمان في السنة الدراسية الاولى حيث أن قدرة الطفل التركماني على فهم واستيعاب المواد وباستخدام وسائل الايضاح الجيدة سوف يزيد من قابلية الطفل على الفهم ولكن عدم تواجد هذه الوسائل عرقلت من عملية التدريس وحتى أنه لم تخصص ميزانية أو نثرية خاصة للمدارس التركمانية وبذلك عمل المعلمين التركمان على جمع التبرعات فيما بينهم ومن أولياء الطلبة لسد حاجة الطلاب وكان للفنانين والرسامين التركمان دورا بارزا في دعم هذا المشروع حيث عملوا بجد ونشاط على تخطيط وتوفير وسائل الإيضاح في فترة زمنية قصيرة جدا بالرغم من الخضوع للرقابة الأمنية الشديدة وأبطلت قسما من هذه الوسائل بحجة عدم صلاحيتها للمنهاج الدراسي, ومن الوسائل المحظورة منع توضيح صور مراحل القمر والنجوم وخاصة النجمة والهلال تشبها بالعلم التركي وكذلك التحفظات في استخدام اللون الأحمر مع اللون الابيض أو اللون الازرق مع اللون الأبيض, مع ذلك فقد ناضل المعلمون التركمان في سبيل تربية وتعليم الأطفال وحسب إمكاناتهم

۰ ۳- استحداث مديرية الدراسة التركمانية في وزارة التربية والتعليم:

أن معظم الموظفين في هذه المديرية كانوا من غير التركمان ومن الموالين للحزب وحتى في مسألة تحضير المنهاج الدراسي التركماني فانها قد عهدت الى أشخاص قليلوا الخبرة وغير مؤهلين في المجال التربوي وكان مدير التربية في كركوك السيد عزالدين السردار هو المسؤول الاول عن الدراسة التركمانية وكان له الدور المباشر في عرقلة هذا القرار وذلك لانشغاله الكامل بمراقبة المعلمين التركمان أثناء الدوام وبعده وكانت تقاريره الحزبية اليومية تصل إلى بغداد حاملة الشكاوى الموجهة ضد الأسرة التعليمية التركمانية وعن عدم وجود العدد الكافي من كوادر المعلمين في حين كان مدير التربية منهمكا بنقل المعلمين التركمان الى المدارس الأخرى خارج كركوك مما اجبر بعض المسنين إلى طلب التقاعد المبكر۰

٤- تمكين الأدباء والشعراء والكتاب التركمان من تأسيس اتحاد لهم والعمل على مساعدتهم وتمكينهم من طبع مؤلفاتهم وتوفير الفرص لزيادة قدرتهم وقابلياتهم اللغوية وربط هذا الاتحاد بأتحاد الادباء العراقيين:

أن هذه الفقرة كانت بمثابة شراك الصيد للنيل من الكتاب والأدباء والشعراء التركمان حيث سهلت للسلطة معرفة الشخصيات التركمانية وقابلياتهم على الكتابة ولو أن الكتاب التركمان المشهوريين كانوا معروفين من قبل الحكومة ولكن ظهور الكتاب الشباب أقلقت السلطة وبدأت بمراقبتهم وكذلك فرضت الرقابة على المكتبات العراقية بصورة عامة وكركوك بصورة خاصة حيث وكلت عملية مراقبة الصحف والكتب والمجلات وفحص الرسائل إلى خريجي اللغة التركية من قسم الآداب من الموالين للسلطة في دائرة البرق والبريد وتثبيت عناوين المرسل والمرسل اليه وكان هذا سببا في اعتقال الكثير من التركمان۰ وفي إحدى المحلات في كركوك وجدت جريدة تركية قديمة وإذا بالاستخبارات تدخل وتعتقل الموجودين في المحل وبعد فترة سيق الجميع إلى بغداد بتهم قراءة الكتب الممنوعة وبعد التعذيب الشديد حكم كل واحد منهم بسبعة سنين۰

٥- استحداث مديرية للثقافة التركمانية ترتبط بوزارة الثقافة والتعليم:

بدأ النظام بالالتفاف حول القرار منذ اليوم الأول من صدوره واعتمدت السلطة على بعض الأشخاص الموالين للسلطة حيث تم تعيينهم في المراكز الحساسة في مديرية الثقافة التركمانية وكذلك في محطة تلفزيون كركوك۰ ورفضت وزارة الداخلية الطلب المقدم من قبل لفيف من المثقفين التركمان لتأسيس اتحاد أدباء التركمان وقدموا قائمة حول أسماء الراغبين وأهداف الاتحاد وقبل الطلب ولكن بتعيين أشخاص ليست لهم أية صلة لا بالتركمان ولا بالأدب التركماني وفرضت السلطة قائمة جديدة تحوي أسماء أخرى وبذلك أصبح الاتحاد مجمدا لجهل أعضائه۰

