يتطلـّع العراقيون الى الأنتخابات القادمة التي ستجرى في نهاية يناير ۲٠٠٥ ولنتائجها وهم بين متفائل بغـد مشرق أفضل لوطنهم وبين متشائم – سلفا- بنتائجها ببقاء الرموز الحاليين في مواقعهم دون تغيير والخشية من أستمرارية الوضع الأمني المتدهور وبين جاهل حتى عن تفاصيلها وأليتها. وهنالك من يرفض الأنتخابات جملة وتفصيلا لأسباب معروفة للجميع. والأحزاب العراقية (التي يتجاوز عددها الـ ٢٠٠) مشغولة بالأتلافات والتكتلات أو التجمعات الحزبية وأستقطاب الأحزاب الصغيرة من أجل كسب أصوات أفرادها وأنزال قوائم موّحدة فيما بينها لضمان الفوز (فقط) دون أطلاعنا عن دعاياتهم الأنتخابية. ومازلنا لم نسمع –نحن كعراقيين- عن شعارات الأحزاب أو التكتلات ولا عن بياناتها الرسمية الخاصة بالأهداف أو وجهات نظر قادتها ولا عن خططهم المستقبلية لعراق الغد –كما هو الحال في الدول المتقدمة- لكي نبلور موقفنا منها ونقرر للتصويت لهذا الأئتلاف أم ذاك!! وكل ما نسمع به هوأنّ قائمة المرشحين تضم ۲٠ جماعة وحركة وحزبا سياسيا، شيعية وسنيّة واكرادا وتركمانا وكلدوأشوريين سيتنافس أصحابها على ۲٧٥ مقعدا في الجمعية الوطنية العراقية الانتقالية.
أنا كعراقي مسـتقل مقيم في الخارج يهمني - قبل كل شيء- وحدة الشعب العراقي و مستقبل البلد وتطوره وأستقراره وأمنه وخروجه من حالة الأقتتال المستمرة - ولست ضد مبدأ الأنتخابات في العراق أن كانت نزيهة و نتائجها عادلة تضمن الأمن الوطني وترضي جميع شرائح الشعب العراقي دون هضم حقوق البعض ودون هيمنة طرف على أخر. ولكن هنالك مؤشرات عديدة تؤكد أنها مشروع أمريكي صرف يدّعي جورج بوش بأنها جزء من (وعوده) لعراق "ما بعد صدام". وهنالك أطراف أقليمية حليفة للغرب وللصهيونية وقوى دولية خارجية لا تخفي نواياها العنصرية والأنفصالية وتفرض أرادتها بشكل عـلني وبدون تردد وتتدخل في ترتيب البيت العراقي المستقبلي من أجل مصالحها الخاصة. والأدارة الأمريكية ليست غافلة عنها بل تحابي هذا وذاك وتتجاوب أيجابيا مع بعض الجهات حيث تسعى أدارة بوش من خلال الأنتخابات أضفاء حالة من الشرعية الدولية المطلوبة على الحكومة العراقية المرتقبة التي هندست خطوطها مسبقا في الكواليس وعليه فأن نتائجها تنبئ بالحسم سلفا لصالح من تريدهم أمريكا في السلطة وليس من يصـّوت لهم الشعب. وهنالك أدلة على أنّ الرموز العراقية المزكاة من قبل الأدارة الأمريكية سيثبتون على الساحة السياسية في العراق أن صـّوت لهم العراقيون أم لا.
فبسبب الوضع الأمني الحالي للبلد والمخاطرالجسيمة الأخرى التي ترافقه وهي كيفية السيطرة على العملية الأنتخابية ومراكزها خوفا من التفجيرات المتوقعة في كل مركز أنتخابي في المحافظات! وبسبب الهيمنة الأمريكية على الوضع العام فأن التوقعات الخاصة بنتائج الأنتخابات مصحوبة بالشكوك والتزييف وفيها الكثير من التعرجات القانونية التي قد تقود الى نتائج غير نزيهة لأنتخابات ستدار من قبل عناصر (مستقلة) من قبل الأمم المتحدة لكنـّهم معـّيننين من قبل الأدارة الأمريكية كأداريين وكشهود عيان لتنظيمها والأشراف المباشر عليها وعلى فرز الأصوات وأعلان النتائج! .. لذا والحالة هذه فأن العملية الأنتخابية تحوي الكثير من الذكاء والفطنة والحيل والوعود والأكاذيب والمفاجئات وقد يكون في نتائجها الكثير من الخذلان وهضم الحقوق والأستخفاف بالبعض و...و...! .
