!مذابح الفلـّوجة: أهي عقاب أمريكي خاص للسـنّة أم محاولة لتركيع للعراقيين جميعا؟
تتكون شعوب العديد من دول العالم من قوميات وأعراق وأديان وطوائف عديدة و مختلفة لكنها تتعايش بحالة من الوئام والتألف فيما بينها وتعيش بأمان وأستقرار الى حد كبير لتخدم بولاء كامل وبكل تفاني دولها كل من موقعه وكل من عمله سـوىّ العراق. فالعراق هو الدولة الوحيدة التي تتناحر فيها مكوناتها المختلفة باستمرار دائم دون الوصول الى حل عادل لها ليضمن الأستقرار والطمأنينة لشعبه. ولا يعلم أحد سر هذا التناحر الدائم بين المكونات العراقية وهل أن مصدره هو عامل وراثي يتحكم فينا ويميزنا عن الشعوب الأخرى أم أن الله تعالى يستجيب لدعوة سيدنا على (رض) عندما قال "ملئتم قلبي قيحا يا أهل العراق. . لا بارك الله فيكم"، أم انه عقاب الهي منّا لما فعله بعض سفهائنا عندما قتلوا وسحلوا العائلة المالكة الأبرياء في العراق في ١٤ تموز ١۹٥٨ ثم كرروها في كل من الموصل وكركوك في عام ١۹٥۹ أم أن هنالك عوامل وعناصر خارجية أخرى تتداخل لتفرز هذا الواقع المزري الذي يدمي القلوب والعقول معا.! ! وهذا الوضع المؤلم للحالة العراقية الخاصة يذكرني بقول الله عز وجل في سورة هود – الآية ١١٧" وما كان ربك ليهلك القرى وأهلها مصلحون" صدق الله لعظيم.
فلقد أستبشر الكثير من العراقيين خيرا بزوال النظام السابق على يد القوات الأمريكية وقوات التحالف لكن المعطيات الجديدة التي أفرزتها المرحلة مابعد زوال النظام لا تبـشّر بالتفائل أبدا و تؤكد زيف الأهداف المعلنة للأ دارة الأمريكية في أحتلال العراق. فقد تلت زواله عمليات حربية غادرة لهدم هيكل العراق وأغتيالات سياسية للقضاء على العناصر الوطنية وتصفيتهم وطروحات أنفصالية لتقسيم العراق الى أجزاء صغيرة ثم الأتيان وتأسيس بمجلس حكم غير متجانس وبعض عناصرها مرتبطة بالغرب وغريبة على البلد والدعم اللا محدود للقيادات الكردية وتهميش التركمان وتأجيج الفتن الطائفية بين السنـّة والشيعة وضربهما على يد حاكم مدعوم له تأريخ حافل بالعمل لصالح المخابرات الغربية عيّن من قبلهم لتصفية الحسابات السابقة و لتركيع العراقيين وفرك أنوفهم بالوحل.
فالسيد أياد علاّوي يدّعي (نيابة عن الأمريكان) بأن المقاومة الوطنية هي العائق في طريق أجراء أنتخابات ديمقراطية (ويقصد هنا آنتخابه هو بالطبع) وأعطاءه الشرعية الدولية المطلوبة كرئيس للعراق ولأعوانه، لذا فلابد من تصفيتها أولا على يد القوات الأمريكية والحرس الوطني والقوات الكردية المسلحة الموالية لأمريكا! . فقد أبتدأ في أظهار مسرحية محاكمة "صدام حسين" الصورية القصيرة في نهاية حزيران كبيان للعراقيين بأنه في موقع القدرة الكاملة والمسئولية في محاسبته وتوجيه التهم له ثم أنتهى الأمر عند هذا الحد دون متابعة. ثم أستعرض عضلاته فعرج على أخوتنا الشيعة من أجل كسر شوكتهم وتلقينهم درسا أمريكيا في كل من النجف وفي الجنوب. ولربما نجح بحول الأمريكان وقوتهم الصاروخية في لوي ذراعهم بعد أن دمّرت القوات الأمريكية المراقد المقدسة والمساجد وقتلت الآف الأبرياء ممن لا علاقة لهم بما يجري في البلد! ثم ألتف على تلعفر بعد أن نجحت القيادات الكردية في أستفزاز و أقناع الأدارة الأمريكية بالخطر القادم من تلعفر (وكان ذلك رد فعل على مقتل حاكم تلعفر الذي فرض من قبل القيادة الكردية أنذاك) فقامت في حربها الشرسة بالتنسيق مع المليشيات الكردية المسلحة ضد التركمان في مدينة تلعفر لتصفيتهم بحجة أيوائهم للعناصر الأرهابية والمقاومة والقادمة من سوريا. وكانت الأدارة الأمريكية طيلة الوقت لا تتوقف عن معاقبة المقاومة المسلحة في مايسمى بالمثلث السّني بحجة وجود "الزرقاوي" وجماعة القاعدة والمجاهدين الأسلاميين وعناصر من رجال " فدائيي صدام حسين" والعناصر البعثية المؤيدة له الذين وصفتهم بالأرهابيين! . ثم جاء دور مدينة سامراء فالتف عليها ودمـّرها هي الأخرى وقد قتل أكثر من ١٢۰ شخصا فيها عدا الجرحى بحجة وجود عناصر من فدائيي صدام والأرهابيين.