٦- إصدار صحيفة أسبوعية ومجلة شهرية باللغة التركمانية:

استعملت اللغة التركية الحديثة مع اللغة العربية في بداية صدور القرار في بعض المجلات منها مجلة قارداشلق ولكن سرعان ما استبدلت إلى اللغة العثمانية القديمة وعهدت وزارة الإعلام أمر إصدار جريدة (يورد) التركمانية إلى الفئة الموالية للسلطة مع رفض نشر المقالات لكتاب وشعراء التركمان المميزين وبقيت الجريدة في وضع يرثى لها وبعد الالتفاف حول القرار داهمت السلطة بيوت كتاب وشعراء التركمان واحرقوا نتاجاتهم الأدبية ومن بينهم المرحوم محمد عزت خطاط والشاعر المرحوم حسن كورم حيث حكما بالسجن لمدة سبع سنوات وكذلك الشاعر والأديب المرحوم إسماعيل سرت توركمان الذي اعتقل بسبب إصداره لمجموعة قصص الأطفال من بينهم كتاب الحنين إلى الوطن وكتاب أمير المؤمنين كرم الله وجهه حيث أحرقت جميع الكتب أمامه وجمعت البقية من المكتبات۰

٧- زيادة البرامج التركمانية في تلفزيون كركوك:

كانت البرامج التركمانية تبث من محطة تلفزيون كركوك ذات المدى المحدود بشرط التركيز على البرامج التلفزيونية الغنائية وكانت البرامج الثقافية والاجتماعية الأخرى تخضع للرقابة الأمنية الشديدة ويجب على مقدم البرنامج الحصول على موافقة مديرية الأمن العامة قبل عرض أي برنامج وكذلك اجبر المذيعون على عدم استخدام الكلمات التركية الخالصة مع تقليص فترة البث إلى نصف ساعة يوميا۰

استمرت هذه الحالة قرابة السنة وألغيت المدارس التركمانية في ۱٩٧۱م وبدون صدور أي قرار رسمي وبذلك عمت الفوضى مدينة كركوك التركمانية وبدأت إضرابات الطلبة في ۲/۱۱/۱٩٧۱ والتي استمرت أسبوعا واحدا وتجمعوا أمام مدارسهم في اليوم الأول وأغلقت الأسواق والمحلات التجارية لمساندة الطلبة ولكن قوات الأمن بدأت بعمليات القمع مستخدمين العنف واطلاق النار على المتظاهرين وتم إلقاء القبض على لفيف من الطلبة والمدرسين وبعض القيادات الطلابية التركمانية وانتهت بقتل المعلم والممثل التركماني المشهور (حسين دميرجي) الملقب بتمبل عباس حيث القي القبض عليه في ٦/۱۱/۱٩٧۱ وبعد بضعة أيام ووجد جسده الطاهر مرميا فوق الرصيف بالقرب من منزله حيث كانت علامات التعذيب واضحة على جسده الطاهر۰ وهكذا بدأت منح الحقوق الثقافية للتركمان ولم تنتهي لان بداية أخرى كانت قد بدأت في ۱٩٧۱ ولا زالت مستمرة للقضاء على التركمان في وطنهم العراق۰




موسرعة النهرين

إسقاطات سلبية على الهوية العراقية للتركمان (القسم الاول)

محمد الشمالي

بدوافع سياسية بحتة ومن اجل تحقيق مصالح ضيقة يحاول البعض التشكيك بالهوية الوطنية للتركمان او اضعافها او الغائها كتمهيد لحذف ايّ دور للتركمان في المعادلة السياسية العراقية او موقع لهم ضمن صورة المستقبل السياسي للبلد۰

ومن هذه الإسقاطات التي تؤثر سلبا على الانتماء الوطني للتركمان ما يلي:

۱-الولاء لتركيا, حيث يحاول البعض دمغ التركمان بالولاء المطلق لتركيا والعمل لمصلحتها وتحقيق خططها وطموحاتها وانهم يمثلون الدرك المتقدم لتركيا !!ويساهم البعض من السياسيين التركمان من حيث يشعرون اولا يشعرون في تعزيز هذه الرؤية عبر ادائهم السياسي الضعيف وغير المتوازن, وهكذا يرى هذا البعض أن التركمان يعانون من قلق الهوية او الازدواجية في الانتماء,وفي الرد على ذلك نؤكد ونقول:صحيح ان الدفاع القومي اصبح حالة ايجابية في واقع السياسي المعاصر وصحيح ايضا أن هناك وحدة عرقية تاريخية بين التركمان وتركيا باعتبار ان اصل كل الاثنين من اسيا الوسطى ولكن وجود التركمان في العراق اقدم من وجود الاتراك في الاناضول(تركيا) حيث ان التركمان جاءوا الى العراق بداية العهد الاموي بينما جاء الاتراك الى الغرب وسكنوا الاناضول في فترة ضعف الدولة العباسية۰

