التورط الأمريكي الحالي في مأزق الأنتخابات العراقية القادمة
تتضمن الفلسفة البوشية الحالية بأن أعمال العنف الجارية في البلد من قبل عناصر المقاومة الوطنية (التي يسميها بوش بالمتمـّردين) منذ أذار ٢٠٠۳ هي العائق في طريق أجراء أنتخابات (ديمقراطية حـّرة) في العراق!. والأنتخابات هي مشروع أمريكي صرف تسعى الأدارة الأمريكية من خلالها أ ضفاء الشرعية الدولية المطلوبة على الحكومة المرتقبة وعلى المرشحين الدمى الذين يأمل بوش أن يصـّوت لهم العراقيين. ويعترف بوش نفسه بأن أجراءها سيكون حافلا بمخاطر جسيمة تلحق بقواته في العراق في الوقت الذي يتجاهل ولا يبالي بمخاطرها على العراقيين. . . فذلك ليس من شأنه!
ونقلا عن ما نشر في أخر عدد من مجـّلة"التايم" فالخطة الأمريكية هي لأغراء المعارضين السـنّة للمساهمة في العملية السياسية القادمة في الوقت الذي تسعى أمريكا وتستمر في القضاء على أعمال المقاومة. والخطة الأمريكية تتضمن أيضا السيطرة على ١٩ محافظة عراقية (عدا المحافظات الكردية الثلاثة: دهوك، السليمانية، وأربيل والتي هي في قبضة القيادات الكردية الموالية للأدارة الأمريكية) مصنـّفة ضمن المحافظات الرافضة أوالمقاومة (بقوة السلاح) للأحتلال - أذا كان لا بد لمواطنيها أي أمل في التصويت. وهذا يعني اجراء الأنتخابات تحت أشراف أمريكي مباشر. . . من حيث فرز الأصوات وأعلان النتائج وغيرها. . . لا تحت أشراف مراقبين دوليين مستقلين! ويعني أيضا أتيان عناصر موالية لأمريكا للواجهة ومختارة حسب ما تشتهى النفس الأمريكية وحسب مقاييسها وبمباركتها، مما يعني أفتقار النتائج للنزاهة. أضف الى مخاطر جسيمة أخرى وهي كيفية السيطرة على العملية الأنتخابية ومراكزها خوفا من التفجيرات المتوقعة في كل مركز أنتخابي في المحافظات!
من جانب أخر، وفي محاولة من بوش في أبعاد مخاطر التفجيرات وأعمال القتل والكمائن عن قواته المسلحة تعـّول الأمل على القوات المسلحة العراقية (وعددهم ١٤٥ ألف عسكري) والتي تم تدريبها على يد بعض الضباط الأمريكان لتحمـّل مسئولية الحفاظ على الأمن أثناء الأنتخابات. و من أجل ذلك تـّدعي الأدارة الأمريكية بأنها (أي تلك القوات العراقية) تتمتع الآن – وبعد التدريب الجيد لهم- بأنها تمتلك "القدرة الكاملة للسيطرة" على الموقف وذلك من أجل دفعها و زجـّها في القيام بتلك الواجبات بدلا من قواتها هي. فالأستنناج واضح بأن الخطة أذن هي حماية قواتها وأبعادهم عن شبح الموت أثناء الأنتخابات و توريط القوات المسلحة العراقية لكي تكون هي ضحايا التفجيرات بدلا من قواتها.
ثم يأتي أعترافهم بأن لا وجود للتفائل من كل هذه العملية برمتها حيث أن المقاومة سوف تطال على كل من له علاقة بقوات الأحتلال وبالحكومة المؤقتة من عراقيين وغير عراقيين. هذا في الوقت الذي يحوم قلق أمريكي كبير على الجانب الأمني للقوات المسلحة العراقية الحديثة والشك من أحتوائها على عناصر مزروعة ممن لها علاقة بالمقاومين مما يجعل العملية الأمنية غير مضمونة للجانبين! هذا في الوقت الذي يجري التحقيق حاليا لمعرفة أسرار والكيفية التي قتل بها ٤٩ من المتدربين العراقيين الشهر الماضي.
