نعم، اليوم ظهرت الحقيقة والوجه الحقيقي للقوات الامريكية وماعملوا من أساليب التعذيب وتجاوزوا ابسط حقوق الانسان. ان ماحصل من التجاوزات في ابو غريب لم ولن نسمع او نرى من ذي قبل في كل العالم؟ ولكن ثمة حقيقة او تجاوزات حصلت لمعتقلين وسجناء سياسيين في زمن حكم الطاغية صدام اكثر بكثير مما حصل اليوم؟ والابشع من ذلك هناك قصص واقعية لتجاوزات واساليب التعذيب حصلت في سجون ومعتقلات دوائر الاسايش الخاص بالاحزاب الكردية في مدن أربيل والسليمانية ودهوك أضافة الى السجون الاعتيادية في تلك المدن. وان الجلادين في هذه الدوائر والسجون الكردية هم انفسهم كانوا المسؤولين في زمن حكم صدام والبعض منهم كانوا من جلادي دوائر الامن ومنظومة الاستخبارات الشمالية ومديرية أمن الشمالية؟ وهم درسوا وتعلموا على ايدي الجزارين والمجرمين المحترفين في مدارس البعث المهزومة.
لذلك لا اتعجب عندما ارى جلال الطالباني يطل علينا ويصرح ببساطة هذه الامور ويطلب بعدم تفعيل وتظخيم تلك الجرائم في سجن ابوغريب؟
قبل مغادرتي مدينة اربيل في عام ١٩٩٣ كنت جالسا في مكتبي ودخل علي صديق ومعه اخر لم اعرفه وكان علامات التعب وبعض الخدوش على وجهه. وطلب مني صديقي (ي. خ. كوره جي) الاستماع الى قصة هذا التركماني المسكين حيث كان قبل ايام اطلق سراحه من سجن الاسايش. وطلب تسجيل ذلك كوثيقه تاريخية لتجاوزات الاكراد بحق التركمان وارسال هذه المعلومات الى منظمات حقوق الانسان.
وبالفعل احضرت جهاز التسجيل وطلبت منه ان يتكلم بالتفصيل بدون خوف او تردد. لانه كان لايزال خائفا ومرتبكا من شدة الصدمة وماحصل له. وبدء يتحدث.
سيدي.. انا اسمي (ح. كمال التونجي) واسكن مدينة اربيل محلة.... واعيش مع عائلتي ونحن من اقدم العوائل التركمانية في المدينة لم نتعرض لاية مضايقات ولم يحصل ان دخل احد افراد عائلتنا السجون او مراكز الامن والشرطة. ولكن ماحصل لي من الظلم وفي زمن من بعد انسحاب ازلام صدام من المنطقة وعلى ايدي اخواننا الاعداء من الاكراد كانت اتعس. هذا اخر شيء كنت اتوقعه؟ لاننا صدقنا على ان دوائر الامن والسجون والمعتقلات دمرت وخربت على ايدي الشعب العراقي في انتفاضة عام ١٩٩١. وقلنا اننا سوف نعيش في الامان وسوف تكون المنطقة أمنه وتحت حماية الامريكان وتتواجد في عينكاوه عشرات المنظمات الانسانية والخيرية لمساعدة الشعب العراقي المظلوم؟
باختصار.. كنت جالسا في محلي الذي أملكه للصياغة في سوق الصياغ داخل سوق قيصرية في اربيل. دخل عليّ رجلان. كان احدهم يتحدث بالسورانية والاخر بالبهدينانية. وقدموا انفسهم على أساس هم جاؤوا ممثلين عن المكتب السياسي لليكيتي (حزب الطالباني) وقالوا لي: عليك التبرع بالذهب للحزب على اساس الدعم المادي للعوائل الفقيرة و للشهداء! وبالطبع فكرت أن الامر أعتيادي ويكون خيرا وصدقة وزكاة لهؤلاء الفقراء وعوائل الشهداء! واخذت من المعرض سلسلة ذهبية كانت تزن حوالي مثقالين، ووضعت السلسلة أمامهم وقلت لهم شاكرا تفضلوا. وفي نفس اللحظة وخلال رمشة عين أخذ احدهم السلسة وألصقة بشدة على جبيني وقال (اتضحك علينا.. ضعها على حالك)
فتحيرت من أمرني. وسالت نفسي ماذا يريدون هؤلاء؟ وأستفسرت منهم عن طلبهم وكيف يكون الدعم والتبرع بالذهب؟ فقال الاخر (التبرع لايكون أقل من كيلو ذهب!!!!!). وأنذاك حصل ما حصل لاني أنفعلت كثيرا وليس من العدالة و الانصاف التبرع او بالاحرى قبول دفع رشوة على هذا الشكل ومن المعيار الثقيل! وكيف يمكن التبرع باتعاب عرق الجبين لسنوات طويلة؟ وقمت بطردهم من المحل وهم بدورهم هربوا حتى لاينكشف أمرهم. وجاء الجيران وأستفسروا عن ماحصل، وقلت الامر بسيط وسوء تفاهم. في ذلك اليوم بقيت في المحل كباقي الايام الاعتيادية وفي المساء اغلقت المحل وذهبت لكراج السيارات في محلة التعجيل بالقرب من السوق وركبت سيارتي وذهبت للبيت بشكل اعتيادي ولكن كنت افكر طول اليوم عن ماحصل لي وكنت خائفا وقلقا من رد فعلهم. وكنت أحيانا أقول من الممكن أن يكون هؤلاء من النصابين وجاؤا منتحلين صفة المسؤولين عن تلك الحزب.