إذن التركمان ليسوا جالية تركية سكنت العراق كما في قبرص او من بقايا الدولة العثمانية وتركتها كما يظن البعض،ومن هنا لا يمكن الطعن بولاء التركمان وهويتهم الوطنية بذريعة ان هناك وحدة عرقية بينهم وبين الاتراك,حيث ان هناك وحدة قومية اشد بين العرب العراقيين وغيرهم في البلدان العربية الاخرى فلماذا لا يتم التشكيك بهويتهم العراقية,هذا من جهة الوحدة القومية, اما من الجهة السياسية قد تكون هناك جهات سياسية من القوميين التركمان تتلقى الدعم المادي والسياسي من تركيا, غير ان هناك جهات سياسية عراقية-تكاد تكون الكل-كثيرة تتلقى الدعم من هذه الدولة او تلك نتيجة الانسجام العقيدي او القومي او السياسي او جراء التقاء مصالح,لماذا فيما يتعلق بالتركمان بهذا الصدد يعتبر تشكيكا في وطنيتهم وموردا للطعن والاتهام بينما لا تثار لدى الاخرين مثل هكذا شبهات۰

*نائب الامين العام للاتحاد الاسلامي لتركمان العراق
**مقتتطفات من النشرة الداخلية للاتحاد الاسلامي لتركمان العراق
للموضوع صلة۰۰۰


مجلة تركمان العراق

وحدة الكلمة للقوى السياسية التركمانية هي المخرج الوحيد

نشأت أحمد

بعد سقوط النظام البائد في بغداد, ودخول القوى العراقية المعارضة بكافة تلاوينها وانتمائاتها الى العراق والعمل الحقيقى داخل الامة بكل شرائحها وطبقاتها الاجتماعية والسياسية بشكل مباشر ومفتوح بعد عقود من السرية والملاحقة والغربة, وما تلتها من احداث سياسية متعاقبة والتي افرزت معطيات كثيرة في وضع اقليمي ودولي جديد. هذا المركب من المتغيرات فرض على القوى العراقية بشكل عام مراجعة الذات والتأمل لمسيرتها الطويلة وبناء هيكلية جديدة تتناسب والوضع القائم ، واسلوب عمل جديد يتلائم مع هذه المعطيات ويرفع القوى الى مستوى المسؤولية لادارة العملية السياسية والصراع السياسي المتنامي وسط تحديات دولية واقليمة معقدة, والاستعداد لاستلام مسؤولية ادارة البلاد واخراجه من دائرة الازمة وبناء المؤسسات المدنية والتي تؤهله الى وضع العراق في موقعه الطبيعي كدوله قائمة على المرتكزات الاساسية المتينه.

إذا كان هذا ما يتوجب على مجمل القوى الوطنية العراقية فإن على القوى السياسية التركمانية مسؤوليات اكبر وتحديات اعظم لما اصابتها من إخفاقات في المرحلة السابقة مما أثّر سلبيا على حضورها في مواقع القرار وعلى أدائها الميداني نتيجة تقاطع المصالح بينهم وبين قوى داخلية متنفّذة في الساحة العراقية وبينهم وبين قوى التحالف نتيجة انعكاس ازمة سياسية بين أطراف إقليمية ودولية مما ادى الى اخذ التركمان في العراق بجريرة تلك الازمة السياسية وتجسّد ذلك بالانحياز ضد التركمان في داخل العراق.هذا بالاضافة الى تقاطع المصالح الدولية في المناطق التركمانية الغنية بالثرواة الطبيعية وعلى رأسها البترول, ومحاولات البعض من فرض واقع ديمغرافي افتراضي جديد والبناء عليه في الدوائر السياسية, وكذلك الاثار السلبية التي خلفته ممارسات النظام البائد والذي مارس سياسة شوفينية ضد التركمان لاجتثاث وجودهم وتعريب مناطقهم. وإذا اضفنا الى كل هذا حالة التشتت والتفرقة في صفوف القوى السياسية التركمانية. وتلحظ في الوسط التركماني اتجاهان سياسيان اولهما الاتجاه القومي يتبنى الايدولوجية القومية والافكار والتصورات المعبرة عنها ويمثل هذا الاتجاه أحزاب وشخصيات سياسية لها برنامجها السياسي الخاص, ولها أنصار واتباع في الوسط التركماني، والتركمان ليس كلهم قوميون بالمعنى السياسي الذي يؤمن به هذا الاتجاه حالهم في ذلك حال القوميات الاخرى والتي فيهم قوميون واسلاميون ومستقلون، وفيهم من لا شغل له بالعمل السياسي رغم إعتزازه بلغته وبخصوصيته. وثانيهما الاتجاه الاسلامي والذي يتبنى الايديولوجية الاسلامية ويعمل من خلال ذلك على خدمة التركمان وعقيدتهم ويجاهد من أجل حقوقهم بناءاً على الافكار والتصورات الاسلامية التي يؤمن بها أنصار هذا الاتجاه ويمثل هذا الاتجاه عدد من الحركات والشخصيات العلمائية والكوادر المؤمنة ولهذا الاتجا حضور قوي في الساحة من خلال حجم الشهداء الاسلاميين التركمان وتضحياتهم.