والتوقعات الخاصة بالأنتخابات القادمة التي من المزمع أجرائها في كانون ثاني ٢٠٠٥ مصحوبة بالشكوك و التزييف وفيها الكثير من التعرجات القانونية. فالمطلوب أنتخاب ٢٧٥ عضو للمجلس الوطني العراقي والذي سيقوم بتسمية رئيس مؤقت للبلد و أثنين أخرين كنـّواب له! ثم يقوم هؤلاء الثلاثة بأختيار رئيس للوزراء من بينهم، أضافة الى تشكيلة من الوزراء. والدور الرئيس للمجلس سيكون لتقديم مسـّودة دستور التي ستتضمن قوانين دائمية للنظام الديمقراطي للعراق والتي تحجب في جولة أخرى من التصويت في نهاية عام ٢٠٠٥. والدستور سوف يعرض للأستفتاء الشعبي في شهر تشرين الأول ٢٠٠٥! وفي حالة رفضه من قبل القوى السياسية العراقية المتنافسة على السلطة والمنادين بتقسيم السلطة والحقوق من بين القيادات الكردية مثلا والقيادات الدينية والحزبية فأن العملية برمتها ستعاد من جديد! أذن فالعملية مصحوبة بالكثير من البراعة السياسية والحنكة والحيل والخداع!
لذا فأن خطة بوش تتضمن محاولة سحق المقاومة الوطنية في الفلـّوجة والتي ستسهـّل بالنتيجة العملية الأنتخابية في الوقت الذي قد يؤدي ذلك الى مقاطعة الأنتخابات من قبل القوى السـّنية المتذمرة كما هو الحال الآن حيث أفتت قبل يومين هيئة علماء السنة بمقاطعتها فعلا. هذا في الوقت الذي قامت القوات الأمريكية بضرب كل من النجف، وتلعفر وسامراء وغيرها تمهيدا لتصفية كل العناصر الوطنية التي ستقف حجر عثرة في طريق الأنتخابات القادمة. أن المسئولين الأمريكان يعترفون بأن أعمال العنف من شأنها أفشال العملية الأنتخابية الى أقصى حد وتجعل الحياة صعبة للمصـّوتين العراقيين.
فالعراقيون العقلاء يدركون جيدا أن الأنتخابات هي مهزلة أمريكية وهي جديرة بالمقاطعة. لذا فهي تحاول أستخدام الأمم المتحدة لتنظيمها والأشراف عليها وعلى فرز الأصوات من أجل أضفاء هالة من المصداقية -المفقودة- عليها. لكن الأمم المتحدة لا ترغب سوى بأرسال عدد قليل جدا من خبراءها وذلك خشية على حياتهم من القتل والأختطاف. هذا في الوقت الذي يتحدى فيه رجال المقاومة العراقية شـرعية أية حكومة منتخبة مقبلة في مثل هذه الظروف الغير الطبيعية التي ستكون بالنتيجة موضع الشك.
صحيح أن العراقيين لا عهد لهم في مثل هذا النوع من الأنتخابات الحكومية أو الرئاسية سوى ما كانوا يمارسونه في السابق من التصويت –اكراها- لمرشحي الحزب الواحد أو لرئيس الدولة والمرشح الوحيد فقط وتحت الأشراف الكامل من المنظمات الحزبية نفسها!!! ولكن من المؤسف ما تكتبه بعض الصحف الغربية عن العراقيين عموما–دون تمحيص اللأسباب- بأنهم يفتقرون الى لغة السياسة ولا يفهمون سوى لغة السلاح فقط! فالعراقيون حكموا ومنذ ١٩٥٨ من قبل حكومات دكتاتورية عديدة متتالية لا تعترف بالديمقراطية ولا بالأنتخابات الحرة النزيهة كما هو الحال في البلدان الغربية المتقدمة لكي يمارسوها طوعا وبدون ضغوط خارجية أو داخلية كي يذوق طعمها ومن ثم نتائجها الأيجابية. ففكرة أجبارهم من قبل أمريكا أو بعض المنتفعين من العراقيين الذين لهم مصلحة معروفة فيها وتحت هذه الظروف القاسية التي يمر بها البلد لهي أمر خارج عن المعقول وعن التوقعات.