وأخيرا بدأ الهجوم الكاسح على الفلـّوجة الباسلة في محاولة للقضاء على المقاومة بشكل كامل بغية أفساح المجال لمسرحية الأنتخابات العراقية القادمة بعد أن أعترف السياسيون الأمريكان والغربيون عن تورطهم في الحرب و فشلهم الذريع في تحقيق الأهداف المرسومة من ألأحتلال وفشلهم في سوء تقدير حجم المقاومة العراقية المتنامية ضدهم وحتى فشلهم في القضاء عليها. فالصحف الغربية تؤكد سوء أدارة الحرب وخطأ بريطانيا والدول الغربية الأخرى في تحالفها مع أمريكا ضد العراق من أجل البترول بسبب الخسائر البشرية الجسيمة التي جنتها منذ أذار ٢۰۰۳ ولحد الآن.
وتأتي الحملة الشرسة الجديدة على الفلوجة متزامنة مع باكورة أوامر جورج بوش في نشوة فوزه في الأنتخابات الأخيرة وأستمرار ولا يته لفترة أربعة سنوات أخرى مما يبشر بأستمرار الكابوس الحالي على العالم أجمع. فما فشل بوش بتحقيقه في الأربع سنوات الأولى من عمر ولايته قد عزم على تحقيقها في فترة ولايته الثانية ليبرهن لشعبه وللعالم أنه قادر على قتل الأبرياء بالصواريخ والمروحيات والمدافع والقنابل العنقودية بحجـّة القضاء على بؤر الأرهاب العالمي وخلق حياة أمينة للأمريكان! .
والجدير بالأنتباه بأن الأعلام الغربي الماسوني المضاد للأسلام وللعرب يضفي على الموقف الأمريكي من مسألة الحرب ضد العراق الشرعية الدولية ويبرره بأنه حالة الدفاع عن الحضارة الغربية والأنجازات العلمية المكتسبة بفضل التقدم الهائل الذي وصلته الغرب وأن الأسلام هو الذي يمـّول الأرهابيين ضدهم! وتتذرع بذلك بذرائع واهية ووعود خيالية كاقامة الديمقراطية في العراق وأجراء أصلاحات سياسية وغيرها من الأكاذيب التي تجسـّدت لنا بوضوح على شكل قنابل ودمار شامل للبلد والتقسيم وحكم الماسونية والفساد وتركيع الشعب العراقي ومحاولات لأذلال الأسلام وأضعافه وفرض الهيمنة الأستعمارية علينا وأبتزاز ثرواتنا وجعل العراق ساحة لتجربة أسلحتهم الفتـّاكة وتدريب ضباطهم وجنودهم (وللأسف حتى بعض الضباط العرب من اللبنانيين وغيرهم يشاركون الآن في قتل العراقيين) في حروب فعلية في منطقة الشرق الأوسط بعيدا عن الأراضي الأمريكية والأوربية.
فالحرب ضد العراق لم تبدأ بعد أحداث التاسع من أيلول ٢۰۰١ (الذي كان لكل من المخابرات الأمريكية والصهيونية -الموساد - دور وعلم فيها) كما يدّعي بعض المثقفين العرب أرضاءا لآمريكا. بل أنها بدأت بعد الحرب العالمية الثانية عندما عقدت الدول الأوربية العزم مجتمعة فقررت أنهاء حالة الأحتراب وعدم الدخول في حروب فيما بينها أبدا بل أبعادها عن أراضيها أذا كان لابد منها. وكان لذلك ما يبررها حيث الحاجة الماسة الى ثرواتنا الوطنية والبترول المتدفق من أراضينا ولتمكين أسرائيل في الأرض. فمن هنا بدأ مشروع التغـييـر العربي من قبل الغرب وليس بعد ۹ أيلول ٢۰۰١! .