وصلت البيت ومن هناك أتصلت بزوجتي لآنها كانت تبقى عند اهلها في اوقات النهار وكنا متزوجين قبل حوالي أشهر. واودعها عندهم وكانوا يسكنون بالقرب منا. وقلت لها سوف أحضر بعد قليل. وبعد ان اغلقت التلفون سمعت صوت جرس الباب. وفتحت الباب لاجد سيارة لاندكروز خاكي اللون والمسلحين وفي لحظات أدخلوني البيت وطلبوا مني عدم المقاومة والذهاب معهم بدون اي صوت او طلب اغاثة وقالوا نحن من جماعة الاسايش. واعطوني الفرصة لاغلاق الابواب واطفاء الانوار. خوفا من الحرامية وعدم صرف الكهرباء بدون مبرر!!
وقال: لا أطيل عليك أستاذي الفاضل.. المهم.. دخلت سجن الاسايش بتهمة أهانة اعضاء من المكتب السياسي وعدم الولاء للحزب (الحزب لاعلاقة لي بهم.. انا تركماني وهم اكراد) والى أخره من التهم!
وطلبت ان اتصل بالاهل والاقارب، ولم يعطوني المجال لاي شيء وبدؤا معي الاهانة واتباع اساليب بعيد جدا عن القيم الانسانية والاخلاقية. في أول الايام بقيت في سجن أنفرادي صغير جدا وكنت انام على ارض جرداء وكانت هناك فقط صفحات من جريدة قديمة لمعتقل سابق مثلي. وقطعوا عني الاكل وكانوا يعطوني مرتين الماء فقط. وكنت ارى نور اللمبات في الممر الذي امام غرفتي فقط عندما يفتحون الباب ومن ثم كنت وكاني داخل صندوق مغلق! وفي الليل كانوا ياخذونني من الغرفة ليستهزؤا مني ويسخرون من التركمان ويتهمونني بالطورانيين ويضحكون عليّ. وفي أحد الليالي جردوني من ملابسي حتى الداخلية. وقال أحدهم: انت تقول أني صائغ وملاك؟ ولكن الان لاتملك حتى اللباس؟
ومن ثم بدؤا بضربي وركلوني في أنحاء جسمي. وكنت ممدا على الارض وجاء أحدهم فقال لي: هل هذا يؤلمك؟ ووقعت مغشيا لساعات طويلة وأخذوني للغرفة مرة أخرى.
كان يفعلون ذلك بدم بارد وبلا مبالاة. وتكررت مراسيم التعذيب وأستعملوا انواع الطرق. ولاحاجة لذكر التفاصيل لاني أخجل من التحدث؟
وبعد حوالي أسبوعين وبعد عناء طويل من ملاحقة المسؤولين واللصوص ومافيا الاحزاب الكوردية توصل عائلتي لاخباري وعلموا بامري. وأخرجوني من الجهنم الكردي!
وعندما أوصلوني للبيت لم أكن قادرا على الاستفسار عن أحوالهم وكيفية أطلاق سراحي. وبقيت في الفراش حوالي أسبوع للعلاج من قبل طبيب أخصاصي موثوق فيه. وبعد أن تحسن اوضاعي طلبت من والدي التحدث عن كيفية اطلاق سراحي.
فقال: المهم أنتهت الامور ورجعت للبيت سالما ولاداعي للتفاصيل. وقد دفعنا حوالي كيلو ونصف من الذهب كرشاوي ودعم للحزب وعوائل الفقراء والشهداء وعصابات المافيا.
هكذا استمعت الى الصائغ لاكثر من ساعتين وسجلت قصته كاملة. وطلب الرجل مني ان اسجل هذه المعلومات واحتفظ به كوثيقة انتهاك لحقوق الانسان من قبل الميليشيات الكردية.
يعتبر هذه الحادثة كنقطة من بحر الانتهاكات في حق الابرياء من التركمان. وهذا المسكين خرج سالما وتعافى من الجروح بسبب أمكانياته المادية. وياترى مالذي حصل مع اذين لاحول له ولا قوة لهم ماديا و معنويا؟