و يبرر بعض النقـّاد الأصرار الأمريكي على أجراء الأنتخابات في العراق من وجهة نظرهم بأنه نابع من الألتزام (الأخلاقي) لجورج بوش لتنفيذ ما وعد به العراقيين أمام العالم قبل البدأ بالعدوان! لكن للعراقيين وجهة نظر أخرى لا لفكرة الأنتخابات نفسها، بل للنتائج الغير العادلة والمعروفة للعيان والتي ستكون كارثة على الشعب العراقي فيما بعد. فالظروف الأمنية الغير الطبيعية التي ستجرى فيها الأنتخابات، الوضع السياسي الحالي وأستغلال بعض الشخصيات العراقية العميلة والأحزاب الحليفة لأمريكا الفرصة فيها للقفز للسلطة وتهاتف القوى الكردية على أقتناص حصة الأسد من الحكم و فرض التقسيم (والفيدرالية) المطروحة، أضف الى أمكانية تهميش دور التركمان الذين هم أحد المكـّونات الأساسية للشعب العراقي وأستثناء قواهم السياسية من السلطة كما حصل في تشكيلة مجلس الحكم الأنتقالي العام الماضي أمور حتمية و لا شك فيها. في مثل هذه الظروف التي سيغيب فيها العدل والأنصاف ستهضم حقوق الكثيرين من القوى السياسية الأخرى التي لها ثقلها على الساحة العراقية وهي الشيعة والأحزاب الأسلامية السـّنية ودعاة الملكية الدستورية والمستقلين وغيرهم.
أن أدارة بوش تعرف جيدا حجم الورطة التي هي فيها والتي لم تكن في حسبانهم، ويرى أن كل من لم يهلهل له ولقواته المحتلة فهو عدو لديمقراطيته. ومن أجل الخروج منها ومن أجل فرض الأمر الواقع فأن جورج بوش لا يتردد في أبادة جميع العراقيين –أذا تطـّلب الأمر- وتدمير قواهم السياسية وقواهم الوطنية الرافضة لوجود قواته في البلد وترى أن في تصفيتهم أمل في فرض الأرادة الأمريكية عليهم وتركيعهم واذلالهم. ومن المؤسف جدا أن نرى قيام بعض الجهات العراقية والمرتبطة بأمريكا ممن لهم منافع سياسية معروفة بأستغلال مثل هذه الظروف كفرصة ذهبية لتصفية الحسابات القديمة و لغايات اخرى في أنفسهم وتوريط أنفسهم في عمليات أنتقامية ضد العراقيين.
أنا لست مدافعا هنا عن جهة أو جهات معـّينة، بل أدافع عن الحق وأعني كافة شرائح الشعب الذين أصبحوا ضحايا لمخططات الصهيونية العالمية و لديمقراطية بوش. والعراقيون ليسوا بحاجة الى "ديمقراطية حمراء" كلون دمائهم التي تسفك كل يوم على مذبحها. وأرى أن حكومة علاّوي أولا ثم بعض الأنتهازيين المتحالفين مع أدارة بوش مسئولون مسئولية كاملة أمام الله عز وجل وأمام العالم وأمام الشعب العراقي عن كل قطرة دم سقطت وعن كل شهيد أو جريح سقط في ملاحم و مجازر الفلـّوجة وتلعفر وسامراء والنجف وغيرها من المدن العراقية الطاهرة التي دنـّست بأقدام المحتلين وأزهقت فيها الأرواح البريئة أكراما لأمريكا ولجورج بوش.