وما يؤسفنا حقا أن نقرأ لبعض الكتـّاب العراقيين أو نسمع لبعض المثقفين العرب في القنوات الفضائية طروحات تتماشى مع نغمات السياسة الأمريكية والغربية في تحميل العرب جميعا والعراق خاصة أسباب الحروب الأوسطية الأخيرة وأن هذه الدول (ومنها العراق) هي السبب المباشر في جلب القوات الأمريكية والأوربية الى العراق لتدميره! ! فهذه الطروحات تعتبر تزييفا للحقائق وخرافات وأوهام لا أساس لها وتبرير للعدوان الغربي على البلد وكلام غير منطقي لا يرددها سوى دعاة الماسونية من المأجورين من العرب الغربيين الذين يدّعون بالتحرر والليبرالية وربط أرادة شعوبنا بسلطة الغرب.
صحيح أن العالم قد تغـّير وعلينا أن نتغـّير وفق المعطيات العالمية لنتماشى مع التغيير ونساهم فيه لكن شريطة أن لا يكون التغيير على أساس كرامتنا الوطنية ومبادئ ديننا وعزة نفسنا التي يجب أن لا تـدّنس. فا لعالم يعرف جيـّدا أن أعمال المقاومة الوطنية هي حالات للدفاع عن النفس وعن الكرامة وردود فعل لجرائم ترتكب على أيدي القوات الأمريكية وعملائهم ضد العراقيين وليست مجـّرد عمليات قتل عشوائية كما يحلو للبعض و يحاول وصفها بــ (الأرهابية) و لغايات معروفة.
فأمريكا ليست حريصة على شعوبنا ولم تكن يوما كذلك ولن تكون مستقبلا. بل أنها حريصة على مصالحها الذاتية فقط ولها حساباتها الخاصة التي لا يفهمها الكثيرون ممن يدّعون الثقافة والعلم أو لا يصدقونها. وهذه الحرب الدائرة الآن في المثلث السني (كما يصفها الغرب) ليست عقابا جماعيا لأهل الفلـّوجة الأبطال فقط ولا للسنّة من الأسلاميين ولا هي للقضاء على الأرهابيين كما يدعـّون بل تدمير و حرب أبادة للعراق والعراقيين وتهديد للدول المجاورة والعربية ودرس لهم جميعا لتركيعهم وهز كيانهم وأركان أنظمتهم كما تشتهي النفس الغربية والأمريكية السادية. هذا في الوقت الذي يرقد "كوفي عنان" (السكرتير العام للأمم المتحدة) في سبات عميق لا يريد الأستفاقة منه لطالما عمليات ضخ الدولارات الأمريكية لحسابه في البنوك مستمرة! فالعراقيين في عالم وهو في عالم أخر فلا علاقة له بالأحداث والمذابح الأمريكية ضد هم.
فلقد تجاوزت أعداد الشهداء من العراقيين منذ بدأ الحرب القذرة والى الآن أكثر من ١٥۰ ألف أكثرهم أما ضحايا القصف الجوي العشوائي والتفجيرات والأغتيالات والعجلات المفخخة وغيرها. أمـّأ أعداد قتلى (الأمريكان فقط) والمعلنة هي أكثر من ١٥۰۰ عسكري (أي بنسبة ١ أمريكي: ١۰۰ من العراقيين) ما عدا الجرحى.
وأنا كعراقي مستقل أستنكر كل أشكال الأرهاب والأغتيالات والقتل ومصادره ولكني أقول كلمة الحق وأرى أن هنالك مبادئ وطنية عامة يجب أن لا يختلف أحد من العراقيين حولها بغض النظر عن الميول والأنتمائات السياسية وعلى المحتلين أن يفهموننا بدورهم أيضا:
١). يجب أن نفهم جميعا بأن الدور الأمريكي قد أنتهى بسقوط النظام وعليها أن تسحب قواتها وكذلك القوات الحليفة لها من العراق وبعكس ذلك فأنها كاذبة في أدعاءاتها حيث لم تفي بألتزاماتها الخاصة بأسقاط النظام فقط بل لها أطماع أستعمارية مرفوضة من قبل العراقيين.