وأود الحديث هنا –بأختصار- عن ألية العملية الأنتخابية، ومن ثم التركيز على الأحزاب التركمانية وموقفها من الأنتخابات ومستقبلها في "عراق ما بعد صدام".
فالأنتخابات العراقية القادمة ستقوم على مبدأ التناسب في التمثيل أي على أساس مجموع أصوات الناخبين لصالح هذا الأئتلاف أو ذاك ومن ثم حساب النسبة المئوية. ثم تقوم اللجنة المشرفة (المفوضية العليا الأنتخابات) بفرز الأصوات وأعلان النتائج . وعلى أساس مبدأ النسبة المئوية (المحاصصة) ستوزع المقاعد الخاصة بالبرلمان (أعضاء البرلمان) على التجمعات. وسيحصل كل تجمع على عدد معين من مقاعد البرلمان استنادا على مجموع النسبة المئوية التي حصلت عليها لأملاء ۲٧٥ مقعد للمجلس الوطني. ثم يلي ذلك أختيار ثلاثة شخصيات يكون أحدهم رئيسا للبلد وأثنان من النوّاب. ثم يتم أختيار وزراء من ضمن بقية المنتخبين على أسس غير واضحة لحد الآن للشعب ولا حتى على الأحزاب والتكتلات نفسها!
وفيما يخص الأحزاب التركمانية المشاركة في الأنتخابات فالصورة تبدو كالآتي:
- أن عدد ألأحزاب التركمانية ضمن تشكيلة الجبهة التركمانية هو خمسة أحزاب تحمل جميعا الطابع السـّني وهي أحزاب وطنية لها شعبية كبيرة ضمن الأوساط التركمانية في الداخل وفي الخارج... أضافة الى "الأتحاد الأسلامي لتركمان العراق" و "حركة الوفاء التركماني" وهما حزبان تركمانيان شيعيان بينهما وبين الجبهة التركمانية وشائج الأحترام والتفاهم والتنسيق ويشاركان ضمن قائمة المرجعية الشيعية و يرتبطان بالأحزاب الشيعية من جهة أخرى.
أضافة الى ما سبق فهنالك حزبان تركمانيان أخران حديثان وغير معروفان أحدهما " رابطة العشائر التركمانية" وهما يفتقران للشعبية في الأوساط التركمانية تم أنشائهما في أطراف الموصل. وهنالك حزبين أخرين (أو أكثر حسب علمي) يدّعي (قادتها) - وهم يتكلمون بلسان كردي فصيح بدلا من التركمانية- بأنها أحزاب تركمانية!!! ولكن الحقيقة أنها أحزاب كردية كارتونية تفتقر - بعكس الأحزاب السبعة الأولى- للمصداقية و للقاعدة الشعبية. وهي من صنع القيادات الكردية ستشارك بشكل أو بأخر في الأنتخابات ضمن القيادات الكردية. وهدف الأخيرة من أنشاءها وعن خلفية وماهية قيادييها وعلاقاتهم بالحزبين الكرديين الرئيسيين فهو غير خاف على العراقيين ولا على التركمان الذين لا يعترفون بها.
- والأحزاب التركمانية السـنّية متردّدة في موقفها بين راغب بالمشاركة وبين رافض لها. فأما الأول فهم على أمل بأن المشاركة قد تأتي بنفع لهم بالحصول على بضعة مقاعد على أقل تقدير بدلا من الرفض والحصول على لا شيء! فهؤلاء يسعون لمنح أصواتهم الى الأحزاب الكبيرة من خلال الأئتلافات... أن لم تكن تلك الأحزاب تحاول هي نفسها شراء أصوات التركمان مقابل وعود بنمحهم بعض المقاعد. أما الرافضين قطعيا للمشاركة فهم على أعتقاد جازم بأنهم سوف يخرجوا منها خالي الوفاض ومن دون الحصول على شيء.
- لسبب غير معروف لي شخصيا فأن الأحزاب التركمانية السـّنية لا ترغب خوض الأنتخابات في قائمة واحدة فقط! وقد يكون السبب كامن في ضعف الثقة بالنفس والخشية من الخسارة والندم (ومن ثم الخروج من المولد بلا حمـّص)! حيث وللأسف عانى التركمان ومنذ نشوء الدولة العراقية في ١٩٢١ الأضطهاد والجور والتشتيت في العراق ضمن السياسات العنصرية البغيضة للأنظمة البائدة التي زعزعت كيانهم وأذابت الكثير منهم مع الأقوام الأخرى وبعثرت وجودهم وهدّدت هويتهم القومية داخل العراق. فهم غير متوحدي الصفوف وغير معبئين و مازالوا متبعثرين هنا وهنالك من العراق دون أن يكون لهم تنظيم موّحد أو صوت موّحد يضمهم ويوجههم نحو هدف معيـّن. وأكثرهم يفضل العزوف عن أي عمل له علاقة بالسياسة حيث أنّ الخوف من المجهول مازال يلازم البعض وخصوصا من هم في داخل العراق..