وأمام هذا التداخل المعقد والابواب المؤصدة بوجه القوى السياسية التركمانية أصبحت هذه القوى تخسر موقعا بعد اخر ودفعت ثمن هذا التشتت وعدم بلورة إطار وحدوي لهذه القوى، من هنا فالموقف اللازم والخطوة الجريئة المرتقبة لتحقيق هدف الاستمرار وتحقيق اهداف الشريحة الثالثة في العراق هي الالتقاء المباشر بين فصائل هذه القوى, أولا من خلال اللقاء بين دوائر الجهه الواحدة ثم بين الجهات المختلفة ليتشكل الاطار الذي يحفظ التعددية ويوحد الجهد المشترك على الصعد المختلفة.

فالاتجاه الاسلامي بحركاته وكوادره ومستقليه مطالبً أكثر من غيره وأمامه تحد خطير أكثر من غيره ولا مناص لهم إن أرادوا الاستمرار وأداء التكاليف وتحمل المسؤولية الحقيقية أن يبادروا بسرعة لمراجعة نقدية قاسية ومحاسبة ذاتية شاملة تسمو على الحسابات الذاتية والمصلحة الشخصية والحركية, لان هذه المحاسبة تنطلق من اساس شرعي واسلامي لم يصل اليه أي خطاب إنساني حضاري حيث تختفي فيه الذات تماما, وإذا كان الجميع امام هذه المسؤولية فان الاسلاميين مدعون أكثر بهذه المراجعة حتى لا ينهدم الكيان التركماني على رؤوس الجميع ويختنقون تحت حطام مشاريع المتربصين, ومسؤوليتهم أكبر لانهم يمتلكون رصيدا شعبيا ضخما وتراثا مضمخا بالدم وقدرات لم تتمكن الة الموت الصدامية القضاء عليها طوال سنوات حكمه المشؤوم في العقود الثلاث الماضية.

فما ينطبق على الاسلاميين ينطبق على الاتجاه القومي أيضا مع النقد القاسي لاداء الجبهه التركمانية لأكثر من العقد من الزمن إذ لا يمكن التخلص من كل تلك الاخفاقات بتحميل بعض الاشخاص بتلك المسؤولية, وتلك الاخفاقات الخطيرة والتي أخرجت التركمان من تلك المرحلة صفر اليدين. ومن سُنة الحياة أن يتعكز الانسان على تجاربه وتجارب الاخرين ودراسة التاريخ والاستفادة منه، والتجربة الاخيرة في اقامة الجبهة التركمانية لمؤتمرها الثالث واسلوب التحضير له, والعنوان الذي حمله, والالية الاستحواذية التي نهجها, لا تشير الى إتعاض القائميين عليها من إخفاقاتهم ومن اسحقاقات تلك التجربة, إذ أثبتت الجبهه إنها لازالت تعيش الحاضر بعقلية الماضي، وكأنها لم تدرك إن موسم الادعاء (إدعاء التمثيلية للشعب) قد تم حصاده في مجلس الحكم والتشكيلة الوزارية ونحن الان أمام مرحلة جديدة لها استحقاقات تختلف جذريا عن المرحلة السابقة. وليس من حق جهة أن تدعي تمثيل شعب كامل حتى ولو مدّ ظلها على كل أطراف ومناطق ذلك الشعب, وليس من حقها اخراج أو سحب الشرعية من هذه الجهة أو تلك لمجرد عدم توافقها مع متبنياتها وتوجهاتها، نعم من حقها أن تطرح افكارها وتصوراتها وتختار الية تحركها حسب برنامجها السياسي.

والتركمان في هذه المرحلة بحاجة الى قيادة سياسية واعية جريئة تجيد اللعبة والعلاقات السياسية, كفوءة لادارة الصراع السياسي في ساحة غارقة بالعمالقة السياسيين، قيادة قادرة على تحقيق اهداف التركمان والمتمثل بتحقيق الحقوق السياسية والقومية لهم ضمن إطار قانوني محدد كشريحة عراقية إسوة ببقية شرائح الشعب العراقي.