٢). أن أعمال العنف التي تحدث على المستوى اليومي في مناطق العراق المختلفة (بغض النظر عن هوية القائمين بها) لهي تحصيل الحاصل وردود أفعال ضد الوجود الأمريكي في البلد وأنها ستتوقف حال خروج أخر جندي من العراق. علما بأني ضد تلك التفجيرات الدامية لأنها تحصد الأبرياء من الناس وتدّمر الأخضر واليابس.
۳). أن كل من يؤيد ويبررأسباب وقوع هذه المجازر والمذابح بشكل أو بأخر والتي ترتكب ضد السنـّة والشيعة والعرب التركمان من العراقيين ويحـمـّل العراقيين فهو خائن لمبادئ وطنه وشعبه.
٤). أن القيادات الكردية بتحالفها مع الأدارة الأمريكية وأصرارها على تقسيم العراق وأقامة ما يسمى بكردستان أنما تورط شعبنا الكردي في مستقبل دموي وترتكب خيانة وطنية سوف تدفع ثمنها باهضا عندما تتنصل عنها حليفتها أمريكا بعد أن تأسيس حكومة وطنية عراقية في المستقبل القريب. .
٥). أن العراقيون (بكافة قومياتهم وأديانهم وطوائفهم) يجب أن يتناسوا خلافاتهم ويتوّحدوا ضد العدو المشترك. وعلى القبادات الكردية أن تعي حقيقة أن الشعب الكردي هو جزء ومكوّن أساسي من الشعب العراقي وقوته بقوة العراق وضعـفه بدونه.
٦). أنا لست ضد مبدأ الأنتخابات المزمع أجراءها في العراق في يناير ٢۰۰٥ ولكني أرى أنها ستكون مزيّفة مسبقا وهي ذريعة واضحة لأضفاء الشرعية الدولية على المرشحين. والفائزون فيها هم نفس الوجوه الحالية الحاكمة سوف لن تتغير، لذا فلا موجب لها فهي مسرحية أمريكية. وانصح جميع الأخوة الذين ينادون بها ويروّجون لها أن يراجعوا أنفسهم قبل التطبيل والمنادات بها بأعلى صوتهم. وعلى الأخوة الكتّاب العراقيين الذين يتجرأون بالهجوم والتهجم على هيئة علماء السـّنة أن يكفـّوا عن شتائمهم الحادة ضدّهم فأن تلك الشتائم الرخيصة أنما هي دليل على ضحالة الحجـّة وفقر المنطق لدى هؤلاء الكتـّاب أضافة الى كون تلك الشتائم لا تنسجم مع الأخلاق العامة التي يجب أن تتوفر لديهم كشرط لكسب أحترام الآخرين لهم ولكتاباتهم. والذي لا يجيد سوى الشتائم فما عليه سوى أن يهجر متابعة الأخبار ويشغل نفسه بأمور تنفعه بدلا من الكتابات الهزيلة.
٧). أن تعليق محاكمة صدام حسين الى أجل غير مسمى دون حسمها يعتبر أحد الأسباب الرئيسية في الحالة العامة التي يعيشها العراق حاليا. وان الأدارة الأمريكية متعـّمدة في ذلك من أجل العمل على أستمرار تدمير البلد الى أقصى ما يمكن وتبريرا أخرا لأستمرار بقاء قواتها في العراق ولتمكين القيادات الكردية في انهاء ترتيب الأوضاع السـكّـانية وتغيير جغرافية منطقة كركوك والمناطق التركمانية في الوقت الذي تتزايد أعداد اليهود العائدين الى العراق وأكثرهم من الأكراد حيث يقومون بشراء بيوت التركمان والعرب بأسعار خيالية كما فعلوا في فلسطين في الأربعينات من القرن الماضي. أضف الى ذلك قيام الصهاينة ببناء مراكز للتجسس في المنطقة الشمالية.
وأخيرا أناشد شخصيا جميع الخيـّرين من أبناء العراق أولا والشعوب الأسلامية والعربية وكل المنظمات الأنسانية وكل الخيرين في العالم أن يتحملوا مسئولياتهم الأنسانية والوطنية في العمل على أيقاف وأستنكار هذه المجازر الوحشية التي ترتكب ضد شعبنا العراقي في الفـلّوجة والمناطق الأخرى من العراق. واناشد كذلك جميع الزعماء المسلمين والملوك العرب وغير العرب بالخروج من صدفة الخوف على كراسي الحكم والعروش وأطلاق كلمة الحق في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان ولو لمرة واحدة في حياتهم وادانة الجرائم التي ترتكب بحق الأبرياء من شعبنا العراقي.