وكنتيجة لكل هذا وذاك فأن منهم – وللأسف - من نكر تركمانيته أو مازال ينكرها ويتجاهلها. فمنهم من عـرّب نفسه تماما امّا طوعا للتخلـّص من (عقدة الطورانية) التي مازالت تلاحقه كما هو الحال لبعض التركمان الذين يقطنون بغداد وضواحيها أو أنصهر عربا نتيجة التزاوج من العرب أو عـّرب قسرا بسبب سياسة الحكومات العنصرية... أو تم تكريده ضمن السياسة العنصرية للقيادات الكردية كما هو الحال لتركمان محافظة أربيل وضواحيها مثلا. وكانت هذه جميعا سببا في ذوبان التركمان (الذين يزيد عددهم عن ۳ ملايين نسمة) وتناقصهم بمرور الزمن... اضف الى أسباب أخرى تم تناولها في مقالات سابقة. وكتحصيل حاصل تركت الأنظمة المتعاقبة بصمات سوداء على مختلف جوانب حياة التركمان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واصبح الواقع التركماني ينوء بثقل الآثار السلبية لسياسات الأنظامة التعسفية والتمييزية اللا أنسانية. و لا بد هنا التأكيد بأن الغرب وعلى رأسها الأدارة الأمريكية لا تحفل بالتركمان ولا تريد التحدث عنهم بل تحاول دائما تجاهلهم قدر الأمكان في مناسبات عديدة ولأسباب ذكرتها سابقا أهمها مواقفهم الوطنية النبيلة وتلازمهمً المصيريً الوثيقً بين مهماتهم الخاصة في الإطار التركماني ومسؤولياتهم الوطنية في الدفاع عن العراق، والحرص على استقلاله السياسي وصيانة وحدة أرضه وشعبه والمشاركة في أعماره وبنائه جنباً الى جنب مع سائر المكونات الوطنية للشعب العراقي. وتطـّلعاتهم الوطنية هذه ورفضهم لتفكيك البلد وتقسيمه لا تتماشى مع الأهداف الأمريكية الصهيونية.
- والأتحاد الأسلامي لتركمان العراق (وهو مدعوم من قبل الأحزاب الشيعية) نشيط هذه الأيام و عازم على خوض الأنتخابات ويتحرك الآن في الأوساط التركمانية في خارج العراق وداخله بغية تشجيع الشعب التركماني للمشاركة في الأنتخابات لا كحزب مستقل بل بأتلاف مع الأحزاب الشيعية لمنح أصواتهم لها مقابل بعض الوعود من قبل تلك الأحزاب للتركمان فيما بعد.
أن أندماج الأحزاب التركمانية مع غيرها من الأحزاب والتكتلات الكبيرة يحمل كلا من الأيجابيات والسلبيات معا و من الضرورة التفكير بها بعمق قبل خوض الأنتخابات أن كان لا بد منها. أما أيجابياته الوحيدة فهي ضمان الحصول على دعم سياسي مستقبلا تتمثل في بضعة مقاعد على الأقـل بدلا من لا شيء . هذا في حالة ايفاء تلك الأحزاب والتكتلات (مع أحترامي لها) بوعودها للتركمان عند الفوز.
أما سلبياتها فهي كثيرة منها:-
١). غياب الصوت التركماني كقوة سياسية وطنية مستقلة لها وزنها على الساحة السياسية العراقية.
۲). أشارة واضحة الى أستخفافنا بهويتنا القومية بأيدينا وألغاء كيان شعب قائم بحد ذاته ويكـّون القومية الثالثة في العراق.
٣). دليل على الذوبان والضعف السياسي والخوف من المستقبل المجهول.
٤). زيادة عدد أصوات تلك التكتلات على حساب الشعب التركماني من خلال مساعدتها بالفوز ومن ثم زيادة نسبة تمثيلها في البرلمان. وهنا أعني الناخبين من الشعب التركماني في كل من محافظات كركوك وديالى وأربيل والموصل وأطرافها والحذر من الوقوع في مصيدة التصويت للأحزاب الكارتونية أو لصالح الأحزاب الكردية. وكذلك الحال بالنسبة للتركمان القاطنين في بغداد وضواحيها.
٥). ضياع الأصوات التركمانية وأستحالة فرزها ضمن مئات الآلاف من الأصوات المشاركة من أجل حساب التناسب الاّ في حالة الأتفاق على بند في ورقة التصويت يشير الى القومية التركمانية للناخب أو على شفرة خاصة بها. وهذه مسألة في غاية الأهمية وفيها الكثير من الأخذ والرد لذا فأن الحق التركماني قد يهدر بكل بساطة أن لم يكن هنالك تعهد رسمي من الطرف الآخر بما يضمن الحق للناخبين التركمان.
فالمطلوب من القوى التركمانية في الوقت الحاضر التفكير الجاد والعمل اللازم من أجل فرض النفس والمشاركة النسبية في اجهزة الحكم والسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والوظائف الاساسية وبشكل يتناسب مع كثافتنا السكانية الحقيقية. وكذلك العمل من اجل ان يتضمن دستور العراق الدائم الاعتراف الكامل والصريح بجزئية التركمان من الشعب العراقي (وليس كأقلية حيث يمثل التركمان أكثر من ١٥٪ منه) الى جانب العرب والكرد والكلدوأشوريين والاقرار باننا القومية الثالثة في تركيبة الشعب العراقي وان يدافع هذا الدستورعن حقوقنا ومواطنيتنا بلا نقصان او تمييز. وكذلك الأصرار على اصدار القوانين والتشريعات التي تحمي خصوصية المجتمع التركماني وحماية حقوقه في العراق بشكل عام وفي المناطق التركمانية ومنع التجاوزات الأستيطانية ومنع أستباحة الأراضي التركمانية من قبل القوى الكردية وخصوصا في مدينة كركوك التركمانية لتغيير ديوغرافيتها بحجة حرية التملك والبناء. ولقد ان الأوان للحفاظ على المجتمع التركماني من الزيغ والتشتيت والانتشار والضلال والاستغلال العنصري المقيت. ولابد من العمل المنـّظم لتعبئة طاقات التركمان وتوجيهها نحو تحقيق الذات وفرضها على الحياة العامة كعنصر فعـّال لبناء البلد الوحد. وان على الحكومة العراقية المرتقبة أن تتحمل مسؤلية رعاية الحريات وضمان الحقوق العامة للمواطنين التركمان وغيرهم من سائر افراد الشعب العراقي والمنصوص عليها في الوثائق الدولية الخاصة بحقوق الأنسان أن كانوا فعلا يفهمون معنى الديمقراطية لتطبيقها كما يجب.
لذا فأني أرى أن أثبات الذات التركمانية على الساحة العراقية كـقّوة وطنية قد لا يتم من خلال الأندماج مع التكتلات الحزبية والتجمعات السياسية الكبيرة كمؤيدين والتصويت لصالحها مقابل وعود مستقبلية بمنح مقاعد معينة للتركمان ( والتي قد لا تدوم بعد فوزها ووصولها للسلطة). هذه ليست نظرة تشائم و لا بموقف سلبي ... ولكن الحالة العامة وتجاربنا السابقة مع الحكومات تشير الى هذا الأستنتاج ، حيث كان التركمان دوما ضحية لوعود الحكومات والأحزاب ولـقمة مستساغة بأيديها في وقت هدرت حقوقهم في وضح النهار وبدون حق ومن دون أن يكون لهم ضمان لمستقبلهم في بلدهم -الذي عاشوا فيه منذ ظهور الأسلام - ومن دون دعم خارجي للدفاع عنهم.
فالرأي الأرجح أما أن " نكون " بالأعتماد على أنفسنا فقط حيث فينا الكثير من الأمكانيات المادية والعقول الواعية والكوادر المثقفة والوطنية والقيادات الكفوءة وتأريخ حافل بالأمجاد لفرض ذاتنا كتركمان. وهذا يتطلب الكثير من المثابرة والعمل الوطني وتعبئة الطاقات وتوحيد الكلمة ولم شمل التركمان وتوجيههم. أو أن " لا نكون " عندئذ علينا مراجعة حساباتنا و النضال من أجل أعادة تنظيمنا وتعبئة الشعب التركماني جميعا لكي نقـوم ثانية...وعندئذ علينا ترك هذه المسئولية لأجيالنا القادمة ليقوموا بها.